Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصعيد إسرائيلي قد يجر الفلسطينيين لانتفاضة شعبية

تتجه الحكومة الجديدة للشروع في خطواتها الأولية نحو شرعنة قوانين تتعلق بالاستيطان

فلسطينيون يرشقون جنوداً إسرائيليين بالحجارة في مناطق متفرقة من الضفة الغربية (اندبندنت عربية)

تزامناً مع إعلان ولادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، وهي الأشد يمينية وتطرفاً وفق التقديرات، أدرك الفلسطينيون أنهم أمام تحول جذري في مستقبل العلاقة مع إسرائيل، لا سيما في ظل أجندات سياسية علنية جديدة، تضع نصب عينيها خلق حقائق جوهرية على الأرض، من شأنها تفجير الأوضاع الأمنية وفرض تغييرات بعيدة المدى في الضفة الغربية، وزيادة الإدانات الدولية والإقليمية التي قد تلقي على تل أبيب أعباء دبلوماسية وتحديداً مع الإدارة الأميركية بعد الإعلان الصريح للرئيس جو بايدن بأنه سيعارض أي خطوة قد تعرض حل الدولتين للخطر.

 

فك الارتباط

وتتجه الحكومة الجديدة للشروع في خطواتها الأولية نحو شرعنة رزمة من قوانين تتعلق بالاستيطان وتبييض عشرات البؤر الاستيطانية، على رأسها تعديل "قانون فك الارتباط" الذي يسمح للإسرائيليين بدخول مناطق المستوطنات التي أخليت خلال "فك الارتباط" عام 2005، ما يعتبر خطوة مفصلية لأحزاب اليمين المتطرف وحزب "عوتسما يهوديت" وتحالف "الصهيونية الدينية"، لما للأمر من تأثير يضمن عودة المستوطنين إلى مستوطنة "حوميش" شمال الضفة الغربية، التي لطالما كانت مثاراً للجدل وفي صلب المناقشات خلال المفاوضات الائتلافية، بخاصة بعد أن أقام المستوطنون فيها معهداً دينياً "يشيفا" منذ عام 2009 كموطئ قدم دائم لهم في المنطقة.

وعلى الرغم من معارضة وزارة الخارجية الأميركية بشكل مباشر مساعي الحكومة الدينية القومية المتطرفة في إسرائيل لتعديل "قانون فك الارتباط" لشرعنة "حوميش"، وعدت حكومة نتنياهو بإضفاء الشرعية بأثر رجعي على عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية، التي تعرف أحياناً باسم "المستوطنات الشابة"، في غضون 60 يوماً من أداء الحكومة اليمين القانونية.

وعلى أثر ذلك، سارعت منظمة "ييش دين" الحقوقية الإسرائيلية للمطالبة عبر التماس قدمته للمحكمة العليا الإسرائيلية بضرورة "الإعلان بشكل واضح" أن السرقة غير قانونية. وأشارت المنظمة إلى أن "الحكومة الجديدة تعمل على إضفاء الشرعية على عملية الاستيلاء على الأراضي وإلغاء إجراءات الإنفاذ القليلة التي يتم تجاهلها على أي حال". وأضافت أن "حوميش باتت ملجأ للمجرمين". وتابعت أنه "على كل من يؤمن بالمساواة ألا يصمت ويجب على المحكمة أن تقرر وجوب إخلائها على الفور والسماح لأصحاب الأرض القانونيين بالعودة إليها".

صلاحيات واسعة

وفقاً لمحللين، بات عديد من مطالب المستوطنين أقرب للتحقق أكثر من أي وقت مضى، كيف لا وقد منح تحالف "الصهيونية الدينية" بزعامة بيتسلائيل سموتريش ورؤساء المستوطنات صلاحيات واسعة داخل لجنة التخطيط والبناء التي تجتمع أربع مرات خلال العام، لتقر خطط بناء جديدة في المستوطنات، مع تولي أوريت ستروك، من التحالف نفسه، منصب وزير الاستيطان، وكل ما يترتب على ذلك من تعيين رئيس الإدارة المدنية المقبل، والمنسق الجديد، إضافة لتلك الصلاحيات، تم سحب المصادقة على البناء الاستيطاني من يد وزير الدفاع الإسرائيلي كما هو معتاد، لتصبح من الآن وصاعداً بيد وزارة الاستيطان برئاسة ستروك، التي وضعت في سلم أولوياتها ملف تسوية أراضي الضفة الغربية، الذي سيمهد الطريق لتصنيف بعض أراضي "ج" (تشكل 61 من مساحة الضفة الغربية) التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة كأراضي دولة، الأمر الذي يتيح للمستوطنين الشروع ببناء مستوطنات بشكل متسارع.

من جانبها، حذرت منظمة "غيشا - مسلك" الناشطة ضد تضييق حرية حركة الفلسطينيين، من أن نقل صلاحيات الإدارة المدنية من وزير الدفاع إلى وزير شؤون الاستيطان "سيؤثر بشكل مباشر على حياة ملايين الأشخاص الذين يعيشون في قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وكذلك في إسرائيل، ما قد يؤدي لمزيد من الضرر للحماية القليلة جداً التي يتمتع بها الفلسطينيون حالياً ضد نظام الاحتلال، ويعمق الأذى غير القانوني ضدهم".

قيود صارمة

في المقابل، أعلن سموتريش، بصفته وزيراً للمالية، تجهيز مجموعة محامين ومفتشين لفرض مزيد من القيود الصارمة على "البناء الفلسطيني غير القانوني في مناطق ج"، الذي وصفه "بأنه يهدف إلى الترويج لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة". في وقت طرح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير مشروع قانون لتشديد عقوبات السجن على إشعال النيران المتعمد والهجمات على المزارع اليهودية، مطالباً بتشديد عقوبة الحد الأدنى لتصل إلى ثلاث سنوات من السجن الفعلي، ووفقاً لما أفاد به الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فقد جرى الاتفاق على منح بن غفير ميزانية قدرها 45 مليار شيكل (13 مليون دولار) على مدار سبع سنوات لهذه الغاية، إضافة إلى توسيع الطريق 60 السريع الرئيس بين شمال وجنوب الضفة الغربية، وبناء طرق التفافية، وتوسيع القانون الحالي الذي "يمنع توجيه اتهامات جنائية ضد مستوطنين يستخدمون القوة لحماية منازلهم"، ليشمل أيضاً أي شخص يدافع عن قاعدة عسكرية.

ووفقاً لتقرير نشره مجلس المستوطنات "ييشع" في وقت سابق من العام الماضي، ازداد عدد المستوطنين خلال السنوات الـ10 الأخيرة نحو 149 ألفاً، وتخطى عددهم في الضفة الغربية (من دون القدس) حاجز النصف مليون مستوطن، بمعدل زيادة سنوي يتراوح بين 12 و16 ألف شخص، وهم يعيشون في 150 مستوطنة موزعة بين أربع مدن استيطانية و14 مجلساً مناطقياً يضم مستوطنات صغيرة، وسبعة مجالس محلية لم تصل بعد إلى تصنيف مدينة، إضافة إلى نحو 70 بؤرة استيطانية كلها تقع في المنطقة المصنفة "ج".

ضم الضفة

وأظهرت التحليلات التي عرضها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية أن هناك إجماعاً كاملاً بين الأحزاب الإسرائيلية جميع (اليمينية واليسارية والوسطية) على أن الكتل الاستيطانية الكبرى مثل (أريئيل، معاليه أدوميم، غوش عتصيون) التي يسكنها نحو 77 في المئة من المستوطنين، سيتم ضمها إلى إسرائيل ضمن أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين، وأن الأراضي "ج" لم تعد أراضي متنازع عليها، وإنما أراض يهودية لا بد من بحث شروط وتوقيت وكيفية ضمها.

 

وقال الكاتب والباحث في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت "نتنياهو أحد أنصار (أرض إسرائيل الكبرى) الذين يعارضون قيام دولة فلسطينية، ولكن ليست لديه أدنى مشكلة في عدم المجاهرة بهذه المعارضة، بموازاة عدم التصريح بأن وجهته هي نحو ضم أكثرية أراضي الضفة الغربية، لإدراكه الثمن الباهظ الذي يمكن أن يترتب على ضم كهذا في الساحة الدولية. وبغية إبقاء هذا المنع ساري المفعول، يبني نتنياهو سياسته على ركيزتين: عدم الدخول في مفاوضات جوهرية مع الجانب الفلسطيني، وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة منذ 1967 من خلال توسعة الاستيطان".

ومع بدء الحكومة الـ37 ممارسة مهامها بشكل رسمي، بدا واضحاً لدى منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية، خصوصاً الناشطة في مجالي الحريات والحقوق، أنها دخلت مرحلة مواجهة حادة معها، بخاصة بعد أن بدأت بتنفيذ تشريعات برلمانية، تشمل إصلاحات في النظام القضائي، بما في ذلك "تقييد حق الملتمسين العامين بالتوجه إلى المحكمة العليا في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان."

وبينت نتائج استطلاع للرأي أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" أن 59 في المئة من اليهود و77 في المئة من العرب المستطلعة آراؤهم يعارضون تقييد حق منظمات المجتمع المدني في تقديم التماسات للمحكمة العليا. ويقول مدير القسم القانوني في جمعية حقوق المواطن عوديد فيلر لصحيفة "كلكاليست" الإسرائيلية "نحن عازمون أكثر من أي وقت مضى على رفض نوايا المساس بحقوق الإنسان"، واصفاً مشاريع الحكومة الجديدة بأنها "كارثة في الطريق إلى دولة أقل ديمقراطية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد حذرت 20 منظمة حقوقية إسرائيلية من سعي الحكومة اليمينية الجديدة جعل فرض ضم الأراضي الفلسطينية سياسة رسمية. وقالت المنظمات الحقوقية في عريضة إن "من الواضح بالفعل، أن التحالف الجديد سيكون كارثياً على حقوق الإنسان بين نهر الأردن والبحر المتوسط". أضافت أن "الحكومات الإسرائيلية السابقة رسخت بالفعل سيطرتها العسكرية على ملايين الفلسطينيين، وألحقت أضراراً جسيمة بحقوق الإنسان الخاصة بهم، وجعلت من إمكان تحقيق مستقبل عادل أكثر صعوبة"، ولفتت إلى أن "الشخصيات البارزة في هذه الحكومة الجديدة تنوي تصعيد هذا الاتجاه ودفع إجراءات خطيرة".

حق حصري

وفي وقت غاب عن الأجندة السياسية المعلنة أي ذكر لتسوية سياسية مع الفلسطينيين، تم التأكيد أن حكومة نتنياهو ستعمل على تعزيز وتطوير الاستيطان في مختلف أنحاء أرض إسرائيل، بما في ذلك في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة (المسمى الإسرائيلي للضفة الغربية)، وتضمنت وثيقة الخطوط العريضة للحكومة بحسب ما نشرت وسائل إعلام إسرائيلية، إعلاناً يؤكد "الحق الحصري للشعب اليهودي الذي لا جدال فيه في كل أجزاء أرض إسرائيل".

وقالت المحامية الإسرائيلية تال شنايدر "الحكومة الإسرائيلية الـ37 تعلن أن لها حقاً حصرياً في جميع مناطق أرض إسرائيل وليس لأي طرف آخر حقوق هنا، هذا لا يعني فقط تجاهل التطلعات الوطنية للفلسطينيين، بل هو إعلان من جانب واحد أن الشعب اليهودي هو فقط صاحب الحقوق". وأضافت "هناك بنود في الميزانية ونقل صلاحيات الإدارة المدنية والتعامل مع البنية التحتية في الضفة الغربية، ولم يتم ذكر كلمة الضم، لكن معنى هذه البنود هو ضم فعلي للمنطقة ج".

تجنب التصعيد

وسارع الفلسطينيون، من جهتهم، في الحشد إلى مقاطعة دولية للحكومة الإسرائيلية الجديدة بسبب أجندتها اليمينية المتشددة، معتبرين أنها تشكل "تهديداً وجوديا للشعب الفلسطيني"، وأفاد بيان أصدرته وزارة الخارجية الفلسطينية أخيراً، بأن "دولة فلسطين ترفض مبادئ الحكومة الإسرائيلية الجديدة السياسية للضم والعنف والعنصرية والتحريض على التطهير العرقي. دولة فلسطين تعتبر هذه الأجندة تهديداً وجودياً للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة". وحثت السلطة الفلسطينية المجتمع الدولي على "تحمل مسؤولياته ورفض أي تعامل مع حكومة ملتزمة بارتكاب جرائم دولية، بما في ذلك الضم والاضطهاد السياسي والتمييز العنصري".

في المقابل، بحث المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية، فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية، في إجراءات تأتي للرد على اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية، قراراً يطلب فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية، في شأن "الآثار القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية"، وقد تتركز العقوبات بحسب ما أفادت هيئة البث الإسرائيلي العام "كان 11"، "على قيادة السلطة الفلسطينية" وليس على الفلسطينيين، في محاولة لتجنب التصعيد، وقد تشمل العقوبات "سحب تصاريح VIP من المسؤولين الفلسطينيين"، لتقييد حركتهم خارج حدود عام 1967.

المزيد من الشرق الأوسط