يمكن التنبؤ بالشتاء، لكنه يباغت كل عام المنظمات غير المستعدة لدعم اللاجئين خلال الأشهر الأكثر برودة.
في أعقاب الغزو الروسي غير القانوني لأوكرانيا، تحوّل انتباه العالم إلى ملايين الأوكرانيين الذين تُرِكوا لمصيرهم في مواجهة البرد. دمرت الضربات الصاروخية الروسية المستمرة نصف شبكة الكهرباء في البلاد تاركةً ما لا يقل عن تسعة ملايين أوكراني من دون كهرباء لتدفئة منازلهم.
ومع بدء تساقط الثلوج والنقص الحاد في المعاطف والملاجئ ووقود التدفئة، تتزايد حالات الالتهاب الرئوي وقضمة الصقيع والإنفلونزا. وقد أدى الافتقار إلى التخطيط المسبق من قبل المنظمات الدولية إلى تصاعد هذه المشكلات، إذ لا يملك الكثيرون في هذا الوقت الضروريات اللازمة لاجتياز الشتاء بسلام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تكشَّفت لي الحقيقة الكاملة للوضع في الشهر الماضي خلال زيارة أوكرانيا، وقابلت هناك مواطنين مذعورين بشأن الأشهر المقبلة، حيث يصرف بعضهم كل موارده فقط لشراء موقد أو سخان مياه. بالنسبة لهؤلاء الناس، وكثر غيرهم، لا تصلهم المساعدات في وقت مناسب.
منذ أن شاركنا في تأسيس جمعية "اختاروا المحبة" Choose Love الخيرية للاجئين في عام 2015، نعمل مع شركاء على الأرض للتخفيف من هذا النقص في الدعم ونقل المساعدات بسرعة مع انخفاض درجات الحرارة. ولكن مع تزايد الحاجة في جميع أنحاء أوكرانيا، وكذلك في أنحاء مختلفة من العالم، لا يمكننا تلبية الطلب الهائل.
في حين سلّطت أوكرانيا الضوء على المصاعب الشتوية، فإن هذه الأزمة تحدث كل عام في جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك جزئياً إلى غياب التحضير الكافي المسبق لتلبية حاجات النازحين. ومنذ أن بدأنا هذا العمل، صرنا نشير إلى الوقت بوصفه فصول "شتاء" – بدلاً من سنوات.
ففي كل شتاء تعاني العائلات من مآسٍ كان يمكن تجنبها، بسبب نقص التمويل في الوقت المناسب. لقد رأيت بنفسي التداعيات الكارثية لهذه التأخيرات منذ عام 2015. وعشت إحدى أكثر اللحظات المؤلمة قبل بضع سنوات عند زيارتي مخيماً في لبنان حيث التقيت بامرأة دلتني إلى قبر ابنتها التي تجمدت حتى الموت في ذلك الشتاء.
وتبرز تحديات مماثلة في أفغانستان حيث نرى العديد من العائلات المنكوبة بالصراع مجبرة على تحمل درجات حرارة تبلغ 25 درجة مئوية تحت الصفر، مع تساقط الثلوج بكثافة مما يجعل من الصعب الحصول على الرعاية الطبية العاجلة. ويعيش أكثر من نصف سكان أفغانستان حالياً تحت خط الفقر. ومن دون التسليم السريع والفعال للملاجئ أو التدفئة أو المعاطف الشتوية، سيضطر الكثيرون إلى تقديم تضحيات اقتصادية مستحيلة لمجرد الشعور بالدفء.
ما تعلمته من عملنا هو أهمية وجود نموذج مرن للتمويل، فبوجود البيروقراطيات الكبيرة غالباً ما يتأخر التمويل كثيراً فلا يحقق فرقاً ملموساً. بينما يتيح لنا العمل مع الشركاء على أرض الواقع تقديم الحاجات الماسّة بسرعة والاستجابة للحاجات تزامناً مع نشوئها. وعليه فإن حماية النازحين في جميع أنحاء العالم من طقس الشتاء لا يتطلب بالضرورة إجلاء ملايين الأشخاص، بل يعتمد الأمر على الجاهزية والاستعداد لتقديم العناصر الأساسية اللازمة للبقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء.
نحن نعمل مع شركائنا كل عام للتحضير للطقس البارد المقبل في جميع أنحاء العالم، كما يساعد كل قرش من متجر "اختاروا المحبة"، الذي يجمع التبرعات حتى عشية عيد الميلاد، في تمويل المنظمات الشريكة على الأرض لتقديم المواد الأساسية – من معاطف الأطفال الشتوية في أوكرانيا إلى الوجبات الساخنة في سوريا، إلى "حُزَم الدفء" التي توفر الوقود في لبنان. وقد تكون هذه الحلول قصيرة الأجل بسيطة، لكنها الحلول التي يمكن أن تنقذ الأرواح.
ألتقي في متجر "اختاروا الحب" بأشخاص يتأثرون عاطفياً من النتائج الهائلة التي يمكن أن تمثله أبسط الأمتعة. إذ لا يمكن الاستهانة بالطاقة الناتجة من إمكانية توفير ما يكفي من المعاطف والملاجئ الدافئة والتدفئة قبل بلوغ الشتاء ذروته.
ولكن مع انخفاض درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم، هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الدعم. ويجب أن تتضافر جهود المانحين الدوليين لضمان ألا يخاف النازحون في جميع أنحاء العالم قدوم الشتاء مرة أخرى. وعندها فقط يمكن أن يعود الشتاء بوصفه مجرد تغيّر في الفصول، بدلاً من محنة تهدد الحياة.
جوسي نوتون هي الرئيس التنفيذي لجمعية "اختاروا المحبة"
© The Independent