Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريكست يطل برأسه مجددا في غمرة مزيد من أخبار اقتصادية قاتمة

الأعباء المؤلمة التي يلقيها بريكست على كاهل الاقتصاد باتت غير قابلة للتجاهل

تنتظر الشاحنات لدخول دوفر، وهي علامة واضحة على تكلفة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (رويترز)

يضيء بريكست ثمّ يخفت تماماً كالقمر، ولكن فيما يختفي قمرنا دورياً عن النظر، فإنّ الآثار التي يتركها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال مرئية بشكلٍ واضح.

أصدر جون سبرينغفورد، نائب مدير مركز الإصلاح الأوروبي (Centre for European Reform) والذي كان يتتبّع تأثيره المؤلم على اقتصاد المملكة المتحدة، أحدث تقاريره هذا الأسبوع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انطلاقاً من أداء البلدان المماثلة قبل الحدث (بريكست) وبعده، احتسب سبرينغفورد أن اقتصاد المملكة المتحدة تقلّص بنسبة 5.5 في المئة في الربع الثاني من العام مقارنةً بما كان يمكن أن يكون. وفي الأرقام النقدية الفعليّة، سجّل الناتج الاقتصادي تراجع بقيمة 33 مليار جنيه استرليني (39.7 مليار دولار) فيما تراجعت العائدات الضريبية 12 مليار جنيه استرليني (14.4 مليار دولار).

وقدّر سبرينغفورد على أساسٍ سنوي حتى نهاية يونيو (حزيران) 2022، أن تبلغ الإيرادات الضريبية نحو 40 مليار جنيه استرليني (48 مليار دولار). من الواضح أن هذا الرقم ارتفع بسبب الخلافات المريرة على الأجور والتي تشمل عمّال القطاع العام الذين أُبلغوا أن المال نفد من الصندوق.

إن كانت تلك أوّل لكمة، فإنّ الضربة الأخرى التي تلقّاها مناصرو بريكست أتت من غرف التجارة البريطانية (BCC). لم يكن بوسع مجموعة الأعمال أن تقول ذلك بصراحة أكبر عندما أعلنت أن صفقة بريكست التجارية التي أبرمها بوريس جونسون "لم تحقق غايتها".

التقرير الذي استطلع 1168 شركة، 92 في المئة منها من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SME)، وجد أنّ ثلاثة أرباع (77 في المئة) من أولئك الذين يعتبرون اتفاق بريكست قابلاً للتطبيق قالوا إنّه لا يساعدهم في زيادة المبيعات أو تطوير أعمالهم.

وقال أكثر من نصف المستطلَعين (56 في المئة) بأنّهم واجهوا صعوبات في التأقلم مع القواعد الجديدة المفروضة على تجارة السلع. وأشار حوالى النصف (45 في المئة) أنّهم يكافحون للتأقلم مع قواعد تجارة الخدمات، فيما اعتبر عدد مماثل (44 في المئة) أنّهم يواجهون صعوبات في الاستحصال على تأشيرات لطواقم عملهم.

لا تشكّل كلّ هذه المعطيات مفاجأة للذين تنبّهوا إلى الأمر. وهذا ما برز من خلال الطوابير في الجمارك والبيروقراطيّة الخانقة... فقد حوّلت الألب إلى القنال الإنجليزي وأجبرت الأعمال البريطانية على توسيع الواجهة الشمالية من جبل إيجر السويسري للتجارة مع أوروبا. يحصل كلّ هذا قبل أن يقع المرء تحت رادار الضرر الذي تسبّب به بريكست وهو أمر يطرح إشكالية للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

أذكر بقوة حديثي مع ناثانيال كرامب، مؤسّس شركة التسجيل "سونيك كاتيدرال" عندما زرته في مطلع العام الجاري للحصول على تحديث بشأن أعماله بعد بريكست. وكتبت مقالاً خاصاً عن علامته التجارية والأثر المحتمل لعدم إتمام بريكست الذي هدّد به بوريس جونسون بعد تولّيه السلطة. فكنت مهتماً لرؤية اتجاه سير الأمور. لحسن الحظ، ما زالت الشركة تحقق ازدهاراً ولكن أخبرني كرامب أنّ تجارته مع أوروبا تراجعت بشكلٍ ملحوظ.

ما زال يتلقّى طلبات من بعض العملاء في القارة الأوروبية. ولكن نسبة كبيرة منهم عرضة للتلاشي في الفراغ الذي أحدثه بريكست. نتيجةً لذلك، تتراكم الطرود الجاهزة للتسليم في مستودعٍ مجهول في مكانٍ ما إلى جانب مئات الآلاف من الطلبات الأخرى.

وزعمت الحكومة البريطانية أنّها "لا تعترف" بالتحليل الذي أجراه سبرينغفورد وهو أقلّ ما يُقال فيه أنّه موقف مخادع. فقد قام مكتب مسؤولية الميزانية في الحكومة بوصف بريكست على أنّه "صدمة اقتصاديّة" وما من أحد خارج صفوف الحكومة والمجموعات المؤيّدة لبريكست قد يعارض ذلك.

ولكن، تشكّل أرقام الاقتصاديين موضوع خلافٍ لا مفرّ منه. وقد أصبح من الصعب تجاهل التأثيرات الواقعية التي سلّطت غرف التجارة البريطانية الضوء عليها. فمن شأن القيام بذلك أن يعني إنكار الواقع الذي بدأت شريحة كبيرة من الشعب البريطاني الإقرار به.

مع ذلك، ما زالت الحكومة تصرّ على المحاولة. وعوضاً عن معالجة المشاكل، تفضّل التلاعب بالعقول. وتتفوق مخاوف الأيديولوجيين الذين يتّخذون المقاعد الخلفيّة للحكومة على مخاوف الشركات التي يتعين عليها دفع الكثير من المال والجهد قبل أن تتمكّن من البدء ببيع سلعها وخدماتها.

وتعتقد غرف التجارة البريطانية أن هنالك حلولاً يتوجّب إيجادها وقد أرسلت تقريرها الذي يتضمّن 24 توصية إلى الحكومة. ومن بين أبرز تلك التوصيات: "إرساء اتفاقية إضافيّة على غرار اتفاقية النرويج التي تستثني الشركات الصغيرة من متطلّبات الحصول على ممثّل مالي للضريبة على القيمة المضافة في الاتحاد الأوروبي".

قد يشكّل هذا أمراً منطقياً، ولكن يتوجّب أن تتمّ مفاوضة ومناقشة اقتراحات غرف التجارة والمفاوضات تعني التسوية حتماً. مجرّد ذكر كلمة "تسوية" مصحوبة بـ"نرويج" كفيل بأن يثير عاصفة من الغضب في أوساط المتشددين في حزب المحافظين، حتى وإن لم تكن غرف التجارة البريطانية تدعو لأيّ أمرٍ يشبه علاقة النرويج الوثيقة بالاتحاد الأوروبي.

لا حاجة للقول إنني كتبت هذا في اليوم الذي حصلت فيه مراجعة الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الذي تقلّص بنسبة 0.3 في المئة خلال الأشهر الثلاثة وصولاً إلى سبتمبر (أيلول) مقابل تقدير أوليّ لمكتب الإحصاء الوطني البريطاني الذي بلغ 0.2 في المئة. مع الملاحظة أن استثمار الأعمال تراجع بنسبة 2.5 في المئة خلال الأشهر الثلاثة المذكورة.

ولم تأتِ وزارة الخزانة على ذكر بريكست في ردّها، بل أشارت إلى حرب بوتين غير القانونية (التي تُعتبر فعلاً أحد المسببات ولكنها ليست الوحيدة)، ووعدت بخفض التضخّم وغرّدت بشأن "استثمار قياسي في البنى التحتيّة والصناعات الجديدة".

يريد الشعب إتمام بريكست من دون شكّ ولكن سيترافق ذلك حتماً مع خسوفٍ في اقتصادنا وسياساتنا في المستقبل المنظور.

© The Independent