Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واشنطن المنقسمة... دراما الجمهوريين لم تحدث منذ 100 عام

فوزهم أدى إلى شق الصف وأمد "الديمقراطي" كحزب واحد قد يطول

ماكارثي فشل مرتين في الحصول على أصوات كافية ليكون رئيس مجلس النواب للكونغرس الجديد  (أ ف ب)

فيما كان ينبغي أن يكون لحظة انتصار للجمهوريين بإظهار وحدتهم أمام الأمة الأميركية، تحولت عملية انتخاب رئيس مجلس النواب إلى دراما تعكس انقسام الأغلبية الجديدة وكارثة تاريخية لم تحدث منذ 100 عام، إذ فشل كيفين ماكارثي زعيم الجمهوريين في تأمين 218 صوتاً كان يحتاجها لإعلان فوزه بعدما رفض دعمه 20 من العناصر الأكثر تشدداً المؤيدين للرئيس السابق دونالد ترمب، وبعد ثلاث جولات تصويت فاشلة تأجلت الجلسة إلى اليوم التالي، فما الرسالة التي يحملها هذا الانقسام بين الجمهوريين، وهل سيكون بوسعهم إنهاء حكم الحزب الواحد الذي استحوذ عليه حزب الرئيس بايدن خلال العامين الماضيين؟

انقسام عميق      

بعدما فشلت جهود تسوية الخلافات خلف الأبواب المغلقة على مدى شهرين بين ماكارثي وعناصر الجناح الأكثر تشدداً في الحزب الجمهوري الذين ساندهم بقوة الرئيس السابق دونالد ترمب، خرجت الحقيقة إلى العلن حين أهدر الجمهوريون عدة ساعات خلال جلسة افتتاح مجلس النواب، في نزاع غير حول من يجب أن يكون رئيساً للمجلس.

وبدلاً من استخدام هذا الحدث الذي نقلته شبكات التلفزيون الأميركية الأوسع انتشاراً في إظهار التلاحم حول ماكارثي لتبديد المخاوف بشأن قدراتهم خلال العامين المقبلين، تنازعوا المرة تلو الأخرى في عرض درامي ينذر بصعوبات حقيقية في الحكم ويكشف عن عمق الانقسام بين الأغلبية في مجلس النواب الذي راهن كثيرون على أن يكون أداة الجمهوريين الرئيسة في إنهاء حكم الحزب الواحد الذي مثله الحزب الديمقراطي خلال العامين الماضيين بسيطرته على السلطتين التنفيذية في البيت الأبيض والتشريعية في الكونغرس.

جمود وشلل

وعلى الرغم من الدور البارز لكيفين ماكارثي في جمع الأموال للحزب ونجاحه في إقصاء الديمقراطيين وتسليم مجلس النواب للجمهوريين، واستمرار دعمه من غالبية النواب في صفوف الحزب، فإن 20 جمهورياً رفضوا انتخابه لرئاسة المجلس وهو المنصب الثالث في سلم الرئاسة بعد الرئيس ونائبه، وأجبروه للمرة الأولى منذ قرن على إجراء جولات تصويت متكررة من دون بارقة أمل تنبئ بإيجاد طريقة للخروج من هذا المستنقع، واستلزم هذا الجمود وقف التنظيم الروتيني المعتاد لمجلس النواب الجديد، وعدم أداء النواب الجدد اليمين القانونية، وبالتالي لا يمكن النظر في أي تشريع.

سعى ماكارثي نفسه في جعل الصراع حول شيء أكبر من مجرد الانقسام على شخصه وناشد خصومه تنحية أي مشاعر حتى يتمكن الجمهوريون من المضي قدماً، كما حاول إنهاء هذا التمرد بالموافقة على مطالبهم بإرساء قواعد جديدة من شأنها أن تفتح الباب في أي وقت لخلع رئيس مجلس النواب بالتوازي مع موافقته على متطلبات أخرى من شأنها أن تترك قيادة الحزب في المجلس عاجزة وتحت رحمة المحافظين المتشددين عند التقدم بتشريعات، لكن جهوده باءت بالفشل حيث لم تتزحزح مواقف الكتلة المتشددة.

وأثار هذا الجمود بعضاً من المتشددين الآخرين مثل النائبة مارغوري تايلور غرين التي وجهت انتقادات إلى أولئك الذين يقاومون ماكارثي بسبب انعكاس ذلك على صورة الحزب، ووصفتهم بأنهم "يلعبون الروليت الروسي مع أغلبيتنا الجمهورية التي حصلنا عليها بشق الأنفس وهذا أسوأ شيء يمكن أن يحدث".

