Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كبار الموظفين الرسميين في السجون اللبنانية: فاسدون أم معتقلون؟

أثارت ملاحقة السياسيين والأمنيين أزمة أدت إلى انقسام حاد للرأي العام المؤيد والمعترض

يندد المتظاهرون اللبنانيون بانتشار الفساد في مؤسسات الدولة (غيتي)

تعج السجون في لبنان، أخيراً، بالعشرات من كبار الموظفين الرسميين والضباط والأمنيين على خلفية تورطهم في عديد من ملفات الفساد وقضية تفجير مرفأ بيروت، ووفق مصدر قضائي فإن العدد الإجمالي للموظفين وللأمنيين الموقوفين يناهز الـ200 ومن بينهم موظفون من الفئة الأولى، إذ إنه وعلى الرغم من شبه الانحلال في المؤسسات الدستورية والاعتكاف القضائي الذي استمر لما يقارب ستة أشهر، سجل القضاء تحريك ملفات عديدة أبرزها في الدوائر العقارية وإدارة السير والآليات والمركبات.

وفي وقت تسجل فيه توقيفات بالجملة لموظفين حكوميين بمواقع رفيعة، تنقسم الآراء بين من يعتبرها إجراءات قضائية طبيعية لملاحقة مكامن الفساد في الدولة، وبين من يرى فيها انتقاماً سياسياً وانتقاء للملفات بهدف الإطاحة بموظفين معينين محسوبين على جهات معينة.

وفي هذا السياق يؤكد مصدر قضائي أن فتح تلك الملفات يأتي في سياق توافر معلومات جنائية في حين أن الحديث حول فساد بملفات أخرى وعدم ملاحقته قضائياً قد يكون لعدم توافر الأدلة اللازمة، نافياً أن يكون هناك كيدية سياسية وراء التوقيفات، داعياً المواطنين والناشطين إلى تقديم الأدلة والإخبارات للقضاء المختص في حال توافرها بهدف ملاحقة الشبهات.

رهائن عبر القضاء

في المقابل اعتبر مرجع سياسي، طلب عدم كشف اسمه، أن بعض القضاة يتحركون في إطار أجندة سياسية واضحة، وهم ينفذون انتقاماً عجزوا عنه بالسياسة، فحولوا القضاء إلى حلبة لتصفية كبار الموظفين الرسميين القريبين من بعض المرجعيات السياسية، معتبراً الموقوفين رهائن لدى سياسيين عبر القضاء.

وقال، إن الفساد مستشر في جميع مفاصل الدولة اللبنانية، وبالتالي لو كان الهدف محاربة الفاسدين وتوقيف الموظفين المرتكبين "لكانت الأكثرية الساحقة من الوظائف الأساسية في السجون"، وأضاف "على القضاء قبل أن يفتح ملفات في الإدارات الرسمية أن يبدأ بتنظيف نفسه"، بحسب تعبيره.

وذهب آخرون للاستنتاج بأن تلك التوقيفات لها علاقة بمطالب صندوق النقد الدولي بتخفيض عدد الموظفين العاملين في القطاع العام، الأمر الذي تشدد مصادر قضائية على نفيه والتأكيد أن تلك المزاعم من نسج الخيال، إذ إنه في حال فتحت جميع ملفات في مختلف الإدارات والوزارات قد تصل التوقيفات في حدها الأقصى إلى 1500 موظف متورط، فيما سائر الموظفين أكفاء بعيدون عن الشبهات، أما قضية تقليص حجم القطاع العام فهي إجراءات إدارية تستوجب إقصاء نحو 10 آلاف موظف بين أجير ومتعاقد ، منهم خمسة آلاف تم إدخالهم إلى القطاع العام الذي قبل انتخابات عام 2018.

الدوائر العقارية

ويسود الترقب في الدوائر العقارية، بعد توسيع دائرة التوقيفات استكمالاً للملف المرتبط بقضايا فساد ورشوة، فتحه المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامر ليشع، إذ جرى توقيف أكثر من 30 موظفاً بعد ورود سلسلة إخبارات عن حجم الفضائح في "العقارية". ومن بين شبهات الفساد التي يتم التحقيق فيها تقاضي الرشاوى والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، وتحويل عدد كبير من عقارات المشاعات إلى أملاك خاصة.

والجديد في القضية، حملة توقيفات أجرتها شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، شملت عدداً من كبار الموظفين، وطالت أمينة السجل العقاري في بعبدا نايفة شبو بواسطة مذكرة جلب من منزلها، ومعاون أمين السجل م. ش. ورئيسة مكتب بعبدا- الحدث العقاري ر. ز. 

وأفادت مصادر قضائية بأن القاضي ليشع ادعى على رئيسة مكتب الشياح العقاري ڤ. ي. بجرم الإثراء غير المشروع والتماس رشاوى، بعد مرور 10 أيام على توقيفها والتحقيق معها. وفي الأيام الماضية أيضاً شهدت عقارية بعبدا توقيفات لعدد من الموظفين، منهم من أخلي سبيله ومنهم من لا يزال موقوفاً كمعاون أمين السجل ج. م.

وبحسب مصدر قضائي فإن التحقيقات توصلت إلى أدلة دامغة بتورط موظفين عبر سماسرة يتقاضون رشاوى "مسعرة" بالدولار، وتختلف قيمتها بحسب أهمية الملف وسعر العقار والسرعة التي يريدها "الزبون" لإنجاز معاملته. 
في المقابل، أعلن محامي الدفاع الذي يتوكل الدفاع عن أمينة السجل العقاري في بعبدا نايفة شبو (طلب عدم الكشف عن اسمه)، انه سيتقدم بطلب اخلاء سبيل عن موكلته لعدم اكتمال الأدلة، مشدداً على أن استمرار توقيفها وعدد من الموظفين بناءً على اعتراف سماسرة ومعقبي معاملات دون أدلة دامغة هو أمر غير قانوني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق نفسه أجرت قاضية التحقيق الأولى في الشمال سمرندا نصار منذ أشهر تحقيقات في أمانة السجل العقاري في زغرتا، انتهت بحبس أمين السجل مارون مقبل مع مجموعة من الموظفين ومعقبي المعاملات بتهمة تقاضيهم رشاوى.

ملف "النافعة"

وفي ملف إدارة السير والآليات والمركبات، لا تزال التوقيفات مستمرة إذ تجاوز عدد الموقوفين حتى الآن 100 شخص بين كبار الموظفين والأمنيين، وعلى رأسهم المديرة العامة هدى سلوم ورئيس المصلحة أيمن عبدالغفور ورئيس دائرة إدارة السير في الأوزاعي باسم عياد.

وفي آخر التطورات توسعت التحقيقات وطالت التوقيفات والملاحقات أطباء ومخاتير وموظفين في السجل العدلي، مع اتجاه للتوسع في التحقيق وتوسيع مروحة المتورطين، إذ طلبت القاضية نازك الخطيب من محققي فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي التدقيق في المعاملات القديمة، وبعد التدقيق في 600 معاملة، تبين أن هناك 12 طبيباً يشتبه فيهم بمنح وهمية. كما كشفت مصادر مطلعة على التحقيقات أن المحققين يُعِدُّون لائحة بأسماء المخاتير الذين يُشتبه في منحهم إفادات وهمية للاستحصال على دفاتر سوق، على أن تُرسل لائحة بأسمائهم إلى وزارة الداخلية للحصول على إذن بملاحقتهم. وكشفت مصادر التحقيق أن التدقيق في الملفات توصل إلى وجود سجلات عدلية مزورة استخدمت للحصول على رخص سوق. 

في المقابل، أعلن وكيل الدفاع عن سلوم المحامي مروان ضاهر، أن قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة القاضي جورج رزق استجوبها على مدى ثلاث ساعات، في الدعاوى الثلاث الجديدة التي رفعتها ضدها النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، بجرم الرشوة والاثراء غير المشروع، وأنها نفت جميع التهم الموجهة اليها واعتبرتها اتهامات واخبار مفبركة.

وكشف ضاهر أن التحقيق سيستكمل مع عدد من الموظفين في إدارة شؤون السير بينهم رئيس المصلحة أيمن عبد الغفور ورئيس دائرة ادارة السير في الاوزاعي باسم عياد، مؤكداً على براءة موكلته ورفاقها ومتوقعاً الافراج عنها في وقت قريب.
موقوفو المرفأ 

وفي وقت لا تزال العدالة غائبة عن ملف انفجار مرفأ بيروت، يقبع عدد من الموظفين الكبار في السجون اللبنانية من دون محاكمة بسبب التدخلات السياسية التي عطلت مهمة المحقق العدلي طارق البيطار منذ قرابة السنة، إذ أدى توقف التحقيقات إلى استمرار احتجاز عدد من المشتبه فيهم على ذمة التحقيق، في حين لا تزال مذكرات توقيف بحق سياسيين غير منفذة.

