Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حركة النشر العربي المتعافية من كورونا تراجعت بسبب الغلاء

الكتاب العربي واجه حالاً من الاضطراب خلال العام 2022

الكتب تتراكم في العالم العربي والقراء شبه غائبين (غيتي)

في بداية عام 2022، ظهرت مؤشرات التعافي في صناعة النشر العربية من تداعيات جائحة كورونا التي هيمنت على المشهد طوال عامي 2020 و2021. لكن سرعان ما وجدت تلك الصناعة نفسها في مواجهة تحديات لا تقل خطراً، يرى بعضهم أنها ترتبت على اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، فيما يرجعها آخرون إلى أسباب أخرى في مقدمها ارتفاع أسعار جميع المستلزمات التقليدية لإنتاج الكتاب، وفي مقدمها الورق. ويلاحظ في هذا الصدد أن المؤتمر السادس لاتحاد الناشرين العرب الذي عقد في الشارقة يومي الثاني والثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، حمل عنوان "صناعة المحتوى العربي وتحديات ما بعد الجائحة"، ولربما سيظل هذا العنوان صالحاً لأن تنعقد تحته دورات أخرى لهذا المؤتمر الذي يعقد سنوياً. وعموماً فقد اشتملت توصيات مؤتمر الشارقة على: السعي لدى إدارات معارض الكتب والحكومات العربية إلى التعامل مع المحتوى العربي، المحرر بداية باللغة العربية أو المترجم إليها من لغات أجنبية، كمنتج ثقافي في إطار صناعة استراتيجية متكاملة، والتعامل مع النشر وإتاحة المحتوى باعتبارهما صناعة استراتيجية ذات طابع حيوي. وأوصى المؤتمر نفسه بإتاحة المحتوى الإلكتروني كبديل للكتاب الورقي الذي تتصاعد كلفته بفعل الارتفاع العالمي في معدلات التضخم والانكماش الاقتصادي وتراجع عدد مصانع الورق بما رفع كلفة استيراده بشكل غير مسبوق.

"اندبندت عربية" استطلعت آراء خبراء في النشر العربي حول التحديات التي واجهت تلك الصناعة الحيوية عربياً خلال عام 2022 وآفاق التوقعات للعام الجديد. 

في البداية يقر رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد بأن تلك التحديات، "كبيرة وفوق طاقة الناشرين، بخاصة وأن صناعة النشر العربية هي أساساً ضعيفة ولا تتناسب مع حجم وقدرات العالم العربي لأسباب كثيرة، أهمها أمر قديم جديد يتعلق بأن الحكومات العربية لم تعترف بعد بأن النشر صناعة، فمثل هذا الاعتراف كفيل بإنهاض هذه الصناعة مهما واجهت من تحديات. أما تحديات عام 2022 فتمثلت في توابع جائحة كورونا، التي فاقمت عديداً من المشكلات التي تواجه الناشر العربي عادة، وأبرزها أن عادة القراءة ليست أصيلة في منطقتنا، وإن كانت  السنوات الأخيرة قد شهدت زيادة في المقروئية، خصوصاً في مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، خلافاً لما يتردد من واقع إحصاءات سابقة بأن المواطن العربي لا يقرأ إلا لنصف ساعة في السنة. المواطن الإماراتي مثلاً يقرأ في المتوسط لمدة 51 ساعة في السنة، حصيلتها 24 كتاباً".

طبول الحرب

ويقول أستاذ المكتبات في جامعة حلوان رئيس تحرير مجلة "عالم الكتاب" القاهرية الدكتور زين عبد الهادي: "فجأة اندلعت الحرب الروسية - الأوكرانية، وتعطلت آلات الصناعة والزراعة لصالح قرع طبول الحرب. وإذا كان القمح غذاء الجميع قد أصابه ما أصابه، من جراء تلك الحرب، فإن الثقافة بدورها تعرضت للتنكيل بسبب توقف صادرات الورق وارتفاع أسعاره، وهو أهم ما عرقل صناعة النشر العربية خلال 2022. توقفت مطابع عن العمل وأغلقت دور نشر ومكتبات أبوابها. أصيب الغذاء العقلي لملايين البشر، بما يشبه الشلل، خصوصاً وأن تداعيات تفشي جائحة كورونا كانت أطاحت كثيراً من رواد صناعة الورق، فتضاعفت تلك السلعة الاستراتيجية بالنسبة إلى صناعة النشر. وحلاً للمسألة، تم التوجه للطباعة الرقمية والقراءة الرقمية، ولكن كثيراً من الشعوب التي ما زالت لم تتواءم بعد مع المنتجات الرقمية، ومنها الشعوب العربية، باتت الأكثر تضرراً بسبب تعثر النشر الورقي. مع ذلك تظل أزمة الورق حاضرة في سوق النشر العربية بسبب ارتفاع أسعار الوقود وكلفة الإنتاج والمسافات الطويلة التي على السفن الحاملة للورق من شمال أوروبا أن تقطعها لتصل إلينا. الحرب الضروس بين روسيا وأوكرانيا أثرت سلباً في عمليات تصدير واستيراد هذه السلعة مما بات يهدد بالتعجيل بانتهاء عصر الورق الذي بدأ قبل نحو ألفي عام من الآن لصالح العصر الرقمي بالكامل".

المنصات الرقمية

ويقول محرر التقرير الدوري عن حال النشر في الوطن العربي الدكتور خالد عزب إن أكبر مشكلة واجهت النشر العربي خلال 2022 هي ارتفاع مدخلات إنتاج الكتاب بخاصة الورق، ملاحظاً، أن تجارة الورق الآن، في بلد مثل مصر، هي الأكثر جلباً للربح مقارنة بأية تجارة أخرى. وقال "إن مصر تستورد من 280 إلى 300 ألف طن ورق لسد الفجوة بين حجم الاستهلاك الذي يصل إلى حدود 450 ألف طن سنوياً، والإنتاج المحلي الذي يقارب 170 ألف طن فقط. وبكل أسف أسعار الورق في السوق المحلية تتزايد من دون وجود ما يقنع بأن سبب ذلك هو الحرب الروسية - الأوكرانية. السبب الرئيس لارتفاع الأسعار، كان تعويم العملة خلال شهر مارس (أذار)، الذي أدى إلى تتابع وتيرة الزيادة في أسعار الورق على مدار بقية شهور السنة".

ورأى عزب أن هذا أدى إلى تراجع عدد الكتب المنشورة في مصر خلال 2022 إلى النصف تقريباً (حوالى 10 آلاف عنوان). وأضاف أن الهيمنة ستكون للنشر الرقمي، لكن السيطرة فيه ستكون للمنصات غير العربية، مع نجاح نسبي لمنصة "أبجد" الأردنية. المستقبل لاحتكار هذه المنصات النشر في ظل دخول بعضها للتعامل في مجال النشر في المنطقة العربية.

وأوضح عزب أن دولاً عربية، خصوصاً المغرب والجزائر والسعودية، شهدت انتعاشاً في حركة نشر الكتب العربية بمجرد انحسار خطر كورونا، في بدايات عام 2022، لكن علي صعيد الكتب المترجمة حدث تراجع ملحوظ لدور النشر الحكومية ومنها المركز القومي المصري للترجمة، لتسد الفجوة مشاريع الترجمة الممولة خصوصاً من ألمانيا وفرنسا، فبدت في العام الماضي، وكأنها تستحوذ على مساحة لا بأس بها من سوق النشر في العالم العربي..

العام الأسوأ

يقول الصحافي المتخصص في مجال النشر سامح فايز "على رغم مما تعانيه صناعة الكتاب والنشر في المنطقة العربية إلا أن عام 2022 هو الأسوأ من حيث الظروف الصعبة التي تعانيها الصناعة، وهي ظروف مرتبطة بالوضع الخاص الذي عاشه العالم وما زال يعيشه سواء على مستوى استمرار الوباء أو الحرب التي أضرت بالمشهد الاقتصادي عالمياً. بيد أن ملابسات أزمة صناعة النشر أكبر مما تمر به حالياً، فالصناعة التي تعتبر المنطقة العربية حديثة عهد بها لم تقف بعد على أرض راسخة، من حيث عدم اعتبارها صناعة في الأساس في بعض الدول العربية. في مصر على وجه التحديد لا يعترف بعملية النشر كصناعة ضمن الصناعات المعتمدة، وهى أقرب إلى العمليات التجارية القائمة على بيع وشراء منتج ما من وجهة نظر المؤسسة الرسمية".

وأوضح فايز أن عدم اعتبار النشر صناعة قائمة بذاتها حتى الآن "جاء بسبب عدم وجود قواعد بيانات تتعلق بالموارد البشرية العاملة في الصناعة سواء النشر أو الطباعة أو التوزيع، أيضاً لعدم وجود قواعد بيانات خاصة بعمليات البيع والشراء أو الطبع والنشر. من الصعب مثلاً أن نعرف عدد النسخ المطبوعة بشكل فعلي من أي كتاب صدر في المنطقة العربية. المسألة لم تتوقف عند النسخ المطبوعة من أي عنوان، بل لا نستطيع أن نعرف عدد النسخ المباعة أو عدد الكتب التي صدرت خلال العام، مع الوضع في الاعتبار أن السوق الموازية غير الرسمية تسيطر بالفعل على صناعة الكتاب عربياً، ويقصد به مطابع الكتب غير المرخصة التي تنشر الكتاب من دون احترام حقوق الناشر الأصلي أو حقوق المؤلف". وأضاف أن "تجارة السوق الموازية تعتبر الأضخم عربياً، وهي مسألة تهدد أغلب اتحادات النشر العربية أمام اتحاد الناشرين الدولي".

متطلبات السوق

وقال فايز: "إن أغلب العقبات التي واجهت صناعة الكتاب والنشر في العالم العربي خلال 2022 ليست جديدة، بل وجدت مع بدايات عصر الطباعة والنشر في المنطقة العربية، لكنها تفاقمت مع توتر المشهد السياسي على خلفية أحداث الربيع العربي عام 2011، بخاصة مع ارتفاع معدلات القراءة المرتبط بزيادة معدل الحريات وكسر الخطوط الحمراء، ذلك الارتفاع لم تقابله صناعة قادرة على مواجهة متطلبات السوق، فنتج منه ظهور عديد من شركات النشر غير الملتزمة بأبجديات المهنة أو أساسيات صناعة النشر الاحترافية من وجود قسم نشر وتحرير وإخراج منتج يضع المحتوى الجيد مع آليات العرض والطلب على حد سواء"!

وأضاف أن "من أخطر العقبات التي تواجه الصناعة في السنوات الأخيرة هو استخدامها كباب خلفي من بعض الاستثمارات المشبوهة المستترة خلف مسمى طبع ونشر الكتاب نتيجة ما يتوفر للكتاب من تسهيلات داخل الدول أو حتى في المعارض الدولية رغبة من الحكومات في تسهيل ونشر عملية القراءة. وتسببت حركة الأموال المشبوهة تلك في تحفظ الحكومة المصرية - على سبيل المثال - على أكثر من 50 شركة نشر تابعة للجماعات الإرهابية منذ عام 2013 وحتى الآن، والعدد في تزايد".

كيف الحال؟

ويقول الباحث في مجال صناعة المحتوى الكاتب أحمد سراج: "كيف حال الكتاب العربي؟ تغلق "الساقي"، أكبر دار نشر عربية، مقرها في لندن، وتخلو حلب من مكتباتها. كيف حال الكتاب العربي؟ يعود الناشرون من معظم المعارض سعداء بما حققوه من مبيعات. هل هذا مؤشران متعارضان؟ المتشائمون سيرون الأمر على أنه نهاية عصر المكتبات، والمتفائلون سيقرؤون الأمر على أنه أزمة عارضة. لكنني أحاول فهم هذا الأمر. هناك تحديات خطرة تواجه النشر والقراءة في العالم العربي وقد زادت حدتها عام 2022، أهمها ارتفاع أسعار كل ما يتعلق بالصناعة (الأحبار، الأوراق، المحررين، المراجعين، النقل، التوزيع...) والأزمة المالية التي تواجه كل الدول والأفراد - ولا تؤثر تحديات الغلاء ونقص الخامات في القارئ فقط بل في جودة الكتاب المادية - وتغير مفهوم القراءة من كونها ورقية فقط إلى إلكترونية، وانحياز مجموعة كبيرة من القراء إلى وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة التي تقدم أنماطاً من القراءة المريحة وغير المكلفة والمناسبة".

ويضيف سراج: "بات نظرنا إلى مفهومي القراءة والكتاب بحاجة إلى مراجعة. فهل نضم اليوتيوبر إليهما؟ لنحرر الخلاف إذاً: هل هناك خطر على الكتاب الورقي وقراءته؟ فات أوان إنكار ذلك. وما لم تضع دور النشر الخاصة قبل الحكومية خطة تطوير عاجلة، فستتوالى الضربات والإغلاقات، وسيتحول ما يجري من معارض وأندية قراءة وحفلات توقيع ومسابقات تدعمها دول ومؤسسات كبرى إلى مسكنات لن تفلح في إنهاء المرض".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى سراج أن "ما يجري ليس مرضاً كما يراه الناشر المقاوم للتغيير، بل هو تطور طبيعي يحتم الدخول إلى العصر الرقمي بتنظيم وشفافية وكفاءة وتعاون. بهذا لن تنهار صناعة النشر الورقي بل ستزدهر، وما يخاف منه الناشرون من مراقبة مكاسبهم، وقلة أرباحهم، ليس هو الخطر بل الخطر في  الإفلاس وعدم القدرة على النمو في أقل الأحوال سوءاً".

واستطرد قائلاً: "ما دمنا نتحدث في سياق عربي، وتحديداً في إطار حصاد عام ماض، فلماذا لا يفعل اتحاد الناشرين العرب ما فعله نظيره الألماني أو الفرنسي. إنها الوحدة والتعاون والاستفادة من التطور لا مقاومته. ومن المبشر لهم أن الكتاب سيربح أكثر وبصور متعددة حتى ولو لم يتم بيعه، فمشاهدة عروض الكتب، وبيع هذه العروض للقنوات والمواقع، أشبه بوضع الجرس على رقبة القط، وهو في رأيي الناشرون، لتمسكهم بالطرق القديمة وإصرارهم على الفردانية والرفض، وهم معذورون في الحقيقة، فالطريق السهل أفضل من الطريق الوعرة. لكن الوعورة وهم، والسهولة تتربص بها وحوش الغلاء والإفلاس".

الدعم الحكومي

وبالعودة لرئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد، فإنه يؤكد أنه أرسل خطاباً مفتوحاً لقادة الدول العربية عقب مؤتمر الشارقة ليدعموا صناعة النشر، "ولكن لم يستجب إلا المغرب والإمارات. وفي مصر تلقينا بعض الدعم. ما لم تتدخل كل دولة لدعم االصناعة فإنها ستشهد مزيداً من التراجع الذي بلغ ذروة غير مسبوقة في 2022. الأمية متفشية في الدول العربية بنسبة 30 في المئة، ومن ثم ينبغي على الحكومات إيجاد حلول مناسبة لزيادة الوعي بأهمية القراءة. ما لم تنته الحرب الروسية – الأوكرانية وتدعمنا الحكومات العربية سنظل في هذا الوضع".         

وأوضح رشاد أن "الحرب الأوكرانية - الروسية أثرت في خطوط الإنتاج، مما أدى إلى توقف بعض المصانع التي تنتج وتصنع الورق. باتت هناك ندرة في الورق الذي يمثل وحده 65 في المئة من كلفة إنتاج الكتاب. بالتالي ارتفع سعر الكتاب بشكل كبير. ربما في الدول المتقدمة لم تكن الأزمة بالحدة التي كانت عليها طوال 2022 في العالم العربي، لأنه في ظل جائحة كورونا كان هناك دعم من حكومات تلك الدول لدور النشر. توزيع الكتاب الرقمي زاد خلال العام الذي نرصد حصاده هنا بنسبة 10 في المئة، لكن هذا لا يشكل شيئاً يذكر مقارنة بالتزامات الناشر، التي لم يخفف من عبئها حتى زيادة البيع أونلاين بنسبة 15 في المئة. كل الصناعات في الدول العربية استفادت من تعويضات حكومية لمواجهة الخسائر المترتبة على تفشي كورونا، ما عدا صناعة النشر".

المزيد من ثقافة