لم يكن تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقضية الفلسطينية وإمكانية تسويتها وفق حل الدولتين المتفق عليه دولياً في خطاب تنصيبه، الخميس 29 ديسمبر (كانون الأول)، عفوياً.
فنتنياهو يعود مجدداً إلى سدة الحكم في ظل موجة عنف هي الأشد منذ عام 2005 وبائتلاف حكومي من اليمين الإسرائيلي المتطرف منحه صلاحيات غير مسبوقة في إدارة شؤون الفلسطينيين بعيداً من مؤسسة الجيش، كما جرت العادة منذ سيطرة تل أبيب على الأراضي الفلسطينية عام 1967.
ونص برنامج ائتلاف نتنياهو الحكومي على أن "للشعب اليهودي حقاً خالصاً على أرض إسرائيل وأن الحكومة ستعمل على تطوير الاستيطان وتعزيز هجرة اليهود إلى إسرائيل".
وشدد البرنامج على أن الخطوط العريضة للحكومة الجديدة "تعمل لتعزيز مكانة القدس عاصمة لإسرائيل والمحافظة على الوضع القائم بكل ما يتعلق بالمقدسات".
كما أوضح البرنامج أن "الحكومة ستعمل على دفع اتفاقات سلام جديدة من أجل إنهاء الصراع الإسرائيلي- العربي".
مواصلة الاستيطان
ومع أن البرنامج أشار في خطوطه العامة إلى مواصلة الاستيطان الإسرائيلي، كعادة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، إلا أنه رفض تغيير الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى، كما يطلب أكثر من حزب في ائتلافه الحكومي.
فوزير الأمن القومي الجديد إيتمار بن غفير الممثل لحزب "العظمة اليهودية" الذي اعتاد على اقتحام الأقصى يدعو إلى تغيير الوضع فيه لمصلحة اليهود.
لكن نتنياهو أشار إلى أنه سيعمل على "تغيير مواقف بن غفير"، لافتاً إلى أن "توليه المسؤولية سيضمن تغيير آرائه السياسية لأن مع السلطة تأتي المسؤولية".
ومنح اتفاق تشكيل حكومة نتنياهو بن غفير صلاحيات الإشراف المباشر على قوات "حرس الحدود" التابعة للشرطة الإسرائيلية بعد أن يتم نقل تبعيتها لمكتبه.
إلا أن نتنياهو أجل بالاتفاق مع بن غفير ووزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت نقل المسؤولية الأمنية عن المستوطنات المحيطة بالقدس من الجيش الإسرائيلي إلى الشرطة.
كما توصل نتنياهو إلى اتفاق مع زعيم حزب "الصهيونية الدينة" بتسلئيل سموتريتش الذي تولى وزارة المالية على منح حزبه صلاحية تعيين منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وأثار القرار رفض مؤسسة الجيش الإسرائيلية باعتباره "يقلص صلاحيات الجيش ويقوض سلسلة القيادة فيه ويضعف من أدائه بعد دخول جهات خارجية إلى الهرمية العسكرية الأمنية، وهو ما سيضر بمكانة إسرائيل الدولية".
إقامة الدولة الفلسطينية
لكن نتنياهو رفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967 وقال إن السلام الذي يسعى إليه مع الفلسطينيين سيكون على أساس "منحهم صلاحيات لحكم أنفسهم، لكن من دون سيادة ومع وجود الأمن بيد إسرائيل"، مضيفاً أن "السلام الوحيد الذي سيصمد هو السلام الذي يمكننا الدفاع عنه".
وانتهجت الحكومة الإسرائيلية المنصرفة بزعامة نفتالي بينيت ويائير لبيد "استراتيجية تقليص الصراع" عبر منح الفلسطينيين تسهيلات في الحركة وامتيازات اقتصادية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحافظت تلك الحكومة التي تولت السلطة في إسرائيل لمدة 18 شهراً على علاقة حصرتها بالأمن والاقتصاد مع السلطة الفلسطينية.
وتولى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، وليس رئيس الوزراء الاتصالات مع الرئيس محمود عباس وكبار المسؤولين الفلسطينيين.
وقبل ساعات على مغادرته مكتبه في تل أبيب أجرى غانتس اتصالاً هاتفياً بعباس لنصحه "بالضرورة القصوى للاستمرار بالحفاظ على قناة مفتوحة وتنسيق أمني ومدني، يخدم أمن الفلسطينيين والإسرائيليين، ويتيح الرفاه الاقتصادي والمدني".
وشدد غانتس على "أهمية العلاقة التي تطورت بين جهاز الأمن الإسرائيلي والمستوى السياسي والسلطة الفلسطينية"، بحسب بيان لمكتبه، ودعا الرئيس عباس إلى توقف التوجه لمحكمة العدل الدولية، قائلاً إن ذلك "سيضر بالجمهور الفلسطيني، وفوق كل شيء سيجعل من الصعب في المستقبل الدفع نحو عملية سياسية بين الطرفين".
تحديات كبيرة
وصرح نائب رئيس حركة "فتح" محمود العالول إلى "اندبندنت عربية" بأن حكومة نتنياهو الجديدة "تفرض على الفلسطينيين تحديات كبيرة وجديدة بسبب فاشيتها وتطرفها وعنصريتها المعلنة".
ومع أن العالول شدد على أن "التطرف والعنف ورفض الحق الفلسطيني تميز الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كلها"، لكنه أشار إلى أن حكومة نتنياهو "تتحدث عن الجرائم وتمارسها، في حين كانت الحكومة السابقة تتحدث عن السلام وتمارس الجرائم".
وأوضح أن القيادة الفلسطينية "قبلت تحدي وجود تلك الحكومة الموغلة في تطرفها وفاشيتها"، مضيفاً أن "الفلسطينيين سيعملون على حشد دول العالم لمقاطعتها ومقاومتها في الميدان بالطرق السلمية الشعبية".
لكن العالول استدرك أن السلطة الفلسطينية "مضطرة إلى التعامل مع حكومة نتنياهو بحكم الأمر الواقع والوقوف أيضاً في وجه سياساتها المتطرفة"، قائلاً "سنتعامل معها وسنقف في وجهها"، إلا أنه أوضح أن "طبيعة تلك الحكومة ومواقفها المعادية للفلسطينيين تضع عائقاً كبيراً أمام التعامل معها".
زيادة الاحتكاك
المتخصص في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور رجح "زيادة الاحتكاك الميداني بين الفلسطينيين والسلطات الإسرائيلية بسبب برنامج الحكومة الجديدة ومخططاتها".
وتوقع أن تكون العلاقة بين حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية "سيئة عكس الحكومة الإسرائيلية السابقة التي أبقت خطوطاً مفتوحة مع الرئيس عباس والمسؤولين الفلسطينيين".
وبحسب منصور، "لم يبق أمام عباس بديل سوى التعامل مع الحكومات الإسرائيلية، التي لن يلجمها توجه السلطة الفلسطينية لمعاقبتها في المؤسسات الدولية".
ومع أن منصور أشار إلى أن نتنياهو "سيحاول عدم خلق تصعيد في الأراضي الفلسطينية وشن عمليات عسكرية" إلا أنه أوضح أن "الواقع على الأرض سيفرض نفسه في النهاية".
فنتنياهو "يريد تهدئة المجتمع الدولي وعلى رأسه واشنطن"، وفق منصور الذي تابع أن "رئيس الحكومة الإسرائيلية سيعمل على توسيع اتفاقات السلام لتشمل السعودية".
استبعاد التغييرات الجوهرية
واستبعد رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي أن تطرأ تغييرات جوهرية على الوضع الميداني في أراضي دولة فلسطين بوجود حكومة نتنياهو الجديدة.
وقال إن لغة الأرقام تشير إلى "أن حكومة بينيت- لبيد السابقة ارتكبت عمليات قتل وجرائم ضد الفلسطينيين وزادت من عدد المستوطنات أكثر من حكومة نتنياهو السابقة".
إلا أنه شرح أن خطاب حكومة نتنياهو سيكون "أكثر وضوحاً في رفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة بسبب طبيعة تركيبتها من الصهيونية الدينية القومية".
وحول شكل العلاقة بين حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية، يرى الشوبكي أن إسرائيل "مصرة على أن تنحصر تلك العلاقة في المسارين الأمني والاقتصادي من دون وجود أي إمكانية للتعامل السياسي".
وأضاف أن الرئيس الفلسطيني "لا يملك أي أوراق أخرى لقلب تلك المعادلة، بحيث ستبقى السلطة الفلسطينية تتعامل مع إسرائيل ومواجهتها في المؤسسات الدولية".
وتابع الشوبكي أن تل أبيب بدأت تعمل مع شخصيات فلسطينية تطرح نفساً بديلاً للرئيس عباس، وذلك لملء الفراغ السياسي المقبل، مشيراً إلى أنه في عام 2004 والرئيس ياسر عرفات يصارع السموم لم يكن أحد يتوقع أن يكون عباس خليفته في الحكم لعدم تمتعه بقاعدة شعبية".
تصعيد ميداني
شهد عام 2022 تصعيداً ميدانياً أطلقته سلسلة عمليات هجومية فلسطينية داخل إسرائيل وفي المستوطنات بالضفة الغربية، شن بعدها جيش تل أبيب عملية عسكرية قتل خلالها 172 فلسطينياً، بحسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية، كما قتل 29 إسرائيلياً عام 2022 في أعلى حصيلة منذ عام 2005.
وقال الجيش الإسرائيلي إن فلسطينيين أطلقوا الرصاص على جنود أو مستوطنين إسرائيليين 285 مرة مقارنة بـ61 مرة عام 2021.