Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موازنة 2023 في السودان رهينة "مداد التوافق" الصعب

الركود يضرب الأسواق والتضخم يثقل المواطنين وضباب المشهد السياسي يعرقل إنقاذ الاقتصاد

في ظل هذا الواقع ستعتمد الدولة السودانية في تسيير أعمالها على الجبايات (اندبندنت عربية - حسن حامد)

يدخل السودان العام الميلادي 2023 من دون موازنة عامة للبلاد بسبب عدم تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة التي تنتظر التوقيع النهائي على الاتفاق السياسي بين المكونين المدني والعسكري والمرهون بتوسيع قاعدة المشاركة حول الاتفاق الإطاري الذي وقع في الخامس من ديسمبر (كانون الأول). لكن كيف ينظر الاقتصاديون إلى هذا الواقع المتأزم وأثره على أداء الدولة؟

ضبابية المشهد

يقول أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية حسن بشير محمد نور إن "السودان حالياً يعيش حال اللادولة، مما جعل الوضع مربكاً، بخاصة في الجانب الاقتصادي ويعود عدم إعلان الموازنة كما هو معتاد في مثل هذا التوقيت لضبابية المشهد السياسي الذي تمر به البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، فصحيح تم التوقيع على الاتفاق الإطاري في الخامس من هذا الشهر بين العسكريين ومجموعة من المدنيين بقيادة قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، لكن لم تشكل الحكومة بعد حتى يتم إطلاق الموازنة وفق الإجراءات المتبعة".

وتابع "في ظل هذا الواقع ستعتمد الدولة السودانية في تسيير أعمالها على الإيرادات الضريبية والرسوم الجمركية، بمعنى أنها تركز على الجبايات لانعدام مصادر الإيرادات الحقيقية المتمثلة في الإنتاج، مع العلم أن الركود يضرب الأسواق جميعها، مما جعل القاعدة الضريبية محدودة للغاية، لذلك سيتم الاعتماد على الضرائب غير المباشرة ممثلة بضريبة القيمة المضافة، فضلاً عن عائدات الذهب التي تراجعت أيضاً بشكل كبير".

 وأكد أن "الوضع الاقتصادي يشهد حالاً من الجمود، بالتالي فإن عدم إعلان الموازنة يبين حجم الأزمة الحقيقية وهي الغياب التام للدولة التي تسير بواسطة موظفين بموجب الأمر الواقع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن إمكان إصلاح الوضع الاقتصادي، أجاب "الأمر يعتمد على الطريقة التي تمت بها التسوية ومدى القبول الذي تحظى به الحكومة الجديدة من قبل الشارع السوداني والخطة التي تنتهجها للإصلاح الاقتصادي، إضافة إلى تدفق المساعدات الخارجية من منح وقروض وإعفاء من الديون وغيرها".

وأضاف نور "واضح أن التسوية ما زالت متعثرة للدفع نحو الأمام بتوقيع الاتفاق النهائي بسبب القضايا الخمس العالقة باعتبارها قضايا رئيسة شائكة. ومع ذلك أعتقد بأن قوة الدفع الخارجي قوية ممثلة بالآلية الثلاثية (بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم والاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد)، والآلية الرباعية (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات)، مما يسهل ويزيل كثيراً من العراقيل التي تقف أمام إعلان الحكومة المقبلة".

ولفت أستاذ الاقتصاد السياسي إلى أن المشكلة الأساس في السودان ليست الموازنة ولا الوضع الاقتصادي، بل هي الأزمة السياسية التي ألقت بظلالها وتداعياتها على الحياة المعيشية والاقتصادية والأمنية، فمن دون حلها بشكل جذري لن تتحسن الأحوال عامة".

تساؤلات وارتباك

في السياق قال المحلل الاقتصادي محمد الناير "يرجع تأخر إعلان الموازنة العامة للعام المقبل إلى تعقد المشهد السياسي خلال الفترة الانتقالية الذي حال دون تشكيل هياكل السلطة بما فيها تعيين حكومة كفاءات مستقلة، لكن يبدو أن الأوضاع ماضية في مسار العام الماضي ذاته، إذ تمت إجازة موازنة 2021-2022 في يناير (كانون الثاني)، وهي المرة الأولى في تاريخ البلاد التي لا تجاز فيها الموازنة نهاية ديسمبر على رغم أنها كانت جاهزة للإجازة، لكن عدم وجود حكومة وتكليف وكلاء الوزارات بمهمات تسيير أعمال شؤون الحكم تسببا في تأخيرها".

وواصل "الآن ونحن على مشارف نهاية العام لا نجد أي حديث من قريب أو بعيد عن الموازنة العامة للدولة، في حين أنه في مثل هذا الوقت من كل عام تكون الموازنة أجيزت من قبل مجلس الوزراء والبرلمان كجهة تشريعية لتصبح قانوناً قابلاً للتنفيذ ابتداء من يناير المقبل، علماً أن الموازنة تعد أهم خطة لتسيير وتنفيذ أعمال ومهمات الدولة لمدة عام، وينظر إليها الجميع بترقب شديد لمعرفة ما إذا كانت تحمل بشائر مثل تحسين الأجور وتوفير فرص عمل جديدة، وهل هي موازنة توسعية أو انكماشية، فضلاً عما تحمله من سياسات تجاه قطاع الأعمال والمستثمرين".

ولفت المحلل الاقتصادي إلى أن هذا الوضع أثار كثيراً من التساؤلات وأحدث حالاً من الارتباك، بخاصة أن السلطات المتخصصة في البلاد لم تعرض حتى الآن تقارير الأداء الاقتصادي لفترتي نصف السنة والربع الأخير لهذا العام.

مفهوم خاطئ

من جانبه أوضح وزير الدولة السابق في وزارة المالية السودانية عز الدين إبراهيم أن "هذا الوضع الذي تمر به البلاد سبق أن شهدته في تسعينيات القرن الـ20، تحديداً في الفترة من 1996 إلى 2000، إذ كان المناخ سيئاً من ناحية التضخم والحروب والمقاطعة الخارجية وكانت الدولة آنذاك اتجهت إلى تمويل القطاع الزراعي بأموال طائلة حتى بلغت نسبة التضخم 160 في المئة لأن عملية التمويل قامت على مفهوم خاطئ وهو التمويل الإنشائي الذي يمثل في عرف الاقتصاديين روشتة تضخم، أي تمويل من دون إنتاج، ولإصلاح ذلك الوضع اتخذنا طريق التحكم في الكتلة النقدية بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي من ناحية السلع والخدمات، فضلاً عن اتباع معادلة متوازنة لتقسيم الكتلة النقدية بين الحكومة والقطاع الخاص، لكن في الفترة الانتقالية قامت الحكومة الحالية عام 2021 بطباعة تريليوني جنيه سوداني (1146 تريليون دولار)، مما أحدث انفلاتاً وتضخماً غير مسبوقين وتكمن معالجة هذا الخلل في سرعة التحكم في الكتلة النقدية".

وأضاف "في اعتقادي أن جذور أزمة بلادنا الحالية اقتصادية لا سياسية والمشكلة أن الحكومة نفذت روشتة صندوق النقد الدولي حرفياً من دون منح قروض تخفف عن كاهل المواطن الذي عانى ثقل الضرائب، وهذا الطريق القاسي تسبب في تعطيل الإنتاج في المجالين الزراعي والصناعي بسبب الضرائب وركود الأسواق، لكن بشكل عام يكون الخروج من هذا المأزق الاقتصادي بإحداث استقرار يؤدي إلى وصول التضخم لمعدل 10 في المئة".

وبين إبراهيم أن "ليس هناك خوف من استدانة الدولة لتمويل الموازنة بواسطة البنك المركزي في ظل انخفاض العجز بنسبة تراوحت بين اثنين إلى ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بخاصة أنه لم تصل إلى البلاد أموال من الخارج، لكن لا بد من التنسيق بين وزارة المالية والبنك المركزي في جميع الإجراءات المتعلقة بتمويل الموازنة".

اقرأ المزيد