مصاعب مستقبلية

سلط هذا الشلل الضوء على المعضلة التي تواجه الجمهوريين في مجلس النواب، حيث تشير صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنه بغض النظر عن التنازلات المقدمة للمتشددين في أقصى اليمين، فهم ببساطة لن يلينوا وينضموا إلى زملائهم، حتى لو كان ذلك من أجل الصالح العام لحزبهم، وربما الأمة الأميركية، لأنهم يعتبرون أنفسهم أصوليين محافظين لا يمكن استرضاؤهم ما لم يتم تلبية جميع مطالبهم التي تتمثل حتى الآن في إلغاء أو خفض تمويل الحكومة وعرقلة أجندتها بدلاً من مشاركتهم في الحكم.

وهذا يعني أنه أياً كان من سيتولى قيادة مجلس النواب، سيواجه مقاومة عميقة الجذور عند محاولة تمرير مشاريع قوانين الإنفاق الحكومي وغيرها من المشاريع والإجراءات التي تعتبر أساسية للحكم. فيما اعتبر جون فيهيري الخبير الاستراتيجي الجمهوري والمساعد السابق في مجلس النواب أن مشهد بداية عهد الجمهوريين بصدام داخلي يضعف من قوة الحزب ومن شأنه أيضاً أن يترك أي رئيس مجلس نواب يتم اختياره في النهاية مقوضاً بشدة.

وعلى الرغم من أن الديمقراطيين كانوا يستمتعون بحالة الانقسام والاضطراب في صفوف الجمهوريين، فإنهم أدركوا أيضاً المشكلات التي قد تواجه الجميع في المستقبل، حيث عبر النائب الديمقراطي مايك كويغلي، عن اعتقاده أن المعركة على انتخاب رئيس المجلس، كانت تتويجاً لرغبة بعض الجمهوريين المتزايدة في استعدادهم الأكيد لتجميد وتدمير جميع الجهود المقبلة التي تبذل من أطراف أخرى إذا فشلوا في الحصول على ما يطلبونه.

شكوك وآمال

وبينما كان الجمهوريون يبحثون عن مخرج من معضلتهم اعترف بعضهم بالرسالة السيئة التي يرسلونها مع الجمود الحالي، غير أن الآمال راودتهم في أن يصبح الخلاف الحالي ذكرى بعيدة بالنسبة للناخبين بمجرد انتخاب قيادة الحزب ورئيس مجلس النواب، حيث يشير النائب الجمهوري كين باك، إلى أنه في غضون ثلاثة أشهر تصبح الأزمة الحالية كرة صغيرة غير مهمة. وبعد عام ونصف العام، عندما يبدأ الناس في التفكير في التصويت مرة أخرى فإنهم لا يفكرون في ذلك بل يفكرون فيما أنجزه النواب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورغم هذه الضجة التي رافقت الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب، فإن غالبية الجمهوريين على ثقة في أنها لن تغير من أولوياتهم في إنهاء حكم الحزب الواحد في الولايات المتحدة، إذ من المتوقع مع حسم انتخاب رئيس مجلس النواب بعد ساعات أو بعد أيام، أن تحل أولويات جديدة، وسلسلة من التحقيقات قد تطال نجل الرئيس ووزراءه، وصراعات حزبية يمكن أن تعرقل أجندة بايدن، إن لم توقفها بشكل كامل. 

وفي حين اعترف النائب الجمهوري جيم جوردان، وهو بديل اليمين المتشدد لمنصب رئيس المجلس الذي يفضله بعض المحافظين، بأن التوقعات التشريعية تظل محدودة في أحسن الأحوال، لأنه من الصعب تمريرها في مجلس الشيوخ الديمقراطي أو أن يوقعها الرئيس بايدن، فإنه من المحتمل خوض معركة ملحمية لإبقاء عمل الحكومة مستمراً ولتجنب التخلف عن سداد الديون الكارثية، مشيراً إلى أن مهمتهم الرئيسة هي ضمان عدم تمرير الكونغرس مرة أخرى لهذا النوع من الإنفاق الهائل.

إنهاء حكم الحزب الواحد

وعلى الرغم من أن الجمهوريين يدركون أنهم يسيطرون فقط على مجلس النواب، وهذا يعني من الناحية التشريعية، أنه لا يوجد الكثير الذي يمكن للحزب الجمهوري أن يفعله طالما أن الديمقراطيين يسيطرون على مجلس الشيوخ ويمارس بايدن حق الفيتو، إلا أنه يمكن للجمهوريين الاستفادة من سلطتهم التحقيقية، حيث أوضح زعيم الحزب الجمهوري في مجلس النواب كيفين ماكارثي، أنه عندما يؤدي الكونغرس الجديد اليمين، فإن الديمقراطيين لن يكون لديهم حكم الحزب الواحد، وأن الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب ستغير اتجاه البلاد.

وفي الثاني من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قدم ماكارثي تحذيراً حول رسائل البريد الإلكتروني الصادرة من شركة "تويتر" وأظهرت موظفي الشركة وهم يناقشون كيفية التعامل مع الأخبار المتعلقة بجهاز الحاسب المحمول الخاص بهنتر بايدن نجل الرئيس الأميركي، قائلاً إنه في غضون أيام، ستحصل الأغلبية الجمهورية الجديدة في مجلس النواب على إجابات للشعب الأميركي التي يستحقها في إشارة واضحة على فتح التحقيقات في قضية هانتر بايدن.

وعلاوة على ذلك، من المتوقع أيضاً أن يستعرض الحزب الجمهوري عضلاته في جميع أنواع الرقابة المتعلقة بالبيت الأبيض، ومنشأ فيروس "كوفيد-19"، وملف الهجرة من الحدود الجنوبية مع المكسيك وغيرها من القضايا الأخرى.

كبح جماح شركات التكنولوجيا

لكن على الرغم من الصورة المتشائمة عن حدة الانقسام بين الحزبين فإن هناك بعض التشابه والتنافر في عدد من الملفات، وعلى سبيل المثال يريد الجمهوريون مساءلة شركات التكنولوجيا والسوشيال ميديا الكبرى عما يرون أنه رقابة على أعضاء الحزب الجمهوري والتواطؤ الملحوظ بين الحكومة وشركات التكنولوجيا الكبيرة والتحيز ضد المحافظين، في حين يركز الديمقراطيون تحقيقاتهم على قضايا مكافحة الاحتكار، وكيفية تعامل شركات التكنولوجيا مع خطاب الكراهية، وظهور القومية البيضاء.

وقد يتمكن الحزبان من العمل معاً، مثل السيناتور الديمقراطية آمي كلوبوشار والنائب الجمهوري كين باك، اللذين عملا معاً على تشريع مكافحة الاحتكار، وهناك مشروع آخر لتقليل التضخم، ولكن مرة أخرى، لدى كلا الحزبين أفكار مختلفة حول كيفية القيام بذلك، حيث يركز الحزب الجمهوري إلى حد كبير على الجهود المبذولة لخفض الإنفاق، بينما واصل الديمقراطيون دفع برامج الإنفاق الاجتماعي مثل الائتمان الضريبي للأطفال لمساعدة العائلات الأميركية.

مساعدات أوكرانيا

على الرغم من أن قانون الإنفاق الحكومي لعام 2023 أقره الكونغرس ويشتمل على حزمة مساعدات أميركية لأوكرانيا بقيمة 45 مليار دولار، فإنه إذا استمرت الحرب إلى الخريف المقبل، أو احتاجت كييف لمزيد من المساعدات، فقد تكون إدارة بايدن في مأزق إذا تمكن ماكارثي من تنفيذ وعده بأنه لن يكون هناك "شيك على بياض" لأوكرانيا إذا أصبح رئيساً لمجلس النواب.

لكن من جانب مجلس الشيوخ، هناك دعم واسع النطاق من الحزبين لتقديم مزيد من المساعدة العسكرية والمالية لأوكرانيا، ولهذا فإن شكوك ماكارثي قد تدفع البعض إلى التحرك ذهاباً وإياباً بين مجلسي النواب والشيوخ حول مقدار ونوع المساعدة التي ينبغي تقديمها لأوكرانيا.

وحتى مع وجود علامات على مزيد من الحرب الحزبية في واشنطن، فقد أبدى البيت الأبيض بعض التفاؤل في شأن العمل مع الكونغرس، وأشار بايدن إلى الموافقة الأخيرة على مشروع القانون الشامل البالغ 1.7 تريليون دولار وتم تمريره بدعم من 18 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين وتسعة أعضاء في مجلس النواب كدليل على أن الجمهوريين والديمقراطيين يمكن أن يتوصلوا إلى اتفاق في واشنطن المنقسمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل