Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عصابات نيويورك" تحفة سكورسيزي الإشكالية الباهظة

الفيلم صنع قبل عقدين بعد ربع قرن من شغف المخرج برواية هربرت أزبري وشهدت معركة ضد هارفي وينستين

ليوناردو دي كابريو أثناء تصوير "عصابات نيويورك" للمخرج مارتن سكورسيزي (شاترستوك)

في يونيو (حزيران) سنة 1977 نشرت مجلة "ديلي فيرايتي" الهوليوودية الترويجية إعلاناً يمتد على صفحتين عن فيلم وشيك الإنتاج باسم "عصابات نيويورك" Gangs of New York للمخرج المثير صاحب فيلم "سائق التاكسي" Taxi Driver، مارتن سكورسيزي الذي كان في الثلاثينيات من عمره. يستند العمل إلى كتاب يحظى بشعبية كبيرة للمؤلف هربرت أزبري، سيكون على هيئة قصة ملحمية عن حي "فايف بوينتس" الفقير في نيويورك في القرن التاسع عشر والعصابات التي أرهبت شوارعها، لكن المشروع سيستغرق 25 عاماً حتى وصلت رؤية سكورسيزي العظيمة هذه إلى الشاشة الكبيرة.

أخيراً، في 20 ديسمبر (كانون الأول) من عام 2002، صدر الفيلم الذي أدى بطولته ليوناردو دي كابريو ودانييل داي لويس وكاميرون دياز بعد عقود من التأخير، وإعادة بناء ضخمة لمنطقة جنوب منهاتن في روما [إحدى مناطق نيويورك]، وسلسلة من المشاحنات بين سكورسيزي ومنتجه الذي اشتهر بسمعته السيئة منذ ذلك الحين، هارفي وينستين [لاحقاً، ارتبط اسم ونستين بفضائح تحرش جنسي أسهمت في إطلاق حركة #مي_تو النسوية الشهيرة].

الآن، بعد مرور 20 عاماً على صدوره، يبدو "عصابات نيويورك" يبدو إضافة غريبة على مجموعة أعمال سكورسيزي، إذ يشبه الفيلم جزءاً لاحقاً تتحدث عن زمن سابق في سلسلة أفلام العصابات المعاصرة التي قدمها، لكنه بدا غريباً كذلك في زمن صدوره، فحتى سكورسيزي استسلم لأساليب ما بعد الألفية.

بالنسبة لمارتن سكورسيزي، شكل "عصابات نيويورك" عملاً شخصياً. بسبب نشأته في "إيطاليا الصغيرة" [إحدى مناطق نيويورك]، افتتن بقصص العصابات في حيه، على وجه الخصوص الاشتباك بين البروتستانت المولودين في أميركا والمهاجرين الكاثوليك الإيرلنديين، الذي حدث عام 1844 خارج الكنيسة المحلية التي اعتاد سكورسيزي أن يرتادها. كانت هناك أيضاً علامات منتشرة، من شواهد القبور الذابلة إلى الشوارع القديمة المرصوفة بالحصى، أعطته فكرة عن شكل الحي قبل 100 عام أو أكثر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ديسمبر سنة 2002، نقلت صحيفة "سميثسونيان" عن سكورسيزي، كلمات جاء فيها، "لقد أدركت تدريجاً أن الإيطاليين الأميركيين لم يكونوا أول من سكن تلك المنطقة، وأن أشخاصاً آخرين كانوا هناك قبلنا. افتتنت بالأمر حينما بدأت أفهم ذلك. ظللت أتساءل كيف كانت نيويورك تبدو؟ كيف كان الناس؟ كيف كانت مشيتهم، ما هو طعامهم، بماذا اشتغلوا وماذا لبسوا؟".

في عام 1970 تعرف سكورسيزي صدفة على كتاب "عصابات نيويورك" للكاتب هربرت أزبري، المنشور للمرة الأولى عام 1927، ويتحدث بالتفصيل عن عصابات جنوب مانهاتن، ولا سيما في حي "فايف بوينتس"، وهي منطقة تضم تقاطع طرق (حيث يوجد الحي الصيني الآن)، سميت كذلك بسبب زواياها الخمس. لقد اشتهرت "فايف بوينتس" بمستوى الجريمة والقذارة والمرض فيها، وكونها موطناً لعديد من المهاجرين، بمن فيهم الإيرلنديون الذين كان يتدفقون إلى نيويورك بمعدل 15 ألف شخص أسبوعياً في بعض الأحيان. كانت العصابات المكونة من مهووسين إيرلنديين، أو مناهضين للهجرة أميركيي المولد تحمل أسماء سخيفة مثل الأرانب الميتة، القبيحين الفظين، أميركيين زرق حقيقيين، ذيول القميص، حراس الصراصير وصبيان حي المتشردين. استخدم السياسيون الفاسدون العصابات للاستفادة من نفوذهم وقوتهم البدنية. ساعدت العصابات في تعديل استطلاعات الرأي أو التأثير في التصويت. وفقاً لكتاب أزبري، اعتادت العصابات أن تتنازع وتقاتل لأيام متتالية.

لكن ما كان على المحك تجاوز قصص الضرب الممتعة. ووفق صحيفة "سميثسونيان"، رأى سكورسيزي أن "البلاد كانت جاهزة للاستيلاء عليها، وكانت نيويورك برميل بارود. لم تكن هذه أميركا الغرب بمساحاتها المفتوحة على مصراعيها، بل كانت أميركا خانقة، حيث يسحق الجميع معاً. لقد كانت فوضى عشائرية. تدريجاً، كانت هناك انتظمت آلية ديمقراطية شارعاً بشارع وبناية ببناية، إذ تعلم الناس بطريقة ما العيش سوية. لو لم تحدث الديمقراطية في نيويورك، لما كانت ستحدث في أي مكان آخر".

اختار سكورسيزي كتاب "عصابات نيويورك". وفي عام 1978، انتهى صديقه غاي كوكس، الناقد السينمائي الذي تحول إلى كتابة السيناريو، من كتابة مسودة العمل الأولى. تبدأ القصة التي كتبت منها نسخ عدة وشارك فيها كتاب إضافيون عديدون، بمواجهة بين عصابة "الأرانب الميتة" الإيرلندية بقيادة بريست فالون (يجسده الممثل ليام نيسون)، وعصابة "سكان أصليون" المناهضة للهجرة بزعامة بيل كاتينغ الملقب بالجزار (دانييل داي لويس). يقتل بيل فالون على مرأى من نجل فالون الصغير أمستردام (الذي سيكبر ويصبح ليوناردو دي كابريو). يعود أمستردام بعد ذلك بسنوات إلى "فايف بوينتس" للانتقام. كادت تطغى على أمستردام شخصية بيل الجزار الذي لديه كثير من المريدين، وكان على وشك تكوين رابطة غريبة شبيهة بعلاقة الأب والابن قبل إحيائه فرقة "الأرانب الميتة" واستماتته في قتاله ضد بيل.

تدور أحداث العمل الذي يمزج بين الحقائق التاريخية والخيال على خلفية أعمال الشغب التي اندلعت سنة 1863 ضد الدعوة إلى التجنيد الإجباري في الحرب الأهلية. وحدثت انتفاضة مميتة استمرت لأيام وشهدت عمليات نهب وإعدام خارج نطاق القانون. وقد رسمت شخصية بيل الجزار استناداً إلى بيل بول، زعيم عصابة "صبية الحي المتشردين" وعضو في حزب "لا أدري" السياسي المناهض للمهاجرين.

ببساطة، جاءت رؤية سكورسيزي مكلفة للغاية، إذ احتاج المخرج من أجل تجسيد القصة، إلى إعادة بناء جزء كبير من نيويورك، حرفياً، على نحو ما كانته في ستينيات القرن التاسع عشر. كتب سكورسيزي في منشور عن الفيلم، "مع حلول عام 1980، كانت الحقبة التي يحصل فيها المخرجون على مبالغ مالية كبيرة لإنتاج أفلام شخصية قد انتهت". وعلى رغم ذلك، تمسك بمشروعه.

في أوائل التسعينيات من القرن العشرين، بدأ العمل على تطوير "عصابات نيويورك" في استوديوهات يونيفرسال. في مرحلة ما، أدخل روبرت دي نيرو، الرجل المفضل لدى سكورسيزي حينها، على قائمة الممثلين المرشحين لتأدية دور بيل الجزار. ذهب المشروع بعد ذلك إلى ديزني، لكن الشركة بدأت تتصدى للعنف (وحتى سكورسيزي، المخرج الذي وضع رأس رجل عصابة في منجلة ضمن فيلم "كازينو" Casino، واجه صعوبة مع هذا الجانب، ونقلت عنه صحيفة "ذا نيويوركر" قوله إن "التعامل مع العنف ليس سهلاً، لكنه الطريقة التي تتصرف بها تلك الشخصيات. كان علي إيجاد طريقة لتصويره").

آنذاك، كانت قد مرت سنوات قليلة منذ حقق سكورسيزي آخر نجاح كبير له في شباك التذاكر. ففي عام 1995 أصيب الجمهور في الولايات المتحدة بخيبة أمل من فيلم "كازينو"، التحفة السكورسيزية بلا منازع. وكذلك فشل فيلماً "الحزمة" Kundun و"استخراج الموتى" في شباك التذاكر عامي 1997 و1999 على التوالي.

في منحى مغاير، انتقل زمام الأمر [بالنسبة إلى مشروع سكورسيزي] إلى شركة "ميراماكس" التابعة لديزني، وتولى إدارتها آنذاك هارفي وبوب وينستين. وقدمت "ميراماكس" صفقة توزيع عالمي بقيمة 65 مليون دولار. في كتاب "أفلام منحطة وقذرة"، يصف الناقد الأميركي بيتر بيسكايند كيف بدا سكورسيزي بالنسبة لهارفي "مخرجاً يحقق نجاحات [و] يجذب الأوسكار". تلك هي الفترة التي اكتسح فيها وينستين موسم الجوائز. وبحسب المنتج التنفيذي لـ"عصابات نيويورك"، مايكل هوسمان، "كان هارفي يحول الممثلين والمخرجين إلى أساطير. لم يشأ أحد إزعاج هارفي أو شقيقه في تلك الأيام".

في مسار متصل، سمع ليوناردو دي كابريو للمرة الأولى عن "عصابات نيويورك" حينما كان في السادسة عشرة من عمره (تقريباً في سن مشاركته في "مخلوقات 3" Critters 3). في سن السابعة عشرة، غير وكيله الفني لا لسبب سوى أن يكون على اتصال أقرب مع سكورسيزي. في ذلك الوقت، لم ير الجميع دي كابريو كممثل في دور فتوة، إذ أحاطت به سمعة الشاب الحبيب المغوي بعد فيملي "تيتانيك" Titanic و"الشاطئ" The Beach. إن إسناد سكورسيزي دوراً له نقله إلى مستوى تمثيلي جديد (إذ أدى دي كابريو دور البطولة في فيلم "أمسكني إن استطعت" Catch Me If You Can لستيفن سبيلبرغ في العام نفسه). خلال السنوات العشرين التي تلت ذلك، صار دي كابريو أهم متعاون مع سكورسيزي على الشاشة، حيث أدى دور البطولة في خمسة أفلام أخرى.

مع إلغاء فكرة اشتراك دي نيرو منذ فترة طويلة، تولى دانييل داي لويس دور بيل الجزار. أخذ داي لويس الأمر بكل جدية كالمعتاد، إذ أمضى وقتاً برفقة جزار حقيقي، وأتقن فن التلويح بساطور اللحم. وصرح مازحاً ذات مرة، "لا تعرف أبداً ما الذي سيكون مفيداً". تقمص داي لويس شخصيته و"استمتع برفقة بيل". ووفق هوسمان، "لم أر دانييل داي لويس في الفيلم أبداً. كان دائماً بيل الجزار. بدا الأمر محيراً! كنت أطرق بابه وأقول "بيل، أريد أن أسألك سؤالاً". رأيته بعد ذلك بأعوام، وقلت "مرت خمس سنوات، هل يمكنني مناداتك دانييل الآن؟".

