Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"إميلي في باريس"... فتاة انتهازية أحبها الجمهور و"نتفليكس" أيضاً

الموسم الثالث ينتصر للموضة والمرح ويبرز ملامح الشخصية مع خفوت حدة الهجوم الفرنسي على الفتاة الأميركية التي تسخر من ثقافتهم

نجح "إميلي في باريس" في أن يقلب آراء مهاجميه ليصبحوا من أكثر جمهوره إخلاصاً (الحساب الرسمي للمسلسل على إنستغرام)

يبدو أن إميلي كوبر باتت أكثر تصالحاً مع الثقافة الفرنسية، كما أن الغضب العارم الذي صاحب عرض الموسمين الأول والثاني من "إميلي في باريس" تحوّل إلى هدوء وتسامح مع الموسم الثالث من المسلسل، الذي عرضته "نتفليكس" مؤخراً.

الفتاة الأميركية الصاخبة التي أزعجت النقاد الفرنسيين، متهمين إياها بالإساءة المباشرة وغير المباشرة لعادات وثقافات أهل المدينة، عادت وقد شذّبت آراءها. بل إن الانتقاص من قدر التقاليد والسلوك الأميركي كان مسيطراً على الحلقات العشر الجديدة، التي مرّت كقطعة حلوى سريعة الذوبان، مع كثير من الدراما المتوقعة الخالية من التعقيدات، التي تنتصر لفن البساطة، وربما السذاجة والسطحية.

"إميلي في باريس" Emily in Paris حجز مكاناً مميزاً وأساسياً في أجندة "نتفليكس" الشتوية للعام الثالث على التوالي، معطياً فرصة كبيرة لبطلته التي تشارك بالإنتاج كذلك ليلي كولينز، الفتاة التي تعمل في التسويق، وسافرت من شيكاغو على غير رغبة إلى فرنسا، مواجهة تحديات جمّة، أبرزها اللغة التي تتعثر في تعلمها، ولا تفهم منطقها، لكنها تدريجياً تقع في غرام شوارعها وأناسها، رغم التنافر الواضح بينها وبين كل ما هو فرنسي، لكنها ربما وجدت أن المشاكسة هي ميزتها وموهبتها.

فإميلي التي تلهو تبدو أكثر جاذبية وسيطرة لو أنها ارتدت قناع الجدية، تنجح في إضفاء سحر خاص على هذا "اللهو" تماماً، مثل دأبها في "المجاراة"، إنها الموظفة المطيعة، والصديقة التي لا تريد أن تخسر أحداً، والحبيبة التي ترفض أن تخرج خالية الوفاض حتى لو كذبت في مشاعرها، إنها ابنة "انستغرام"، التي تبحث عن مصلحتها، وتتخلى عن بعض من مبادئها بين الحين والآخر، من أجل تحقيق الأمان الوظيفي والاجتماعي، لكنها فقط أكثر أناقة وجمالاً وظرفاً، مع نظرة مندهشة بريئة تطلقها بمرح طفولي اعتادت أن تلجأ إليه كلما انكشف سر من أسرارها الصغيرة.

الأميركيون أيضاً يتعرضون للسخرية في فرنسا

لا يفضّل جمهور المسلسل الالتفات إلى تلك التفاصيل بهدف تحقيق مبدأ الاستمتاع، فالتركيز كله ينصب على الوقت الممتع الذي ينجح صناع المسلسل دوماً في أن يهدوه للمشاهد، حتى باتت شخصية إميلي واحدة من علامات المنصة الشهيرة بشعبيتها الكاسحة.

وتصدر هاشتاغ العمل دولاً عربية، بينها مصر ولبنان، بمئات آلاف التغريدات على "تويتر" بعد ساعات قليلة من عرضه، وإميلي في موسمها الجديد أكثر تكيفاً مع باريس، لكنها مع ذلك لا تزال تتلقى الهجوم باعتبارها مجرد فتاة أميركية مخادعة، حيث سخرت منها مديرتها الفرنسية سيلفي "فلبين ليروي بوليو" في أحد المشاهد ببداية الحلقات، حينما اكتشفت أنها تعمل لديها في وكالتها الجديدة للدعاية، لكنها أيضاً لا تزال تعمل سراً مع غريمتها مادلين الأميركية "كايت والش". مؤكدة أن هذا سلوك أميركي يليق بها، حيث اتهمتها بشكل ما بتصنّع الولاء للطرفين والانتهازية، وهي إهانة واضحة مثل إهانات كثيرة مبطنة وأخرى مباشرة تتلقاها البطلة على مدار المواسم، لكنها تتجاوزها كي تحافظ على مكتسباتها، سواء في العمل أو حتى فيما يتعلق بالعلاقات الشخصية، التي تتجاوزها بسرعة قياسية.

 

وتقفز إميلي من قصة حب إلى أخرى من دون هدنة، مثلها أيضاً مثل باقي الأبطال، وبينهم صديقتها المفضلة ميندي "آشلي بارك"، فحبيب إميلي الجديد آلفي "لوسيان لافسكونت"، تعامل معها باستخفاف شديد وتجاهلها تماماً، لكنها أصرّت على ملاحقته والتعبير عن مشاعرها له على المسرح، رغم أنه أثبت أنه لا يقدرها كما ينبغي، ومع ذلك أصرّت أن تفوز به، فقط كي لا تجد نفسها خاسرة ووحيدة، بعد أن عاد حبيبها السابق الطاهي الفرنسي الوسيم غابرييل "لوكاس برافو" لكامي "كاميل رازات" التي هي في الوقت نفسه صديقة مقربة لإميلي أيضاً، البطلة التي اختبرت مفارقات في الحب والعمل والحياة خلال أشهر قليلة للغاية قضتها في فرنسا، وهي الأشهر التي صنعت دراما استمرت ثلاثة مواسم بنجاح ملحوظ.

حياة مبهجة في زمن الحروب والأوبئة

الشخصية التي اعتادت على مبدأ "إمساك العصا من المنتصف"، حيث لا تزال تحب الأول، بينما تتمسك بالثاني لأسباب عملية متعلقة بحسابات المكسب والخسارة فقط، بالتالي فلا مواقف قاطعة ولا ردود عصبية، فكل شيء لديها يتعلق بالتسويق والترويج والدعاية والخطط، وهي مواهب تتفوق فيها إميلي مهنياً وعاطفياً، وعلى مستوى العمل يظهر الأمر في كثير من الأحيان مبالغاً فيه، ويفتقر إلى المنطق، فهي من تجد الحلول لكل المشكلات، سواء في وظيفتها أو عمل زملائها وأصدقائها، تمتلك مؤهلات خرافية، وتحل أسوأ الكوارث بمجرد صورة على "إنستغرام" وبجولاتها بهاتفها ذي الكاميرات الثلاث.

إنها رفيقة الجميع التي تحاول أن تتمسك بالنزاهة، لكن "صديق الجميع ليس صديقاً لأحد"، العبارة المنسوبة إلى أرسطو، فهي لا تغضب ولا تأخذ موقفاً ولا تشعر بالظلم أو الإهانة أو الخذلان، تسير في طريقها غير مكترثة، ولا تتوقف مع نفسها أبداً، بالتالي دوماً تترك كذبة وراءها، وفي الموسم الجديد بدأت مشوارها بالتضليل حيث عملت مع وكالتين متنافستين معاً وبالكاد جرى إنقاذها، وأنهت الحلقات بحيلة أحرجتها بعدما جرى الكشف عن استغلالها العاطفي للحبيبن، حيث تضع كل منهما كخيار قائم أمامها في حال ضاع من يدها أحدهما، فالأمر بالنسبة إليها في الجانبين المهني والشخصي لا يتعلق باقتناص الفرص والبحث عن المصلحة والفائدة، وهي صفات غير منبوذة بشكل مطلق، لكن بالتغاضي عن الأذى الذي يمكن أن يلحق بمن حولها في سبيل ذلك.

 

الدراما، التي كتبها دارين ستار الذي سبق بدوره وتميز في عمل سابق بأجواء شبيهة هو Sex and the City  عن الحب في مدينة نيويورك الأميركية، دوما تنتصر إلى إميلي وتجد لها مبرراً، والمتابع المتعلق بالمسلسل بالمقابل يغفر للبطلة المحبوبة فهي مضحكة وعصرية ولا تسقط في دوامة الاكتئاب مهما حصل، تصعد دوماً فوق مشكلاتها، وتحوّلها إلى مكاسب وميزات بشكل مذهل وغير متوقع، وكأنها ساحرة يلف الجميع حولها، وهي لا تحرمهم من ابتسامتها ودعمها، وكأنها روبوت لا يشعر بالتعب الجسماني أو الضغوط الاجتماعية أبداً.

وفي الموسم الثالث جاءت معالم الشخصية أكثر وضوحاً بعد الارتباك الذي صاحب الموسمين الأول والثاني اللذين عرضا في نهاية 20220 ونهاية 2021، ورغم عيوب الدراما تحديداً في الموسم الأول والمتعلقة بالمبالغة وعدم المنطقية، فإن توقيت انطلاق العمل في موسم الإغلاق الرتيب والذي سبب عزلة وإحباطاً، كان في صالحه، حيث كان يتوق الجمهور لمتابعة حكاية لطيفة متفائلة مليئة بالحيوية والحركة والتنقلات الحرة لتذكرهم بالأمل في عودة الحياة لطبيعتها ما قبل انتشار فيروس كورونا.

"نتفليكس" المحظوظة بإميلي كوبر

المسلسل، الذي لا يخلو من الكوميديا، شاهد موسمه الأول نحو 60 مليون مشترك خلال أسبوع واحد، وحقق في موسمه الثاني أكثر من 100 مليون ساعة مشاهدة، بحسب ما أعلنت "نتفليكس"، تتصاعد جماهيريته حتى إن تطبيق خرائط غوغل أعاد تسمية المكان الذي تسكن فيه الشخصية بالحي اللاتيني بالعاصمة في الفرنسية ليصبح "شقة إيملي"، وذلك بعد الزيادة الملحوظة في البحث عن الموقع عبر المنصة، وارتفاع عدد السياح المتدفقين على الموقع.

كما أن كثيراً من النقاد الذين هاجموه بشدة في البداية تدريجياً اعتادوا الأجواء، وأيقنوا أنه مجرد لقطات تنتصر للصور الملونة المشرقة دون قصة كبيرة وأحداث ضخمة، غرضه فقط الترفيه وليس مطلوباً منه أكثر من ذلك، وهي وجهة النظر التي استسلمت لها الناقدة ريبيكا نيكولسون التي قالت في الغارديان البريطانية إنها أصبحت تستمتع بالمشاهدة رغم وصفها العمل بـ"الهراء"، وهو ما يعني أن إميلي وفريقها ينجحون ببراعة في مهمتهم، وهي تقديم جرعات من اللطف والبهجة بلا قضايا عميقة، لجذب المشاهد المضغوط ما بين تحديات فيروس شديد الانتشار بات يطل بشبحه مجدداً، وتداعيات حرب طال أمدها، وتضخم اقتصادي يلتهم المدخرات والرواتب.

إن عيوب الشخصية وكودها الأخلاقي الذي لم يأت السيناريو على ذكر خليفتهما جرى تجاهلهما عمداً، لأن الأحداث السريعة التي تشبه لقطات تيك توك المتابعة لا تترك مجالاً لكل تلك التعقيدات والأسئلة، فالحلقات خفيفة، وتدريجياً يجد المتابع نفسه متورطاً في حب إميلي ويحسدها على تلك الأريحية التي تتحرك بها في مجال مهني صعب وتنافسي للغاية.

 

تحقق إميلي طموحها بمنتهى البساطة، وتستطيع أن تحتفظ بعملائها للترويج لهم دعائياً رغم متطلباتهم التي قد تدفع إلى الجنون والعصبية، بل إنها تنجز قائمة مهامها اليومية الطويلة دون أن تتذمر، مرتدية حذاء بكعب عال طوله 12 سنتيمتراً على الأقل، بينما صديقاتها الباريسيات يحافظن على أناقتهن العملية بدون أدنى مبالغة أو لفت للأنظار بأحذية عادية أو ملابس أحادية اللون بتصميمات غاية في البساطة، ونادراً ما يرتدين ألواناً بعيدة عن الأبيض والأسود وعدة ألوان باهتة أخرى.

ولعل هذه نقطة جديدة وتحسب للعمل الذي يلتزم بمعايير الموضة الباريسية المتمثلة في البساطة الشديدة والعملية والرقي دون ابتذال، فيما يتعلق بالبطلات الفرنسيات، بينما إميلي تجوب باريس طولاً وعرضاً، وترتاد حتى الملاهي وهي بكامل أناقتها بأحذية السهرة والملابس صاخبة الألوان ومتداخلة التصميمات، وبشعر مصفف بعناية ومكياج كامل على الدوام، وهي أمور وإن كانت بعيدة عن المنطق، وتخالف تماماً ما يجري في باريس على أرض الواقع، حيث ظروف الحياة هناك مختلفة كلياً.

إميلي لا تعرف شيئاً عن الأناقة الفرنسية

لكن من قال إن إميلي باريسية، إنها تتصرف وترتدي وتتكلم تماماً مثل أميركية في باريس، حيث رسمت في مخيلتها صورة عتيقة وشبه خيالية للمدينة المعروفة بأنها عاصمة الموضة، وباتت تتصرف على أساسها، خصوصاً فيما يتعلق بإطلالاتها باهظة الثمن، فلا ينشغل جمهور المسلسل كثيراً بالتساؤل عن مصدر تلك الخزانة الفارهة التي صاحبتها منذ الموسم الأول، وتتضمن ملابس من أفخم الماركات بأسعار لا تتناسب أبداً مع موظفة لا تزال في بداية طريقها، والشيء نفسه بالنسبة إلى صديقتها ميندي شبه العاطلة عن العمل التي ترتدي ثياب ثمينة، ولديها عدد هائل من القطع، بينما الطبيعي أن تكون شبه مفلسة، وهو أمر محير خصوصاً أن تلك الأناقة الخرافية رافقتها حتى قبل أن تجد عملاً كمطربة في مكان مرموق، وكلتاهما ترتديان دوماً إكسسوارات متعددة وقبعات زاهية وتتأنقان بشكل غير عملي أبداً لا يليق بامرأتين تقطعان مسافات طويلة على القدمين يومياً، دون شكوى سواء من الإرهاق أو من قلة المال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالنسبة إلى إميلي تبدو في بعض المشاهد مثل مهرج مرتدية صيحات متعددة في الإطلالة الواحدة، لكن هذه البهرجة هي أيضاً أحد أكثر عناصر الجذب في السلسلة، حيث تسابقت منسقات الموضة على الإدلاء بتصريحات ونصائح للفتيات العاشقات لمظهر إميلي الجميلة في حال أردن التشبه بها. فيما ألقت "ديلي ميل" الضوء على ما وراء أزياء البطلة، التي جاءت بتوقيع كبرى دور الأزياء العالمية، ووقف على تنسيقها باتريشيا فيلد ومارلين فيتوسي. وكشفت الصحيفة عن عدد قطع الملابس والإكسسوارات، التي وصلت إلى 14 ألف قطعة جرت تصفيتها من 40 ألفاً. إنه سحر الموضة الذي كان أحد الأسباب الرئيسة وراء انتظار كل حلقة ومشهد في المسلسل، الذي من المنتظر أن يعرض موسمه الرابع العام المقبل، ومن المرجح أن لا يغادر منصة العرض الإلكتروني الأكثر شعبية قريباً، حيث لا تفرط "نتفليكس" أبداً في عروضها الناجحة، بخاصة لو كان مع ممثلة تحظى بشعبية وتتواءم تماماً مع الشخصية، مثل الإنجليزية الأميركية صاحبة الـ33 عاماً ليلي كولينز.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة