Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكونغرس الجديد إلى أين؟

بات الرئيس السابق يحاصر خصومه الأقوياء في البيت الأبيض عبر "جيش المشرعين" الذين يسيطرون على بيت المال الفيدرالي

انتخاب مكارثي رئيساً للمجلس النيابي وتأكدت بالتالي سيطرة الجمهوريين على هذه الهيئة التشريعية مدة عامين (رويترز)

بعد أيام طويلة من أفلام انتخابات رئيس المجلس النيابي الهائجة والمائجة، تم انتخاب عضو الكونغرس عن كاليفورنيا الجمهوري كيفن مكارثي رئيساً للمجلس النيابي، وتأكدت سيطرة الجمهوريين على هذه الهيئة التشريعية لعامين. الرأي العام العالمي وبخاصة الصحافة الدولية بما فيها الشرق أوسطية والعربية استنفرت بقوة ووصفت تقريباً أن الوضع داخل الكونغرس "خرج عن السيطرة" وأن "فوضى" عارمة ضربت المجلس و"واشنطن قد تنهار من جديد"، إلى ما هناك من اندهاش للصراخ الحاصل في القاعة خلال الجلسات الـ14 قبل التوصل إلى اتفاقات نهائية بين مكارثي ومعارضيه ضمن الحزب الجمهوري، وحصوله على الرقم المطلوب لإيصاله إلى سدة الرئاسة.

أما الواقع العملي، فهو مختلف. فتطورات كهذه وإن كانت استثنائية فهي تحصل عندما تكون الظروف هي نفسها استثنائية. والأحوال السياسية في أميركا هي أيضاً باتت "استثنائية"، في الأقل منذ صيف 2020 مع انتفاضة المعارضة عبر تظاهرات "أنتيفا" وBLM (حياة السود مهمة) العنيفة، مروراً بغوغائية الانتخابات ومشكلاتها، وجلسات العزل ضد دونالد ترمب، وحركة السادس من يناير (كانون الثاني) في الكونغرس إلى الملفات القضائية المتفجرة، كل هذه التطورات غير الاعتيادية خلقت أجواء صدامية في السياسة العامة بما فيها السياسة البرلمانية. فباتت بعض المشاهد تشبه المناكفات في الكنيست الإسرائيلي أكثر منه في الأصوات المرتفعة في جلسات مجلس النواب البريطاني، ولكن مع أخذ كل هذا الفولكلور الجديد، تبقى المؤسساتية الأميركية المرجع الأعلى والأخير للحياة السياسية. فارتفاع نبرات الصوت، وتعدد جلسات التصويت، وانفجار "المنشيتات" (عناوين الصحف) لم تهدم الأسس الدستورية للسياسات الدستورية في البلاد. فالتصويت جرى، وانتخب ماكارثي، والأكثرية الجمهورية ستقود المجلس حتى الانتخابات الرئاسية، هذا قد حسم، ولكن هناك كثير من الأسئلة بحاجة إلى الإجابة عنها.

هل أضعفت المناكفات القبضة الجمهورية على المجلس؟ هل الانقسام بين أكثرية ماكارثي والكتلة المعارضة له في حزبه تسببت بانقسام ستستفيد منه الأقلية النيابية الديمقراطية؟ نظرياً، من الممكن أن تحاول الكتلة المؤيدة لجو بايدن في مجلس النواب أن تعيد الكرة مع الجمهوريين لتمتحن وحدتهم فتضعفهم وتشاغلهم لسنتين "فتحمي الرئيس" وإدارته من التحقيقات، ولن تتأخر. سنرى محاولات كهذه من دون شك، ولكن الكتلة الجمهورية على رغم الخلاف على الرئاسة ستتوحد على الملفات المهمة، لا سيما تلك التي تتعلق بمعارضة الإدارة، الأقلية الديمقراطية تعرف ذلك ولكنها توهم الصحافة الحليفة أن الجمهوريين الذين انقسموا على انتخاب ماكارثي سوف يبقون منقسمين حتى 2025. تسريبات كهذه وصلت إلى الإعلام العالمي الذي عممها، فباتت الصورة خارجياً أن الجمهوريين قد انقسموا "إلى أبد الآبدين". أما في الواقع فهذا حلم أنصار الإدارة الذين يتمنون أن يستمر الصراع بين ماكارثي ومات غايتس، أقصى المعارضين له، ولكن ما قد يجري ربما لن يتطابق مع تمنيات خصوم الجمهوريين. لماذا؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لأن الجلسات المتتالية التي أخفقت في الاتفاق على مرشح موحد تخللتها جلسات مفاوضات كثيفة بين أعضاء المجلس الجمهوريين للاتفاق على ملفات ووضع شروط للتنفيذ عند تسلم مكارثي، مما يعني أن ارتفاع أرقامه كان يعني تفاهماً متزايداً على الأجندة وليس العكس. أي إن وصوله إلى سدة الرئاسة قد قام على تفاهم وليس على خلاف، مما وحد الأكثرية الجمهورية بوجه خصومها وليس العكس، أي إن رئيس البرلمان الجديد قد تقدم بكل التنازلات المطلوبة من أجل الوصول إلى مكتبه الجديد في "الكابيتول"، وهو موقع يأتي في المرتبة الثالثة بعد الرئيس ونائبه، ويتحول إلى قائم بأعمال الرئيس إذا حصلت طوارئ دراماتيكية.

