Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حالات "الابتزاز الإلكتروني" تسجل قفزة كبيرة في إقليم كردستان

نحو 50 في المئة منها ترتكب ضد نساء للحصول إما على أموال أو لإقامة علاقات

عمل فني في السليمانية للفنانة البصرية تارا عبد الله (أ ف ب)

سجلت بيانات ظاهرة سوء استخدام أجهزة الاتصال أو ما يعرف بـ"الابتزاز الإلكتروني" في إقليم كردستان زيادة لافتة لتحوز على نحو 50 في المئة من أعداد المتصلين بـ"الخط الحكومي الساخن"، فيما عزت جهات معنية الارتفاع إلى تطور الوعي المجتمعي في ظل توجه حكومي لتشكيل "غرفة خاصة" لرصد الجرائم الإلكترونية.
ومع التطور التكنولوجي برزت ظاهرة الابتزاز عبر أجهزة الاتصالات الحديثة وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث تخترق حسابات شخصية للضحايا وهواتفهم الخليوية أو ربما يكون الاختراق ناجماً عن تبادل للمعلومات بالتراضي نتيجة لعلاقة سابقة، ومن ثم يتم تهديدهم بنشر صورهم أو مقاطع فيديو للحصول إما على أموال أو لإقامة علاقة حميمة، وعادة ما تتصدر الفتيات والنساء أعداد الضحايا.
ويعزو معنيون أسباب الظاهرة إلى تدني الوعي المجتمعي باستخدام الأجهزة الحديثة وكذلك قصور في تطبيق أو تشريع القوانين وتحاشي الضحية، بخاصة في المجتمعات المحافظة، إبلاغ الشرطة "خشية الفضيحة"، فضلاً عن انتشار البطالة والتدهور الاقتصادي، مما يدفع بعض الأفراد إلى البحث عن مصادر دخل غير شرعية.

تصاعد مطرد

وكشف الإحصاء السنوي للحوادث والجرائم الذي أعلنت عنه مديرية شرطة إقليم كردستان العراق عن تسجيل 2576 حالة سوء استخدام أجهزة الاتصالات، في زيادة مطردة مقارنة بعام 2021 الذي لم يسجل فيه سوى 343 حالة، على رغم تراجع طفيف في معدل حالات قتل العمد التي لم تتجاوز 183 حالة وحالات الانتحار التي بلغت 240 حالة.
وتزامن إعلان الإحصاء السنوي مع اعتقال السلطات الأمنية في السليمانية متهماً بابتزاز فتاة تعرف عليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بناء على بلاغ من الضحية. وقالت الشرطة إن المتهم أرغم الضحية على دفع أكثر من 10 آلاف دولار، كما اعتقلت الشرطة عصابة مؤلفة من ثلاثة أشخاص متخصصين في سرقة السيارات عبر عرض سياراتهم للبيع في موقع للتواصل الاجتماعي.

النساء في صدارة الضحايا

وكشف إحصاء العام الماضي الخاص بالمحافظة عن تسجيل أكثر من 9 آلاف دعوى قضائية واعتقال نحو 20 ألف شخص بتهم مختلفة، بينما سجلت 690 قضية تتعلق بسوء استخدام أجهزة الاتصال. وسبق أن اعتقلت شرطة السليمانية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الماضي 38 شخصاً، جلهم من الذكور إثر تلقيها 27 شكوى غالبيتها تقدمت بها نساء. ويشير قضاة ومحامون من العاملين في الدوائر القضائية بالسليمانية إلى ظاهرة "أصبحت تتصدر أسباب الطلاق". وفي أواخر يوليو (تموز) الماضي، ألقت شرطة إدارة سوران بمحافظة أربيل القبض على شاب كان يبتز الفتيات بنشر مقاطع مصورة لهن في منصة "تيك توك" مقابل دفع مبالغ مالية، بعدما رفعت فتاة شكوى رسمية ضده وتمت عملية اعتقاله خلال استلامه المبلغ من الفتاة. كما أوقفت شرطة أربيل في الربيع الماضي متهماً ابتز تسع طالبات جامعيات، فضلاً عن اعتقال طبيب استغل مهنته في ابتزاز النساء بنشر صورهن بغية انتزاع أموال منهن، كما ألقت القبض على مبتز آخر كان تسبب بانتحار فتاة بعدما هددها بنشر صورها الشخصية.
ووفقاً لرئيسة البرلمان الإقليمي ريواز فائق، فإن "التطور التكنولوجي بات أداة مؤثرة في ممارسة العنف، بخاصة ضد المرأة في الأعوام الأخيرة، إذ إنه يشغل 50 في المئة من الحالات المسجلة لدى المؤسسات الرسمية".
وسجلت محافظة دهوك العام الماضي زيادة بلغت 20 في المئة في حالات سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وتقول السلطات الأمنية إنها تلقت خلال الشهر الأول وحده 29 شكوى. كما سجلت المحافظة ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الشكاوى من 536 إلى 677 شكوى خلال العامين المنصرمين.

