Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأفغانيات... تاريخ من النضال قاده الملوك وأجهضته "التقاليد"

حكاية قرن من المد والجزر بين تمكين المرأة وتهميشها في البلد المنكوب

صفوف محو الأمية في العاصمة كابول عندما كانت البلاد تحكم من قبل حكومة كابول الشيوعية  (أ ف ب)

ملخص

حكاية قرن من المد والجزر بين تمكين المرأة وتهميشها في البلد المنكوب

فتاة أفغانية طمحت إلى بناء مستقبل ناجح لها ولأسرتها، تعلمت حتى وصلت إلى الجامعة، لكنها فجأة تركت مقعدها وبات مستقبلها الجامعي على المحك، وظلت حبيسة البيت بعد منع طالبان الفتيات من الحصول على التعليم العالي. استرجعت القصص المريعة والسنوات العجاف التي عاشتها والدتها قبل نحو ربع قرن، تفاصيل كثيرة ومتشابكة ما بين الحلم واليأس، وآفاق الحرية أو العودة إلى الظلام.

بعد استيلاء حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول وعودتها إلى الحكم، وعدت الحركة المجتمع الأفغاني بأن تكون أكثر مرونة واعتدالاً وتقبلاً للاختلاف عن ذي قبل، فتعهدت باحترام حقوق المرأة، وحماية الأجانب والأقليات الدينية والعرقية على حد سواء. تعهدات شكك المراقبون في إمكانية التزام الحركة بها، بل وعدم تصديقها، إيماناً منهم بأن أفكار قيادات طالبان وقناعاتهم لم تتغير على رغم مرور عقدين من الزمن على طردهم من السلطة.

نكث الوعد

وبالفعل بعد مرور أسابيع قليلة نكثت طالبان بوعودها وانتهكت الحقوق، وقضت على الحريات التي اكتسبها المجتمع خلال السنوات الـ20 الماضية، فاستبعدت المرأة من الحياة العامة، واستبدلت وزارة شؤون المرأة بوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعيد فرض "البرقع" على النساء وأوقفت المدارس ومن ثم الجامعات، وحجبت الوظائف على النساء باختلاف أعمارهن بداعي منع الاختلاط، بل وطالبت الحركة بعدم الخروج من المنزل إلا للحاجة القصوى، واشتراط وجود المحرم عند السفر.

فترة التسعينيات

ربما كانت القرارات جديدة على الفتيات الأفغانيات، لكنها لم تكن كذلك على أمهاتهن اللاتي عشن في ظلالها المشابهة منتصف تسعينيات القرن الـ20، فلم تخف تلك الشريحة مشاعر الخوف والحرمان، ونقلن الصورة السوداوية لبناتهن، فهيمن الرفض على جميع النسوة، وعبرن عن رأيهن المناهض لهذه القرارات، وطالبن بالحفاظ على الحقوق التي اكتسبنها بشق الأنفس، إلا أن المطالب لم تجد آذاناً صاغية من الحركة، وقوبلت بأشكال متباينة من النهر والقهر، حتى وصل الأمر إلى الضرب والجلد، لتهدأ المرأة الأفغانية بشكل تدريجي، وتبدأ حريتها في التراجع رويداً رويداً إلى أن نجحت طالبان في إعادة عقارب ساعة حرية المرأة إلى الحقبة الأولى من الحكم.

إرث ونضال

 ما حدث بالأمس القريب، وما يحدث اليوم في أفغانستان من تشدد ضد النساء وخضوعهن للأمر الواقع، لا يعبر عن حال المرأة هناك، ولا عن إرثها ونضالها الذي يمتد إلى أكثر من قرن كامل، لأنها كانت دائماً أحد الأسباب التي أدت إلى إسقاط ونفي وحتى اغتيال ملوك الأفغان منذ بداية القرن الماضي، وصولاً إلى الغزو الأميركي (2001-2021) الذي كانت المرأة أحد مبرراته لاستعادة حريتها وحقوقها. ويتضح أن رغبة المرأة الأفغانية في التحرر لا يمكن التعرف عليها بشكل آني، ولكن ضمن نطاق تاريخي أوسع وأعمق من التحليلات التي تربطها بحقبة سلطة حركة طالبان (1996- 2001)، أو بالأحداث التي نراها اليوم بعد انهيار الحكومة التي خلّفتها الولايات المتحدة الأميركية قبل رحيلها عام 2021 واستيلاء طالبان على العاصمة كابول مرة أخرى.

أفغانستان دولة ذات تضاريس وعرة وصعبة، ويسكنها عدد من العرقيات والمذاهب المختلفة، ولم يشهد تاريخها وجود دولة مركزية، لذا استمر المجتمع الأفغاني تحت سقف السياسة القبلية التي تحددها الولاءات العرقية، ولعقود طويلة كانت القوانين والعقوبات القبلية تتفوق على الدستور والتشريعات الإسلامية في تحديد وتقرير أدوار المرأة والرجل، إلا أن تأثيرها على المرأة كان أقوى من الرجل، بسبب الطبيعة الأبوية والعلاقات الاجتماعية المتأصلة بعمق في المجتمعات التقليدية.

