Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تؤثر الفائدة المرتفعة على تنافسية السلع التونسية؟

منظمات تطالب بتوفير السيولة اللازمة للشركات ومساعدتها على تخطي الأزمة

نسب الفائدة المرتفعة تحدث اختلالات مالية ينشأ عنها إثقال كاهل المؤسسات بالديون (أ ف ب)

تسبب تراجع نسبة الاستثمار بتونس إلى 16 في المئة خلال عام 2022 في انخفاض مؤشرات النمو وخلل التوازنات الاقتصادية، يعود ذلك إلى الصعوبات التي تمر بها المؤسسات المتأثرة بالأزمة المالية، التي تشهدها البلاد، ويأتي عسر التوصل إلى التمويلات اللازمة كأهم هذه الإشكاليات، وخصوصاً صعوبة الاقتراض.

وفاقمت الإشكاليات المتعلقة بالاقتراض وتوفير السيولة اللازمة لتوسيع الاستثمارات أو إنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة من أزمة البلاد واستعادتها لنسق الإنتاج بعد زيادة نسبة الفائدة من قبل البنوك عام 2022 بناءً على قرار البنك المركزي التونسي الرفع في نسبة الفائدة الرئيسة خلال ثلاث مناسبات في العام نفسه.

واعتبر المركزي التونسي أن هذا الإجراء يهدف إلى المساهمة في كبح جماح ارتفاع التضخم بما يعيده إلى مستويات يمكن التحكم بها على المدى المتوسط.

وحذر المختصون في الاقتصاد من الانعكاسات المنتظرة للزيادة في الفائدة المديرية على وضعية المؤسسات والأسر، على حد السواء، لكن تكمن الخطورة في العجز المنتظر على تحسين نسبة النمو، وهو رهين دفع الصادرات وجذب العملات بتطوير الإنتاج عن طريق مساعدة المؤسسات على استعادة نسق نشاطها، وما ينجم عن ذلك من بطء في النشاط الاقتصادي والتهديد بركود قد يمتد، منبهين إلى بديهية التوازي بين سير النمو مع الاستثمار، وهو أحد محركات الاقتصاد الذي يشكو تراجعاً خلال السنوات الأخيرة.

تعثر أداء المؤسسات

كشفت منظمات تونسية عن إغلاق أكثر من 130 ألف مؤسسة اقتصادية في البلاد أبوابها نهائياً منذ عام 2020 إلى حدود 2022، كما تعاني 500 ألف شركة من وضعيات شبه إفلاس، بينما تراجع رقم معاملات المؤسسات الصغرى بنسبة 70 في المئة.

ويعجز أكثر من 30 في المئة من المؤسسات عن دفع أجور العمال، وفق رئيس المنظمة الوطنية لرواد الأعمال (مستقلة) ياسين قويعة، الذي قال إن المؤسسات الناشطة بكل القطاعات والمجالات على مشارف أزمة خانقة في ظل النسق التصاعدي لأسعار المواد الأولية وفقدانها من الأسواق بالتزامن مع تراجع المقدرة الشرائية للمواطن.

وطالب رئيس المنظمة الوطنية لرواد الأعمال الدولة بالتدخل لتشجيع المؤسسات على التصدير، وناشد البنك المركزي بحث البنوك على توفير السيولة اللازمة للشركات ومساعدتها على الخروج من هذه الضائقة، خوفاً من المخاطر التي قد تواجهها حال عدم نجاح المؤسسات في تخطي الأزمة.

وأشار إلى أن نسب الفائدة المرتفعة تحدث اختلالات مالية ينشأ عنها إثقال كاهل المؤسسات بالديون، ووفق مؤشرات البنك المركزي، فإن البنوك التونسية أرجعت ما يناهز 350 ألف صك من دون رصيد، وهو ما يدعو إلى التدخل العاجل لإنقاذ المؤسسات.

انعكاسات سلبية

وتوقع الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن انعكاسات سلبية لزيادة نسبة الفائدة الرئيسة من قبل البنك المركزي التونسي إلى 8 في المئة بارتفاع 75 نقطة قاعدية على المؤسسات التونسية بالنظر إلى القروض البنكية وصعوبات السيولة.

كما لفت إلى الآثار السلبية على الأشخاص الطبيعيين، الذين اقترضوا من البنوك، بينما ينتظر تعمق بطء وتيرة الاستثمار الخاص الممول من القروض البنكية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى حسن أن البنك المركزي التونسي إذا قام بدوره التقليدي لاحتواء التضخم، فإنه يتحتم على الحكومة اتخاذ إجراءات للحد من التأثيرات السلبية لهذه الزيادة، عن طريق دعم الفئات الاجتماعية في نسب الفائدة، للحصول على القروض، ومنها تمويل السكن، ثم دعم نسب الفائدة الموجهة للاستثمار أو لقروض الاستغلال بالنسبة للمؤسسات، للحفاظ على ديمومة المؤسسات الصغرى والمتوسطة والمقدرة الشرائية.

وتأتي الزيادة في إطار صلب مهام البنك المركزي والسياسة النقدية الواجب اتخاذها لاحتواء التضخم، لكنها عامل معاكس للسعي بالنهوض بالمؤسسات المتحصلة على قروض بنسبة فائدة متغيرة، من خلال ارتفاع الأعباء المالية الناجمة عن التمويل، وهو ما سيؤدي حتماً إلى تراجع تنافسية المؤسسة التونسية وتعميق الصعوبات المالية التي تواجهها.

