Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل العراق بحاجة إلى تبني مسار جديد للإصلاح الاقتصادي؟

تواجه حكومة محمد شياع السوداني سلسلة من التحديات

أشار السوداني إلى ضرورة وجود قطاع مصرفي كفوء يحظى بثقة المواطنين ومن دونه لا يمكن للحكومة أن تدعم التنمية والقطاع الخاص (رويترز)

تحظى حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بدعم برلماني وسياسي كبيرين فضلاً عن الدعم الإقليمي والدولي المقدّم لها، إلا أن هذه الحكومة تواجه سلسلة من التحديات أبرزها عامل الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته في منهاجها المقدم لمجلس النواب، إذ أكد السوداني الحاجة إلى تبنّي مسار جديد للإصلاح الاقتصادي عبر اعتماد صندوق العراق للتنمية.

واستعرض السوداني في مستهل لقاء جمعه بممثلي المصارف الأهلية أهم محاور العمل الاقتصادي الأساسية التي تعتمدها الحكومة في منهاجها، كما أوضح أبرز التحديات المالية والاجتماعية والأزمات التي يواجهها هدف التنمية المستدامة وأبرزها مشكلات الفقر والبطالة. وأعرب رئيس مجلس الوزراء عن قناعته بأهمية الحلول الاقتصادية والتعويل عليها في تحسين الواقع الخدمي والمعاشي للمواطنين.

مسار جديد للإصلاح الاقتصادي

وكشف السوداني عن الحاجة إلى تبنّي مسار جديد للإصلاح الاقتصادي عبر اعتماد صندوق العراق للتنمية الذي سيحمل توجهاً نحو تنفيذ المشاريع من قبل القطاع الخاص من خلال صناديق تخصصية تسهم في برامج التنمية، وأشار إلى ضرورة وجود قطاع مصرفي كفوء يحظى بثقة المواطنين ومن دونه لا يمكن للحكومة أن تدعم التنمية والقطاع الخاص.

مواطن الضعف الاقتصادية

وفي وقت سابق، دعا خبراء من صندوق النقد الدولي العراق إلى اليقظة والحذر من مواطن الضعف الاقتصادية التي يمكن أن تصيبه على المدى المتوسط، وفي وقت بينوا أن الاقتصاد العراقي يتعافى تدريجاً، حضوا المسؤولين العراقيين على تبني خطوات اقتصادية ضرورية أبرزها تنويع إيرادات الحكومة وتعزيز شبكة الرعاية الاجتماعية وتصحيح مسار قطاع الكهرباء. وقال صندوق النقد الدولي في بيان ختامي يتعلق باستنتاجات "مبدئية" توصل إليها الخبراء في ختام مهمة قاموا بها إلى العراق وصفها بأنها تمثل آراءهم وليس بالضرورة وجهات نظر المجلس التنفيذي للصندوق، قال إن "ارتفاع أسعار النفط وفّر للاقتصاد العراقي متنفساً كان في أمسّ الحاجة إليه بعد اقترابه من الدخول في أزمة مالية عام 2020"، إلا أن تقرير الخبراء اعتبر أن "اختلالات التوازن الأساسية استمرت، كما استمرّ الاعتماد على النفط في الازدياد".

ودعا الخبراء في تقريرهم إلى "ضرورة البدء بإجراء تحول اقتصادي هادف مصحوب بسياسة للمالية العامة تكون متأنية ومنضبطة، وتهدف إلى بناء هوامش احتياطيات مالية وقائية، وخفض درجة الاعتماد على النفط، وإعادة توجيه مسار الإنفاق نحو الاستثمارات ذات الأولوية وتلبية الحاجات الاجتماعية"، واعتبر التقرير أيضاً أن "توخّي الدقة في ضبط ومواءمة موازنة 2023 مع هذا التحول، يعتبر خطوة حاسمة في المحافظة على المكاسب التي تتحقق جراء الجهود التي بذلت في الآونة الأخيرة على صعيد السياسات"، مضيفاً أن الإصلاحات الهيكلية الحاسمة تمثل توجهاً بالغ الأهمية نحو تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وتعِزز تطوير القطاع الخاص باعتباره المحرّك الرئيس للنمو والتشغيل من خلال توفير فرص العمل"

مواطن الضعف

واعتبر الخبراء أن "الاقتصاد العراقي يتعافى بصورة تدريجية في خضم مواطن الضعف الأساسية الآخذة في الازدياد، إذ من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة ثمانية في المئة عام 2022 بسبب زيادة الإنتاج النفطي بنسبة 12 في المئة، إلا أن الخبراء رأوا أيضاً أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي، سيزيد بوتيرة أكثر اعتدالاً، مقدارها ثلاثة في المئة بعد انتعاشها بنسبة 21 في المئة عام 2021"، وتابع التقرير أنه تم "احتواء التضخم نسبياً، ليبلغَ نسبة خمسة في المئة في المتوسط خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2022، بالنظر إلى أن الإعانات التي قدّمت للأغذية والوقود عطّلت تمرير أسعار السلع العالمية المرتفعة ونقلها إلى السوق العراقية". وأضاف التقرير "بفضل ارتفاع أسعار النفط، يتوقع لميزان أرصدة الحساب الجاري للمالية العامة ولميزان الأرصدة الخارجية (أي للفائض/ للعجز فيهما) لهذا العام أن يحققا فائضاً يبلغ نسبة ستة و11 في المئة على التوالي، بينما من المحتمل أن يصل حجم احتياطيات البنك المركزي العراقي من العملات الأجنبية إلى ما يزيد على 90 مليار دولار بحلول نهاية العام".

تحقيق التوازن

لكن تقرير الخبراء أشار إلى أن "هذه الفوائض تحجب الاتساع في ميزان (فائض/ عجز) المالية العامة غير النفطي، مع استمرار اعتماد العراق على النفط في الازدياد، والحاجة إلى استخدام سعر النفط في تحقيق التوازن في موازنة الحكومة (سعر برميل النفط المطلوب للوصول لعجز صفري)، ليبلغ 66 دولاراً للبرميل عام 2022، مرتفعاً من 52 دولاراً للبرميل عام 2019"، كما لفت التقرير إلى أن "الآفاق الاقتصادية تعتبر إيجابية على المدى القريب"، إلا أن "مواطن الضعف يمكن أن تتجلّى بشكل واضح على المدى المتوسط".

وبينما من المتوقع للإنتاج النفطي أن "يرتفع بصورة تدريجية من 4.4 مليون برميل إلى خمسة ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2027، من المتوقع لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي أن يتسارع فيبلغ نسبة أربعة في المئة عام 2023، بفضل الحافز الذي نشأ من قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية، قبل أن تأخذ تلك النسبة في الاعتدال لتبلغ 3.5 في المئة على المدى المتوسط". وزاد التقرير أنه "في ظل توقّعات خط الأساس لتراجع أسعار النفط العالمية، واستمرار الموقف التوسعي لسياسة المالية العامة، من المتوقع لميزان رصيد المالية العامة ولميزان الرصيد الخارجي أن يتراجع، ويتحول إلى حالات من العجز بحلول عام 2025".

وتابع التقرير "من الممكن أن تبلغ الاحتياطيات من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي مستوى الذروة بمقدار 100 مليار دولار تقريباً في عام 2024 ثم تتراجع سريعاً على المدى المتوسط". ونبه التقرير إلى أن "هذه الآفاق قد تتعرض لمخاطر سلبية محتملة كبيرة في خضم العديد من التحديات التي تلوح في الأُفق"، موضحاً أن "من الممكن لتراجع أسعار النفط العالمية بوتيرة أسرع أن ينشّط الضغوط المالية مبكراً، كما أن الأموال الحكومية بخاصة قد تتعرض لتراكم الخسائر بوتيرة أسرع في قطاع الكهرباء، وإلى نضوب موارد صندوق تقاعد موظفي الدولة، إضافة إلى التكاليف الآخذة في الارتفاع والمترتبة على التغيير المناخي".

سياسة الأولويات

وذكر تقرير خبراء صندوق النقد الدولي أن "الإطار المالي السليم يمثل عنصراً بالغ الأهمية في التغلُّب على التحديات الاقتصادية التي يواجهها العراق"، ودعا راسمو السياسات إلى توخّي الدّقة في إيجاد التوازن بين أهداف ادّخار الأرباح النفطية الاستثنائية غير المتوقعة، لتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة تقلُّب أسعار النفط مستقبلاً، وزيادة الإنفاق الاجتماعي البالغ الأهمية، والإنفاق على الاستثمارات العامة، مع تخفيض مستوى الاعتماد على النفط بصورة تدريجية".

وأوصى الخبراء العراق بـ "الالتزام بقاعدة مالية تستهدف تحقيق الخفض التدريجي للعجز المالي الرئيس غير النفطي، لبناء هامش احتياطي وقائي لتحقيق الاستقرار في المالية العامة، بما يحسّن قدرة الحكومة على تيسير الإنفاق استجابة الى تراجع أسعار النفط مستقبلاً". وبحسب الخبراء، ينبغي "لتلك الاستراتيجية المالية، في الوقت ذاته، أن تسعى لتخصيص موارد كافية للاستثمارات العامة وشبكة الأمان الاجتماعي، بهدف دعم الحاجات التنموية البالغة الأهمية للعراق ودعم الفئات السكانية الضعيفة". كما أوصى خبراء الصندوق بـ "ادّخار جزء كبير من الأرباح النفطية المحتملة غير المتوقعة عن طريق استهداف العجز المالي الرئيس غير النفطي عام 2023، والأهم من ذلك، استهدافه عن طريق احتواء النمو في فاتورة الأُجور الحكومية، وزيادة الإيرادات غير النفطية".

مخاطر التضخم

وفي ظل مخاطر التضخم المرتفعة، دعا تقرير الخبراء إلى "توخّي اليقظة من جانب السياسة النقدية، لأنه على رغم أن التضخم ظل مستقراً خلال الأشهر الأخيرة، لا تزال هناك مخاطر كبيرة تتمثّل في تسارع وتيرة التضخم على المدى القريب، في ظلّ وجود موقف أكثر تساهلاً في ضبط المالية العامة وظهور الآثار السعرية الثانوية غير المباشرة لارتفاع أسعار السلع العالمية".

واعتبر التقرير أنه "يجب ان تكون هناك جهود مستدامة على صعيد السياسات في العديد من المجالات الرئيسة، ولا سيما رفع كفاءة إدارة المالية العامة وبخاصة عن طريق تأسيس حساب الخزينة الموحد وتنفيذ النظام المتكامل لمعلومات الإدارة المالية "أفميس" على نحو عاجل، بالإضافة إلى تعزيز الرقابة على الالتزامات والمطلوبات المحتملة الطارئة وتنويع إيرادات الحكومة، بما في ذلك عن طريق جعل الضريبة المفروضة على الأجور تصاعدية الاتجاه، بشكل أكبر، وإلغاء الإعفاءات التنازلية، وتعزيز الإدارة الضريبية والجمركية، وفرض الضرائب على مبيعات سلع وخدمات غير أساسية مختارة وتخفيض فاتورة الأجور الحكومية التي تستهلك حوالى 40 في المئة من الموازنة السنوية، ما يؤدي إلى مزاحمة وإقصاء الأولويات الأُخرى. ولا يمكن استدامة تلك الفاتورة على المدى الطويل ما يشجع على إيلاء الأهمية لقيام القطاع الخاص بإيجاد فرص العمل".

ويحث التقرير أيضاً على "تطوير الإصلاحات المتعلقة بالخدمة المدنية (العاملون في القطاع العام)، ووضع وتنفيذ استراتيجية توظيف وطنية لتحسين مستوى مشاركة القوى العاملة، وإزالة العقبات التي تواجه التوظيف في القطاع الخاص، وخفض مستوى العمل في القطاع غير الرسمي وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، إذ إن تحديد الأهلية للاستفادة من برنامج بطاقة الإعاشة التموينية غير الموجّهة لفئات مستهدفة، من شأنه أن يعزّز بدرجة كبيرة الموازنة المخصصة للتحويلات النقدية الموجهة. كما أن من شأن ربط التحويلات النقدية بأرقام قياسية (بمجموعة مؤشرات)، بصورة تلقائية أن يضمن الحماية الكافية للمنتفعين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالإضافة إلى ذلك، فإن إصلاح نظام المعاشات التقاعدية يعتبر مسألة ملحة بصورة متزايدة، لأهداف عدة أهمها استعادة الاستدامة المالية لصندوق تقاعد موظفي الدولة، ومن أجل المضي قدماً على صعيد الإصلاح، فإن الحاجة تقتضي مواءمة الأنظمة التقاعدية مع بعضها البعض، أو إدماجها للعاملين في القطاعين الخاص والعام، لتيسير إمكانية انتقال العاملين بين القطاعين وتعزيز الحوافز اللازمة للتشغيل (للتوظيف) في القطاع الخاص.

مسار قطاع الكهرباء

وشدد التقرير على تصحيح مسار قطاع الكهرباء الذي يتكبّد خسائر سنوية تزيد على ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي يعتبر فيه هذا القطاع غير قادر على تلبية الطلب المحلي. ولهذا، يجب أن تركّز استراتيجية الإصلاح الشامل لهذا القطاع على تعزيز مسألتي رصد وشفافية تكاليفه، ومراجعة هيكلة تعريفة الكهرباء، وتنفيذ الاستثمارات في احتجاز وحصاد الغاز، وفي مصادر الطاقة المتجددة، واستمرار الجهود في تحسين جباية المستحقات وخفض الفاقد والخسائر لأسباب فنية. كما أكد التقرير على تعزيز الاستقرار المالي إذ يظل تسريع عملية تنفيذ النّظم المصرفية الأساسية والشروع في إعادة هيكلة المصارف الحكومية الكبرى أولوية بالغة الأهمية.

إصلاحات اقتصادية

وفي ظل هذه المتغيرات المتسارعة والمطالبات الدولية والسعي الحكومي للإصلاح الاقتصادي، هل العراق بحاجة إلى تبني مسار جديد؟ يجيب الباحث الاقتصادي والسياسي نبيل جبار التميمي أنه على رغم الوفرة المالية المتحققة من ارتفاع أسعار النفط خلال السنتين الأخيرتين، إلا أن من الضروري جداً الشروع بتنفيذ إصلاحات اقتصادية بعضها قد يصل إلى التغيير الجوهري، مضيفاً "يتوجب على أصحاب القرار وضع خطة للإصلاح الاقتصادي عبر تحقيق سياسات بأبعاد مختلفة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، يتم من خلالها تحديد هوية الاقتصاد العراقي، والبدء عملياً بخطوات هدفها تنويع الاقتصاد وتفعيل القطاعات الانتاجية، ورسم مساحة عمل القطاع الخاص في القطاعات المختلفة وصولاً إلى مرحلة تأمين مداخيل الدولة من الموارد بما يضمن استدامة إنفاقها التشغيلي والاستثماري، وأيضاً توسعة الأنشطة الاقتصادية بما يحقق ارتفاعاً في الناتج المحلي الإجمالي العراقي يضمن توفير فرص عمل كافية لامتصاص البطالة والحد من الفقر ".

وشدد التميمي على أن حكومة مصطفى الكاظمي السابقة قدمت ورقة إصلاحية سميت بالورقة البيضاء حظيت بكثير من التأييد والدعم الدوليين، وهي خطة ترتكز بالمقام الأول على إجراء إصلاحات مالية في عمل الدولة ومؤسساتها، إلا أن الحكومة تكاسلت عن تنفيذ محتويات الورقة أو أساءت تطبيق بعض بنوده، ووصف التميمي تعهد السوداني من خلال منهاجه الوزاري بتقديم ورقة جديدة للإصلاح الاقتصادي، وهو مطلب سياسي أولاً عبّرت عنه القوى السياسية المشكّلة للحكومة (تحالف إدارة الدولة) مبدية رغبتها بأن تقدّم الحكومة مثل هذه الورقة خلال فترة وجيزة من عملها، ويتطلع رجال السياسة والاقتصاد لهذه الورقة اليوم على أمل أن تقدم مجموعة سياسات إصلاحية واعدة ومتزنة قادرة على تحقيق المصالح الاقتصادية للبلد .

انتشال الواقع الانتاجي

وحدد الخبير الاقتصادي مصعب أسامة ثلاث خطوات لانتشال الواقع الانتاجي في العراق وتحقيق الإصلاح المنشود، وقال في تصريح صحافي إن "توافر الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح شرط أساس قبل أي تحرك للنهوض بالاقتصاد"، مضيفاً "بعد توافر هذه الإرادة يجب القيام بأول خطوة وهي ضبط المنافذ الحدودية والجمارك". ولفت إلى ضرورة "أتمتة العمل الاستيرادي بالكامل بدءاً من صدور إجازة الاستيراد حتى دخول البضائع إلى الأسواق المحلية، مع ضرورة فهم الواقع الاقتصادي بشكل صحيح".