 

 

عبد الرحمن خان

كان الأمير عبد الرحمن خان (1880 -1901) ضمن ملوك الدولة "البركزاية" الأفغانية أول من حاول تحويل بلاده إلى أمة تخضع لدولة مركزية حديثة، إذ حكم بيد لا ترحم أدت إلى تسميته "الأمير الحديدي"، وبدعم من زوجته "بوبو جان"، حاول تغيير بعض العادات القبلية المتعلقة بالمرأة مثل رفع سن الزواج وإلغاء المهر والعادات التي تجبر المرأة على الزواج من أقرباء زوجها المتوفي، وإحياء المبادئ الإسلامية في حقوق المرأة بالطلاق والميراث، وكانت زوجته أول ملكة أفغانية تظهر مع زوجها في الأماكن العامة مرتدية الأزياء الأوروبية من دون حجاب.

حبيب الله خان

بعد وفاته تولى ابنه الأمير حبيب الله خان السلطة لمدة 10 سنوات، واصل فيها العمل على أجندة والده التقدمية، فشجع على نشر التعليم الحديث لكلا الجنسين، وأنشأ أول كلية في بلاده، ووظف لها معلمين أجانب من تركيا وألمانيا والهند ودول أخرى، وشجع على حرية الرأي وحقوق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل، وافتتح مدرسة للفتيات بمناهج اللغة الإنجليزية، وكذلك مدارس عدة تقليدية في أنحاء البلاد لتعليم الفتيات، لكن هذا الأمر لاقى معارضة من زعماء القبائل بخاصة ما يرتبط بالتعليم وقوانين الزواج، فأدى ذلك إلى اغتياله عام 1919.

أمان الله خان

انتقل الحكم إلى ابنه أمان الله، ونجح في أول مهماته وهي هزيمة البريطانيين في الحرب الأنغلو-أفغانية الثالثة وتحقيق الاستقلال لبلاده، ثم التفت لأمور أخرى مثل تحسين التعليم والصناعة والصحة، وعلى غرار جده حظي بدعم من زوجته الملكة "ثريا"، فتشجع على تحرير المرأة الأفغانية من المعايير الثقافية القبلية، وقام بحملة معلنة ضد الحجاب وتعدد الزوجات، وشجع على تعليم الفتيات في كابول والمناطق الريفية، وقيل إن زوجته الملكة ثريا مزقت حجابها التقليدي في إحدى المناسبات أمام العلن، وارتدت قبعات واسعة الحواف بقماش خفيف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان عمل المرأة ضمن أجندة أمان الله خان، إذ شجع سيدات أسرته على العمل في المنظمات العامة والوظائف الحكومة، وأنشأت شقيقته (كوبرا) "منظمة حماية المرأة" لحماية النساء من العنف، كما أسست زوجته الملكة ثريا أول مجلة حقوقية للنساء تسمى "إرشادات للمرأة"، أما أخته الكبرى فأسست مستشفى للنساء واهتمت بشكل أكبر بموضوع تعليم المرأة حتى نجحت في إرسال أكثر من 15 فتاة إلى تركيا للحصول على التعليم العالي.

كانت المعارضة والمقاومة القبلية موجودة، لكن خطط الملك الطموح أثارت ذعر الحكومة البريطانية التي رأت أن حركة الإصلاح التي يقودها قد تؤثر في خططها الاستعمارية بالهند، فعملت على تأليب القبائل الأفغانية، وتشجيعها على التمرد عليه، فجهزت طائرة بريطانية ألقت منشورات تحوي صور الملكة ثريا في زيارتها لأوروبا من دون حجاب وتدوين عبارات تشكك في مستوى تدين الملك وخططه العلمانية في البلاد، فثارت القبائل ضده، وعلى رغم محاولة الملك طمأنتهم، إلا أن حقبته التنويرية انتهت بتنازله عن العرش والنفي عام 1928.

نادر شاه

اعتبر كثيرون أن خطوات أمان الله التحررية أفكار علمانية وليبرالية تهدد العرش الأبوي والسلطوي القبلي، وقد تؤدي إلى تمرد المرأة واستقلالها بشكل أكبر من المتعارف عليه، لذا كان نفيه درساً للملوك من بعده، فأعيدت السلطة الذكورية، وألغيت المساواة بين الجنسين، وأغلقت مدارس الفتيات لسنوات عدة، حتى أعلن نادر شاه عام 1931 افتتاح بعض المدارس، وحاول إجراء بعض الإصلاحات الاجتماعية بحذر، متجنباً الصراعات مع زعماء القبائل والملالي، ولكن الاغتيال كان مصيره بعد عامين فقط.