نظرة إيجابية

في السياق، أفادت وزارة التخطيط الاتحادية، السبت 7 يناير (كانون الثاني)، ‌بأن عدد مشتركي الهاتف في عموم البلاد خلال عام 2021 تجاوز 40 مليوناً، بينما تجاوز عدد المشتركين في خدمة الإنترنت 20 مليوناً من إجمالي عدد السكان الذي يتجاوز الـ42 مليوناً.
عضو منظمة "مسلة" للتنمية الإنسانية أحمد كاواني يرجع تزايد معدل الحالات المسجلة إلى "زيادة الوعي المجتمعي والثقة بالقانون، فضلاً عن أن نسبة كبيرة من مستخدمي الأجهزة الإلكترونية بعمر 17 سنة وما فوق قد لا يتمتعون بالدراية المطلوبة حول شروط استخدام الأجهزة وسياقها وحدودها". وقال "علينا أن ننظر من زاوية إيجابية إلى ارتفاع النسب المسجلة من المخالفات الذي يدل على أن المواطنين بدأوا يثقون بأن هناك قانوناً يحميهم".
وقد تتجاوز الحالات النسب المعلنة في البيانات "بحيث يصار إلى حل بعض القضايا بعيداً من الشرطة بالتراضي بين الطرفين المعنيين"، وفق ما ذكر كاواني الذي توقع أن "يزداد معدل الشكاوى بيانياً بفعل الزيادة السكانية وقدوم آلاف المواطنين من وسط البلاد وجنوبها إلى الإقليم إما للعمل أو السياحة، مع تطور الوعي والجرأة في إبلاغ الشرطة، وهنا من الأهمية ألا تتم المماطلة في حسم الملفات بغية خلق رادع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ثغرات قانونية

وحول الحلول المقترحة للحد من الظاهرة، قال كاواني إنه "من الأهمية إضافة مادة توعوية إلى المناهج الدراسية أو تقديم محاضرات محدودة من قبل المنظمات والجهات المعنية مع بدء العام الدراسي لأن معظم الذين يسيئون استخدام هذه الأجهزة تتراوح أعمارهم بين 18 و23 سنة، لكن للأسف تم رفضه لمصلحة مقترح التوعية البيئية وجائحة كورونا". وتابع "من الأهمية أيضاً إجراء تعديل على قانون 2008 الذي خص أجهزة الهواتف حصراً".
ووفقاً للقانون رقم 6 لعام 2008 المشرع في برلمان الإقليم، فإن العقوبات المتعلقة بالمخالفات في مواقع التواصل الاجتماعي تشمل السجن من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة مالية تتراوح بين 750 ألف دينار (500 دولار) إلى 3 ملايين دينار (نحو 2000 دولار).
ويجمع ناشطون أكراد على أهمية تحديث أو تعديل القوانين بما يتلاءم مع التطورات الحاصلة، إذ إن العقوبات الواردة في القانون رقم 6 خصت الهواتف النقالة دون مواقع التواصل الاجتماعي ويرون أنها "عقوبات خفيفة قياساً بحجم بعض الجرائم التي تحدث".

إجراءات وقيود حكومية

وقدم في شهر أغسطس (آب) الماضي عدد من النواب طلباً عبر الادعاء العام في الإقليم لحظر أو فرض قيود على تطبيق موقع التواصل الاجتماعي "تيك توك" كونه "يشكل خطراً على المجتمع وتسبب بمشكلات عدة، خصوصاً لدى الشباب، إلا أن وزير الاتصالات آنو جوهر نفى حينها تلقيه طلباً رسمياً بحظر الموقع المذكور، لكنه أكد إمكان مخاطبة الشركة بحظر أقسام "لا تتوافق مع أعراف المجتمع الكردي وتقاليده".
وألزمت الوزارة شركات الهاتف النقال والإنترنت طرح "باقات عائلية" تخلو من المواقع الإباحية والمخلة وقدمت توصيات وتعليمات لمتابعتها ومراقبتها في الخدمة الجديدة، وشملت التشهير بالديانات والإخلال بالأمن ونشر الكراهية والتشجيع على العنف الأسري".
من جهته أكد نائب المدير العام لمديرية "مناهضة العنف ضد المرأة" في الإقليم آري رفيق أن مديريته "خصصت خطاً ساخناً مفتوحاً لمدة 24 ساعة ورقمه 119 لتلقي الشكاوى من الجنسين من مناطق الإقليم كافة، وغالبيتها تدخل ضمن ما يعرف بالجرائم الإلكترونية، كما تستقبل الشكاوى مباشرة"، ولفت إلى أن "أحد الحلول التي يجري العمل بها تأسيس غرفة الجرائم الإلكترونية بغية تسهيل عملية الوصول إلى المتهمين والمتجاوزين، فضلاً عن إجراء تعديل على قانون 2008 الذي خص الهواتف المحمولة لأن الإقليم قبل عام 2010 لم يكن لديه ملف خاص بالجرائم الإلكترونية لعدم وجود مواقع التواصل الاجتماعي، وربما نشهد جرائم أخرى مختلفة بعد عقد من الآن بحكم المتغيرات والتطورات التي قد تحصل والتي يجب وضع الحلول لكبحها".
وكان الناطق باسم شرطة إدارة منطقة كرميان التابعة للسليمانية علي جمال طالب بضرورة تعديل قانون استخدام أجهزة الاتصالات بعد تسجيل أكثر من 100 مخالفة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الماضي.

خشية من "الفضائح"
وأكد آري رفيق أن "بعض أسباب الظاهرة تكون خارج إرادة السلطات كالمتغييرات الاجتماعية التي تحصل عادة والتطور التكنولوجي، لذا فإن بعض المجتمعات، بخاصة تلك التي تعاني البطالة تكون أكثر عرضة للمخالفات، فيما يتجنب عدد من الأفراد في المجتمعات المحافظة رفع دعوى قضائية بحكم التقاليد والخوف من التبعات والفضيحة كأن يلجأ المتهم إلى نشر الصور التي في حوزته".
ويتفق آري رفيق مع الناشط كاواني على أن زيادة نسب الشكاوى في معظم ملفات العنف الأسري سواء ضد المرأة والانتحار والقتل وغيرها "مؤشر إلى زيادة الوعي الاجتماعي الذي لم يكن بهذا المستوى في السابق، لأن اعتقاداً كان يسود لدى العوائل والمرأة بأن للرجل الحق في الطريقة التي يعامل بها أسرته أو زوجته، وهذا سبب الارتفاع الحاصل في بيانات الشكاوى"، وأيد مقترح "إضافة منهج خاص في المدارس لنشر التوعية من حيث السبل الأمثل لاستخدام الأجهزة الإلكترونية، وليس الاكتفاء بتنظيم ندوة يتيمة هنا أو هناك".
وبحسب مسؤولين في مديرية "مناهضة العنف ضد المرأة" و"مركز الإرشاد الأسري" فإن غالبية "التهديدات والمشكلات التي يتعرض لها الأفراد تتم عبر أجهزة الاتصالات وعمليات القرصنة وأن معظمهم بعد اتصالهم بالخط الساخن يرفضون رفع دعوى قضائية ضد المتهم، فلم يوافق على التقدم بشكوى سوى 290 شخصاً من مجموع 3 آلاف متصل، وذلك خوفاً من عدم اعتقال المتهم"، كما يؤكدون أن "الشكاوى المرتبطة بالجرائم الإلكترونية تتراوح بين 40 إلى 50 في المئة من الشكاوى".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير