Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"وثيقة الاستقرار"… خطة إسرائيلية لحصر الوجود الفلسطيني في غزة

رأت مؤسسات حقوقية أن هذا الإجراء يمهد لإقامة دولة بالقطاع

تحاول السلطات الإسرائيلية إجبار كل فلسطيني يدخل إلى غزة على الموافقة على تغيير مكان إقامته (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

قبل دخول الفلسطينية سلمى إلى قطاع غزة عبر معبر إيرز المخصص لحركة الأفراد، والخاضع للسيطرة الإسرائيلية، طلب منها الموظف المناوب بلغة الإشارة أن توقع على وثيقة معنونة بـ"تصريح بشأن الاستقرار"، فخطت الفتاة إمضاءها مسرعة، ومن دون أن تقرأ المضمون، إذ أنهكها السفر الطويل وترغب في إنهاء إجراءات دخولها بأسرع وقت.
وبموجب هذا التوقيع السريع على الوثيقة تنازلت سلمى نهائياً عن حقها في حرية الحركة، وحرمت نفسها وعائلتها من التنقل بين الأراضي الفلسطينية، ووافقت على المكوث في قطاع غزة التي باتت من سكانه حصراً.

تفاصيل "وثيقة الاستقرار في غزة"

وتعرف وثيقة "تصريح بشأن الاستقرار" بأنها إقرار من الإنسان الفلسطيني للسلطات الإسرائيلية بأنه يرغب في دخول قطاع غزة دون الخروج منه للأبد باتجاه الأراضي الفلسطينية أو الإسرائيلية، ويتيح لإسرائيل رفض منحه إذناً بالدخول إلى هذه المناطق، إضافة إلى ذلك تستطيع تل أبيب تعديل مكان إقامته إذا كان من سكان الضفة الغربية إلى غزة دون إشعاره، وبلا إضافة ذلك إلى البطاقة القومية.
وتتكون وثيقة "تصريح بشأن الاستقرار" من ورقة واحدة مكتوبة بطريقة قانونية باللغة العربية، لكنها مصوغة بأسلوب مختزل جداً ويصعب على سلمى وأمثالها حتى قراءتها وفهم معاني مضمونها والإسقاطات المرادة بها، وبمجرد التوقيع عليها يكون الشخص ملزماً بالتنازل عن حق الانتقال من قطاع غزة إلى الضفة الغربية.
وأكدت سلمى عدم معرفتها بمحتوى التعهد، وقالت، "بعد استقراري من تبعات السفر سألت المراكز الحقوقية عن الورقة التي وقعت عليها، وتبين لي مضمونها. لقد تم تضليلي حين كنت مرهقة من السفر، ولم أقرأها، أعتقد أن إسرائيل تتعمد عدم شرح الوثيقة وإيضاح تبعياتها".

 


على من تعرض الوثيقة؟

المشكلة بالنسبة إلى سلمى كارثية، إذ على رغم أنها مستقرة في غزة حالياً، فإن القطاع ليس منطقتها الجغرافية الأصلية، إذ إنها ولدت وعاشت في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، وتملك وثائق تؤكد ذلك، وانتقلت إلى القطاع بعد أن تزوجت برجل منه، وكثيراً ما تتنقل بين الأراضي الفلسطينية لرؤية عائلتها أو لأغراض أخرى.
وعادة، تعرض هذه الوثيقة على جميع الفلسطينيين المسجلين في البطاقة القومية أنهم من سكان الضفة الغربية، ويرغبون في الدخول إلى القطاع، وتشمل الأشخاص الذين ولدوا في غزة، لكن انتقلوا للسكن في الضفة عقب أحداث الانقسام الفلسطيني في عام 2007، وتمكنوا لاحقاً من تعديل خانة مكان الإقامة في البطاقة القومية.

وأيضاً النساء المقيمات في مدن فلسطينية وتزوجن برجال من غزة أو العكس إلى جانب الأسرى المفرج عنهم والمبعدين إلى القطاع أو رجال الأعمال الذين يعملون على تدشين مشروع لهم داخل المدينة المحاصرة، إضافة إلى أي فلسطيني يرغب في دخول القطاع الساحلي.

