احتفل بابا الفاتيكان، الأحد الأول من يناير (كانون الثاني)، باليوم العالمي للسلام الذي تحييه الكنيسة الرومانية الكاثوليكية منذ فترة طويلة، لكن وفاة البابا السابق بنديكتوس السادس عشر، أمس السبت، طغت على احتفالات بداية العام الجديد.
وترأس البابا فرنسيس قداساً في كاتدرائية القديس بطرس حيث كان جثمان البابا الراحل الذي توفي عن 95 سنة، يحضر قبل أن يسجى لمدة ثلاثة أيام في الكنيسة نفسها ليلقي الناس نظرة الوداع الأخيرة عليه ابتداء من غد، الإثنين.
وأصدر الفاتيكان، الأحد، الصور الأولى للبابا الراحل وهو يرتدي ثوباً كهنوتياً من الأحمر والذهبي ومسجى في مصلى الدير حيث توفي.
وستكون هذه هي المرة الأولى منذ قرون التي يترأس فيها بابا للفاتيكان جنازة سلفه.
وعام 2013 أصبح بنديكتوس أول بابا يعلن استقالته منذ 600 عام.
وحث فرنسيس مستمعيه على العمل بكل دأب من أجل السلام وعدم "إضاعة الوقت أمام شاشات الكمبيوتر" ولكن "فلنلطخ أيدينا ونفعل بعض الخير".
وفي وقت لاحق خلال عظته، الأحد، في ميدان القديس بطرس، أطلق فرنسيس مناشدة أخرى لإنهاء الصراع في أوكرانيا، قائلاً إنه "تناقض غير مقبول" مع أجواء اليوم.
لحظة صمت
وتوفي بنديكتوس، المثقف المحافظ، السبت، في مكان إقامته في دير داخل حرم الفاتيكان وسينقل جثمانه صباح الإثنين إلى كاتدرائية القديس بطرس حيث سيسجى لثلاثة أيام ليتسنى للمؤمنين وداعه قبل مراسم دفنه التي سيترأسها البابا فرنسيس، الخميس.
ووجه البابا فرنسيس تحية لذكرى البابا الفخري الراحل في قداس لمناسبة رأس السنة، السبت، ومجدداً الأحد.
وقال الحبر الأعظم "اليوم نعهد البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر العزيز إلى أم القداسة (العذراء مريم) لترافقه في عبوره من هذا العالم إلى الله".
في وقت لاحق وخلال صلاة الأحد أمام آلاف المؤمنين الذين تجمعوا في ساحة القديس بطرس أحنى البابا رأسه في لحظة صمت في ذكرى البابا الفخري الراحل.
وقال "لنتحد جميعاً بقلب واحد وروح واحدة في شكر الله على عطية هذا الخادم الوفي للإنجيل والكنيسة".
وأفاد الفاتيكان بأن مراسم جنازة بنديكتوس ستكون "رسمية لكن بسيطة" وسيدفن بعدها في أحد سراديب كاتدرائية القديس بطرس.
وكانت آخر مراسم جنازة لحبر أعظم أقيمت في 2005 للبابا يوحنا بولس الثاني، جذبت مليون شخص من مؤمنين ورؤساء دول من أنحاء العالم، علماً أن بنديكتوس يعد شخصية مثيرة للجدل.
القيم التقليدية
والبابا الفخري عالم اللاهوت اللامع أثار الجدل بين الكاثوليك بدفاعه القوي عن قيم تقليدية ولم يأل جهداً لفرض سلطته على الكنيسة التي كانت تصارع سلسلة من الأزمات بينها فضيحة ارتكاب رجال دين اعتداءات جنسية.
وأشاد الرئيس الأميركي الكاثوليكي جو بايدن بـ"تفاني البابا للكنيسة" فيما استذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين البابا "المدافع عن القيم المسيحية التقليدية".
وتضع وفاة البابا الفخري حداً لتعايش غير معتاد بين رجلين يرتديان اللباس الأبيض البابوي، بنديكتوس وفرنسيس، في الدولة الصغيرة.
وتدهورت صحة البابا بنديكتوس قبل فترة وكان انسحب بشكل شبه تام من الحياة العامة عندما أعلن البابا فرنسيس أن حاله ساءت.
وفي صلاة لمناسبة رأس السنة، مساء السبت، أشاد فرنسيس بسلفه "العزيز جداً" واستذكر "شخصه النبيل واللطيف".
فرنسيس على نهج سلفه
وكان فرنسيس (86 سنة) تحدث العام الماضي عن احتمال تنحيه في حال عجزه عن القيام بمهماته، إذ إنه أقر في يوليو (تموز) وبسبب مشكلة في الركبة أجبرته على الاستعانة بكرسي متحرك، بأن عليه تقليص نشاطاته أو التفكير في احتمال التنحي.
وكشف البابا الأرجنتيني في ديسمبر (كانون الأول) عن أنه وقع خطاب استقالة قبل 10 أعوام إذا ما منعته مشكلة صحية من القيام بواجباته.
ولد بنديكتوس في 16 أبريل (نيسان) 1927 في ماركتل أم إن في بافاريا وأصبح لدى بلوغه 78 سنة أول بابا من أصل ألماني في العصر الحديث.
ونكست الأعلام، السبت، في دار بلدية ماركتل حيث أقيم قداس خاص داخل الكنيسة التي تعمد فيها.
وقال أحد الأهالي ويدعى كارل مايكل نوك (55 سنة) إن وفاته "ربما كانت خلاصاً" مشيداً بالبابا الراحل لتنحيه ومدافعاً عن سجله.
وبنديكتوس المقرب لفترة طويلة من يوحنا بولس الثاني، والكاردينال الكبير في التسلسل الهرمي للكنيسة الكاثوليكية، كان أبرز المرشحين ليصبح الحبر الأعظم في 2005، لكنه قال في وقت لاحق إن "الشعور الذي راودني، المقصلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعكس فرنسيس اليسوعي الذي يحب الاختلاط بأبناء رعيته، فإن بنديكتوس كان يفضل البقاء في المنزل مع كتبه وكان يحب القطط ويستمتع بالدراسة وعزف البيانو.
وأصبح رئيس مجمع العقيدة والإيمان في روما حتى انتخابه في 2005، لكنه بذل جهوداً مضنية لاحتواء عدد من الفضائح التي شهدتها الكنيسة خلال فترة حبريته، ليس أقلها فضيحة تحرش رجال دين جنسياً بالأطفال.
وكان بنديكتوس أول بابا يلتقي ضحايا التحرش الجنسي، لكن منتقدين أخذوا عليه عدم بذل جهد كاف في الرد على المشكلة إضافة إلى عقود من التستر.
وأثارت تصريحاته مراراً الجدل، كتلك التي أغضبت المسلمين في أنحاء العالم إلى فضيحة غسل الأموال وصولاً إلى فضيحة عام 2012 عندما سرب مساعده الشخصي وثائق سرية للفاتيكان في ما أطلقت عليها تسمية "فاتيليكس".
وسيتذكره الناس لاهوتياً، "لكنه لم يكن يملك الشخصية المعنوية اللازمة للبابا" على ما قال الخبير في شؤون الفاتيكان الإيطالي ماركو بوليتي.
لكن بعد استقالته، بقي بنديكتوس حامل راية الجناح المحافظ في الكنيسة.
ورأى بوليتي في تصريحات إلى وكالة الصحافة الفرنسية أنه بوفاة بنديكتوس يفقد الذين حاربوا نظرة أكثر ليبرالية لفرنسيس "رمزاً حياً".
كنائس القدس
وغداة وفاة البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر، قرعت، الأحد، أجراس الكنائس في البلدة القديمة في القدس حيث أشاد المؤمنون الكاثوليك بـ"عظمة" الحبر الأعظم السابق.
وقال طالب اللاهوت ماتيو ساسانو (33 سنة) وهو يقف أمام الحجارة القديمة لكنيسة القيامة حيث دفن المسيح بحسب التقليد المسيحي، إنه كان يصلي من أجل البابا المتقاعد الذي توفي السبت.
وأضاف الطالب الإيطالي "كان البابا بنديكتوس بابا عظيماً (...) وكان أيضاً رفيقاً عظيماً للبابا فرنسيس".
تنهي وفاة البابا بنديكتوس السادس عشر بعد نحو عقد على استقالته الصادمة فترة مهمة عاش خلالها هو وخلفه، جنباً إلى جنب، داخل حدود الفاتيكان.
ودعا كبير ممثلي الكرسي الرسولي في القدس البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا جميع الكهنة إلى الاحتفال بالقداس في ذكرى البابا الراحل وكتب "نطلب من جميع الكنائس والأديرة قرع الأجراس كما تقضي تقاليدنا. ليمنحه الرب راحة أبدية".
وتستقطب القدس والأراضي المقدسة أعداداً كبيرة من المصلين من كاثوليك العالم الذين يناهز عددهم 1.3 مليار شخص.
وجزمت فيرونيكا أورزيليك (23 سنة) أن سكان بلدها بولندا هم في حال حداد وأضافت أن البابا المولود في ألمانيا كان ينظر إليه على أنه "شخصية مميزة" في بلادها.
من جهته قال الزائر الأميركي دون فالر (65 سنة) إنه كان يتفق "بشكل أو بآخر" مع نهج البابا بنديكتوس التقليدي الذي أثار انتقادات بعضهم داخل الكنيسة وأردف "إنه استمرار لكاثوليكية قديمة محافظة جداً"، واصفاً البابا الراحل بـ"الرجل المسالم".
في عام 2009 جال البابا بنديكتوس السادس عشر في الأراضي المقدسة، خصوصاً القدس وبيت لحم والناصرة.
وأثناء زيارته لكنيسة القيامة عبر البابا عن "تشجيعه الأخوي" لرجال الدين والمؤمنين "الذين يخدمون الكنيسة المحبوبة في الأرض المقدسة".
يذكر التاجر طوني قطوجان أن الزيارة جلبت القوات الإسرائيلية إلى الحي المسيحي في المدينة وقال الرجل البالغ 60 سنة داخل متجره لبيع الخزف "يريدون إثبات أنهم يحمون المشاهير".
وتحتل إسرائيل القدس الشرقية والبلدة القديمة فيها منذ 1967.
والسبت، علق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على رحيل البابا السابق "كان زعيماً روحياً كبيراً، التزم من كل قلبه بالمصالحة التاريخية بين الكنيسة الكاثوليكية والعالم اليهودي"، مضيفاً "خلال لقائي معه، تحدث بحرارة عن الإرث المشترك للمسيحية واليهودية والقيم المشتركة التي منحها هذا الإرث للإنسانية جمعاء".
وأشاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ"دعم (البابا بنديكتوس) لحرية واستقلال الشعب الفلسطيني".
في قلب المدينة القديمة علت أصوات الكهنة وهم يغنون عبر الفناء حيث تذكر طالب اللاهوت الإيطالي البابا الراحل وقال ساسانو "سنرافقه بصلواتنا".