كان أداء ليام نيسون على نفس السوية في معركته الوحيدة مع دانييل داي لويس، في شخصية بريست فالون الذي ذبحه بيل في مشهد القتال الافتتاحي. اكتشف نيسون أن داي لويس كان يذهب إلى صالة التمارين الرياضية الساعة 5.30 صباحاً، فبدأ بالوصول إلى هناك الساعة 4.30 صباحاً، بالتالي كان داي لويس يصل عند مغادرته.

بنظر داي لويس، بدا بيل الجزار كشخص "مثير للشغب". في الواقع، بقبعته الدافئة، وملابسه المخاطة بطريقة مبتذلة، وعينه الزجاجية التي تشبه عين النسر الأميركي، يبدو بيل من الشخصيات الكرتونية الشريرة النمطية، لكنه شرير رسم في بوتقة الموضوعات المنصهرة للفيلم التي تشمل الغضب السياسي، والفساد، والوطنية، والفخر، والتوترات العرقية، والتاريخ، وصناعة الديمقراطية.

لم يكن داي لويس الوحيد الذي أخذ الأمر بجدية شديدة. استذكر كاتب السيناريو حسين أميني الذي عمل على مسودتين، اجتماعات استمرت لاثنتي عشرة ساعة على مدار يومين مع دي كابريو للحديث بصورة حصرية عن الشخصية والحوار. أفاد دي كابريو إن استعداداته تضمنت أيضاً "تدريباً على رفع الأثقال، ورمي السكاكين، وأساليب قتالية مختلفة من تلك الفترة".

لقد أجري كثير من البحث التاريخي، على رغم أن الفيلم ليس واقعياً صرفاً، وصمم الإنتاج ليكون حقيقاً ودقيقاً. وإلى جانب كتاب هربرت أزبري، اعتمد فريق الفيلم على كتاب "حياة رديئة" Low Life للكاتبة لوسي سانتيه الذي يدور حول حي مانهاتن التقليدي، ومعجم مفردات المجرمين من عام 1859 من أجل الدقة في اللغة العامية الخاصة بتلك الفترة. ولإتقان عدد لا يحصى من اللهجات، استعان الممثلون بمدرب اللهجات تيم مونيش. تمثل التحدي الكبير في استعادة لهجة سكان نيويورك الأصليين من الطبقة العاملة في ستينيات القرن التاسع عشر، والتي لم يكن هناك سوى قليل من الأدلة التاريخية للعمل على محاكاتها. بالاستماع إلى تسجيل للشاعر والت ويتمان، قرر مونيش أنها لن تبدو مختلفة تماماً عن لهجة سائقي التاكسي في بروكلين في القرن العشرين.

عند مشاهدته الآن، تدرك أن "عصابات نيويورك" يتباهى بطاقمه التمثيلي المثير للإعجاب. إلى جانب داي لويس، ودي كابريو، ودياز، ونيسون هناك جيم برودبنت، وجون سي رايلي، وبريندان غليسون، وستيفن غراهام، وهنري توماس الذي اشتهر آنذاك بأدائه شخصية "إليوت" في فيلم "إي تي" ET. على كل حال، لقد أمكن استعادة نيويورك في ستينيات القرن التاسع عشر، بما في ذلك حي "فايف بوينتس"، وقد أعيد إنشاؤها في استوديو "تشينيتشيتا" في روما إيطاليا. شيد مصمم الإنتاج دانتيه فيريتي أبنية تمتد على مساحة تتجاوز الميل، عدة عمارات من جنوب منهاتن بشكل أساسي. أصبح "فايف بوينتس" حقيقياً للغاية. بحسب داي لويس، "بعد أن شهدنا عاصفتين تركتا آثارهما في الشوارع، تحولت الأحجار المرصوفة بالحصى إلى وحل. أنا أحب ذلك المكان ببساطة وأحببت وجودي فيه. كان بيتي".