على ماذا اتفق الجمهوريون؟ على ملفات كثيرة، منها ما هو سهل التنفيذ ومنها ما هو أكثر تعقيداً. الملفات الأسرع اتفاقاً شملت ضبط الحدود الجنوبية مع المكسيك، ومسألة الضرائب، والحد من تأثير التطرف العقائدي في المدارس. أما الملفات المتفق عليها ولكن قد تحتاج إلى بحث إضافي: قضايا هانتر بايدن، وتحقيقات حول أجهزة الدولة، والمساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا. وتبقى ملفات كثيرة توحدت حولها الأكثرية الجمهورية لكنها ستناقشها لاحقاً.

ولكن هل سيتمكن الجمهوريون من تمرير هذه الأجندة من دون أن يحتاجوا إلى أصوات الديمقراطيين في المجلس؟ مبدئياً إذا توحدوا على هذه الملفات فلديهم الأعداد الكافية لتمريرها، ولكن إذا تم تمريرها في المجلس، ماذا سيحصل في مجلس الشيوخ؟ هذا الأخير فيه أكثرية سيناتور واحد لصالح الديمقراطيين، مما يوفر لأنصار بايدن قدرة التصدي لتشريع جمهوري، الأمر الذي يفتح باب مسألة أخرى وهي احتمال عدم قدرة الرئيس على الحصول على موافقة الكونغرس للتشريعات التي يبغيها. كل ذلك ينذر بتعقيدات آتية، ولكن في الوقت نفسه احتمال مفاوضات بين الأكثرية الجمهورية والبيت الأبيض تماماً كما جرى في حالات مماثلة لعهود سابقة.

بالملخص المفيد، الأكثرية الجمهورية سيطرت على المجلس النيابي. اصطدم جناحان جمهوريان داخل الأكثرية لكنهما عادا وتوحدا على إنتاج رئيس وتوافقا على أجندة. ستخرج تشريعات من المجلس النيابي لصالح الجمهوريين، وسيعلو النقاش داخل مجلس الشيوخ، وسيسعى بايدن إلى التفاوض مع الجمهوريين، وسيتفق الطرفان على الأمور الحيوية للأميركيين لكنهم سيختلفان على الأمور الاستراتيجية، ولكن من هو الرابح الحقيقي لمعركة انتخاب رئيس البرلمان؟

اثنان، الأول هو الجبهة النيابية اليمينية داخل الكتلة الجمهورية في المجلس. فهي عاندت وتفاوضت وحصلت على المواقع التي تريدها داخل لجان الكونغرس لعامين، والثاني هو دونالد ترمب "عراب" الحزب، الذي وطد ولاء الأكثرية برئاسة ماكارثي والأقلية المتشددة له، فبات الزعيم الأعلى لجمهوريي الكونغرس بوجه بايدن. فبعد أن كان مطارداً ومعزولاً من قبل أنصار الإدارة، بات القائد الأعلى للمكتب الثالث في البلاد بعد الرئيس ونائبته. وكما كتبنا منذ أشهر، بات الرئيس السابق بعد أن كان شبه منبوذ في واشنطن يحاصر خصومه الأقوياء في البيت الأبيض عبر "جيش المشرعين" الذين يسيطرون على بيت المال الفيدرالي.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء