Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"على وشك الحياة" مسرحية القهر السوري منذ النكسة حتى الان

ممثل وحيد يخوض حواراً على الخشبة مع أصوات لشخصيات خفية تدفعه إلى الجنون

من أجواء المسرحية السورية "على وشك الحياة" (خدمة الفرقة)

لطالما شكلت عروض المونودراما في المسرح السوري هاجساً للدفاع عن المسرح كفن فردي أقرب إلى الرسم والكتابة والنحت، منه إلى صيغة عروض الأداء الجماعية، فمسرحية الممثل الواحد تعد من أكثر أنواع المسرح صعوبةً على صعيد الكتابة والإخراج والأداء على حد سواء. هكذا جاء عرض "على وشك الحياة" ضمن هذا السياق احتفالاً باليوم العربي للمسرح الذي تقيمه "الهيئة العربية للمسرح"، وضمن عدة عروض تقدمها "مديرية المسارح والموسيقى" في هذه المناسبة في كل من حمص وحماة وحلب، إضافة لدمشق والسويداء وطرطوس والحسكة واللاذقية.

تأتي مونودراما "على وشك الحياة" لمؤلفها محمد أنمار حجازي ومخرجها محمد مروان إدلبي بمثابة تحد على كل هذه المستويات، لا سيما بالشراكة الفنية التي عقدها حجازي وإدلبي مع الممثل محمد الشيخ، الذي حاول هو الآخر استنفار أدواته جميعها للتعويض بالـ"مونولوغ" عن غياب الحوار في مثل هذه العروض، فكان الخيار الإخراجي أولاً بالتعامل مع مسألة "المُخاطَب الغائب" في مسرحيات الممثل الواحد، وإيجاد حلول فنية قادرة على إبعاد صورة الممثل الذي يتحدث مع نفسه، وذلك بإضافة أصوات لشخصيات مجهولة أدارت ما يشبه صراعاً خفياً مع بطل العرض، وأتت هذه الأصوات في البداية على هيئة تنبوءات توقعت موت البطل، جراء طوفان أو زلزال أو حرب عالمية ثالثة.

 

 

يروي عرض "على وشك الحياة" حكاية إنسان بسيط لا نعرف له اسماً ولد في مدينة حلب عام 1967، لتكون هزيمة (حزيران) وصمة عار جاهزة على جبين طفل ولد للتو تحت أصوات القصف والمدافع وهدير الطائرات، تظل هذه الوصمة لصيقةً به وبولديه اللذين سوف يفقدهما في ما بعد في الحرب السورية الراهنة، فالابن الأول يقضي على جبهات القتال، وأما الابن الثاني فيبتلعه البحر أثناء هروبه على متن قارب مطاطي، لينتهي العرض بصرخة حفيد أحد الولدين، مبشراً بحياة جديدة على رغم الموت والدمار الذي ألم بعاصمة الشمال السوري وأحيائها العريقة.

حصار الأصوات

وعلى مدار ساعة من الزمن خاض الممثل محمد الشيخ صراعاً مع أصوات حاصرته، ومن كل جهات مسرح القباني أشار الإخراج إلى مصدر هذه الأصوات باهتزازات الإضاءة (بسام حميدي) وومضاتها الخاطفة عبر كواليس جانبية عن يمين ويسار، لتندفع من هذه الكواليس صرخات ذات نبرة متعالية انقضت على بطل العرض، ومن ثم أرغمته على المضي في سرد ما حدث له على امتداد أكثر من زمان ومكان. وهي محاولة لجعل قصة هذا البطل بمثابة سيرة للإنسان العربي الذي دفع عمره أثماناً لحروب غيره، وبذل حياته وحياة أبنائه وأحفاده، كرمى لتحقيق تنبؤ الأصوات المجهولة التي تحاصره وتملي عليه أقداره جيلاً بعد جيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا تنتهي أحداث العرض حتى تعود وتبدأ مجدداً مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وإعلان الدولة العثمانية للنفير العام (سفر برلك) كدعوة لالتحاق الشباب ما بين سن 18 و45 سنة بالجندية الإجبارية، الفرمان الذي أطلقه السلطان محمد رشاد عام 1914 اتخذه مؤلف العرض كسياق لما تلاه من إعدامات لرجالات الفكر والصحافة والسياسة في دمشق وبيروت على يد جمال باشا السفاح عام 1916.  

 

 

تتصاعد الأحداث وتعود الأصوات ذات النبرة التحذيرية الخطرة لدفع بطل العرض إلى رواية وقائع تاريخية عن استقلال سوريا عام 1946، وصولاً إلى حرب العقد الثاني من الألفية الثالثة، وهنا نتعرف أكثر فأكثر إلى مكابدات داخلية جسدها محمد الشيخ في ذهابه وإيابه على الخشبة مرات ومرات دونما مبرر، فيما استعان بمجسمين لقبري ابنيه المتوفيين في الحرب، إذ باتت المقبرة أخيراً  تقليداً شبه دائم في تصميم عديد من ديكورات العروض المسرحية السورية، وهذا ما كان الجمهور قد شاهده مراراً وتكراراً في عروض من قبيل "وجوه أحن لرؤيتها" للمخرج إسماعيل خلف، ومسرحية "آخر الرايات" للمخرج تمام العواني.                 

بين المونولوغ والدراما

بالمقابل لم يفرق القائمون على مسرحية "على وشك الحياة" بين الـ"مونولوغ" والمونودراما، فشتان بين "مونولوغ" يلقى في مسرحية على لسان ممثل أو ممثلة بينما الشخصيات الأخرى في العرض تكون صامتة، وبين عرض المونودراما الذي يستأهل تقنيات إخراجية وأدائية مختلفة ومركبة، إضافة إلى حاجة الكاتب إلى خبرات كثيفة في علم النفس كي يتمكن من تأليفها، بحيث يسيطر الصراع الداخلي بين الشخصية وذاتها على بقية الصراعات الرائجة في العروض الجماعية، سواء كان صراعاً أفقياً بين الشخصيات، أو صراعاً عمودياً مع قوى الغيب والطبيعة، وهذا ما جعل "على وشك الحياة" يبدو أقرب إلى عروض السولو-(solo) أو المان وان شو (one man show) منه إلى مونودراما صريحة ومكتملة فنياً، فقد اكتفى الإخراج بالمباشرة الفنية، وجعل الممثل يهبط عن الخشبة إلى الصالة لتوجيه ما يشبه مواعظ للمتلقي، بعد تشغيل كشافات الإضاءة العامة على كراسي الجمهور. وربما جاء هذا كتقليد قديم جديد لمحاولة كسر "الجدار الرابع" للفرجة. لكن ما حدث هنا جعل الممثل ينهال على المتفرجين بخطابات لم يكن لها مبرر درامي، لا سيما أن هذا السلوك قد تكرر مرتين إلى ثلاث مرات أثناء فترة العرض من دون طائل، بل أسهم إلى حد بعيد في زيادة الشحنات الانفعالية للممثل، الذي قدم على رغم ذلك، لحظات معقولة على مستوى مصداقية الأداء، لا سيما في مشاهد فقدان الأب لولديه واحداً تلو الآخر.

 

 

إن الالتباس الحاصل بين ممثل المونودراما والحكواتي جعل النص يذهب نحو ما يشبه بيانات يرددها ممثل "على وشك الحياة"، وكأنه يلقي قصيدة في أمسية أدبية، وقد أسهمت شعرية عديد من العبارات في النص المكتوب، في فقدان خصوصية درامية للأحداث، فلا صوت إلا صوت الشخصية التي وقعت في فخ الميلودراما (المأسوية) في محاولة لاستجداء عواطف الجمهور، ودفعه إلى التأثر أكثر بما يقال من خلال استحضار مآس وطنية وشخصية في آن. إضافة إلى محاولة تكديس انفعالات عاطفية عبر سرد لا ينتهي، لهموم قضايا كبرى كالأمة والوطن إلى جانب طهرانية مفتعلة عن رفض الحب الحرام، والاكتفاء بإيحاءات انتقادية للزيف الاجتماعي العام.

  

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة