Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحلة صناعة فيلم "آيرون مان".. ظاهرة ثقافية أم ضربة حظ؟

بمناسبة إدراج فيلم "آيرون مان" الصادر عام 2008 ضمن مجموعة الإنتاجات السينمائية الأميركية البارزة إلى جانب فيلمي "المواطن كين" و"الأصدقاء الطيبون"، ننظر في إسهام بطل العمل الإشكالي في تحقيق هذا النجاح.

روبرت داوني جونيور يحضر العرض الأول لفيلم "آيرون مان" الأسترالي في سيدني عام 2008 (غيتي)

روبرت داوني جونيور معتقل مرة أخرى، ها هو في مركز لإعادة التأهيل، وفي المحكمة، وفي السجن، والآن انتهك إطلاق السراح المشروط. كان الممثل الأميركي محط اهتمام شديد من وسائل الإعلام في أواخر تسعينيات القرن الماضي، لكن أداءه العبقري الذي رشحه لنيل جائزة الأوسكار كأفضل ممثل عن فيلم "تشابلين" Chaplin (إنتاج 1992) للمخرج ريتشارد أتينبرة محي من الذاكرة وسط الفضائح المستمرة المتعلقة بتعاطيه المخدرات وإدمانه على الكحول وسلوكه المنحرف.

بحلول الوقت الذي أسندت فيه بطولة "آيرون مان" Iron Man إلى داوني جونيور في أواخر سنة 2006، كان سجل الممثل "نظيفاً" لبضع سنوات. ومع ذلك فإن اختياره أثار تكهنات بأن فيلم البطل الخارق هذا قد يكون "المغامرة السينمائية الأخطر على الإطلاق". كان الفيلم الصادر عام 2008 أول عمل من قصص مارفل منتج بتمويل شخصي، لكن المجازفة أتت أكلها، حيث حقق إطلاقه نجاحاً كاسحاً في الصناعة. كان "آيرون مان" مشروعاً مهماً بالنسبة إلى مارفل، لحظة "نجاح أو دمار" كما وصفه لاحقاً منتجه كيفن فيغ الذي أصبح الآن رئيس الشركة. من المنطقي إذاً أن المديرين التنفيذيين في الشركة لم يرغبوا بالرهان على حصان خاسر مثل داوني جونيور، الذي كان فعلياً في بداية عقده الرابع، للعب دور البطل توني ستارك. قال المخرج جون فافرو لموقع سوبرهيرو هايب المتخصص بشخصيات الأبطال الخارقين: "كانوا خائفين منه، قالوا لي لا، لا يمكنني اختياره، وشعرت أن الأمر مخاطرة جسيمة ... أرادوا أن أختار ممثلاً أصغر سناً وذا سمعة أفضل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد مرور 15 عاماً، دخل فيلم "آيرون مان" الآن سجل الأفلام الوطني في مكتبة الكونغرس الأميركية، الساعي للاحتفاظ بالأعمال ذات الأهمية الثقافية للأجيال المقبلة. وفي حين أنه ليس فيلم الأبطال الخارقين الوحيد في هذا السجل، حيث يحوي فيلمي "سوبر مان" Superman (1978) للمخرج كريستوفر ريف، و"فارس الظلام" The Dark Knight (2008) لكريستوفر نولان، فإن "آيرون مان" يعد أول فيلم من إنتاج مارفل يحقق هذا الإنجاز. وعلى رغم اعتراض المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي سنة 2019 بأن أفلام الأبطال الخارقين ليست "سينما"، فها هو "آيرون مان" موجود الآن إلى جانب فيلم "المواطن كين" لـ أورسون ويلز Citizen Kane (1941) و"الأصدقاء الطيبون"Goodfellas  (1978) من إخراج سكورسيزي شخصياً باعتبارها معالم بارزة في تاريخ الأفلام الأميركية.

لم يكن محتملاً أن يسمح لـ "آيرون مان" بدخول قائمة نخبوية كهذه من دون داوني جونيور. وتبين منذ ذلك الحين أن حدس فافرو، بأن الممثل الغارق في المشكلات قد يضفي على الفيلم حساً فكاهياً ولمسة إنسانية، كان ملهماً. يميل أولئك الذين عملوا مع داوني جونيور إلى تبجيله. يتذكر مخرج الأفلام الوثائقية كريس سميث، الذي يستكشف فيلمه الجديد "الأب" Sr. العلاقة بين داوني جونيور ووالده مخرج الأفلام الخارجة عن التيار السائد روبرت داوني الأب، أنه سأل أحد المصورين السينمائيين البارزين: من هو أفضل ممثل عملت معه على الإطلاق؟ يقول سميث: "أجاب المصور السينمائي فوراً "روبرت داوني جونيور" قائلاً إن بإمكان روبرت أداء مشهد واحد بخمس طرق عبقرية ومختلفة في آن معاً." وأضاف أنه "لم يسبق له العمل مع شخص يمتلك موهبة بهذا القدر".

أدرك فافرو أنه ليتمكن من تسخير طاقات نجمه الكامنة، عليه ألا يسمح لبدلة البطل الخارق وأدواته بالوقوف عائقاً في وجه أدائه. استثمر المخرج عبقرية داوني جونيور المتألقة والمتبدلة بشكل كامل: ميله نحو الكوميديا الرومانسية الذي بدا جلياً في مشاهده مع مساعدة توني المتصنعة بيبر بوتس (جسدت دورها غوينيث بالترو)، قدرته على التهريج، سحره الفاتن الشبيه بالمغني والكوميدي دين مارتن، ومشاعر الحزن مثل طفل صغير، وأحياناً قدرته على أداء مشاهد الآكشن البطولية أيضاً.

كافح داوني جونيور من أجل الحصول على الدور، ووافق على الخضوع لتجربة أداء على رغم حقيقة أنه كان ممثلاً تجاوزت خبرته إجراء تجربة، وربما اعتقد أن ظهوره في شخصية بطل خارق قد يقلل من مقدار نفسه. قال لوسائل الإعلام إنه كان "شديد السعادة" بأداء شخصية ستارك. بدأ هو وفافرو بالعمل على الفيلم من دون تحضير. قد يكون "آيرون مان" فيلم آكشن بميزانية ضخمة لكن الجزء الأعظم منه كان مرتجلاً. وصفه جيف بريدجز، الذي لعب دور الشرير الأصلع أوباديا ستين، بـ "فيلم مبتدئين بميزانية 200 مليون دولار".

من الواضح أن داوني جونيور استمتع بفرصة الوصول إلى جمهور كبير، بعد مسيرة مهنية قضاها في ما وصفه بـ "أفلام رائعة صغيرة لا يشاهدها أحد". لم يكن الأجر في مقدمة أولوياته، على الأقل في البداية، لكنه أصبح بعد ذلك الممثل الأعلى أجراً في "هوليوود" بفضل دور ستارك. يقال إن داوني جونيور تلقى 500 ألف دولار (412570 جنيهاً استرلينياً) عن الفيلم الأول عام 2008، لكن يشاع أنه تلقى أجراً خيالياً بلغ 75 مليون دولار (62 مليون جنيه سترليني) عن سلسلة أفلام "المنتقمون" Avengers اللاحقة.

يعد "آيرون مان" خروجاً عن القاعدة بالنسبة لأفلام مارفل التي تلته، حيث تتجاوز مدته ساعتين بقليل ويتألف طاقم العمل الرئيس من عدد قليل من الشخصيات. يعد الفيلم محدود المدة والشخصيات مقارنة مع فيلم "المنتقمون: لعبة النهاية"Avengers: Endgame  (2019) الملحمي ومدته ثلاث ساعات، أو ملحمة "الأبديون" The Eternals (2021) المليئة بممثلين نجوم. جدير بالذكر أن الفيلم قدم أيضاً بعداً سياسياً معاصراً تفتقده أفلام عالم مارفل الأخرى، حيث تدور أحداث افتتاحية الفيلم في أفغانستان التي احتلتها الولايات المتحدة، وهناك مشاهد للتعذيب والإيهام بالغرق، كما أن الأعداء ليسوا أمراء حرب عابرين للمجرات بل محاربين جهاديين.

دائماً ما تترافق أي أفعال شجاعة يقوم بها "آيرون مان" ببعض اللمسات الكوميدية، ما يخفف من الهالة المبالغ فيها المحيطة بالبطل الخارق العظيم. توني ستارك شخصية ساحرة ومثيرة للدهشة، فهو صناعي وتاجر أسلحة يشار إليه في بداية الفيلم بأنه "تاجر الموت"، وهو اللقب الذي أطلق أيضاً على تاجر السلاح الروسي الحقيقي فيكتور بوت، الذي أطلق سراحه أخيراً من سجن أميركي في صفقة تبادل سجناء مع لاعبة كرة السلة الأميركية بريتني غراينر.

لم يظهر وجه ستارك في أول لقطة له في الفيلم، لكن يده التي تحمل قدحاً يهتز تحت تأثير الويسكي الذي يرتشفه في مؤخرة عربة عسكرية أميركية تعبر به الصحراء الأفغانية. هو زير نساء ذكي طلق اللسان، يدافع عن نفسه في مواجهة اتهامات بالتربح من الحرب بالقول إن "السلام يعني امتلاك عصا أكبر من تلك التي يمتلكها الآخرون". وعندما تشير صحافية إلى أنه الشخص "الذي يبيع العصي" يرد بإغوائها.

يقدم ستارك في هذه المشاهد الافتتاحية على أنه شخص فاسد وتافه مدمن على الكحول، وإن كانت هناك لمعة في عينه. تبدو الروابط بين الشخصية والممثل الذي يلعب دوره واضحة، ففي بعض الأحيان، يبدو ستارك، عندما يحتفل بصخب، كنسخة أكبر للشاب المدمن على المخدرات والمدمر لذاته الذي لعب دوره داوني جونيور بشكل مميز في فيلم "أقل من الصفر" Less than Zero (1978)، وهو الفيلم الذي أشار النقاد لاحقاً إلى أنه يشبه حكاية حياة نجمه ومسيرته المهنية المضطربتين. على رغم ذلك، فإن ستارك هو أيضاً عالم عبقري يتمتع بأخلاقيات عمل عالية. اختار مارك فيرغوس الكاتب المشارك في فيلم "آيرون مان"، خلال مقابلة مع مجلة "نيويورك" بداية الصيف الجاري، أسماء مثل هاورد هيوز وستيف جوبز وإيلون ماسك وبشكل مثير للدهشة، دونالد ترمب ("المرح قبل أن يصبح رئيساً") كملهمين أساسيين للشخصية.

لا يزال الجدل قائماً حول ما إذا كانت شركة "مارفل إنترتينمنت"، التي استحوذت عليها "ديزني" بعد سنة من إطلاق "آيرون مان" في 2008، قد تنتج سلسلة أفلام تستند إلى شخصية كهذه اليوم. في النهاية، تبدو شخصية ستارك بعيدة كل البعد من الشباب والحماسة الواضحة اللذين تتمتع بهما شخصية بيتر باركر المعروفة بـ سبايدر مان التي يؤديها توم هولاند، وعن الوطنية المتكاملة لشخصية ستيف روجرز التي يجسدها كريس إيفانز المعروفة بـ كابتن أميركا. صحيح أن شخصية المرتزق المارق في أفلام "ديدبول" Deadpool التي يلعبها رايان رينولدز سخيفة ومثيرة للسخرية أكثر من توني ستارك، لكن ديد بول موجه لجمهور أكبر سناً، في حين كان القصد من "آيرون مان" أن يكون موجهاً لعموم الجمهور ومناسباً للعائلة.

لم يكن في مصلحة الفيلم من وجهة نظر تجارية أن شخصية "آيرون مان" غير معروفة للجمهور مثل شخصيات مارفل الأخرى، فالجميع يعرف سوبر مان وبات مان ووندر وومان، لكن في عام 2008 كان عاشق الويسكي المتدثر بدرع وردي لا يزال مغموراً نسبياً. بالطبع، عرفه جيداً محبو القصص المصورة، فقد كان الرجل الحديدي موجوداً منذ ستينيات القرن الماضي وظهر في عديد من ألعاب الفيديو وأفلام الصور المتحركة ومسلسلات الأبطال الخارقين على التلفزيون. ومع ذلك كان لدى عموم الجمهور إحساس مبهم تجاه ستارك. تبين أن غموض الهوية هذا كان في صالح داوني جونيور، حيث تمكن من تبني الشخصية بطريقته الخاصة. يلاحظ أنه لا يمكن إلا أن تعجب بـ توني ستارك، فسحره يتغلب بسهولة على صفاته البغيضة. تشبه شخصيته شخصية "تن مان" في فيلم "ساحر أوز" The Wizard of Oz، حيث يمنح ستارك أيضاً قلباً مؤقتاً (أو على الأقل مغناطيساً كهربائياً موصولاً إلى بطارية سيارة) الأمر الذي يبقيه على قيد الحياة بعد تعرضه لانفجار قنبلة.

لم يكن واضحاً في وقت إنتاج الفيلم ما إذا ما كان الجمهور يرغب حقاً في أفلام خيالية تهرب من الواقع على غرار إنتاجات مارفل. وكما قال فافرو لمقدم البرامج الحوارية جيمي كيميل عام 2017: "كان الجميع يقول إن أفلام الأبطال الخارقين انتهت إلى غير رجعة، وإن روبرت داوني لم يكن بالضرورة نجماً جاذباً في شباك التذاكر". ثبتت صحة نهج فافرو وداوني جونيور الحر تجاه قضيتهما منذ فترة طويلة. وقال المنتج كيفين فيغ بداية الشهر الجاري عندما اختير الفيلم لدخول سجل الأفلام الوطني: "جميع أفلامنا المفضلة هي تلك التي نشاهدها مرة تلو أخرى وتلك التي نشأنا على مشاهدتها ... صمد "آيرون مان" في وجه اختبار الزمن، ولا يزال يعني الكثير للجمهور حول العالم".

لم تظهر أي علامات على تقادم "آيرون مان" حتى الآن، لكن هل هو حقاً أحد كلاسيكيات صناعة الأفلام الأميركية الخالدة؟ ربما هذا السؤال خاطئ. لا أحد يقارن فافرو بالمخرجين الآخرين في قائمة سجل الأفلام الوطني من أمثال: سكورسيزي وستانلي كوبريك وبيلي وايلدر وألفريد هيتشكوك. ومع ذلك، فإن عالم مارفل السينمائي الذي في رصيده 30 فيلماً حققت لاحقاً أرباحاً تقارب 30 مليار دولار (ما يعادل 25 مليار جنيه استرليني) في شباك التذاكر، ظاهرة ثقافية لا يمكن إنكارها في عصرنا. لو لم يكن فافرو مستعداً للمراهنة على داوني جونيور، لما كان عالم أفلام الأبطال الخارقين كما نعرفه اليوم.

© The Independent

المزيد من سينما