كان موقع التصوير هائلاً لدرجة أنه عندما بدأ سكورسيزي في التصوير، لم يكن هناك ما يكفي من ممثلي الحشود لملئه. يتذكر مايكل هوسمان الذي قضى 16 شهراً مع الفيلم وحضر طيلة فترة التصوير في روما، أن سكورسيزي استدعاه في اليوم الأول من التصوير. وأورد أنه "وصلت إلى هناك وكان يشغل آخر مشهد تم تصويره. قال، "يبدو الموقع فارغاً!"، فقلت له "الموقع الذي صنعه دانتيه فيريتي كبير جداً، بالطبع سيبدو فارغاً!". كذلك اشتكى سكورسيزي من أن ممثلي الحشود بدوا إيطاليين للغاية، ولم يمتلك أي منهم عيوناً زرقاء. ورد هوسمان، "حسناً يا مارتي، إنهم إيطاليون! لديهم أنوف إيطالية كبيرة وعيون بنية. لا أعرف ماذا أقول لك".

في تلك الليلة، اضطر هوسمان للبحث في السفارات الأميركية والبريطانية والإيرلندية، وسؤال الأشخاص ذوي العيون الزرقاء عما إذا كانوا يريدون المشاركة في فيلم إلى جانب ليوناردو دي كابريو.

طالت مدة الإنتاج وتأخر في نهاية المطاف 8 أسابيع عن الجدول المقرر وكلف 20 مليون دولار إضافية على الميزاينة التي ارتفعت من 83 مليوناً إلى أكثر من 100 مليون. يتذكر هوسمان أن العملية سارت ببطء. قبل التصوير كل يوم، عمد سكورسيزي إلى الاختفاء في مكتبه كي يقرر أي نسخة من السيناريو سيجري تصويرها. ويضحك هوسمان، ثم يضيف، "لقد كتبوا عدة نسخ! أدى ذلك إلى تأخير حقيقي قبل أن يحضروا إلى موقع التصوير ويعلنوا "سنصور هذه النسخة أو تلك النسخة". في بعض الأحيان، يكون [المصور السينمائي] مايكل بولهاوس قد جهز لشيء ما، فيخبره مارتي "لا، نحن سنصوره من اتجاه آخر!".

استطراداً، في حين أن حي "فايف بوينتس" شكل المكان الذي تدور فيه معارك الفيلم الرئيسة، حدث صدام خلف الكواليس أيضاً بين مارتن سكورسيزي وهارفي وينستين. ظهرت تقارير عن حالات تصادم عدة على غرار حضور وينستين إلى موقع التصوير واستعجال سكورسيزي للعمل بوتيرة أسرع، أو عدم رضى وينستين عن إطلالة داي لويس غير الجذابة في الفيلم وقد ادعى أنها لن تبدو جيدة على الملصق الترويجي للفيلم (لم يحب داي لويس شخصياً وينستين. وفي وقت لاحق، أفاد، "ما لم يفهمه هو أنني أديت ببطولة "عصابات نيويورك" على رغم عن هارفي وليس بسبب هارفي".

كذلك تمثلت مهمة هوسمان في التعبير عن رغبات وينستين في موقع التصوير. وقد حمل مسؤولية عن التحضير للاجتماعات بين سكورسيزي ووينستين، والتوسط فيها. توجب على هوسمان اختبار أسئلة وينستين الموجهة لسكورسيزي مسبقاً، ثم التدرب على الإجابات مع سكورسيزي كي يقدمها لوينستين. ووفق هوسمان، "إذا بدأ في ذكر أي شيء غير موجود في القائمة، كنت أقول لهارفي "لا تكمل هذه الجملة وإلا سيختفي مارتي! سينتهي الاجتماع".

شملت الأشياء التي لم يحبها وينستين اسم عصابة "الأرانب الميتة"، لكن هوسمان حذره بوضوح "لا تثر موضوع "الأرانب الميتة"، إذ إن سكورسيزي ودي كابريو يحبونها"، لكن الموضوع طرح خلال اجتماع مع مساعد وينستين. بحسب هوسمان، "حينما بدأ الاجتماع، أول ما نطق به مساعد وينستين هو "إن هارفي لا يحب اسم الأرانب الميتة". ثار غضب مارتي وقلب طاولة مكتب وضع عليها كمبيوتر المساعد الشخصي، واندفع خارج الغرفة. لم نره بقية اليوم".

في مسار آخر، تقرر عرض الفيلم في ديسمبر 2001، لكنه تأخر. بحلول أبريل (نيسان) من العام التالي، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن سكورسيزي وينستين وقعا في خلاف. جاءت مدة النسخة النهائية الأولية 3 ساعات و40 دقيقة، وفكر سكورسيزي في إعادة التصوير على ما يبدو. بالنسبة إلى المخرج، لقد أمضى 25 سنة في التحضير لـ"عصابات نيويورك"، وأراد تحقيق رؤيته الفنية بالكامل. على كل حال، أراد وينستين فيلماً تجارياً يتماشى أكثر مع ما هو سائد. ووفق هوسمان، "أنا منتج ويريد المنتجون دائماً أفلاماً أقصر من ساعتين كي يكون بالمستطاع عرضها مرات عدة في يوم واحد".

في ملمح مغاير، حرص سكورسيزي ووينستين على تأكيد "علاقتهما المهنية الرائعة". أراد سكورسيزي أن يكون الفيلم جاهزاً للمشاركة في مهرجان كان في مايو (أيار) 2002، لكنه لم يصدر حتى ديسمبر. وكذلك رضخ وينستين وقرب موعد إصدار الفيلم أسبوعاً، لمنع إطلاقه مباشرة عقب فيلم دي كابريو الضخم الآخر "أمسكني إن استطعت".

استكمالاً، جاءت التقييمات شبيهة بالفيلم نفسه، جيدة لكنها متفاوتة في بعض الأحيان، إذ وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه "فيلم شبه عظيم" من شأنه أن "يعوض ما فاته" بمرور الوقت. وأضافت أن داي لويس يسترسل بإيجابية في نذالة شخصيته ويحول حوار بيل اللذيذ إلى شعر عامي". وصفته "اندبندنت" بأنه "رؤية غريبة بشكل مذهل ووحشية حقاً"، ولكنه "متشتت ومشوه" كذلك.

بالنتيجة، لقد رشح "عصابات نيويورك" لعشر جوائز أوسكار، بما فيها، للأسف أغنية فرقة "يو 2" U2 المرتبطة بالعمل "الأيدي التي بنت أميركا". وحقق مكاسب محترمة بلغت 193.8 مليون دولار (ما يعادل 310 ملايين جنيه استرليني). لدى مقارنته بأفلام "الصحبة الطيبة" Goodfellas و"كازينو"، يبدو "عصابات نيويورك" كأنه حلم. هناك كثير من الأوساخ والحصى والأحشاء، لكنه دنيوي من عالم آخر وجحيمي وغريب أيضاً. إنه عرض للعنف على نمط عروض العصر الفيكتوري. [نسبة إلى حكم الملكة فيكتوريا الممتد بين 1837 و1901، ورافق بدايات الثورة الصناعية في بريطانيا].

وبحسب وصف بيل الجزار، إن الفيلم "مشهدية من الأفعال المخيفة". في الواقع، ظهر بيل والعنف بشكل مدو، فهناك وجوه تتعرض للسحق، وآذان ممزقة، وسواطير تهوي على ظهور الخصوم السياسيين.

ثمة مفارقة في الوقت الطويل الذي استغرقه صنع "عصابات نيويورك". إنه فيلم تدور أحداثه في ستينيات القرن التاسع عشر واستغرق وصوله إلى دور السينما 25 عاماً. ومع ذلك، تغيرت قيمته مع الوقت بطريقة لم تفعلها أفلام سكورسيزي الأخرى. لا يتعلق الأمر بجودة صناعته بقدر ما يتعلق بالحالة الثقافية في فترة ما، إذ ضج الفيلم بعناصر من بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك موسيقى تصويرية تعد تجسيداً لأعمال الملحن موبي، الاختيار اللحظي لكاميرون دياز التي تواجه صعوبة مع اللكنة الإيرلندية المعروفة بعشوائيتها، وأعمال الأكشن التي تحدث فيه بوتيرة تشبه تماماً ملابس بيل الجزار التي تبدو بالية الآن.

ومع ذلك، يقدم "عصابات نيويورك" أشياء كثيرة عن العالم الحديث عبر تصوير هيئة نيويورك في ستينيات القرن التاسع عشر. وفي الفيلم، ينطق بيل فيما العلم الأميركي ملتف حول كتفيه، بعبارة "الحضارة تنهار. بارك الله فيكم".

© The Independent

المزيد من سينما