Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اغتيالات "غامضة" تفجع الليبيين فمن ينزع سلاح "ميليشيات الغرب"؟

مجهولون يطلقون النار على رجل وزوجته وطفليهما في الزاوية والمدينة شهدت 21 عملية تصفية منذ بداية العام و15 حالة منها في الشهرين الأخيرين

تسيطر على مدينة الزاوية ميليشيات مسلحة تضم بين صفوفها شخصيات مدرجة على قوائم المطلوبين دولياً (أ ف ب)

فجع سكان مدينة الزاوية الليبية الواقعة على بعد 40 كيلو متراً غرب طرابلس، بخبر تعرض عائلة كاملة لوابل من رصاص مجهولين أمام منزلهم، أدى إلى مقتل الزوجين وإصابة طفليهما بإصابات بالغة، منتصف الأسبوع الحالي، مما تسبب في غضب عارم واحتجاجات محدودة أدت إلى إقفال الطريق المؤدي إلى العاصمة لساعات عدة.

وكان يمكن أن تكون الحادثة عابرة ومفهومة في ظل انتشار السلاح بكثرة في البلاد، وتكرر وقوع جرائم مشابهة في مدن كثيرة أخرى، وحصوله في مدينة مشبعة بالنزاعات القبلية، لو لم تكن هذه الجريمة حادثة الاغتيال رقم 21 في الزاوية خلال العام الحالي، والـ15 خلال الشهرين الأخيرين فقط.

الفاعل مجهول

وما زالت ملابسات الجريمة التي أدت إلى مقتل المواطن الليبي سالم صالح عبدالمولى وزوجته غامضة، ولا يزال الفاعلون مجهولين حتى الآن، على رغم انطلاق التحقيقات الرسمية للكشف عنها منذ أيام.

وسلطت الحادثة الضوء من جديد على المأساة التي يعيشها سكان مدينة الزاوية منذ أشهر، وسط غياب كامل للأمن وسيطرة للمجموعة المسلحة المتناحرة التي تشكل جزءاً من المشكلة، وربما هي لبها من الأساس.

ولم يقتصر التنديد بالجريمة الجديدة التي شهدتها الزاوية على سكانها، بل قوبلت بتنديد شديد في جميع أرجاء البلاد، وأطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي وسماً داعماً لأهالي القتلى ويستنكر ما يجري في مدينتهم.

ورفضت عائلة القتيل وزوجته اتهام أي طرف بارتكاب الجريمة، إذ أكد عم القتيل الطاهر قريميدة، أنه "رجل مسالم وليس لديه أية مشكلات والكل يشهد له بذلك، ولا يوجد جهة معينة نوجه لها أصابع الاتهام في مقتل سالم عبدالمولى وزوجته". وخلص إلى أن "الجهات الأمنية باشرت التحقيق في الموضوع وننتظر النتائج".

عميد بلدية الزاوية جمال بحر علق على الحادثة، قائلاً إنه "ينتظر مثل غيره من الليبيين نتائج التحقيقات من الجهات الأمنية بخصوص الحوادث التي تكررت في المنطقة، وآخرها اغتيال أسرة المواطن سالم صالح عبدالمولى"، منوهاً بأن الحادثة وقعت بمنطقة الحرشة التابعة لبلدية الزاوية الغرب وليس المركز.

معضلة السلاح المنفلت

واعتبر المحلل السياسي محمد الهنقاري أن حادثة مقتل المواطن سالم عبدالمولى وزوجته سارة قريميدة رمياً بالرصاص، وإصابة أطفالهم في منطقة الحرشة، "جريمة بشعة تهتز لها الأبدان".

وأرجع الهنقاري أسباب الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد وارتفاع مستويات الجريمة، إلى "عدم تطبيق التشريعات التي تقنن امتلاك السلاح وتنظمه وضعف الأجهزة الأمنية وتعطل تنفيذ أحكام القصاص، ومع كل ما سبق طبيعي أن يظل مستوى الجريمة في ارتفاع مستمر".

وتشهد مدينة الزاوية تزايداً ملحوظاً في عمليات التصفية والاغتيالات لعدد من الشخصيات المدنية والعسكرية، ففي أقل من شهر فقط، قتل أكثر من 13 شخصاً من دون أسباب واضحة، على رغم التفسيرات الكثيرة التي تربطها بدوافع سياسية أو دينية، إلا أنه لا أحد حتى الآن يعرف حقيقة ما يجري في الزاوية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأحدث حال اغتيال شهدتها الزاوية قبل مقتل سالم عبدالمولى وزوجته، راح ضحيتها الشاب منذر مسعود القحواش قبل أيام قليلة، وهو أحد أفراد الكتائب المسلحة في المدينة، ويشتهر باسم "منذر كاذان"، ويبلغ من العمر 25 سنة، وتوفي متأثراً بإصابته التي تعرض لها جراء استهدافه برصاص مسلحين، لم يتم حتى الآن التعرف على هوياتهم.

وتزامنت هذه الواقعة مع مقتل لقمان علي عمر الهازل في اليوم نفسه، وهو طالب في كلية الاقتصاد يبلغ من العمر 19 سنة، إذ أطلق عليه مسلحون النار وأردوه قتيلاً، من دون معرفة السبب وراء ذلك، وتشير بعض روايات المقربين منه أن أسرته لها مواقف مناهضة من تجاوزات الميليشيات في منطقتهم.

وبعدها بساعات، شهد ذلك اليوم المشؤوم على الزاوية، عملية تصفية الشاب أسامة الزناتي، إذ توفي متأثراً بجراح إصابته بطلق ناري بعد استهدافه من قبل مسلحين، ليكون الضحية رقم 15 في طابور ضحايا الانفلات الأمني التي تعانيه المدينة في الأسابيع الأخيرة.

تنديد واسع

رئيس مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان طارق لملوم، قال إن "ما يحدث في مدينة الزاوية وتحديداً بمنطقة الحرشة لم يعد مستغرباً في بلد أصبحت المجموعات المسلحة تتكالب على السلطة فيه، وجميعها تابعة للحكومات السابقة والحالية وتحصل على رواتب وترقيات منها".

وأشار لملوم إلى أن "هذه المناطق تتسع فيها بشكل واضح رقعة الجريمة المنظمة، ولا يوجد مؤشر لحدوث أي تدخل أو نظام عدالة ومحاسبة لهم، محلياً على الأقل، في الوقت الحالي".

في المقابل، ندد ممثل أعيان وحكماء الزاوية البشتي الزحوف، بكثرة حالات القتل في المدينة. وقال إن "الزاوية شهدت خلال شهر واحد ما لا يقل عن ثماني حالات قتل، ثلاث منها وقعت في يوم واحد فقط".

إقرار الدبيبة

وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، أقر في تصريح له نهاية الأسبوع الماضي، بوجود مشكلات في الزاوية، من دون أن يدلي بأي تفاصيل إضافية. وقال خلال زيارة له لوزارة الداخلية، "لدينا مشكلات أمنية في الزاوية لا بد من التعريج عليها ومحاولة حلها قبل تفاقمها".

بدوره انتقد رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا أحمد عبدالحكيم حمزة، "استمرار صمت الحكومة حيال هذا الخرق الأمني وعمليات القتل خارج القانون التي تشهدها مدينة الزاوية".

وأكد أن "ما يحدث في مدينة الزاوية تعدى مستوى تصفية الحسابات في ما بين الجماعات والتشكيلات المسلحة هناك، وإنما هو انفلات أمني خطر ومؤشر على حجم فشل حكومة الوحدة الوطنية ووزارة الداخلية في ضمان حماية المواطنين وممتلكاتهم وسلامتهم وحياتهم، وتركهم لقمة سائغة للخارجين عن القانون".

خريطة نفوذ معقدة

وتضم مدينة الزاوية أكثر خريطة غير متجانسة من القوى الاجتماعية والقبلية والعسكرية وحتى السياسية في ليبيا، إذ تنشط فيها كل التيارات الموجودة على الساحة، وتعد آخر المعاقل للجماعات الإسلامية المتطرفة في ليبيا، وخصوصاً تنظيم القاعدة، ممثلاً فيما يسمى "الجماعة الليبية المقاتلة"، كما تحولت إلى واحدة من أبرز مراكز الصراع السياسي والعسكري في الغرب الليبي، منذ استيلاء قوات تابعة لرئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة على طرابلس.

وتسيطر على مدينة الزاوية ميليشيات مسلحة تضم بين صفوفها شخصيات مدرجة على قوائم المطلوبين دولياً مثل القيادي في تنظيم القاعدة شعبان هدية، الملاحق دولياً بتهمة الإرهاب، كما تنشط فيها مجموعات مسلحة متنافسة على تهريب المحروقات بسبب وجود أكبر مصفاة نفط ليبية فيها، ومجموعات أخرى تمتهن تهريب البشر، مستغلة ميناء المدينة الاستراتيجي القريب من الشواطئ الأوروبية.

وبسبب هذا التنافس تحولت الزاوية منذ بداية العام إلى مسرح لاشتباكات متكررة وأعمال عنف بين هذه الميليشيات، التي ترتبط بعلاقات متوترة وتتصارع على مناطق النفوذ ومسالك التهريب.

وخلال الفترة الأخيرة اجتاحت جرائم الاغتيال المدينة، وتجاوزت خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وحده أكثر من 10 جرائم، استهدفت شخصيات وقيادات بالمدينة، وعجزت الأجهزة الأمنية عن ملاحقة مرتكبيها، وهو ما تسبب في ترويع السكان وخلق حالاً من الذعر في المنطقة.

المزيد من تقارير