كما سيؤثر قرار مؤسسة الإصدار على تكلفة الاستثمار المرجحة للارتفاع ما سيحد من نسبة الاستثمار الخارجي والداخلي، وفق حسن.

ارتفاع التضخم

في حين توقع محافظ البنك المركزي مروان العباسي أن تظل نسبة التضخم مرتفعة خلال عام 2023 وتصل إلى 11 في المئة، مبيناً أهمية قرار البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسة بـ75 نقطة أساس إلى 8 في المئة، لكنه عاد ليشير إلى إمكانية انخفاض نسبة التضخم تدريجاً خلال عامي 2024 و2025.

وقال العباسي إن نسبة التضخم وصلت إلى 15 في المئة خلال تسعينيات القرن الماضي بتونس مع نسبة نمو تقدر بـ5 في المئة ووصلت عام 2017 إلى 11.1 في المئة.

وأشار إلى أن نسبة العجز الجاري ستبلغ 8 في المئة من الناتج الداخلي الخام خلال عام 2023، معتبراً أنه لا يوجد أمام تونس العديد من الحلول لمحاربة ارتفاع نسبة التضخم غير الزيادة في نسبة الفائدة الرئيسة، وهي الآلية التي تلجأ إليها كل البنوك المركزية.

وأضاف أن "نسبة الفائدة التي تم اعتمادها أتت أكلها ومكنت من الحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار وعلى مخزون العملة الصعبة".

وكشف البنك المركزي التونسي عن انخفاض معدل نسبة الفائدة للسوق النقدية بنسبة طفيفة إلى 7.26 في المئة خلال ديسمبر (كانون الأول) 2022، مقابل 7.27 في المئة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، علماً بأن هذه النسبة لم تتجاوز 6.25 في المئة خلال ديسمبر 2021 و6.12 في المئة خلال ديسمبر 2020.

وسجلت ذروة معدل نسبة الفائدة للسوق النقدية في السنوات الأخيرة خلال مارس (آذار) 2019 بمعدل ناهز 7.90 في المئة مقابل 6.04 في المئة خلال مارس 2018 وبمعدل 4.29 في المئة خلال مارس 2017.

تدخلات البنك المركزي

نسبة الفائدة الرئيسة كانت لا تتجاوز 3.25 في المئة خلال عام 2011، وفق محمد صالح سويلم المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي، وأصبحت اليوم في حدود 8 في المئة جراء ارتفاع نسبة التضخم إلى 9.8 في المئة.

قال سويلم لـ"اندبندنت عربية" إن "لعب البنك المركزي الدور الموكول له وهو الدور التعديلي للتحكم في الأسعار والتضخم، وليس له أي آليات مغايرة لوضع تشريعات أو حوافز، لتحسين العوامل التي تؤثر في الفاعلين الاقتصاديين، بحكم أن التضخم التي تعيشه تونس هو مستورد بالأساس".

وأضاف أن الهدف هو التحكم في الكتلة النقدية المتداولة بالاقتصاد والحد من النسق المرتفع للقروض، لأن الاقتراض نما بنسق يجعل من الكتلة النقدية متجاوزة للإنتاج، ما يحدث اختلالاً في العرض والطلب.

وأوضح أن "المترتبات البديهية لزيادة الفائدة الرئيسة هو ارتفاع تكلفة الاقتراض التي تمس بصفة مباشرة المستهلكين والمستثمرين على حد السواء، لكن ينتج منه التقليص في الكتلة النقدية بالتالي التخفيف من الضغوط التضخمية".

وأشار إلى أن الدور التعديلي للبنك يتمثل في تقليص الكتلة النقدية لتنمو بنسق الإنتاج نفسه ليعيد التوازن بين العرض والطلب في سوق السلع ليعود بعد ذلك إلى تخفيضها وهو ما حدث في السابق، فخطورة صعوبات الاقتراض وغلاء تكلفته بسبب زيادة الفائدة الرئيسة لا تفوق مخاطر التضخم المنذرة بانهيار المقدرة الشرائية.

تاريخياً مرت المؤسسات التونسية بوضعيات اقتراض أكثر عسراً بنسبة فائدة رئيسة قدرها 11.7 في المئة عام 1991، وفق سويلم، وهي تعاني الآن من فترة عسيرة غير منفصلة عن وضعية جميع المؤسسات بالعالم بسبب زيادة الفائدة الرئيسة المنذرة بفقدان السلع التونسية لتنافسيتها في الأسواق وتراجع التصدير على خلفية تكلفة الاقتراض والإنتاج.

ويرى سويلم أن ما يخفض من هذه المخاطر هو حلولها في ظرف اقتصادي عالمي مماثل ومرور المصنعين والمنتجين في العالم بالوضعية نفسها ما يقلل من فرضيات فقدان تنافسية الاقتصاد والمؤسسات التونسية بالنظر إلى اتجاه معظم البنوك المركزية حول العالم إلى زيادة نسبة الفائدة الرئيسة لمحاربة العدو اللدود التضخم.

وأشار إلى أن تاريخ هذه المواجهات يثبت أن محاربة التضخم هي أولوية الأولويات حتى إذا أدت إلى ركود اقتصادي، وقال إن البنك المركزي التونسي غير نسبة الفائدة في 17 مناسبة منذ يناير (كانون الثاني) 2011 بالزيادة في 12 مرة والتخفيض في 5 مرات ويظل الترفيع ظرفياً، وبالتوازي مع تشديد السياسة النقدية يقوم البنك المركزي بمجهودات لضخ السيولة في السوق.