ظاهر الشاه

لقب ظاهر شاه "أب الأمة الأفغانية"، ففي عهده بمنتصف القرن الـ20 تغير حال المرأة إلى الأفضل، بسبب المساعدات الأجنبية الضخمة، ودعم الاتحاد السوفياتي المتكرر، وبحلول أواخر الخمسينيات أصبح ينظر إلى أهمية وجود المرأة في سوق العمل كضرورة اقتصادية لتحقيق الأهداف الإنمائية للبلاد، فتحسنت الحقوق الاجتماعية للمرأة، وأصبح الحجاب "خيار طوعي"، وزادت نسبة التعليم، وشهدت تلك الحقبة عدد أكبر من الأفغانيات في مجالات مختلفة مثل الطب والتعليم.

 

 

 وفي عام 1964، سمح الدستور للمرأة بالدخول إلى السياسية، ومنحها حق التصويت والانتخاب، وشهد تعيين أول وزيرة في منصب وزارة الصحة، وانتخب عدد النساء في البرلمان، وفي العام التالي تم تشكيل مجموعة حقوقية للمرأة الأفغانية كانت أهدافها القضاء على الأمية بين النساء، وحظر الزواج القسري، والتخلص من تقاليد "مهر المرأة" عند الزواج.

حقبة السبعينيات

الحقبة الأخرى من الإصلاح لتحسين بيئة المرأة كانت في بداية السبعينيات، بعد نفي ظاهر شاه،إذ أقيمت حكومة اشتراكية مدعومة من الاتحاد السوفياتي، دعم فيها البرلمان والحكومة قضايا المرأة بشكل أكبر من ذي قبل، مثل تحسين بيئة التعليم في أنحاء البلاد، ودعم القوانين للمساواة بين الجنسين، ورفع سن الزواج إلى 16 سنة للفتيات و18 سنة للفتيان، لكن في المقابل عاد قلق الملالي وزعماء القبائل في الأرياف حول استقلال المرأة حتى سجلت بعض الاعتداءات وإطلاق النار على النساء المرتديات الملابس الغربية.

عودة التضييق

سرعان ما غابت قضايا المرأة مع الاحتلال السوفياتي 1979، وظهر على إثر ذلك أمراء الحرب والأحزاب الجهادية التي كان التدين عنصرها الأساسي في حرب امتدت لعقد من الزمن حتى نجحت في طرد الجيش السوفياتي عام 1989، واستمرت البلاد في حال من الفوضى وحرب أهلية إلى أن نجح المجاهدون عام 1992 في الاستيلاد على كابول، ومنذ ذلك الحين بدأ التضييق على المرأة وحركتها، فتم منعها من العمل والخدمة العامة في مناطق المجاهدين، وأعيد الحجاب إلزامياً.

 

 

لكن ساءت أوضاع المرأة الأفغانية بشكل أكبر بين عامي 1996 و2001 بعد نجاح حركة طالبان في الاستيلاء على الحكم، إذ تميزت فترتها بالتزمت الديني، واستبعاد النساء بشكل قاس من التعليم والعمل والقيام بأعمال وحشية ضدهن مثل قطع الرأس والرجم حتى الموت، وحظر التلفزيون والموسيقى والسينما، قبل أن ينتهي عهدها الأول بالاحتلال الأميركي ومجيء الحكومات التي تشكلت برعاية واشنطن ابتداءً بكرزاي حتى أشرف غني. وفي أعقاب عودة الحركة إلى السلطة، كان خوف المجتمع هو المسيطر حتى أن بعض القنوات التلفزيونية قامت بشكل مباشر بإبعاد مذيعات الأخبار عن عملهن، وتم استبدال البرامج السياسية بمناقشات حول العقيدة الإسلامية.

رؤية تاريخية

على رغم العائق القبلي الصعب المهيمن على الأفغان، كان الدستور سباقاً في إقرار المساواة بين الرجال والنساء، وحصلت المرأة الأفغانية على حقوق وحريات لم تتمكن نساء في العالم من تحقيقها في تلك الحقبة، ويعود الفضل إلى الحكومات والملوك الأفغان الداعمين للمرأة، ومحاولاتهم تحقيق استقرار ونماء اجتماعي وتعليمي وصناعي. ومع عودة طالبان إلى السلطة وتزمتها، كان من الطبيعي تسارع الانتهاكات ضد المرأة، وتهميشها واقتلاع إنجازاتها التي حققتها خلال عقدين تحت ظلال وجود القوات الأميركية، لكن لن تنجح السلطة الجديدة في إلغاء تاريخ نضال الأفغانيات على مدى قرن بسبب المكتسبات التاريخية المتجذرة في مجال حرية المرأة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات