Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حوادث القتل المأسوية في كل من ليفربول وبرمنغهام أعادتني إلى سني مراهقتي

الشعور بتكرر تلك الحوادث يقابله شعور بالخوف، ليس من قبيل شعور مراهق في ليلة سهر يمضيها خارج المنزل، ولكنه خوف الأم على أولادها المراهقين

صدرت أرقام تبرز أن الشرطة قد أخفقت في حل أكثر من مليون قضية سرقة وجريمة سطو في العام الماضي (رويترز)

طوال العام رافقني شعور غريب بأن أحداثه مكررة من زمن مضى. عليَّ أن أعترف أن الفوضى السياسية التي شهدها عام 2022، لا ينافسها أي شيء يعود إلى حقب ماضية من حياتي، ولكن النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي بدا لي وكأن أحداثه تتكرر لما رأيناه أخيراً، مثل تغيير زعامة حزب المحافظين، وتداول القصة تلو الأخرى عن فساد أو تصرفات الوزراء غير الأخلاقية، وقرارات الاستقالة الغريبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عندما كنت في سن المراهقة، كانت كلفة الوقود المرتفعة موضوع نقاش منتشر بقوة، وكان الناس يعانون في دفع فواتيرهم، وكانت لوائح الانتظار للحصول على الرعاية الصحية تعني أنه يمكن للمريض أن يلاقي حتفه قبل الحصول على الدواء، وكنا ندرس في فصول مدرسية مكونة من أبنية جاهزة يمكن نقلها [portacabins]، وكانت الممرضات تتسولن الحصول على زيادة في الأجور.

عندما كنت في سن المراهقة، كانت رحى الحرب تدور في أجزاء من أوروبا، وكان الكاتب سلمان رشدي مهدد بسبب كتاباته، وانتشر في حينه أيضاً عنف العصابات المحلية في الشوارع حيث كنت أعيش، وسيطرت في تلك الفترة أيضاً على عناوين الأخبار الأنباء عن عمليات القتل العشوائية في الملاهي الليلية والحانات. على ما يبدو أن ابني البالغ من العمر أربع عشرة سنة يعيش التجربة نفسها التي مررت بها عندما كنت في عمره بعد مضي أقل من ثلاثين عاماً.

أنا أتذكر تماماً كيف كان عليه الوضع بأن تترعرع في زمن عنف العصابات. وأنا أتذكر أنني عانيت غاز القنابل المسيلة للدموع في ملاهي برمنغهام الليلية، وأن يغلب عليك الشعور أن أجواء المكان لم تكن سوية من لحظة دخولك الملهى. وأتذكر أيضاً شعوري بالخطر.

وفي وقت لاحق من حياتي، سلكت طريق العمل في مجال الرعاية الاجتماعية لصغار السن، وعملت مع الشباب من ذكور وإناث كانوا معرضين لتناول المخدرات، والاستغلال وعنف العصابات. وأنا أتذكر ضباط الشرطة الذين عملت معهم والذين كانوا جزءاً من فريق الحي المفرغين لمتابعة أوضاع المدارس المختلفة في منطقتنا، للعمل مع صغار السن ممن هم في دائرة الخطر، لمحاولة بناء علاقات أفضل بين الشرطة والمجتمعات المحلية.

وفي الوقت الذي بلغت فيه مطلع العشرينيات من عمري، وأصبح لدي أطفالي، أنا أتذكر الشعور بأن الأمور كانت قد بدأت بالتحسن. دعونا لا نبالغ فلم تتحول الأوضاع إلى مستوى مثالي، ولكن كان هناك تقدم. لقد بذلت جهود لتحسين الأوضاع في مناطق مثل برمنغهام للتغلب على آفة العنف في أوساط فئة الشباب، واعتقدت أن ابني سينشأ في بيئة مدينية أكثر أمناً، من تلك التي نشأت فيها.

لكن كل ذلك أصبح من الماضي. إن مقتل شابين يافعين ــ أحدهما في ملهى ليلي في مدينة برمنغهام والآخر في منطقة ميرزيسايد Merseyside (في ليفربول في شمال إنجلترا) خلال أسبوع الاحتفالات بعيد الميلاد ـ هو بمثابة تذكير بظروف طفولة كنت أرغب بألا أختبرها.

كل ما يجري يدفعك إلى الشعور بأنه أمر مألوف بشكل موجع. جرائم السكاكين، والعنف في أوساط الشباب ليس أمراً طارئاً. لطالما كان ذلك أمراً مقلقاً خلال العقد الماضي من الزمن، ولكن ما غاب عن المشهد هو أن هذه التطورات لم يتم التعامل معها ومواجهتها بالتصميم نفسه من أجل تغييرها.

لم يعد هناك عاملون عن حق في مجال رعاية الناشئين كي يصار للاعتماد عليهم [لمواجهة التطورات الأخيرة]. ففكرة أن تتوفر لأي من قوات الشرطة ما يكفي من ضباط المجتمع community officers، المتخصصين في التواصل مع الشرائح الاجتماعية وتفريغ عنصر أو اثنين للسهر على ما يجري في المدارس في أيامنا هذه، قد تكون أشبه برؤية الحيوان الخرافي "الأحادي القرن" unicorn، مندفعاً في أحد الشوارع للعمل على حمايتنا.

إن الأرضية التي عملنا من خلالها على بناء نشاطات اجتماعية، وانطلقنا من خلالها لاعتماد برامج جديدة، لإنشاء مراكز شبابية youth centres، ومراكز [دعم] اجتماعية community centres، وحتى مراكز للشرطة لم تعد موجودة ببساطة في أيامنا هذه. إن مراكز الشرطة في طول البلاد وعرضها قد تم في الغالب بيعها أخيراً كي تصبح منازل مشتركة للسكن HMO، بدلاً من تحويلها إلى مراكز قادرة على استقبال أبناء المجتمع ونشاطاته. هذه هي صورة بريطانيا في ظل حكم حزب المحافظين بكل بساطة.

حزب المحافظين [الحاكم] بالطبع سيسعى إلى إلقاء اللوم على المجالس المحلية أو البلديات وقوات الشرطة ومفوض محاربة الجريمة (وهو منصب اخترعه حزب المحافظين ربما كي يتم تحميله المسؤولية) على كل هذه الإخفاقات، كما جرت العادة دائماً، متناسين النظر إلى مسؤوليتهم في حكم البلاد، أو القرارات التي اتخذوها والتي أدت إلى هذه النتيجة. فأين هم وزراء الدولة المفوضون من قبل الحكومة للعمل على إنهاء العنف في أوساط شريحة الشباب، أو العمل على كبح الزيادة المطردة بنسب العنف [في البلاد]؟ لا يمكنني حتى أن أتذكر أن واحداً من هؤلاء قد سعى فعلاً إلى تحقيق ذلك.

فخلال الأسبوع الماضي مثلاً، صدرت أرقام تبرز أن الشرطة قد أخفقت في حل أكثر من مليون قضية سرقة وجريمة سطو في العام الماضي، وهذه قد بلغت كلفتها على الأفراد البريطانيين ما معدله نحو 1400 جنيه استرليني (نحو 1700 دولار أميركي) عن كل مواطن. نسب عمليات الكشف وحل الجرائم المرتكبة في مختلف أنواع الجريمة في تراجع، أما نسب الإدانات، فهي، وبشكل مماثل، شبه معدومة أساساً.

إن نسب الجرائم العنيفة المرتكبة في بريطانيا على ارتفاع، وزادت الأرقام المسجلة في هذا العام بنسبة 18 في المئة مقارنة بما كانت عليه في عام 2021. بحق الآلهة ما موقف وزيرة الداخلية من هذا الموضوع؟ ربما هي [سويلا برايفرمان] في خضم مشاهدة حلم عن رواندا [في إشارة إلى قولها بأنها تحلم برؤية طائرة تبعد اللاجئين إلى رواندا]، أو أنها بصدد العمل على تسريب بعض رسائل البريد الإلكترونية الحكومية لبعض النواب المعارضين للحكومة وزوجاتهم، من الجالسين على المقاعد الخلفية في البرلمان. [في إشارة إلى استخدامها بريدها الشخصي وإرسال معلومات خاصة إلى نواب بالخطأ]،

على وزيرة الداخلية أن لا تخلد للراحة حتى يتراجع المسار التصاعدي لنسب العنف والجريمة المنتشرة هذه. لا بد أنها تعلم أيضاً مثلها مثل أي شخص أنه لن يكون بإمكانها أن تقوم بذلك من دون تجنيد مزيد من عناصر الشرطة. وهي تحتاج إلى عدد أكبر من النسبة التي كان حزب المحافظين قد وعد بتجنيدهم (خمسين ألفاً) لسد الفراغ الذي خلفته تخفيضات الحزب السابقة والتي طالت الآلاف من رجال الشرطة. وهي لن تنجح في محاولاتها تلك من دون خطة محكمة لإنشاء دوائر اجتماعية [تشرف عليها الشرطة المجتمعية] والناشطون الشباب.

إن حزب العمال [المعارض] يضع الخطط لتجنيد مزيد من عناصر الشرطة وأفراد الشرطة المجتمعية لإنشاء دوائر أمان طوال الأشهر الماضية. والسؤال المطروح، ما موقف الحكومة من هذه القضية؟

تخيلوا كل ما كان في الإمكان إنجازه بالمليارات التي تم هدرها هذا العام بفضل سياسة حزب المحافظين غير المبالية والعاجزة في الملف الاقتصادي. إن قلبي ينزف دماً كلما فكرت بنسب الهدر التي كان في الإمكان استخدامها لوقف وجع قلوب الكثيرين الدامية فعلياً.

إن الشعور بأن التاريخ يعيد نفسه تقابله مخاوف جديدة، ليس الخوف مما قد يواجهه مراهق خرج بثقة من منزله لإمضاء سهرة في الخارج، لكنها مخاوف الأم على ولدها المراهق. لقد كان موسم عيد الميلاد قاسياً على عائلات هؤلاء الشباب الطيبين والأذكياء الذين قتلوا في هذا الأسبوع.

إننا مدينون لكل عائلة في بريطانيا بأن نسمح لها بالشعور أنه في احتفالات ليلة رأس السنة هذه، سيتمكن أبناؤهم وبناتهم من الخروج للسهر والرقص والغناء وأن يكونوا سعداء، كي يستيقظوا في اليوم التالي وأمامهم مستقبل زاهر. ويمكنني أن أتذكر إلى حد ما الشعور الذي انتابني في الماضي بأن مستقبلاً أفضل ينتظرني، وقد يكون جميلاً أيضاً لو أن ولدي المراهق سيكون لديه الشعور نفسه.

 

© The Independent

المزيد من آراء