Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تشكل القمم العالمية في 2023 اختبارا لصعود الجنوب؟

الهدف هو التغلب على المنافسة وتجاوز المساحة الاستراتيجية بين واشنطن وبكين

التركيز على أوكرانيا يلقي بظلاله على العنف المتصاعد والاضطرابات السياسية في أماكن أخرى من الدول حول العالم (أ ب)

يعاني العالم من مجموعة تحديات معقدة ومترابطة تتطلب جهداً مشتركاً للتغلب عليها، ولأن مؤتمرات القمة العالمية لا تزال تلعب دوراً لا غنى عنه في قيادة وتنسيق الالتزامات لحكم عالم مضطرب، فإنها تمنح القادة فرصة نادرة لإجراء مناقشات مباشرة وجهاً لوجه، ومع استضافة دول من خارج الغرب بعض أهم مؤتمرات القمة في العام المقبل، فإنها توفر لبقية العالم فرصاً حاسمة لتشكيل أجندة عالمية متعددة الأطراف، فهل يمكن للجنوب العالمي والقوى الوسطى أن تحقق التوازن المطلوب؟ أم أن المآزق المؤسسية والجيوسياسية سوف تخنق العمل متعدد الأطراف؟

لطالما تم تمثيل دول الجنوب العالمي والقوى الوسطى بشكل غير عادل في القرارات التي تُتخذ على المستوى متعدد الأطراف، لكن استضافة دول خارج الغرب، مثل الهند وإندونيسيا والإمارات ثلاثة من أهم مؤتمرات القمة في العام المقبل، تمثل اختباراً للتعاون الدولي وفرصة سانحة لصعود صوت الجنوب في تشكيل الأجندة العالمية بعد طول غياب، وسوف تساعد ثمانية مؤتمرات قمة رئيسة عام 2023 في تقديم إجابة، عن طبيعة التقدم متعدد الأطراف خلال هذه القمم، وفي ما يلي استعراض لأهم القمم والقضايا التي تناقشها.

قمة مجموعة العشرين بالهند

اختار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عنواناً مختلفاً لقمة العشرين يومي التاسع والعاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل، وهو "أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد" كموضوع يسلط الضوء على الترابط بين حياة الإنسان والبيئة، وتركز الهند في رئاستها هذه القمة على التحديات الكبرى في العالم مثل تغير المناخ والإرهاب والأوبئة، إضافة إلى الأولويات الأخرى من رئاسات مجموعة العشرين السابقة مثل الصحة العالمية والبنية التحتية الرقمية وأمن الطاقة ومكافحة الفساد وتمكين المرأة.

وفي وقت ستبذل الهند قصارى جهدها لتوحيد مجموعة العشرين المنقسمة، فإن سعيها التقليدي إلى الحكم الذاتي الاستراتيجي ودورها كجسر بين الشرق والغرب يمكن أن يساعدها على تكرار النجاح الذي حققته قمة مجموعة العشرين بشكل غير متوقع في إندونيسيا هذا العام، على اعتبار أن الهند ستواصل الضغط مثل إندونيسيا والسعودية، من أجل تمثيل أفضل للجنوب العالمي في المؤسسات المتعددة الأطراف، ولهذا يمكن أن يصبح الاتحاد الأفريقي أيضاً عضواً دائماً في قمم مجموعة العشرين بعد تلقي دعم الرئيس الأميركي جو بايدن خلال القمة الأميركية - الأفريقية التي استضافتها واشنطن هذا الشهر.

مؤتمر المناخ بالإمارات

وتنعقد الدورة الثامنة والعشرون لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في الشرق الأوسط للعام الثاني على التوالي تأكيداً على ضرورة مشاركة دول الجنوب في القرارات الدولية المصيرية، فبعد القمة التي استضافتها، الشهر الماضي، مدينة شرم الشيخ المصرية تحت اسم "كوب-27"، تستضيف مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة القمة المقبلة "كوب-28" في الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) وحتى 12 ديسمبر (كانون الأول) 2023.

وبعد أكثر من عقد من المفاوضات، اتفقت فيه ما يقرب من 200 دولة على إنشاء صندوق لتعويض الدول الضعيفة التي تتعامل مع كوارث المناخ، سيقضي المفاوضون، العام المقبل، في تحديد تفاصيل صندوق الخسائر والأضرار، بما في ذلك مصادر التمويل اللازمة لمكافحة تغير المناخ، وفي حين تحقق بعض التقدم في هذا الشأن، إلا أن فشل "كوب-27" في إحراز تقدم في تسريع جهود خفض الانبعاثات أو التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، يزيد الضغط على المفاوضين في "كوب-28" لتأمين إجراء جديد هادف، ومع ذلك، فإن الآمال في التخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري ستواجه على الأرجح حواجز على الطريق مرة أخرى، والأهم من ذلك، أنه سيتم في "كوب-28" إجراء أول تقييم عالمي والذي يجري كل خمس سنوات بموجب اتفاقية باريس، لتقييم التقدم الجماعي للبلدان نحو هدف الحد من الاحترار بنسبة 1.5 درجة مئوية ومراجعة تقارير البلدان حول تحديث وتعزيز التزاماتها المناخية المستقبلية.

قمة "آسيان" في إندونيسيا

سيكون الاقتصاد بدلاً من الجغرافيا السياسية على رأس جدول أعمال قمة رابطة دول جنوب شرقي آسيا "آسيان" التي ترأسها إندونيسيا ولم يحدد موعدها بعد خلال عام 2023، فبينما تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة والصين، والانقسامات حول انقلاب ميانمار، وضعف قدرة "آسيان" على إيجاد توافق في الآراء، فإن الرئاسة الإندونيسية لقمة مجموعة العشرين هذا العام 2022 ولدت زخماً للرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، المعروف باسم "جوكووي" لجعل القمة لعام 2023 تتبنى موضوع قضية الآسيان كبؤرة للنمو.

وبصفتها العضو الأكبر والأكثر نفوذاً في "آسيان"، تتمتع إندونيسيا بموقع فريد لدفع أجندتها الخاصة بالنمو والشمولية والاستدامة الاقتصادية إلى الأمام، ويتوقع الكثيرون المزيد من المبادرات التقدمية تحت قيادة إندونيسيا مقارنة برئاسة كمبوديا لها، عام 2022، حيث من المنتظر أن يدفع الرئيس "جوكووي" لاتخاذ مزيد من الإجراءات ضد زعيم المجلس العسكري في ميانمار، وربما يعلق موقتاً عضوية ميانمار في "آسيان" أو يدعو ممثلين عن الزعيمة المخلوعة أونغ سان سو تشي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد يدعو "جوكووي" أيضاً إلى مراجعة ميثاق "آسيان" أو يدفع باتجاه المزيد من التغييرات الهيكلية بحسب ما يشير باحثون في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إذ ستتاح لرابطة دول جنوب شرقي آسيا فرصة لمناقشة تسريع التعاون العملي والملموس مع شركائها في الحوار الأوسع نطاقاً في القمة الأكبر لشرق آسيا والمحيط الهادئ "أبيك" التي تضم الولايات المتحدة والصين وست قوى كبرى أخرى فور انتهاء قمة "آسيان"، وسيناقشون تنفيذ التوقعات حول المحيطين الهندي والهادئ، وما انتهت إليه اللجان رفيعة المستوى لرؤية "آسيان" لما بعد عام 2025.

مؤتمر الأمم المتحدة للمياه

ويوفر مؤتمر الأمم المتحدة للمياه الذي سيعقد في مقر المنظمة الدولية في نيويورك من 22 إلى 24 مارس (آذار) 2023 فرصة تتكرر مرة كل جيل للحفاظ على هذا المورد الحيوي، بعدما أدى تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث إلى دفع العالم نحو أزمة مياه عالمية، وعلى رغم أن قضية المياه تناقش في مؤتمرات القمة البيئية متعددة الأطراف الأخرى ولن يحضر معظم رؤساء الدول هذا المؤتمر، إلا أنه لا ينبغي إغفال أهميتها، بالنظر إلى أن هذا المؤتمر هو الأول الذي يجمع أعضاء الأمم المتحدة للتركيز حصرياً على قضية المياه منذ عام 1977، وهناك حاجة ماسة إليه لدمج الإدارة المجزأة للموارد المائية ورسم السياسات والاقتصاد المتعلقين بالمياه بشكل صحيح.

وسيركز المؤتمر على الأهداف التي تم تحديدها في خطة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للعمل المائي على مدى 10 سنوات في الفترة من 2018 وحتى 2028، والتي تشمل الروابط بين المياه والصحة والتنمية المستدامة والقدرة على التكيف مع المناخ والتعاون البيئي، ويعيش أكثر من 730 مليون شخص في بلدان تعاني من شح مائي شديد حيث تعد البلدان النامية هي الأكثر تضرراً من النقص والفيضانات ونوعية المياه، وسيؤدي تزايد عدد السكان في هذه البلدان إلى زيادة الضغط على النظام المائي.

قمة الدول "السبع" في هيروشيما

ويُظهر قرار رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا استضافة قادة مجموعة "السبع" في هيروشيما، التي دمرتها أول قنبلة ذرية أسقطت في الحرب العالمية الثانية، التزامه بنزع السلاح النووي، إذ يأمل كيشيدا أن يساعد الموقع في تعميق المناقشات حول تحقيق عالم سلمي خالٍ من الأسلحة النووية، لكن دول مجموعة "السبع" التي تمتلك أسلحة نووية من المحتمل أن تحبط جهوده.

ومن المرجح أيضاً أن تستخدم اليابان رئاستها للمجموعة خلال القمة التي تعقد بين 19 و21 مايو (أيار)، لتنسيق الضغط على روسيا لوقف حربها في أوكرانيا وتعزيز أمن الطاقة والحفاظ على النظام العالمي القائم على القواعد، وفي محاولة لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، سيحاول أعضاء المجموعة حشد المزيد من الأموال للشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار.

قمة "الناتو" في ليتوانيا

قبل ثلاث سنوات فقط، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" بأنها "ميتة دماغياً"، غير أن الهجوم الروسي على أوكرانيا أدى إلى تنشيط المنظمة، في وقت أوضح الأمين العام للمنظمة ينس ستولتنبرغ أن الاجتماع الذي يعقد في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا المجاورة لروسيا يومي 11 و 12 يوليو (تموز)، سيكون فرصة للتحالف من أجل الاتفاق على مزيد من الخطوات لتعزيز الردع والدفاع عن دول التحالف، ومواصلة دعم أوكرانيا، كما دعا إلى مراجعة الزيادات في الإنفاق الدفاعي، إذ حقق تسعة أعضاء فقط من بين 30 عضواً هدف الإنفاق البالغ اثنين في المئة عام 2022.

كما سيناقش أعضاء "الناتو" أيضاً تنفيذ مفهوم استراتيجي جديد، لا يهدف فقط إلى تعزيز المجموعات القتالية وتقوية قوات الاستعداد، ولكنه يعالج أيضاً التحديات الناشئة من الصين، ولا شك أن بعض الأعضاء سيثيرون مخاوف بشأن المدة التي ستستغرقها حرب أوكرانيا ومسار المواجهة المحتمل الذي يضعه المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف في مواجهة الصين. وعلى رغم أن أوكرانيا لن تنضم إلى "الناتو" في أي وقت قريب، فإن ستولتنبرغ وليتوانيا التي تستضيف القمة للمرة الأولى، سيواصلان العمل للترحيب بفنلندا والسويد كعضوين كاملي العضوية.

اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة

في سبتمبر الماضي، هيمنت حرب أوكرانيا على دبلوماسية الأمم المتحدة، ومن المتوقع أن تظل الحرب على رأس جدول أعمال الدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في منتصف سبتمبر المقبل إذا لم يتم التوصل إلى سلام، حيث يمثل التجمع السنوي فرصة للعالم لتقييم تأثير حرب أوكرانيا على الدبلوماسية متعددة الأطراف، والتي يرى ريتشارد غوان من مجموعة الأزمات الدولية في واشنطن أنها أظهرت مرونة غير متوقعة في عام 2022.

ومع ذلك، فإن التركيز على أوكرانيا يلقي بظلاله على العنف المتصاعد والاضطرابات السياسية في أماكن أخرى من الدول حول العالم، كما ستناقش الدورة العديد من القضايا رفيعة المستوى ومن بينها تأمين التزامات ذات مغزى لإعادة التقدم المحرز نحو التغطية الصحية الشاملة على مدى العقدين الماضيين إلى المسار الصحيح بعد انتكاسات "كوفيد-19"، فضلاً عن تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتي يقول تقرير حديث للأمم المتحدة إنها في خطر جسيم، وسيركز التقرير المقبل للأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش حول أجندة جديدة للسلام بهدف إرساء الأساس للنقاش حول مجموعة من إصلاحات الأمن الجماعي الواسعة المحتملة للأمم المتحدة لقمة 2024 من أجل المستقبل.

وكما توحي هذه القمم الثماني، فإن جدول الأعمال العالمي متخم بالقضايا الشائكة والأعمال الشاقة والأهداف الطموحة، وربما يمنح الاجتماع الودي والبناء بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الصيني شي جينبينغ في نوفمبر الماضي، الأمل في أن تكون واشنطن وبكين قادرتين على التنافس استراتيجياً بينما تتعاونان أيضاً في مواجهة التحديات المشتركة، تسعى القوى الجنوبية والوسطى العالمية إلى التغلب على المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وتجاوز المساحة الاستراتيجية الضيقة لدفع القمم العالمية للوفاء بوعودها في عام 2023.

المزيد من تقارير