Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أفاتار 2" لجيمس كاميرون يطلق الدهشة إلى أقصاها

مليار ونيف دولار حصيلة شبابيك التذاكر حتى الآن والمشاهدون تسحرهم المشهدية الهوليوودية الضخمة واللحظات الحميمية

الفيلم الذي تخطى المليار ونيف مشاهد في العالم (ملف الفيلم)

ما سر جيمس كاميرون؟ لماذا ينجح حيث يفشل الآخرون؟ فيلمه الأحدث، "أفاتار 2: طريق المياه" المنتظر جداً، حديث العالم راهناً. لا تحتاج إلى أن تسأل أحداً إذا ما شاهده أو لا، لمعرفة مدى انتشاره بين الناس. الأرقام دالة وواضحة: مليار ونصف مليار دولار في شباك التذاكر العالمي. رقم ضخم يجعل العديد من السينمائيين يحلمون، من دون أن يكونوا قادرين على بلوغ ولو جزء بسيط من هذا الرقم. وتناول مسألة إيرادات الفيلم لا يأتي لدوافع التباهي التجاري، بل الغاية منه إظهار إقبال الناس عليه وعلى السينما عموماً، بعد سنتين وبائيتين كانت الصالات خلالهما فارغة ومهددة بالإقفال، خصوصاً مع صعود نجم العدو الجديد للصالات المتمثّل في منصّات العرض التدفقي. والآن، يبدو أنها سلكت طريق التعافي التدريجي مع عودة الجمهور إلى دور العرض... ومَن أفضل من جيمس كاميرون، ملك شبّاك التذاكر والمخرج الوحيد الذي له ثلاثة أفلام تجاوزت عتبة المليار ونيف، كي يعيد الناس إلى الصالات؟

لغة السينما

من دون لجوء إلى قضية معروفة تُعد من الأولويات اليوم في المشهد العالمي، ومن دون الاستعانة بممثّلين من الصف الأول أو ببطل ينقذ العالم، صاغ كاميرون فيلمه "أفاتار" وفي يده عنصر واحد فقط: لغة السينما، صانعة الدهشة. فعاد بنا إلى السنوات الأولى لاكتشاف السينما على يد الأخوين لوميير في مطلع القرن التاسع عشر، والتي انتقلت بسرعة من كونها مغامرة تقنية محل فضول، إلى فن جماهيري شعبي بارز. ولا عجب إذا رأينا في استخدام كاميرون للأبعاد الثلاثة، المقابل العصري للفانوس السحري. "دخول القطار إلى المحطة" للأخوين لوميير كان أثار خلال عرضه الأول مشاعر الدهشة والهلع عند المشاهدين، وهذا ما يثيره أيضاً "أفاتار 2"، بواقعيته التي تكاد تصبح ملموسة على الشاشة. كاميرون هو جورج ميلييس عصرنا الحالي، المؤمن بالشاشة ملعباً للتفكير والسحر والإغواء، الحالم الذي اعترض على ادعاءات افترضت أن "السينما فنّ ولد ميتاً". ولكنها، مع "أفاتار"، بدت يافعة تخرج من مخيلة فنان طليعي على مشارف السبعين... سينما لا نعرف كل أسرارها بعد، وهي لا تزال قادرة على التجديد والابتكار. 

شاهدتُ الفيلم داخل صالة مكتظة في بيروت التي تحاول هي الأخرى التعافي من الأزمات التي عصفت بها طوال السنوات الثلاث الماضية. والناس في مثل هذه الظروف يحاولون الهرب من واقعهم اليومي إلى عوالم افتراضية. عالم الخيال الأميركي، الكوميديا، أفلام الحركة الخفيفة، وغيرها من الأنواع السينمائية التي توفّر فسحة أمل أو ملاذاً آمناً ولو موقتاً، من متاعب الحياة وهمومها ومشقاتها. يقول المخرج الفرنسي فيليب غاريل في هذا الصدد: "كما كان يقول هيتشكوك، الناس يضجرهم الحديث عن حياتهم. إنهم بحاجة إلى الهرب منها، لهذا السبب نريهم أشياء لن يفعلوها قط، كالجريمة مثلاً، فترى أنهم يناصرون القاتل. هم لم يقتلوا قط، لكنهم يتعاطفون معه". جيمس كاميرون يدرك هذا الجانب جيداً. هو يريد الحديث عن العالم، لكن عبر خياله الذي لا سقف له، ومن خلال حمل المشاهد إلى بعيد، حيث يستفرد به تماماً داخل منظومة من اختراعه.

