Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغربي عبدالرؤوف خرج من سجن الاستعمار نجما كوميديا

جسد شخصية الإنسان الذي يواجه العالم ببساطته وعانى في بداياته وقدم أدواراً فكاهية على مدار 60 عاماً

رائد الكوميديا المغربية عبد الرحيم التونسي المعروف بعبد الرؤوف (نقابة اللممثلين)

جاء عبدالرحيم التونسي إلى الكوميديا من أوسع أبواب الالتزام الفني والسياسي. فالفنان الفكاهي الشهير، الذي غادرنا أخيراً عن 86 سنة بسبب مشكلات في القلب، كان مقاوماً وعضواً في الحركة الوطنية، وتعرض للاعتقال في شبابه، خلال المرحلة الكولونيالية، بسبب هذا الانتماء الوطني. قضى التونسي خمسة أشهر في السجن خلال عام 1954، أي  قبل سنتين من استقلال البلاد، وشهد بعينه حالات تعذيب وانتقام، من بينها إعدام ثلاثة مناضلين حرقاً.

غير أن ذلك لم يكن يمنعه من ممارسة التمثيل داخل السجن. ولم يكن الجمهور سوى رفاقه من النزلاء. لقد خرجت الكوميديا من قلب المأساة، ولعلها كانت في البداية ملهاة سوداء، تقوم على السخرية من الظلم والقهر والاستبداد. فقد عرف المغرب خلال الخمسينيات تنامي الحس الوطني وتظافر أشكال المقاومة بالسلاح والكلمة والفن، من أجل تسريع خروج الاحتلال الفرنسي من الأراضي المغربية. وهو ما تم بالفعل سنة 1956 عقب عودة الملك الراحل محمد الخامس من منفاه الإجباري.

ولم يكن لقب التونسي اعتباطاً لدى الفنان المغربي، فوالده قدم من تونس مع بداية القرن الماضي واستقر في المغرب، عمل مترجماً بأمر من الفرنسيين. وظل الدم التونسي يسري في عروق ابنه، الذي غادر المدرسة الفرنسية احتجاجاً على مقتل المناضل التونسي فرحات حشاد.

 

تأثر في بداياته بالفنانين أحمد القدميري وبوشعيب البيضاوي، وهذا الأخير كان يقدم أدواراً نسائية، بديلاً عن المرأة التي لم تكن تجرؤ في ذلك العهد على الوقوف أمام الكاميرا أو أمام الجمهور في المسارح. ومن داخل السجن جسد برفقة زملائه دور الرجل البدوي الساذج، سعياً منه إلى إضحاك النزلاء والتخفيف عنهم. ولم يكن يعرف أن هذه الأدوار الترفيهية الصغيرة ستقوده بالتدريج إلى أن يغدو أسطورة الفكاهة في المغرب.

لكن المفارقة الكبيرة كانت عقب خروج التونسي من السجن، إذ وجد نفسه مضطراً للعمل في مقبرة، والإقامة فيها. فالتمثيل آنذاك لم يكن مصدراً لتوفير الحاجات اليومية، ثم إن الاحتراف لم يكن فكرة تطرق رأس عبدالرحيم التونسي.  فالأدوار الأولى قدمها في بداية مساره كانت بالمجان، وهو نفسه لم يكن يعتقد أن هذا العمل الترفيهي له بالضرورة مقابل مادي.

شخصية واحدة على مدار ستة عقود

مع مطلع الستينيات اهتدى الفنان المغربي بالصدفة إلى الشخصية التي ستجعل منه الكوميدي الأشهر في تاريخ المغرب. لقد ابتكر سنة 1960 شخصية "عبدالرؤوف"  الرجل البسيط الذي استطاع أن يضحك أجيالاً من المغاربة على مدار ستة عقود.

 

إثر عودته من مدينة الجديدة القريبة من الدار البيضاء، بعد مساهمته في عمل مسرحي برفقة فريق من الهواة، اكتشف أن الفرقة قد نسيت بعض الملابس في سيارته، ارتداها ووقف أمام المرآة. كانت أزياء التمثيل أكبر من مقاسه بكثير، لذلك بدا له أن ارتداءها في حد ذاته هو مشهد كوميدي. صنع لهذه الشحصية صوتاً خاصاً بها، هو أقرب إلى صوت الطفل، وجعل لها خصائص تميزها، أولها السذاجة التي لا تخلو من مكر، ثم عدم الخوف من الآخر، والتفاعل معها كيفما كانت طبيعته، فضلاً عن قول الحقيقة مهما كلف الأمر. وكانت هذه الصفات الطفولية تقوده في الغالب إلى الوقوع في مواقف محرجة عليها تدبر أمره كي يخرج منها. وكان يجسد هذه المواقف بشكل ساخر على الدوام، وينال بالتالي تعاطف الجمهور مع شخصية بسيطة وهشة، لكنها بقدر ما تخلق المشكلات تخلق الفرجة وتنتزع الضحكات من الجمهور على اختلاف فئاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استلهم التونسي شخصية عبدالرؤوف من الطفل. لذلك كان تعاطف الجمهور يحصل معه باستمرار. وإن كان في الحقيقة طفلاً كبيراً قادراً على التعبير عن المفارقات الاجتماعية التي تحول الفرد إلى أضحوكة، في مجتمع مستعد باستمرار للسخرية من المحن الفردية.

قدم عبدالرؤوف عشرات التمثيليات الفكاهية، وحافظ على هندامه الفني في مختلف أعماله: بنطلون تقليدي فضفاض، وسترة كبيرة، وطربوش مغربي أحمر. وصار هذا اللباس جزءاً أساسياً من شخصية عبدالرؤوف.

استطاع عبدالرحيم التونسي أن يخترق مختلف وسائل التواصل الفني في زمن صعب، ولم يكن مدعوماً سوى من موهبته الفردية. ومن المسارح الصغيرة إلى الخشبات الكبرى مروراً بالإذاعة والتلفزيون، والسينما لاحقاً، وقبلها الأقراص والأشرطة السمعية، أصبح عبدالرؤوف الشخصية الكوميدية الرائدة الأكثر تقديراً في تاريخ المغاربة. استطاع أن يحافظ على هذه الحظوة على رغم أنه ظل على مدار ستة عقود يقدم شخصية واحدة، يتغير سياقها الاجتماعي، ولا تتغير هي. ومع ذلك لم يقع في الرتابة، على رغم ظهوره بالطلة الفنية ذاتها والصوت نفسه واللباس عينه. فقد كان قادراً باستمرار على مفاجأة محبيه والإتيان بالجديد، لا على مستوى الشكل، بل على مستوى المضامين الاجتماعية، ولغة الحوار، والتفاعل الآني مع الجمهور.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة