Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تنهي 2022 بعجز تجاري قياسي

غزو الواردات الصينية والتركية يعمق المعاناة الاقتصادية

حاويات في محطة تحميل في ميناء رادس في تونس (رويترز)

أقفلت تونس سنة 2022 بعجز تجاري قياسي وتاريخي بلغ 25.2 مليار دينار (8.18 مليار دولار) مقابل 16.2 مليار دينار (5.22 مليار دولار) في عام 2021 بزيادة قدرها ثلاثة مليارات دولار، وفق بيانات نشرها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

وتترجم هذه البيانات أن تونس لا تزال تحت وطأة المشكلات الاقتصادية والمالية والتي تعمقت بشكل مفضوح مع توسع العجز التجاري في ظل عجز الحكومة عن إيجاد الحلول الكفيلة باستعادة جهاز التصدير لعافيته مما يقلص من تواصل تسونامي الواردات.

وبدا جلياً أن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها وزارة التجارة التونسية في الأشهر الأخيرة لتقليص العجز التجاري لم تفض إلى نتائج ملموسة، بدليل تسجيل الميزان التجاري أرقاماً مفزعة وصادمة وفق غالب المتخصصين.

وتأثر عجز الميزان التجاري التونسي بشكل لافت بتواصل اندلاع النزاع الروسي الأوكراني الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، مع انزلاق ملحوظ لسعر صرف الدينار التونسي تجاه الدولار الأميركي، مما زاد في فاتورة التوريد وارتفاع نسب التضخم المستورد.

عجز فادح مع الصين وتركيا

وعزا المعهد الوطني للإحصاء توسع العجز بمحفظة المبادلات التجارية خلال سنة 2022 إلى زيادة الواردات بنسبة 31.7 في المئة، مقابل تطور للصادرات بما يعادل 23.4 في المئة، مما أدى إلى تراجع نسبة تغطية الواردات بالصادرات إلى 69.5 في المئة، أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2022، مقابل 74.2 في المئة في 2021.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعود عجز الميزان التجاري أساساً إلى العجز المسجل مع بعض البلدان كالصين في حدود 2.8 مليار دولار، وكل من تركيا والجزائر 1.3 مليار دولار، إضافة إلى عجز مع روسيا بقيمة 890 مليون دولار.

وفي المقابل، بين المعهد أن المبادلات التجارية للسلع حققت فائضاً مع عديد من البلدان، وأهمها فرنسا بقيمة 1.4 مليار دولار وألمانيا بزهاء 949.6 مليون دولار، وفائضاً مع ليبيا بقيمة 612.5 مليون دولار.

ومما عمق العجز التجاري توسع عجز قطاع الطاقة ليبلغ 3.4 مليار دولار (أي ما يعادل 41.9 في المئة من العجز الإجمالي)، مقابل 1.7 مليون دولار تم تسجيله خلال سنة 2021.

تحسن غير مؤثر للصادرات

بلغت قيمة الصادرات التونسية خلال كامل السنة الماضية 18.572 مليار دولار مقابل 15.049 مليار دولار في 2021، بزيادة قدرها 23.4 في المئة مقابل تطور بنسبة 20.5 في المئة، خلال سنة 2021.

وأرجع معهد الإحصاء تحسن الصادرات خلال سنة 2022 إلى الارتفاع المسجل في صادرات عديد من القطاعات، مثل الطاقة بنسبة 49.9 في المئة، والفوسفات ومشتقاته، بنسبة 56.1 في المئة، والمنتجات الفلاحية والغذائية بنسبة 34.1 في المئة، والنسيج والملابس والجلد بنسبة 21 في المئة، والصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 14.5 في المئة.

وبين معهد الإحصاء بالمقابل أن الواردات شهدت ارتفاعاً بسبب الارتفاع المسجل في واردات جل القطاعات منها مواد الطاقة بنسبة 83.1 في المئة والمواد الأولية ونصف المصنعة بنسبة 33 في المئة، ومواد التجهيز بنسبة 12 في المئة، وكذلك المواد الاستهلاكية بما يعادل 13.8 في المئة.

ولاحظ معهد الإحصاء في ما يتعلق بالتوزيع الجغرافي للصادرات التونسية أنها سجلت مع الاتحاد الأوروبي تطوراً إيجابياً بلغ 18.7 في المئة.

أما عربياً فتبرز النتائج ارتفاعاً للصادرات التونسية إلى الجزائر بما قدره 54.4 في المئة ومع ليبيا بنسبة 36.5 في المئة.

انتقادات للبنك المركزي

وتعقيباً على النتائج المسجلة اعتبر رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية أن توسع العجز التجاري التونسي صار مفزعاً وينبئ بخطورة كبيرة على التوازنات المالية للبلاد، لا سيما أن العجز أضحى يمثل قرابة 17 في المئة من الناتج الداخلي الخام للبلاد، والبالغ 142 مليار دينار (46.9 مليار دولار).

ورأى أن تسجيل تونس عجزاً تجارياً يترجم مسألة انخفاض جاهزية قطاع التصدير في البلاد، إضافة إلى ذلك تظهر البيانات المسجلة إنفاقاً كبيراً وغير مبرر للنقد الأجنبي لأجل اقتناء المواد الأساسية والطاقة.

ومن العوامل التي أكد أنها أسهمت في تفاقم العجز التجاري، سياسة الصرف المرنة التي انتهجها البنك المركزي التونسي، مما أدى إلى تراجع قيمة صرف الدينار، منتقداً في الوقت ذاته قرارات البنك المركزي التونسي في الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسة اعتقاداً من البنك بقدرته على تطويق التضخم والتقليص من استهلاك المواد المستوردة.

غير أن الشكندالي أبرز أن العجز التجاري المتفاقم يأتي من ارتفاع قيمة واردات المواد الأولية والطاقة بنسب تجاوزت 80 في المئة.

إجراءات عقيمة

وعن نجاعة الإجراءات التي تم اتخاذها لتطويق الواردات شدد رضا الشكندالي على أنها إجراءات مقنعة من أجل فرض رقابة مسبقة على الواردات من عدة جهات بخاصة من الاتحاد الأوروبي الذي يمثل الشريك الاقتصادي الأول لتونس.

ولكنه أكد أن نزيف الواردات متأت بالأساس من الصين وتركيا، مقترحاً في هذا الصدد أن تتحلى الحكومة التونسية بالجرأة والشجاعة وطلب إعادة صياغة اتفاقيتي الشراكة مع الصين وتركيا وإدراج بند الاستثمار.

وفسر بأنه على غرار ما تم إبرامه بين تونس والاتحاد الأوروبي منذ سنة 1955 في اتفاق الشراكة بإلزام الطرف الأوروبي الاستثمار في تونس بالتوازي مع تحرير التوريد والتصدير بينهما، يمكن لتونس أن تعتمد الصيغة نفسها مع الصين وتركيا من أجل تطوير قطاع التصدير وتقليص العجز التجاري مع هذين البلدين.

يشار إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيد تدخل في مناسبات عدة من خلال طلباته المتكررة من رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، بضرورة تقليل استيراد المواد الكمالية للحد من اختلال الميزان التجاري مع عدد من البلدان.

مراقبة الاستيراد

أعلنت درة البرجي، المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة التونسية، عن اعتماد إجراءات تنظيمية وفنية للحد من واردات بعض المنتجات الكمالية، مثل اشتراط تسجيل المصدرين الأجانب قبل القيام بالتصدير لتونس مع اشتراط تقديم شهادات الجودة والسلامة والصحة المهنية صادرة عن جهات معتمدة ومعترف بها دولياً، للحد من واردات السلع الرديئة وغير المطابقة للمواصفات واشتراط التزود مباشرة من المصنع.

وكشفت البرجي لـ"اندبندنت عربية" عن أنه تم اعتماد نظام مراقبة مسبقة على عمليات استيراد منتجات استهلاكية وقع ضبطها بقائمات مختلفة.

كما سيتم اشتراط مراجعة القيمة المرجعية عند الاستيراد على مجموعة من المواد الاستهلاكية مع التشدد عند التثبت في شهادات المنشأ.

وتقرر وفق قرار مشترك بين ثلاث وزارات (الصناعة والتجارة والزراعة) فرض هذه الإجراءات الجديدة للحد من الواردات حرصاً على ضمان جودة المنتجات الموردة وحفاظاً على سلامة المستهلك، إذ سيتم فرض استيراد هذه المنتجات بصفة مباشرة من المصنع المنتج لها ببلد التصدير.

استهداف سلسلة من المنتجات

ومن بين هذه المواد المعنية بالقرار الجديد العطور ومياه التجميل ومستحضرات الشعر والصابون والمواد العضوية النشطة وأواني المائدة من الخزف الصيني ومعجون الأسنان ومستحضرات العناية بالفم والأسنان وغيرها.

وتستثنى من أحكام هذا القرار جملة من العمليات ضبطها البلاغ، منها واردات الدولة والمؤسسات والمنشآت العمومية والواردات من المواد الأولية والمواد نصف المصنعة لفائدة القطاع الصناعي والخدمات ذات الصلة وقطاع الصناعات التقليدية، إلى جانب المواد الأولية ونصف المصنعة والتجهيزات وقطع الغيار الموردة من قبل الصناعيين واللازمة لنشاطهم.

ظرف اقتصادي صعب

أوضحت البرجي أن الظرف العالمي الصعب انعكس على الواقع المحلي، حيث كان للنزاع الأوكراني - الروسي عديد التأثيرات في الاقتصاد التونسي، خصوصاً على مستوى المبادلات التجارية ووضعية الميزان التجاري وعلى تزويد السوق المحلية بالمواد الأساسية.

وأضافت أن الانعكاسات السلبية تمثلت أساساً في "تفاقم العجز التجاري نتيجة عجز ميزان الطاقة وارتفاع أسعار المحروقات بالسوق العالمية، وهو ما انعكس بدوره على المالية العمومية بسبب ارتفاع كلفة استيراد منتجات الطاقة وكلفة دعم المحروقات في تونس".

كما ارتفعت كلفة استيراد الحبوب بالنظر إلى عدم استقرار الأسعار العالمية لهذه المادة مع صعوبة التزود باعتبار أن الدولتين طرفي النزاع تعتبران أهم مزودين لتونس، إذ توفر كل من روسيا وأوكرانيا نحو نصف واردات البلاد من الحبوب و20 في المئة من الواردات من الزيوت النباتية.

نتائج محدودة

بحسب البرجي اعتمدت تونس في السنوات الأخيرة حزمة من الإجراءات لترشيد التوريد منذ بداية تفاقم العجز التجاري، ومنها مراجعة المنتجات الاستهلاكية والكمالية والمنتجات التي لها مثيل مصنوع محلياً.

غير أن النتائج التي تم تحقيقها بقيت محدودة بالنظر إلى محدودية مساهمة واردات المنتجات الاستهلاكية في العجز التجاري الحاصل، الذي يعود بالأساس إلى ارتفاع عجز ميزان الطاقة، إضافة إلى تزامن الإجراءات التي تم تفعيلها مع تدهور سعر صرف الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية، وهو ما أسهم في تنامي واردات المواد الاستهلاكية بالأسعار الجارية في حين أنه تم استيراد الكميات نفسها أو أقل في بعض الأحيان.

لا تغيير في 2023

تظهر المعطيات الحكومية والرسمية أن الأوضاع قد تظل على حالها في عام 2023 ببقاء العجز التجاري في مستويات مرتفعة من دون تحسن.

الدليل على ذلك أن الميزان الاقتصادي لتونس (خريطة التنمية في 2023) يؤكد وبصفة قطعية أن العجز التجاري سجل تقلصاً بـ1.5 نقطة فقط في العام الحالي لينحصر في حدود 15.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 17.3 في المئة في 2022.

وتم الاستناد في ذلك إلى تراجع واردات المواد غير الغذائية في 2023 نتيجة ترشيد واردات المواد الاستهلاكية غير الضرورية.

بالمقابل ينتظر أن تتطور واردات مواد الطاقة بنسبة ستة في المئة مقارنة بالسنة الماضية، وتوقع أن تتطور مشتريات المواد الأولية ونصف المصنعة بنسبة 5.5 في المئة في 2022، بالنظر إلى ارتفاع كلفة المبادلات التجارية لا سيما المرتبطة بارتفاع أسعار غالب المواد الأولية وبخاصة المعادن.

اقرأ المزيد