Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"القاتل الصامت" يزهق أرواح المغاربة

أجهزة الاستحمام بالغاز تتسبب في وفيات فردية وجماعية متكررة بأنحاء البلاد

زيادة عدد ضحايا سخانات الغاز في المغرب   (أ ف ب)

تواصل أجهزة وآلات تسخين الماء بالغاز الخاصة بالاستحمام إزهاق أرواح المواطنين في المغرب خصوصاً خلال فصل الشتاء والبرد، حيث يلجأ المغاربة إلى وسائل التدفئة والاغتسال بالماء الساخن. ولا يكاد يمر أسبوع من دون نشر خبر مقتل شخص وأحياناً أفراد في أسرة واحدة بسب تسرب الغاز من هذه الأجهزة وحصول تسممات بأول أكسيد الكربون.

وبات المغاربة يسمون جهاز تسخين المياه بالغاز بغرض الاستحمام "القاتل الصامت" بالنظر إلى كثرة ضحاياه الذين يسقطون نتيجة الجودة التقنية الضعيفة لهذه الآلات، أو جراء وضعها في أماكن لا تحظى بالتهوية الكافية، فضلاً عن أخطاء في تركيب هذه الأجهزة التي يستعملها المغاربة بكثافة في فصل الشتاء.

أرقام وإحصاءات

وتفيد معطيات المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية (مؤسسة عمومية تابعة لوزارة الصحة المغربية) بأنه خلال 2021 بلغت تسممات أحادي أكسيد الكربون 250 حالة، وهو ما جعل التسممات بسبب أجهزة تسخين المياه للاستحمام في الرتبة الثالثة ضمن قائمة التسممات الخطرة المفضية إلى الموت.

ووفق مركز محاربة التسمم، فإن التسمم بأول أكسيد الكربون عبر مثل هذه الأجهزة يعد أحد أشكال التسمم القاتل الأكثر انتشاراً في المغرب بنسبة 22.7 في المئة من مجموع حالات التسمم المسجلة التي وردت إلى المركز، بينما يأتي التسمم بسبب المخدرات في الرتبة الأولى بـ25 في المئة، والتسمم الغذائي بـ23 في المئة.

ووفق المصدر ذاته، فإن حالات الوفاة والتسممات والإصابات التي تقع بسبب غاز أول أكسيد الكربون الناجم عن أجهزة السخانات التي تعمل بغاز البوتان، تكثر في فترة البرد (كما هو حاصل هذه الأيام)، مبرزاً أن هناك أسباباً تتمثل في قلة التهوية بالمنازل، حيث يتم إغلاق الأبواب والنوافذ لتدفئة الحمام، أو استخدام معدات معيبة أو مثبتة بشكل غير صحيح.

وعلى رغم عدم وجود أرقام رسمية بخصوص عدد ضحايا "القاتل الصامت" في المغرب، فإن إحصاء أجرته "اندبندنت عربية" كشف عن أنه خلال سنة 2022 بلغ عدد حالات الوفيات بسبب هذه الأجهزة التي تعمل بالغاز أكثر من 34 وفاة، استناداً إلى ما نشر بهذا الشأن في وسائل إعلام محلية، علماً بأن هناك حالات وفيات عديدة لم تصل إلى علم الصحافة.

وفيات جماعية

واللافت في هذ النوع من الوفيات خلال العامين الماضيين أنها تكون جماعية، إذ يتوفى عدد من أفراد الأسرة دفعة واحدة بسبب استنشاق كل من في البيت الغاز السام أول أكسيد الكربون، وهو ما حصل في طنجة مثلاً بخمس ضحايا دفعة واحدة، وفي مدينة سلا بخمس ضحايا أيضاً، ومدينة المحمدية بأربع ضحايا.

وانطلقت السنة الجديدة 2023 في المغرب بفاجعة قبل أيام خلت بمصرع ثلاثة أطفال من أسرة واحدة بمدينة بن جرير، جراء الاختناق بسبب استنشاق الغاز المميت أول أكسيد الكربون، الناجم عن جهاز لتسخين الماء، فيما نجا الأب والأم من الموت بأعجوبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقبل هذه الحادثة التي هزت مدينة بن جرير بالنظر إلى صغر سن الضحايا (سنتان وثماني سنوات وتسع سنوات)، عثر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي على جثث أربعة أشخاص من أسرة واحدة داخل منزل بمدينة طنجة توفوا جميعاً بسبب تسرب الغاز.

وقبل هذه الحادثة يتذكر سكان حي مولاي إسماعيل بمدينة سلا حادثة مفجعة أخرى تمثلت في مصرع أفراد أسرة بكاملها، وعددهم خمسة أشخاص، بسبب تسرب الغاز في المنزل، الشيء الذي أدى إلى تعرضهم للتسمم والاختناق ليسقطوا صرعى دفعة واحدة.

حقيقة الغاز القاتل

وفي هذا السياق يوضح الباحث في السياسات الصحية الطيب حمضي لـ"اندبندنت عربية"، أن أجهزة سخان الماء للاستحمام لا تقتل عن طريق تسرب غاز البوتان، لأن هذا الغاز يتسم برائحة نفاذة معينة تسمح للشخص أن ينتبه إليه ويتدارك الوضع. وأضاف أن خطورة تسرب غاز البوتان تكمن عندما تكون الغرفة مغلقة أو البيت غير معرض للتهوية، فعندما يتم إيقاد نار أو إشعال أزرار الكهرباء قد تتسبب الشرارة في حريق أو ما شابه ذلك.

ووفق حمضي، فإن ما يحدث أن الشخص يستحم في مكان مغلق ضعيف التهوية من دون نوافذ، من أجل توفير دفء أكبر، فيستهلك جهاز تسخين الماء الأوكسجين الموجود في المكان، فتقع عملية احتراق ناجمة عن غاز الأوكسجين، ويفرز غاز أحادي أكسيد الكربون، الذي يتسم بكونه عديم الرائحة.

يتابع "هذا الغاز تحديداً لا يشعر به الشخص أو الأشخاص الذين يستحمون أو حتى الحاضرون في البيت، فينتشر في أرجاء المكان، ويتسبب في نوع من شلل العضلات، إذ لا يقوى الإنسان على التحرك أو إبداء رد فعل، مما يفسر عدم القدرة على إنقاذ نفسه بفتح منافذ للتهوية وغير ذلك.

ووفق حمضي، يتعين أن يكون جهاز تسخين الماء بالغاز في مكان يتسم بالتهوية الكاملة مثل الشرفة، أو قرب النوافذ، وأن يكون حجم سعته كبيراً، وألا يستحم أفراد الأسرة دفعة واحدة أو تباعاً، فضلاً عن شروط الجودة والأمان التي يجب أن تتوافر في الجهاز.

التصميم المعماري

من جهته لفت رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك بوعزة الخراطي، إلى أن أحد أبرز أسباب فواجع "القاتل الصامت يتمثل في ما سماه (التصميم المعماري) لعديد من الشقق في العمارات السكنية المخصصة للفئات الفقيرة وذات الدخل المحدود، وهي المساكن التي تسمى في المغرب بـ(الشقق الاقتصادية."(

يضيف الخراطي، في تصريح خاص، أن التقشف المالي في توفير "السكن الاقتصادي" يجعل بعض المستثمرين العقاريين يفضلون وضع جهاز السخان داخل الحمام أو في المطبخ، أي داخل الشقة بدلاً من أن يكون خارجها، الشيء الذي يخلق مشكلات وحوادث وفواجع إنسانية عدة.

 

 

وأضاف الخراطي عاملاً آخر يتسبب في هذه الحوادث المترادفة، يتمثل في اختيار السخان نفسه، فعلى رغم جهود وزارة الصناعة والتجارة بإلزامية "علامة C" أي مطابق للمعايير، لا تزال السوق المغربية تعرف تجارة السخانات المستوردة من طرف الجالية المغربية في مختلف بلدان العالم، علاوة على رواج تجارة الأجهزة المستعملة.

وزاد عاملاً ثالثاً رئيساً يتمثل في اليد العاملة، وتحديداً مهني الرصاص (السباك) الذي يلعب دوراً مهماً في التوجيه لاقتناء الجهاز، وكذلك المسؤولية في السلامة، ثم تأتي مسؤولية المستهلك الذي يتعين عليه معرفة طريقة استعمال جهاز تسخين الماء.

تحذيرات رسمية

يشار إلى أنه سبق لوزارتي الداخلية والصناعة والتجارة بالمغرب أن نبهتا في بلاغ سابق المواطنين إلى ضرورة الاحتياط والحذر عند استعمال سخانات الماء، من أجل "تفادي حالات التسمم بغاز أحادي أكسيد الكربون، وذلك من خلال احترام ضوابط تركيب واستعمال هذه الأجهزة."

وأورد الخراطي أن غياب التهوية المتواصلة بالأوكسجين وعدم توجيه الغاز المحترق نحو الخارج عبر قنوات ملائمة هما السببان الرئيسان وراء تسجيل حوادث التسمم والوفيات جراء استعمال أجهزة تسخين الماء.

وأوصت الوزارتان بضرورة الاطلاع على الإرشادات التقنية الخاصة بالجهاز قبل تركيبه، والإرشادات الخاصة بالتشغيل، وتكليف تقني مهني مؤهل بعملية التركيب، وعدم تثبيت سخان الماء في مكان مغلق يفتقر إلى التهوية، وتركيب قنوات لتوجيه الغاز المحترق نحو الخارج.

من جهته شدد المركز المغربي لمحاربة التسمم على أهمية "التأكد أن الآلات المستعملة تحترم علامات الجودة والسلامة، ثم الالتزام بصيانتها مرة في السنة من طرف متخصص، وكذا تجنب وضع سخان الماء في الحمام أو مكان ضيق، والحرص على وضع أسطوانة الغاز في منطقة تحدث بها التهوية، وعلى تهوية المكان فوراً بفتح الأبواب والنوافذ في حالة وقوع تسمم، وتوقيف مصدر انبعاث الغاز، وإخراج من يوجدون بالداخل مع الاتصال بالمركز لتقديم النجدة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي