كثفت هيئة النزاهة الاتحادية إجراءاتها في التحري والتفتيش بحق محافظ البصرة السابق ماجد النصراوي بتهمة هدر بالمال العام، مؤكدة أن المتهم الهارب اضطر إلى تسليم نفسه لمديرية تحقيق الهيئة في المحافظة، وتم توقيفه على ذمة التحقيق.
يرى مراقبون أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يسير بخطوات ثابتة لمواجهة هذه الظاهرة، وهي أكبر آفة تهدد الدولة العراقية بعد الإرهاب، مؤكدين أن الفساد المالي والإداري وهدر المال العام سرطان جاثم على جسم المجتمع ويمثل كارثة حقيقية على مستوى الاقتصاد العراقي، إذ يعتبر استنزافاً للموارد المالية من الخزانة العامة التي تعاني عجزاً مزمناً.
تفاصيل القضية
في معرض حديثها عن تفاصيل القضية التي حققت فيها وأحالتها إلى القضاء، أفادت دائرة التحقيقات في الهيئة بأن مديرية تحقيق البصرة التابعة للهيئة في التحري والتفتيش تحركت لتنفيذ أمر القبض الصادر بحق محافظ البصرة السابق، ولدى مداهمة دار المتهم الهارب سلم الأخير نفسه إلى المديرية.
وتابعت أن قاضي تحقيق البصرة المتخصص بالنظر في قضايا النزاهة، وبعد الاطلاع على أقوال الممثل القانوني لمحافظة البصرة والتحقيق الإداري والأوراق التحقيقية لمديرية تحقيق الهيئة في المحافظة، قرر توقيف المتهم على ذمة التحقيق في القضية.
وأضافت أن أمر القبض الصادر استناداً إلى أحكام المادة (340) من قانون العقوبات، جاء جراء تهمة هدر بالمال العام قدره 23 مليار دينار (نحو 16 مليون دولار)، مبينة أن الهدر ناتج من إعفاء شركة (بامبوش) الهندية من الضرائب والرسوم الجمركية لمشروع إعداد دراسة وتعديل تصاميم معدة لتنفيذ شبكات ومحطات مجاري الأمطار والمياه الثقيلة، مع إنشاء مشروع معالجة للمياه الثقيلة لقضاء أبي الخصيب.
بيد من حديد
كان رئيس هيئة النزاهة الاتحادية القاضي حيدر حنون، تعهد نهاية العام الماضي عدم مجاملة الفاسدين والضرب بيد من حديد على كبارهم مهما كانت انتماءاتهم.
وذكرت الهيئة في بيان أن القاضي حنون التقى ملاكات مديريات ومكاتب تحقيق الهيئة في بغداد والمحافظات على هامش فعاليات أسبوع النزاهة الوطني، وحث على العمل بعقيدة وطنية لا تكل ولا تمل وتسهر على مصالح العباد والبلاد، لافتاً إلى أن "تحريات وتحقيقات الهيئة، إن أفضت إلى وصول الفاسدين خلف القضبان وإبعادهم عن الوظيفة، فإنها ستسهم في خلق حياة كريمة للمواطن واستقرار اقتصادي".
وشدد حنون بحسب البيان "على ضرورة بذل أقصى جهودهم في القضايا التي يعملون والسعي بجد وإخلاص في التحري والتقصي عن حالات الفساد الإداري والمالي، وتوفير الأدلة الناهضة التي يستطيع السادة قضاة التحقيق على إثرها إصدار القرارات المناسبة بحق الفاسدين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت إلى أن "العمل في ميدان مكافحة الفساد يسهم في خلق حياة سعيدة للمواطن وتوفير قوته وإتاحة فرص العمل، كما يسهم في القضاء على المخدرات والبطالة والفقر بخاصة أن كثيراً من الظواهر السلبية والجرائم متمخضة عن الفساد الذي يعوق الإعمار والاستثمار وتوفير فرص العمل مما يؤدي بدوره إلى جنوح بعض أفراد المجتمع".
وأكد أن "منهاج عمله في إدارة الهيئة يرتكز على مبدأ الثواب والعقاب"، مشيداً بالعناصر ذات الكفاءة والنزاهة التي استطاعت إنجاز تحقيقات رصينة أفضت إلى زج الفاسدين خلف القضبان"، وحذر من "تقديم المصالح الذاتية والفئوية في عملهم الذي يتطلب الموضوعية والمهنية والإخلاص العالي"، مشدداً على "ضرورة معاقبة العناصر السيئة أو التي تثبت تقصيرها وإبعادها خارج الهيئة".
من جانبهم استعرض مديرو ومنتسبو مديريات ومكاتب التحقيق التابعة للهيئة بعض "المعوقات التي تعترض عملهم والإجراءات التي قد تفضي إلى الإبطاء بإنجاز القضايا الجزائية"، مشيرين إلى عدم المواءمة بين عدد القضايا التي تنظرها الهيئة وأعداد ملاكاتها التحقيقية والتدقيقية وعناصر التحري فيها، متعهدين ملاحقة كل ظواهر الفساد من اختلاس ورشوة ومساومة، وضبط مرتكبيها بالجرم المشهود.
أنواع الفساد
في المقابل قال رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي جاسم محمد عبود إن الفساد في العراق نوعان كبير وصغير، مضيفاً "الفساد الصغير هو الذي يرتكب من قبل صغار الموظفين، ويؤدي إلى فقدان ثقة المواطن العراقي بالوظيفة العامة، فعندما يذهب المواطن العراقي إلى أية دائرة من دوائر الدولة يتعرض للابتزاز لكي يتم إنجاز معاملته".
وتابع عبود "أما الفساد الكبير فهو الذي يرتكب من قبل كبار الموظفين أو بعض الجهات السياسية، وهذا الفساد هو الذي يعوق بناء الدولة"، مبيناً أن "عدم وجود استراتيجية وطنية حقيقية ونية لمحاربة الفساد وراء عدم وضع حد له، وعندما تكون هناك نية سياسية لإنهاء الفساد سينتهي".
إلى ذلك شدد الباحث السياسي علي البيدر على أن ملف مكافحة الفساد يجب أن تتجاوز كل الاعتبارات الحزبية والفئوية، مبيناً أن "اعتقال وتوقيف ومحاسبة الفاسدين أمر جيد، لكن الأهم من ذلك هو استرجاع الأموال المسروقة".
وبحسب الباحث السياسي، يفترض أن تكون هناك إجراءات رادعة للفساد، لكنه انتقل من كونه سلوكاً وظيفياً حتى أصبح ثقافة مجتمعية، واليوم يتقبل المجتمع العراقي الشخص الفاسد ويتعاطى معه بأريحية ولا يدري أنه هو من بدد ثورات البلاد ومقدراتها، مشيراً إلى أن هناك تخاذلاً في ما يتعلق بإجراءات مكافحة الفساد السابقة، وكانت القضايا تأخذ منحى يتعلق بتصفية الخصوم وإضعاف أطراف وتهميش أخرى.
وأعرب البيدر عن رغبته في أن يكون ملف مكافحة الفساد مطلقاً ولا يتوقف عند حدود معينة، وأن يحاسب الجميع، وأن تكون هناك إجراءات رادعة لمعرفة أين ذهبت الأموال وفي أي جانب تم تبديدها، مشدداً على ضرورة إطلاع الشارع العراقي على كل تلك الخطوات حتى تحصل مؤسسات الدولة على دعم شعبي يسهم في نشر ثقافة الشفافية داخل المجتمع.
ويرى البيدر أن "الإجراءات الحالية كلاسيكية في مقابل الإمكانات الخارقة للفاسدين من تهرب وتلاعب. وهناك وحدات معينة أو مؤسسات أو إدارات محلية نجد هرم الفساد فيها ينتقل من الموظف البسيط إلى رأس المؤسسة، وفي هذه الحال لا نستطيع السيطرة والقضاء على الفساد بالطرق التقليدية، إذ يجب الاستعانة بتجارب دولية في هذا الجانب، حتى لو تطلب هذا الأمر جلب شركات لمعرفة أين ذهبت الأموال وكيف يتم استرجاعها".
سرطان جاثم
إلى ذلك وصف الباحث الاقتصادي بسام رعد الفساد المالي والإداري وهدر المال العام بسرطان جاثم على جسم المجتمع، ويمثل كارثة حقيقية للاقتصاد العراقي، إذ يعتبر استنزافاً للموارد المالية من الخزانة العامة التي تعاني أصلاً عجزاً مزمناً، بالتالي فإن توقيف محافظ سابق على خليفة هدر للمال من قبل هيئة النزاهة يعد جهداً يستحق الثناء عليه.
ودعا رعد إلى أن يكون هناك دور شعبي وإعلامي مساند لإجراءات هيئة النزاهة في مكافحة الفساد المالي والإداري ومنع هدر المال العام، مبيناً إن مظاهر الفساد المالي تعد من العوامل السلبية التي تعوق عجلة التنمية الاقتصادية وتكبح نسبة النمو الاقتصادي، بالتالي ينعكس ذلك سلباً على خلق فرص عمل جديدة وزيادة نسبة البطالة في صفوف الشباب.
وأضاف رعد أن "هدر المال العام بمبالغ فلكية يتطلب أن تتكاتف الجهود بين الأجهزة الرقابية والمواطنين، وأن تكون الرقابة على صرف المال العام مشددة، حيث إن أية أزمة اقتصادية قد تحدث مستقبلاً ستؤثر في جميع أبناء البلد، لأن الآثار السلبية للفساد تتمثل في زيادة كلفة المشاريع العامة وتدني جودتها إضافة إلى هدر مبدأ تكافؤ الفرص وتعطيل آليات السوق وإيقاف عجلة الاستثمار المحلي والأجنبي، مما ينسحب سلباً على العدالة الاجتماعية بالتالي رفع درجة الاستياء الشعبي".