Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تتخفف من عبء الدعم تدريجا بداية 2023

تحريك أسعار 10 سلع غذائية في الربع الثاني من العام المقبل وتحذيرات من ارتفاع نسب الفقر

برنامج توجيه الدعم إلى مستحقيه برفعه تدريجاً سيمتد على أربعة أعوام من 2023 إلى 2026  (ا ف ب)

تترقب تونس بحلول عام 2023، تحديداً الربع الثاني، مرحلة حاسمة وفاصلة في ملف دعم المواد الأساسية والمحروقات بالشروع بصفة رسمية في الرفع التدريجي عن دعم مواد الحليب والسكر والزيت النباتي وزيادة أسعارها، الأمر الذي يزيد معاناة التونسيين، بينما تعتزم الحكومة مواصلة التخفف من عبء الدعم في 2024 بتحريك أسعار الخبز، أحد أهم المكونات الغذائية للمواطنين، إضافة إلى مشتقات الحبوب والمعجنات إلى حين بلوغ حقيقة الأسعار العالمية في 2026.

وتمثل هذه الإعلانات القوية في حال تمريرها من دون حصول ارتدادات اجتماعية قوية، خطوة جريئة من حكومة نجلاء بودن في حسم الجدل الذي رافق ملف رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية والمحروقات لأكثر من 10 أعوام.

ملفات شائكة

ومنذ 2011 ومع كل حكومة جديدة ينصب تركيزها على حزمة من الملفات الاقتصادية والاجتماعية الحارقة والشائكة، في مقدمتها إصلاح منظومة دعم المواد الغذائية حتى يصل الدعم إلى مستحقيه من الفئات محدودة وضعيفة الدخل والفقراء.

 ومع كل محاولة للتصدي لملفات الدعم تصطدم الحكومات برفض قوي من عدد من الأحزاب السياسية التي جعلت من هذا الملف ورقة انتخابية لطمأنة الشعب بعدم التحرك به، خصوصاً "اتحاد الشغل"، المنظمة القوية والنافذة في تونس الرافضة لمسار رفع الدعم.

وتعاني تونس كثيراً من الإشكاليات الاقتصادية والمالية خلال الأعوام الأخيرة أرهقت توازناتها المالية وجعلتها حبيسة الديون الخارجية لتسيير دواليب الدولة بينها تأمين الأجور وعدم المساس بأسعار المواد المدعمة، مما جعل البلاد تغرق في الديون الخارجية وسط تعطل الإنتاج بعدد من القطاعات الاستراتيجية على غرار إنتاج الفوسفات وتصديره.

حسم الجدل

يبدو من خلال تصريحات عدد من أعضاء الحكومة التونسية عقب بضعة أيام من صدور موازنة 2023 أن رئيسة الحكومة عازمة هذه المرة على حسم الجدل في شأن ملف الدعم في البلاد بالمرور إلى التجسيم الفعلي لإصلاح المنظومة برمتها، إذ كشفت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي عن ملامح أو الخطوط الكبرى لمسار إصلاح منظومة الدعم الذي سيتم الشروع في تطبيقه بداية من الربع الثاني من 2023.

وقالت في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" خلال اللقاء الإعلامي السنوي للحكومة لتقديم قانون الموازنة والمالية للعام المقبل، "مع بداية الربع الثاني من 2023 سيتم رفع الدعم عن بعض المواد الغذائية الأساسية على غرار السكر والزيت النباتي المدعم"، مضيفة أنه "سيتواصل في 2024 الرفع التدريجي عن الدعم الموجه للخبز ومشتقات الحبوب".

لا نية لرفع الدعم نهائياً

وأوضحت أن "البرنامج محدد ومضبوط في قانون المالية بتوجيه الدعم لمستحقيه"، موكدة أن "ليست هناك نية لرفع الدعم بصفة نهائية على اعتبار أن الدعم في تونس مكسب اجتماعي ومن ثوابت البلاد".

ويعود تأسيس منظومة دعم المواد الأساسية، خصوصاً الغذائية منها في تونس إلى أربعينيات القرن الـ20 لتتبلور أكثر ضمن قانون في السبعينيات، ولكن مع مرور الأعوام، تحديداً الأخيرة منها، أضحت هذه المنظومة وفق رواية الرابحي تثقل كاهل الموازنة، إذ "انفجرت" موازنة الدعم ومرت من 321 مليون دينار (110 ملايين دولار) عام 2006 إلى 730 مليون دينار (251 مليون دولار) في 2010 لترتفع إلى مستوى 5500 مليون دينار (1774 مليون دولار) قبل أن تصل إلى 7262 مليون دينار (2500 مليون دولار) في موازنة العام الحالي منها 2891 مليون دينار (996 مليون دولار) مخصصة لدعم المحروقات.

الرابحي اعتبرت في حديثها أن "ارتفاع حجم الدعم في تونس شكل عائقاً أمام تطور الاستثمار العمومي، إذ أعاق تنفيذ مشاريع تنموية في مجالات الصحة والتربية والتعليم والمرافق العامة"، مشيرة إلى أن "أسعار المواد الغذائية المدعمة في تونس مجمدة منذ 2008".

آليات رفع الدعم

وحول آليات رفع الدعم، قالت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات إن "برنامج توجيه الدعم إلى مستحقيه سيعتمد  تدريجاً عبر منصة رقمية متخصصة، وهي شبه جاهزة في انتظار تنفيذها، وستحل بها الفئات المدرجة في برنامج الأمان الاجتماعي الذي يتضمن نحو مليون عائلة، أو ما يعادل 4 ملايين شخص"، داعية بقية الفئات إلى "التسجيل في هذه المنصة للاستفادة من التحويلات المالية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضحت أن "برنامج توجيه الدعم إلى مستحقيه برفعه تدريجاً سيمتد على أربعة أعوام من 2023 إلى 2026 وسيتم قبل الشروع في إنجاز التعديلات السعرية على المواد المعنية برفع الدعم عنها وإقرار تحويلات مالية لم يقع تحديد قيمتها بعد وكيفية صرفها إما تحويلات شهرية أو كل ثلاثة أشهر".

وتابعت أن "المواد المعنية بتعديل الدعم عام 2023 سيكون عددها 10 مواد منها مشتقات الحبوب والزيت النباتي والسكر والحليب وغاز البترول المسال". كما أكدت أن "المبادئ التي سيرتكز عليها برنامج التحويلات المالية حساسية المنتج، إضافة إلى نتائج المسح الوطني لمستوى عيش الأسر ونسب الفقر باستهداف الفئات الأكثر احتياجاً".

تحريك أسعار الخبز في 2024

وتوقعت الرابحي أن "يتم الشروع في رفع الدعم التدريجي عن السكر والحليب والزيت النباتي خلال الربع الثاني من 2023 وأن المواد الأخرى مثل مشتقات الحبوب كالخبز سيكون رفع الدعم عنها في 2024".

في المقابل، شددت على أن "الفرضيات المعتمدة بخصوص رفع الدعم تدريجاً ستكون محور تفاوض مع الأطراف الاجتماعية ومكونات المجتمع المدني في الفرضية الفضلى والأنسب"، مستدركة "لكن برنامجنا قائم بتوجيه الدعم نحو مستحقيه ورفعه في فترة تمتد إلى أربعة أعوام".

وأعلنت موازنة تونس العام المقبل أن حجم الدعم سيتراجع انطلاقاً من 2023، إذ إن ضبط الموازنة العامة للدولة تضمن تقليص حجم دعم المواد الأساسية خلال العام المقبل بنسبة 33.1 في المئة من 3771 مليون دينار (1216.4 مليون دولار) خلال 2022 إلى 2523 مليون دينار (813.8 مليون دولار) في 2023.

تراجع دعم المحروقات 25.7 في المئة

 في غضون ذلك سيتراجع دعم المحروقات في 2023 بنسبة 25.7 في المئة ليصبح 5669 مليون دينار (1828.7 مليون دولار) مقابل 7628 مليون دينار (2460.6 مليون دولار) عام 2022.

 وسيؤدي تراجع دعم المواد الأساسية والمحروقات إلى إقرار زيادات في أسعار عدد من المواد الأساسية المدعمة ومواصلة اعتماد ارتفاعات دورية في أسعار المحروقات بتفعيل التعديل الآلي للمواد البترولية.

في تلك الأثناء كشف الميزان الاقتصادي للعام المقبل عن أنه ستتم مراجعة وتعديل منظومة دعم المواد الأساسية التي تعد "مكسباً اجتماعياً يمكن من الحفاظ على القدرة الشرائية للتونسيين".

ويرتكز إصلاح منظومة دعم المواد الأساسية على توجيه الدعم إلى مستحقيه، خصوصاً من العائلات ضعيفة ومتوسطة الدخل مع تعزيز القدرة الشرائية لهذه الفئات وفق الميزان الاقتصادي، كما سيتم اعتماد التدريج لتعديل الأسعار على مدى الأعوام الأربعة المقبلة انطلاقاً من 2023 وإرساء منصة رقمية مفتوحة للتسجيل الاختياري لكل المواطنين.

في السياق ستتكثف جهود إصلاح منظومة دعم المحروقات بالتوازي مع التسريع في انتقال الطاقة من خلال التوجه التدريجي نحو حقيقة أسعار المحروقات وتحرير توريد المواد البترولية حال بلوغ حقيقة الأسعار مع المحافظة على دور الشركة التونسية لصناعات التكرير في تأمين التزود وتطوير الطاقات الخاصة، إلى جانب التعديل التدريجي لأسعار الكهرباء والغاز مع مراعاة الفئات الضعيفة موازاة مع التقدم في تنفيذ برامج انتقال الطاقة وترشيد استهلاك المواد البترولية.

2023 الأصعب

من جانبه أعلن وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد أن "نسبة التضخم المتوقعة في تونس العام المقبل ستكون في حدود 10.5 في المئة مقابل نسبة تضخم منتظرة لكامل العام الحالي بما يقدر بـ8.3 في المئة".

وأقر في الندوة الصحافية السنوية لأعضاء الحكومة، الإثنين الماضي، بأن "نسبة التضخم للعام المقبل مرتفعة وأن العام المقبل سيكون صعباً على التونسيين" وأوضح أن "معدل زيادة نسبة التضخم كان في حدود ثلاث وأربع نقاط مقابل معدل 10 نقاط في منطقة اليورو"، لافتاً إلى أن "تونس تمكنت نسبياً من التحكم في التضخم هذا العام على رغم تواتر الأحداث الاقتصادية العالمية".

وأرجع سعيد زيادة نسبة التضخم إلى أن البلاد دفعت ضريبة تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية التي أثرت في ارتفاع الواردات من المواد الأساسية بقيمة ملياري دينار (645 مليون دولار) وصعود واردات المحروقات بقيمة 8 مليارات دينار (2580 مليون دولار)"، مشيراً إلى أن "تونس تعد من ضحايا النزاع الروسي- الأوكراني الذي أثر في المالية العمومية والتوازنات المالية للبلاد" ومعتبراً أن نسبة النمو المتوقع تحقيقها خلال 2023  بنحو 1.8 في المئة متواضعة قائلاً "تعكس الوضعية الاقتصادية الصعبة للبلاد".

رفع الدعم يزيد نسبة الفقر

وعن تداعيات قرار رفع الدعم بصفة تدريجية، اعتبر المستشار الاقتصادي لدى الاتحاد العام التونسي للشغل عبدالرحمن اللاحقة أن "سياسة رفع الدعم بشكل غير مدروس والمقاربة التي وصفها بالساذجة التي تتبعها الحكومة في رفع الدعم ستسهم في ازدياد الفقر بالبلاد بنسبة خمسة في المئة وستكون لها تداعيات سلبية على كل المستويات بينها مزيد من ارتفاع الفوارق بين الناس وتوسعة دوائر الفقر".

وأوضح أنه "بالإمكان تقديم عدد من الحلول التي يمكن أن تضمن التقليص في موازنة الدعم مع المحافظة في الوقت ذاته على القدرة الشرائية للمواطن ولكن شريطة الحوار والتشاركية من أجل إعادة البلاد إلى المسار الصحيح".

وشدد على أن مقاربة الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا الملف الشائك، "أنه لا يمكن إجراء رفع الأسعار من دون دراسة مسبقة تأخذ في الاعتبار النتائج المحتملة من قرار خطر كهذا"، لافتاً إلى أنه "يمكن التخفيض بنسبة 50 في المئة من موازنة الدعم عبر محاربة الفساد والتهريب والتهرب الضريبي وإقصاء من لا يستحق، خصوصاً في النسيج الصناعي من موازنة الدعم". وخلص إلى أن "تونس بحاجة لإنجاز حوار مجتمعي يضمن توجيه الدعم إلى مستحقيه من الفئات المعوزة وأن تشمل التحويلات جميع الأجراء إلى جانب مراجعة سياسة الأجور في البلاد".

اقرأ المزيد