دولة في غزة

وبدأت إسرائيل تطبيق "وثيقة الاستقرار داخل غزة" في عام 2009، لكنها توقفت عن ذلك أو خففته خلال السنوات الأخيرة، لكنها عادت لهذه السياسة مرة جديدة بشكل مكثف مع بداية العام، مما أثار تساؤلات حول الهدف وراء ذلك.
وعبر باحثون في مجال الديموغرافيا عن اعتقادهم أن من شأن هذا الإجراء أن يحصر وجود الفلسطينيين في غزة، تمهيداً لإعلان دولة فلسطينية فيها، فضلاً عن أن هذه السياسة من شأنها أن تزيد الكثافة السكانية المتنامية بسرعة في القطاع معدوم المساحة. ورأى مراقبون أن "وثيقة الاستقرار" تعد شكلاً للترحيل القسري، وهي محظورة في القانون الدولي ومعاهدة جنيف.
وقال طارق باقوني من "مجموعة الأزمات الدولية"، إن "الهدف النهائي لهذه السياسة معروف، فإن استراتيجية حصر الفلسطينيين في غزة تعني تطبيق خطة إسرائيل في إقامة دولة فلسطينية فيها، هذا لن يحدث بالساهل، لكنه على المدى البعيد سيكون خياراً متاحاً. نعمل في المجموعة على تجنب حدوث ذلك ونتدخل، لكن الحكومة في القدس الغربية اتخذت قرارها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ترحيل قسري

في السياق، رأت هبة الدنف، محامية "مركز حماية المرأة" (مؤسسة حقوقية غير حكومية) أن "السياسة الإسرائيلية الجديدة ضد الفلسطينيين تصنف على أنها إبعاد قسري، وإلى جانب أنها تمس الحق في التنقل فإن لها أيضاً عواقب اجتماعية ونفسية بعيدة المدى". وأضافت أن "هذا الإجراء يشكل عملياً ترحيلاً قسرياً وانتهاكاً خطراً للقانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة، ويرقى إلى جريمة حرب، لذلك نحاول رفع دعاوى قضائية ضد إسرائيل في محكمتها العليا لوقف تطبيق وثيقة الاستقرار".
فعلياً، ما زالت تل أبيب تسيطر على سجل السكان، ولا يمكن للسلطة الفلسطينية إجراء أي تعديل على بيانات مواطنيها، سواء كان ذلك إضافة مولود أو حالة وفاة ولا حتى واقعة زواج وطلاق ولا تغيير عنوان إقامة إلا عند إشعار السلطات الإسرائيلية التي أيضاً تتحكم في تحديد مكان الإقامة إذا كان من سكان غزة أو الضفة الغربية، وهذا يحرم الفلسطيني من حق اختيار مكان السكن والعمل، وحتى الحياة الأسرية.

أهداف ديموغرافية

من جهتها، تؤكد جمعية "جيشاه مسلك" (مؤسسة حقوقية إسرائيلية غير حكومية تدافع عن حقوق الفلسطينيين في تل أبيب) أن وثيقة الاستقرار مخالفة للقانون الإسرائيلي، وتعد محاولة هندسة ديموغرافية في المنطقة.
ومنذ بداية العام، فرضت إسرائيل على نحو 80 فلسطينياً توقيع "وثيقة الاستقرار في غزة"، لكن لا يوجد بيانات حول عدد الأفراد الذين عدلت لهم السلطات مكان الإقامة إلى القطاع بدلاً من الضفة الغربية.
وصرحت منسقة الاتصال في جمعية "جيشاه مسلك" مريام مارمور بأن "إسرائيل تعزز سيطرتها على الضفة ووثيقة الاستقرار تعزز أهدافاً ديموغرافية وسياسية ساقطة، منها عزل قطاع غزة وضم فعلي للضفة، هذا باختصار جزء من سياسة الفصل العنصري".


خرق للأعراف

وأضافت أن "إسرائيل تحاول التأكد من أن أقل عدد ممكن من الفلسطينيين يعيشون في الضفة الغربية، وما تمارسه السلطات يعني نقلاً جبرياً جماعياً وفردياً لأشخاص محميين في القانون، دون مبررات".
ووفقاً للقانون الدولي من حق الساكن المحمي العودة إلى بيته، وهناك حظر واضح لفرض تنازل عن هذا الحق، كما ينص البند 47 من معاهدة جنيف على أنه "يحظر بأي شكل إلغاء الحقوق والفوائد من السكان المحميين المعطاة لهم".

رد إسرائيل

يرد على ذلك منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان بأنه "منذ وصول (حماس) إلى السلطة في غزة وضعت دولة إسرائيل سياسة للتمييز بين قطاع غزة ومنطقة الضفة الغربية، وبناءً عليه تقرر حصر العبور بين المنطقتين على الحالات الإنسانية والحالات الاستثنائية التي تتوافق مع الإجراءات". ويضيف أن "الوثيقة لا تحرم الفلسطيني من زيارة الضفة أو إسرائيل، لكنها تحصرها في المعايير المتمثلة في غرض العلاج أو دورة مهنية أو كل سبب آخر مذكور في نظام التصاريح الإسرائيلي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير