Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بإمكان ريشي سوناك إنقاذ المحافظين قبل الانتخابات المقبلة؟

يأمل رئيس الوزراء أن يكون عام 2023 أكثر هدوءاً، لكن السكون وحده لا يكفي لتحقيق الفوز في صناديق الاقتراع

سيكون هدف ريشي سوناك تقليص فجوة استطلاعات الرأي بين المحافظين والعمال المتصدرين بزعامة كير ستارمر (رويترز)

هل سيكون عام 2023 عاماً من الهدوء النسبي قبل هبوب عاصفة محتومة على حزب المحافظين في 2024؟ أم أن الأشهر الـ12 المقبلة ستشهد نجاح ريشي سوناك في تقليص الفارق في استطلاعات الرأي بين المحافظين والعمال، مما يجعل المنافسة في الانتخابات العامة المقبلة متقاربة أكثر مما يتوقع كثيرون؟

مع بدء الحزبين في رسم خطوط المعركة الانتخابية لعام 2024، يغدو كلا السيناريوهين ممكناً. ولكن لكي يتعافى المحافظون لا بد أن يصبح سوناك رئيس وزراء مختلف عن ذاك الذي تعين عليه السيطرة على دفة السفينة بعد العاصفة الهوجاء التي ولدتها رئاسة ليز تراس الخاطفة.

وفي حين يرحب عديد من نواب حزب المحافظين بالاستقرار الذي حققه سوناك، إلا أنهم يصرون على أنه لا يكفي، ويشكك بعضهم في أن المهمة الحقيقية لرئيس الوزراء تتلخص في "إدارة الانحدار" ومنع هزيمة ساحقة على غرار التي وقعت في عام 1997 وهو ما من شأنه أن يمنح حزب العمال فترتين في السلطة مدة كل واحدة منهما خمس سنوات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مع ذلك يصر سوناك ومستشاروه على أن هناك سبيلاً إلى تعافي المحافظين والفوز بولاية خامسة غير مسبوقة، إذ لن يفشل رئيس وزراء مدمن على العمل وملم بالتفاصيل والبيانات لأنه لم يدخر جهداً في مساعيه.

غير أن حلفاءه يعترفون بأن على سوناك أن يغير أسلوب حكمه، وبعد تحقيق الاستقرار المالي والسياسي، ستقتضي المرحلة التالية منه أن يكشف مزيداً عن رؤيته للبلد. "ريشي من أصحاب النزعة الإدارية الجافة"، قال أحد نواب المحافظين في المقاعد الخلفية بانزعاج، وأضاف وزير سابق قائلاً: "إنه تكنوقراطي يبدو وكأنه يقرأ كلمات كتبها شخص آخر، ليس لديه رؤية لأنه لا يمتلك مبدأ يدافع عنه".

وهذا ليس خطأه وحده، فقد ورث سوناك أزمة هوية حزب المحافظين، فمنذ الاستفتاء بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي لعام 2016، كان الحزب منصرفاً إلى إلقاء اللوم على الآخرين في مشكلات المملكة المتحدة – مثل الاتحاد الأوروبي، وتحجر قطاع الخدمة المدنية "السام" blob [تشبيه بكائن "بولب" من فيلم رعب ويقصد به التمسك بـ"التفكير الجماعي" على الابتكار والإصلاح]؛ وبنك إنجلترا أو "الخزانة الأرثودوكسية المحافظة" (درج المصطلح الآن مجدداً) – أكثر من اهتمامه بتقديم استراتيجية متماسكة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويبدو أن سوناك سيحاول مواجهة الانتقادات التي تقول إن الناخبين لا يعرفون ما المبادئ التي يمثلها، فهناك خطة لفعاليات تهدف إلى "لقاء الناس" على غرار فعاليات القاعات العامة التي انتهجها ديفيد كاميرون. فلإصلاح الأضرار التي ألحقها بوريس جونسون وليز تراس بسيرة حزب المحافظين، يتعين على سوناك تحقيق إنجازات في القضايا الخمس التي يوليها الأولوية بحق، وهي الاقتصاد وأزمة قوارب المهاجرين في القنال وهيئة الخدمات الصحية الوطنية والتعليم وتقديم رؤية جديدة للجيل الأصغر سناً.

غير أن إظهار "الإنجاز" لا يكون سهلاً عندما يبدأ العام الجديد بموجة من إضرابات القطاع العام، مما يعزز الانطباع بأن "بريطانيا معطلة". وفي حين أعلن سوناك خطة لوقف العبور غير الشرعي عبر القنال، يقر مساعدوه بأنها مجرد بداية، كما أن مشكلات خدمات الصحة الوطنية مستعصية على الحل، وستضيف الإضرابات إلى قوائم الانتظار القياسية المتراكمة التي يبلغ قوامها 7.2 مليون نسمة. كذلك فإن إزالة بعض الأهداف المحددة من أعلى القائمة لخدمات الصحة الوطنية في إنجلترا، وهو إصلاح سوناك الأكثر احتمالاً في القطاع الصحي، لن يحسن تجربة المرضى بين عشية وضحاها. كما أن تعزيز التعليم المهني والحرفي، الذي يعتبره مهمته الشخصية، هو في أحسن الأحوال هدف متوسط الأجل.

في ما يتعلق بالاقتصاد، يأمل عديد من النواب المحافظين أن يستخدم جيريمي هانت موازنته الأولى في 15 مارس (آذار) للخروج بحزمة "أكثر تحفظاً" من الزيادة الضريبية البالغة 25 مليار جنيه استرليني التي أعلنها في بيانه الخريفي في نوفمبر (تشرين الثاني). ومع تحول التفكير إلى الانتخابات، يأمل هؤلاء النواب أن يتحسن المشهد الاقتصادي، مع توقعات بانخفاض التضخم إلى النصف خلال فترة ركود معتدلة نسبياً في عام 2023، سيعيد إحياء احتمال التخفيضات الضريبية. لكن في واقع احتياج المالية العامة إلى الإصلاح في نظر سوناك، فقد يضطر النواب إلى الانتظار لفترة أطول. وبالنسبة إلى الناخبين الذين يواجهون ارتفاع فواتير الطاقة في أبريل (نيسان)، فإن تكاليف أزمة المعيشة سوف تتفاقم سوءاً قبل أن تسلك طريقها إلى التحسن.

ستكون علاقة سوناك مع مثيري القلاقل من النواب المحافظين سمة رئيسة لعام 2023، فبعد أن رأى بعينه جونسون وتراس يخلعان، ها هو يعمل بجد لمد الجسور التواصل. ومثلما رأيناه في مواجهة ثورات المقاعد الخلفية لنواب حزبه، تراجع سوناك عن الأهداف الملزمة للسلطات المحلية لبناء المنازل وأسقط معارضته لمزارع الرياح البرية. بالفعل، إن تراجع شخص ما عن موقفه هو مساومة بالنسبة إلى شخص آخر، ويمكن القول إن سوناك أجبر على طلب السلام بعد تسعة أشهر من الشقاق في حزب المحافظين جعل نواب الحزب شديدي الانقسام يبدون غير قابلين للحكم.

لكن انسحاباته التكتيكية أثارت سؤالاً مهماً، وكما قال لي أحد كبار المحافظين، "هل يمكن لسوناك أن يفعل أي شيء مثير للجدل وإن بنحو مبهم؟ إذا فعل ذلك، فهل سنرى مزيداً من التمرد [النيابي] يليه مزيد من التراجعات المهينة؟" إن إدمان حزبه على التمرد يجعل الأغلبية البرلمانية المريحة لسوناك وهي 69 نائباً، أقل بكثير من حيث الواقع، وما لم يصبح أكثر جرأة فإن المحافظين سيتهمونه بالسير من دون إدراك الكارثة الانتخابية. في حين أنه إذا أقدم على مزيد من التراجعات في المواقف فإن حزب العمال سيصوره مرة أخرى على أنه "ضعيف"، على النقيض من كير ستارمر الذي استطاع إبعاد حزبه عن اليسار المتشدد بعد أن ترشح لزعامة الحزب على قاعدة "الكوربنية من دون كوربين". وعلى حد تعبير أحد الاستراتيجيين في حزب العمال: "عادة ما تنحصر الانتخابات بمعركة حول من سيكون رئيس الوزراء الأقوى، وهذه أرضية مواتية جداً بالنسبة إلينا".

هل يمكن لسوناك أن يفعل أي شيء مثير للجدل وإن بنحو مبهم؟

سيتعين على رئيس الوزراء انتقاء معاركه الداخلية بعناية، فهو يريد إبرام صفقة مع الاتحاد الأوروبي بشأن بروتوكول إيرلندا الشمالية، في الوقت المناسب لزيارة جو بايدن المملكة المتحدة وإيرلندا للاحتفال بالذكرى السنوية الـ25 لاتفاق الجمعة العظيم Good Friday Agreement في أبريل (نيسان). (من المحتمل ألا يأتي بايدن ما لم يجر التوصل إلى تسوية). لكن التنازلات للاتحاد الأوروبي ستكون من النوع الذي يصعب على المتشددين من مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي قبوله.

وينبغي للتشريعات المتعلقة بقوارب المهاجرين أن توحد حزب سوناك، ومن خلال الإبقاء على الخطة المثيرة للجدل لإرسال بعض طالبي اللجوء إلى رواندا، يأمل المحافظون في تصوير العمال على أنهم "متساهلون" بشأن الهجرة غير القانونية. ما إذا كانت أية رحلات إلى البلاد [رواندا] ستقلع في عام 2023 هي مسألة أخرى، لكن "إنجاز الأمر" سيبقى تحدياً كبيراً لسوناك. ومن المرجح أن يحاول كسب الوقت لمزيد من التشريعات من خلال تأخير الخطاب الملكي الأول للملك تشارلز من الربيع إلى الخريف، ولكن القيام بذلك لن يضمن أن يمنحه النواب المتمردون فرصة لتمرير إجراءاته بسلاسة.

وقد حدد عديد منهم تاريخ الرابع من مايو (أيار) بوصفه أهم يوم في عام 2023. إذ ستشكل الانتخابات المحلية في أجزاء كثيرة من إنجلترا خارج لندن أول اختبار كبير لسوناك في صناديق الاقتراع، وستوفر النتائج في معاقل "الجدار الأزرق" المحافظ في الجنوب، و"الجدار الأحمر" العمالي في الشمال وميدلاندز الذي اخترق في عام 2019 مؤشرات حاسمة للانتخابات العامة. كان أداء المحافظين سيئاً في آخر معركة على المقاعد السهلة في عام 2019 تحت قيادة تيريزا ماي المتعثرة، بالتالي يجب أن يكون أداء سوناك أفضل. ومن شأن النتائج الرديئة أن تقنع مزيداً من نواب حزب المحافظين بإعلان تنحيهم في الانتخابات العامة، الأمر الذي يجعل من الصعب على سوناك أن يقدم لحزبه الوصفة الحاسمة للأمل.

هناك شخصان سيدرسان النتائج في شهر مايو (أيار) باهتمام بالغ. فها هو نايجل فاراج يلمح إلى عودة أخرى، وعلى رغم أن حزب "إصلاح المملكة المتحدة"، وريث حزب "بريكست"، من غير المرجح أن يفوز بمقاعد في انتخابات عامة، إلا أنه يمكن أن يقسم أصوات المحافظين ولا ينبغي لنا أن نقلل من قوة فاراج في زعزعة استقرار حزب المحافظين الذي يغلب عليه القلق.

كذلك يمكن أن يشكل جونسون تهديداً مباشراً لسوناك. قد يبدو الأمر صعباً للتصديق ولكن نتائج الانتخابات المحلية – بعد استراحة قصيرة لتتويج الملك تشارلز– قد تكون اللحظة التي يختارها جونسون لفتح معركة القيادة. أقنعت دائرة جونسون نفسها (بشكل خاطئ) بأن سوناك خطط لأشهر لإخراج جونسون من "10 داونينغ ستريت" متجاهلة تماماً وبشكل يناسبها قيامه بتدمير نفسه. ولا يمكن استبعاد محاولة الانقلاب المضاد من قبل جونسون، فقد كان الدليل في بيانه عندما قرر عدم منافسة سوناك بعد انهيار رئاسة وزراء تراس، إذ قال جونسون، "أعتقد أنني في وضع جيد لتحقيق انتصار للمحافظين في عام 2024".

ويعتقد المطلعون على شؤون حزب المحافظين الداخلية أن جونسون يمكن أن يفوز في اقتراع القيادة بين أعضاء الحزب البالغ عددهم 180,000، الذين لهم كلمة الحسم. لكنني أعتقد أن النواب المحافظين سيمنعون جونسون من خوض المنافسة، إذ لن يغفر الجمهور للحزب استدعاء مثل هذا الزعيم الفاقد للصدقية الذي لا يمكن الوثوق فيه.

ربما يعتزم جونسون إغضاب سوناك من خلال مشاركته في مؤتمر المحافظين في مانشستر في أكتوبر (تشرين الأول)، وهي مناورة اعتمدها سابقاً لإضعاف كاميرون وماي، ولربما تكون مؤتمرات الخريف هي الأخيرة قبل انتخابات 2024، وعلى رغم أن سوناك يمكن أن يؤجل السباق حتى يناير (كانون الثاني) 2025، إلا أنه لن يرغب في أن يكون محاصراً. كانت رئاسة حزب المحافظين في الأصل حددت الموعد مبدئياً للمؤتمر في مايو (أيار) 2024، ولكن من المرجح الآن أن يتأخر إلى الخريف على أمل أن تكون دلائل الانتعاش الاقتصادي أكثر وضوحاً.

بالفعل باشر الحزبان الرئيسان بالفعل في ملء الصناديق المالية للمعركة الانتخابية، وقد جمع حزب العمال تبرعات أكثر من المحافظين بـ (2.7 مليون جنيه استرليني أو 3.2 مليون دولار أميركي) للمرة الأولى منذ ست سنوات في الربع الثالث من عام 2022. وبعد أن استعاد حزب العمال صدقيته الاقتصادية، عاد إلى كسب الهبات من الأثرياء، الأمر الذي جعله أقل اعتماداً على النقابات العمالية. ومع ذلك، يأمل رئيس حزب المحافظين ناظم زهاوي في جمع 15 مليون جنيه استرليني (17.9 مليون دولار) من التبرعات الجديدة حتى يتمكن حزبه من التفوق في الإنفاق على حزب العمال.

إلا أن تجاوز حزب العمال في استطلاعات الرأي سيكون أكثر صعوبة، إذ يتمتع الحزب بمتوسط تقدم قدره 20 نقطة – 46 مقابل 26 في المئة، ولكن ثمة بصيص من الأمل لدى المحافظين، ذلك أن شعبية سوناك من ناحية الاقتصاد ومن ناحية "أفضل رئيس وزراء" في حال أحسن بكثير من شعبية حزبه، ويشير الاستراتيجيون المحافظون إلى وجود عدد كبير من الناخبين "الذين لم يحسموا أمرهم بعد" وهم مقتنعون بأن التصويت لحزب العمال يمثل إلى حد كبير احتجاجاً ناعماً على المحافظين أكثر من كونه يمثل تأييداً إيجابياً لحزب العمال وزعيمه.

وعلى رغم الثقة المتزايدة التي يتمتع بها ستارمر إلا أنه طلب من كبار نواب حزبه تجنب التراخي والاطمئنان إلى أن عام 2023 سيكون عاماً عظيماً لزعيم حزب العمال. ويتوقع أغلب الناخبين أن يشكل حزب العمال الحكومة التالية، ولكن هذا الأمر يطرح عقبة أخرى تتمثل في زيادة المتابعة والتدقيق الإعلامي والعام. لا يحتاج ستارمر إلى بيان حزبي مفصل، ولكنه يحتاج الآن إلى نسج سردية متماسكة يبين من خلالها الناخبين كيف سيعالج حزب العمال مشكلات البلاد الضخمة ويغير أحوالها نحو الأفضل، وهذا كله مع التزامه في مواصلة إجراءات الطمأنة المالية لكيلا يثير خوف الأسواق. وسوف يكون لزاماً على ستارمر أن يتجنب الانشغال بهجمات حزب المحافظين على حزبه، من قبيل ما يتعلق بحقوق المتحولين جنسياً في أعقاب تصويت البرلمان الاسكتلندي لصالح التحديد الذاتي للهوية.

سيأمل سوناك أن يكون عام 2023 أكثر هدوءاً من عام 2022، إلا أنه لا يمكن أن يكون ساكناً تماماً. الضجر وحده لا يكفي لتحقيق الفوز في صناديق الاقتراع، ورئاسة الوزراء لن تتحقق من دون قتال. ولكن حتى لو نجا الاقتصاد من العاصفة الحالية واستطاع حزبه تنظيم صفوفه ربما لن يكون سوناك قادراً على تحويل مسار المد المعادي للمحافظين الذي تسببت به إدارتا جونسون وتراس، وربما ليس في وسع أحد فعل ذلك.

© The Independent

المزيد من آراء