صحيح أن لفيلم كاميرون أيديولوجيته السياسية التي تتجلى في ما هو ظاهر وما هو باطن، لكن الفيلم مشغول في الدرجة الأولى، بصناعة متعة وإبهار وترفيه، فمن دون كل هذه لا يمكن استثمار مبلغ يتجاوز الـ400 مليون دولار وانتظار استرداد عشرة أضعاف ذلك الاستثمار. وكاميرون بارع في الجمع بين المشهدية الهوليوودية الضخمة واللحظات الحميمية التي صنعت بعضاً من سر فيلمه الأشهر "تايتانيك" بحيث استطاع أن يروي قصة حب بتفاصيلها العاطفية، داخل سفينة عملاقة على متنها مئات المسافرين. قدرته على ربط الطرفين بعضهما ببعض لا مثيل لها، و"أفاتار 2" مثال يُدرس في هذا المجال، فهو لا يمنحنا الوقت للتفكير فحسب، بل يقصفنا بالصور، على إيقاع 48 صورة في الثانية، كي نجد أنفسنا وقد تفاعلنا معها بريبة، وصولاً إلى إننا نستسلم لها عاجلاً أم آجلاً. 

ربع قرن

عملياً، أمضى كاميرون ربع قرن وهو يعمل على جزءي "أفاتار" (أجزاء أخرى قيد التحضير). شكّل الجزء الأول الذي صدر في عام 2009 ثورة رقمية ضخمة، ويومذاك اعتبرنا أنه ينجز سينما الغد من الآن. وبغض النظر إذا صحت توقعاتنا في حينها أو لم تصح، فلا يمكن أن ننكر أنه سبق الكثير من أبناء جيله في دمج الإنسان داخل عالم افتراضي على نحو لم يسبق له مثيل. وكان كاميرون انتظر تطور التقنيات في مجالي الصوت والصورة كي يطلق العنان لمخيلته، فمشروعه هذا ما كان ليتحقق من دون تكنولوجيا متقدمة. والآن، وبعد 13 سنة على إدخالنا كوكب باندورا، يعيدنا كاميرون إلى العالم الذي اخترعه ليضعنا أمام قصة تبدو هزيلة، قبل أن ندخل تدريجاً في أعماقها، وننسى أين نحن وماذا نرى.

من الصعب الدخول في تفاصيل الحكاية لكونها تنتمي إلى عالم المشاهدة، وهي تجربة تُعاش بالحواس ولا ينفع سردها خوفاً من جعلها سخيفة. بيد أنه يمكن اختزالها ببضعة سطور والقول إن جاك سولي سيلجأ بعد غزوات متكررة لكوكب باندورا، إلى منطقة جديدة يعيش سكّانها حياة مائية. هذا كل ما في الأمر، وهذا يبدو حجة كافية لكاميرون لتقديم استعراض بصري يمتد لثلاث ساعات لا تشهد تطويلاً أو حشواً، في انتظار المزيد في الأجزاء. كاميرون يعطّل كلياً آليات السرد الاعتيادية التي جاء بعضها من التراجيديا الإغريقية بفصولها المختلفة. فالفيلم يتكون في مجمله من حركة متواصلة وذروات تجعلنا في حالة تأهب مستمر، ولا يوجد "أشطر" من كاميرون في إشاعة هذا المناخ المطعّم بسرد يتطوّر ضمن إيقاع جهنّمي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على رغم المظاهر السطحية التي يتسم بها، فنحن حيال فيلم يحمل هموماً كثيرة، يتصل بالأرض وينفصل عنها في الحين نفسه. الإرث البشري، الكولونيالية، البيئة... هذا بعض مما نجده في "أفاتار" الذي يقترح بانوراما شاملة وجردة حساب ثقيلة على "الناجين" التعاطي معها بجدية. إلا أن هذا كله لا يتحول إلى درس، لكونه صُنع بذكاء شديد يدخل اللاوعي بدلاً من البقاء على السطح. هناك أيضاً استخدام سلس للتيمات الكلاسيكية والميثولوجيات والنصوص التأسيسية للأديان الإبراهيمية، وكلّ ما صنع المخيلة الجمعية للحضارة الغربية. نخرج من الصالة مع شعور بأن حكايات البشر لا تختلف مع اختلاف الأزمنة والأماكن، إلا أن الأسلوب والمخيلة هما اللذان يحدثان الفرق، كل الفرق، بين القديم والجديد.  

اقرأ المزيد

المزيد من سينما