Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سكان بلدة غارقة في جبال هيمالايا يعيشون "أسوأ كابوس"

إجلاء مئات الأشخاص مع ظهور تصدعات كبيرة في المباني، وناشطون يزعمون أن مشاريع التنمية جعلت الوضع أسوأ

تقع جوشيمات على أنقاض انهيار أرضي (غيتي)

فوجئ سكان إحدى البلدات النائية في سلسلة جبال هيمالايا في الهند - التي تقع بالقرب من الحدود مع الصين - مؤخرا بظهور تصدعات كبيرة في جدران منازلهم.

ومست التشققات أكثر من 600 منزل في جوشيمات - وهي بلدة يبلغ عدد سكانها نحو 20 ألف نسمة - كما تضررت مبانٍ أخرى وطرق وحقول، مما دفع بمئات الأشخاص إلى مغادرتها للعيش في مخيمات الإجلاء.

السلطات الهندية أعلنت تلك البقعة التي تقع على ارتفاع 6151 قدماً عن سطح البحر عند منحدر تل، حيث يلتقي واديان، "بلدة تسيخ"، ومنطقة معرضة لانهيارات أرضية والغوص في التربة. ويستعد المسؤولون الآن لهدم بعض المباني المتضررة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ظاهرة انسياخ الأرض، يحدث عادة هبوط تدريجي للتربة بسبب تحرك المواد تحتها. وقد ينتج إما من عوامل طبيعية كالزلازل وتآكل التربة وانضغاطها، أو من أنشطة يقوم بها الإنسان، كالتعدين أو التنقيب عن النفط والماء.

هذا الوضع أحدث حالاً من الذعر في منطقة هيمالايا التي تعد هشة من الناحية البيئية. فتشقق الجدران ليس بالأمر الجديد بالنسبة إلى سكان البلدة الذين كانوا قد قدموا احتجاجات لفترة طويلة، مطالبين بحماية مناطقهم السكنية، لكن الوضع ازداد سوءاً بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة.

سوشيل كومار وهو مفوض منطقة غاروال، قال لوسائل إعلام محلية: "إن انخساف الأرض يحدث ببطء في بلدة جوشيماث منذ بعض الوقت، لكن وتيرته تسارعت خلال الأسبوع الماضي مع ظهور تصدعات ضخمة في المنازل والحقول والطرق. وتدهور الوضع في ما يبدو، بعد تسرب قوي لمياه قناة مائية تحت المدينة الأسبوع الماضي".

وتضطلع في الواقع عوامل عدة بدور في إحداث تلك الشقوق الكبيرة بشكل مفاجئ، بما فيها المناخ المتغير وجغرافيا المنطقة. مع ذلك، حرص الخبراء أيضاً على توجيه إنذارات في شأن "الضرر الذي لا يمكن إصلاحه"، الناجم عن "تكاثر أعمال تطوير البنية التحتية" وانتشارها في المنطقة لأعوام.

معلوم أن ولاية هيماشال براديش الهندية تعاني كوارث طبيعية متكررة كالانهيارات الأرضية والزلازل والفيضانات المفاجئة. إلا أن ناشطين وخبراء يلقون باللوم على أعمال بناء في المنطقة قائلين إنها تتسبب في مزيد من الكوارث.

أتول ساتي، وهو أحد الناشطين البيئيين المحليين، يقول، "سبق أن حذرنا السلطات غير مرة من الأضرار التي لا يمكن إصلاحها بسبب عدد من مشاريع الأنفاق والطاقة الكهرومائية ضمن بلدة جوشيمات وفي محيطها، وفي أنحاء أخرى من ولاية أوتاراخند. إلا أنه على رغم ذلك، تم تجاهل أصواتنا بشكل صارخ، وبات أسوأ كابوس يمكن أن نواجهه في حياتنا واقعاً ملموساً اليوم".

الكارثة سلطت الضوء مجدداً على مشاريع الطاقة الكهرومائية الجارية التي يلقي الناشطون باللوم فيها على أعمال الحفر في المنطقة، ولا سيما منها تلك المتعلقة بمشروع قريب تنفذه "شركة الطاقة الحرارية الوطنية المحدودة" National Thermal Power Corporation Limited (NTPC).

ويقول ساتي إن "المسؤولية الكاملة تقع على الحفر الجوفي في إطار "مشروع تابوفان فيشنوغاد للطاقة الكهرومائية" Tapovan Vishnugad Hydro Power Project في جوشيمات، الذي تنفذه شركة "أن تي بي سي" NTPC. فالتفجير المستمر في الأنفاق قد زعزع أساسات بلدتنا".

بعد ظهور مزيد من التصدعات في الفترة الأخيرة، أمرت السلطات الهندية بوقف جميع أنشطة البناء في المنطقة. ومع ذلك، يرى ناشطون أن جميع هذه المشاريع، بما فيها شق طريق جديد لتسهيل السياحة الدينية في المنطقة، يجب أن تتوقف تماماً.

شركة "أن تي بي سي" رفضت تحميلها أي مسؤولية عن التشققات التي مست المساكن، قائلة إنه لا يمكن إلقاء اللوم على حفر الأنفاق وأعمال أخرى، في التصدعات التي ظهرت في البلدة، مشيرة إلى أنه "لا يتم القيام بأي تفجير في الوقت الراهن" في المنطقة.

وأضافت في بيان أصدرته أن "النفق الذي بنته "أن تي بي سي" لا يمر تحت بلدة جوشيماث. وقد تم حفره بواسطة آلة حفر الأنفاق، ولا تحصل أي أعمال تفجير في الوقت الراهن".

مسؤول حكومي هندي قال لوكالة "رويترز" مشترطاً عدم الكشف عن هويته، إنه "لا يمكن أن يكون المشروع وراء هذا الهبوط للأرض"، مشيراً إلى أن شركة "أن تي بي سي" كانت قد علقت أعمال حفر الأنفاق في المنطقة قبل أكثر من عامين، بعد أن تعطلت آلة الحفر التي تستخدمها".

في المقابل زعم تقرير أعدته صحيفة "إنديان إكسبريس" أنه منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2009، وقعت سلسلة حوادث "تسرب مياه جوفية" - وهي ناجمة عن اختراق آلة الحفر المستخدمة صخوراً تحتوي على المياه الجوفية، وذلك على طول نفق مشروع "تابوفان فيشنوغارد" الهيدروليكي. وللحصول على مزيد من الإيضاحات عن هذا الموضوع، تواصلت "اندبندنت" مع شركة "أن تي بي سي".

تجدر الإشارة إلى أن جوشيمات تقع على أنقاض انهيار أرضي. وفيما أثارت أنشطة البناء في المنطقة مخاوف ناشطين محليين لأعوام، أشارت دراسات عدة في المقابل، إلى مدى تأثير مشاريع الطاقة الكهرومائية الكبيرة على الاستخدام الراهن للأراضي، وزعزعة التوازن الإيكولوجي في المنطقة.

ويرى خبراء أن اللامبالاة من جانب السلطات المحلية وأزمة المناخ، عاملان ساهما أيضاً في تفاقم المشكلات التي واجهتها المنطقة في الأعوام الأخيرة.

الدكتور أنجال براكاش الذي كان سابقاً المحرر الرئيس لتقارير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة" UN Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC)، رأى أن هناك جانبين لمشكلة جوشيماث، الأول يتمثل في انتشار أعمال تطوير البنية التحتية الذي يحدث ضمن نظام بيئي هش للغاية كجبال هيمالايا، في وقت يجرى فيه التنفيذ بقليل من التخطيط. أما الجانب الثاني، فيرتبط بتغير المناخ الذي يشكل عنصر ضغط مضاعفا. فالطريقة التي يتظهر من خلالها تغير المناخ في بعض الولايات الجبلية من الهند، هي غير مسبوقة".

يشار إلى أن ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الأنهار الجليدية وتغير نمط الرياح الموسمية، هي عوامل أدت إلى تزايد عدد الكوارث في المنطقة، والانهيارات الأرضية المتكررة، والفيضانات التي تحصد الأرواح.

وكانت "خطة إدارة الكوارث في ولاية هيماشال براديش" Himachal Pradesh State Disaster Management Plan المتعلقة بتغير المناخ، قد أشارت إلى أن متوسط حرارة سطح الولاية قد ارتفع بنحو 1.6 درجة مئوية في القرن الماضي.

وأجمع خبراء الرصد الجوي والخبراء الجيولوجيون على أن هذه الولاية في جبال هيمالايا تواجه انعكاسات كبيرة من ظاهرة الاحتباس الحراري وأزمة المناخ.

ماهيش بالاوات خبير الأرصاد الجوية في "سكايميت ويذر" Skymet Weather (شركة هندية خاصة تقدم خدمات توقع الطقس) أكد من جانبه "تسجيل ارتفاع كبير في الظواهر الجوية المتطرفة في مختلف أنحاء الولاية، مع ارتفاع حاد في وتيرتها، إضافة إلى تساقط أمطار غزيرة للغاية، وانفجار السحب (هطول كمية كبيرة من الأمطار في فترة قصيرة من الوقت)، وحدوث فيضانات سريعة، وانهيارات أرضية، وانزلاقات طينية، كما أن إزالة الغابات كانت أيضاً سبباً رئيساً في حدوث هذه الكوارث".

ووفقاً لما يقوله مسؤولون، فقد قضى أكثر من 1550 شخصاً نحبهم في الأعوام الخمسة الأخيرة في المنطقة بسبب الكوارث المرتبطة بالفيضانات. وفي عام 2021 وحده، توفي 476 شخصاً في المنطقة الأوسع من هيماشال براديش خلال فترة الرياح الموسمية.

البروفيسور ياسبال ساندريال رئيس قسم الجيولوجيا في "جامعة أتش أن بي غاروال" HNB Garhwal University، دعا الحكومة إلى استخلاص العبر من الكوارث السابقة.

وأضاف أن "جبال هيمالايا تعد نظاماً بيئياً هشاً للغاية. وتقع معظم أجزاء أوتاراخند في المنطقة الزلزالية الخامسة أو الرابعة المعرضة للهزات. ومن شأن تغير المناخ أن يزيد الوضع سوءاً، مع تضاعف الظواهر المناخية المتطرفة".

وقال، "نحن بحاجة إلى وضع بعض القواعد والأنظمة القوية، والقيام بتنفيذ قسري، وفي الوقت المناسب، لهذه القواعد. نحن لسنا ضد التنمية، إلا إذا كانت ستجلب الكوارث".

وأصر الدكتور براكاش على الإشارة أيضاً إلى أن التحديات المتزايدة نتيجة ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، تتطلب "عملية تخطيط قوية للغاية"، تعطي الأولوية لحماية المنطقة قبل أي شيء آخر.

الوضع في جوشيمات كان بمثابة مؤشر تحذير للمناطق المحلية الأخرى. وقد أبلغت مدن مجاورة مثل كارنابراياغ وغوبيشوار في منطقة تشامولي، حيث تقع بلدة جوشيماث، عن غرق مستمر للأرض فيها.

ويعتبر خبراء أنه من أجل تجنب وقوع أضرار فيها كتلك التي سجلت في جوشيمات، يتعين أن يتم التخطيط في المنطقة على مستوى إقليمي أوسع، ويتعين وضع حد لما ينظر إليه على أنه إعطاء أولوية لمشاريع التنمية على حساب الضرر البيئي.

ويرى الدكتور براكاش أن الوقت قد حان لأن تبحث الحكومة الهندية عن طرق أخرى لتوليد الطاقة، معتبراً أن "عائد كلفة الاستثمار من مشاريع الطاقة الكهرومائية يبقى أقل بكثير، مقارنة بالكلفة المرتبطة بالضررين البيئي والإيكولوجي".

ويختم بالقول إن "جوشيماث تعد مثالاً صارخاً على ما يجب تفاديه في جبال هيمالايا".

© The Independent

المزيد من بيئة