وبعد أيام على انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020 أوقفت السلطات اللبنانية مدير عام الجمارك اللبنانية بدري ضاهر، الذي لا يزال موقوفاً في سجن تابع لأمن الدولة، بموجب مذكرة توقيف وجاهية، إضافة إلى 24 آخرين وجهت إليهم تهم تتراوح بين الإهمال الوظيفي والرشوة وصولاً إلى القتل العمد، ومن بين هؤلاء موظفون كبار في المرفأ هم المدير العام السابق للجمارك اللبنانية شفيق مرعي، والمدير العام للجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم، ومدير الخدمات الجمركية حنا فارس. إضافة إلى أربعة ضباط، ثلاثة منهم برتبة رائد من جهازي الأمن العام وأمن الدولة، ورابع برتبة عميد في الجيش وهو مسؤول المخابرات في المرفأ.

ومنذ عدة أشهر أعلن القضاء اللبناني إخلاء سبيل سبعة من الموظفين الصغار الموقوفين في قضية انفجار مرفأ بيروت، بعد إحالة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار على النيابة العامة التمييزية طلبات إخلاء السبيل إلى النيابة العامة، في حين تم رفض إخلاء سبيل كبار الموظفين.

واعتراضاً على استمرار التوقيفات من دون إجراء المحاكمات أو قبول طلبات إخلاء السبيل، تقدم عدد من الموقوفين الذين يحملون جنسيات أجنبية بشكاوى ضد الدولة اللبنانية إلى محاكم أوروبية إضافة إلى فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، يضع تلك التوقيفات في خانة الاعتقال التعسفي وغير القانوني.

تعطيل التحقيقات

وفي المقابل كان القاضي طارق البيطار قد أصدر مذكرات توقيف بحق عدد من المسؤولين اللبنانيين الكبار، أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق حسان دياب بتهمة الإهمال الجنائي والقتل العمد، ووزير المالية السابق علي حسن خليل، ووزير الأشغال العامة السابق غازي زعيتر المقربين من رئيس مجلس النواب نبيه بري، إضافة إلى وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق ووزير النقل الأسبق يوسف فنيانوس.

وإضافة إلى السياسيين، كان القاضي البيطار قد سطر استنابات قضائية بحق مسؤولين أمنيين حاليين، هما مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومدير عام جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، إلا أن رفض الرؤساء الإداريين إعطاء الأذونات القانونية بملاحقتهما حينها أوقفت الإجراءات القضائية التي كان يسعى إليها المحقق العدلي.

وأثارت ملاحقة السياسيين والأمنيين في البلاد أزمة سياسية واسعة النطاق، أدت إلى انقسام حاد للرأي العام المؤيد والمعترض، انتهت بتدخل لـ"حزب الله" في القضية عبر تصاريح حادة لأمين عام الحزب حسن نصر الله تتهم القاضي بتنفيذ أجندة أميركية - إسرائيلية للنيل من "المقاومة"، وبعد ذلك أثار دخول مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في "حزب الله" وفيق صفا إلى قصر العدل وتهديد القاضي البيطار بشكل مباشر سخطاً كبيراً لدى الرأي العام اللبناني، إلا أن النتيجة كانت حينها التعليق المستمر للتحقيقات تحت وطأة التهديد وعشرات دعاوى الرد ومخاصمة الدولة بحق البيطار.

الوزير والضباط 

وفي السنوات الماضية كانت السجون اللبنانية شهدت أيضاً توقيفات لمسؤولين أمنيين في قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، إذ تم توقيف مدير الأمن العام اللواء جميل السيد ومدير جهاز الأمن الداخلي اللواء علي الحاج ومدير الاستخبارات العسكرية العميد ريمون عازار، وقائد الحرس العميد مصطفى حمدان، في أغسطس 2005 للاشتباه بتورطهم في عملية اغتيال الحريري في 14 فبراير (شباط) من نفس العام بناء على طلب قاضي التحقيق الدولي الألماني ديتليف ميليس، قبل أن يخلى سبيلهم بعد أربع سنوات بقرار من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في نهاية مارس (آذار) 2009.

وفي قضية أخرى أوقفت السلطات اللبنانية الوزير السابق ميشال سماحة عام 2012 في قضية نقل متفجرات من سوريا إلى لبنان بهدف إحداث فتنة داخلية بحسب التقارير الأمنية، وقد حكم عليه بالسجن حينها لمدة 13 سنة سجنية (السنة السجنية تسعة أشهر)، قبل أن يطلق سراحه في أغسطس 2022 بعد تنفيذ محكوميته.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير