Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان يتأرجح بين فرص الحل السياسي وحراك الشارع

انقلاب البرهان على السلطة المدنية أدخل البلاد في المآسي خلال 2022 والاتفاق على محك صدقية العسكر

لا يزال السودان يعاني تحت وطأة تسليم السلطة للمدنيين  (إعلام مجلس السيادة السوداني)

حل عام 2022 على السودان وهو يعيش وضعاً سياسياً متأزماً وبالغ التعقيد بسبب الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، قاطعاً الطريق أمام تحول البلاد نحو الديمقراطية والمدنية نتيجة لفضه الشراكة مع المكون المدني ممثلاً في تحالف قوى الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية للحكومة).

بيد أن هذا الانقلاب وجد معارضة شرسة من الشارع السوداني الذي قاد عبر لجان المقاومة في مدن العاصمة المثلثة حراكاً ثورياً متواصلاً شعاره "لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية للعسكر"، قابله عنف مفرط من قبل قوات الأمن راح ضحيته 122 قتيلاً، في المقابل ازدحم المشهد بعديد من المبادرات المحلية والدولية والإقليمية لإيجاد حل لهذه الأزمة ليتم في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) التوقيع على اتفاق إطاري بين المكون العسكري وقوى مدنية تضم قرابة 40 كياناً، يؤسس إلى سلطة مدنية كاملة.

لكن كيف ينظر المراقبون لفرص الحل السياسي وحراك الشارع لإنهاء هذه الأزمة التي ألقت بظلالها السالبة على الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية؟ 

استقطاب وعزلة 

يقول مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني للشؤون الولائية عبدالجليل الباشا، "الواقع أن انقلاب 25 أكتوبر قضى على الشراكة التي كانت قائمة مع القوى المدنية بموجب الوثيقة الدستورية بالتالي عطل مسار التحول الديمقراطي وأدخل البلاد في استقطاب مدني حاد وأزمة سياسية طويلة الأمد. كما تعطلت الإنجازات التي حققتها حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك مع المجتمع الدولي، خصوصاً في جانب المساعدات المالية وعاد السودان إلى عزلته الخارجية بل أصبح بلا دولة، إذ عجز المكون العسكري عن تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة كما وعد قائد الانقلاب في بيانه الأول، نتيجة غليان الشارع السوداني وتواصلت التظاهرات الرافضة للحكم العسكري".

أضاف الباشا "من الطبيعي في ظل الثورة الشعبية الملتهبة أن يتواصل حراك الشارع عبر المواكب السلمية على رغم العنف المفرط الذي مارسته الأجهزة الأمنية لوقف المد الثوري وكسر شوكته، فضلاً عن الضغط الدولي والإقليمي، حتى ظهر دستور نقابة المحامين السودانيين الذي كان بمثابة اختراق حقيقي لهذه الأزمة ليجد القبول من أطراف مدنية عدة وعسكرية ودولية، والتتويج بعد نقاشات مستفيضة بالتوقيع على الاتفاق الإطاري الذي عبر عن إرادة الشعب بتكوين سلطة مدنية كاملة من مجلس سيادي ومجلس وزراء ومجلس تشريعي لفترة عامين تختتم بإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة".

وتابع "صحيح هناك تحديات تواجه هذا الاتفاق من ناحية رفض الكتلة التي تنادي بالتغيير الجذري له، وهي تمثل اليسار كالحزب الشيوعي وأحزاب البعث والحزب الناصري، ونحن نقدر مواقفهم لأنهم يرون ضرورة إنهاء الانقلاب أولاً وعودة الجيش لثكناته، بينما يسعى أنصار النظام السابق إلى إفشال هذا الاتفاق وبقاء الانقلاب حفاظاً على مصالحهم لكونهم يسيطرون على مفاصل الدولة. لكننا نعتقد أن الاتفاق الإطاري خطوة كبيرة لاسترداد الدولة المختطفة واستعادة التحول الديمقراطي، خصوصاً أنه تقدم نحو 50 كياناً بطلبات للتوقيع على الاتفاق، بيد أننا نرى أنه لا بد من الموازنة بين توسيع قاعدة المشاركة وعملية الإغراق، بخاصة أن الاتفاق حدد الأطراف المدنية التي يحق استيعابها".

وأوضح مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون الولائية، "نجاح الاتفاق يعتمد على مدى الإرادة التي يتحلى بها العسكر وجديتهم في تنفيذ بنوده كاملة، وهو ما يضع الشارع أمام محك حقيقي، أما إذا حدث نكوص والتفاف مع أعداء الثورة فهذا بلا شك سيعصف بالاتفاق نهائياً. الاتفاق خطوة تشكل 80 في المئة من التحول الديمقراطي، وبإمكان الحراك الثوري الدفع باتجاه تحقيق 20 في المئة المتبقية ليكون هناك تحول مدني كامل مصحوب بالقضايا الأربع التي أرجئت لمزيد من التشاور وهي مسألة العدالة، والإصلاح الأمني والعسكري، وتفكيك نظام الإخوان، واتفاق سلام جوبا".

رمال متحركة 

في السياق أوضح الكاتب السوداني الجميل الفاضل بقوله "إذا نظرنا للمشهد السوداني الداعي إلى التغيير نجد هناك خطاً ثورياً يتمثل في حراك الشارع من خلال المواكب والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية، وهذا لا يؤمن بأية تسوية سياسية، فهو يريد أن يعلن المكون العسكري تسليم السلطة للمدنيين مباشرة من دون أي شروط، في حين أن الحل السياسي الذي توصلت إليه مجموعة من القوى المدنية تقودها قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) والمكون العسكري برعاية المجتمع الدولي يعتمد على صدقية الجانب العسكري خصوصاً أنه وقع على الاتفاق الإطاري مرغماً بسبب ضغوط الشارع والضغط الدولي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف الفاضل "في تقديري أن كلا الطرفين الداعمين للاتفاق سواء العسكريين أو المدنيين لا يملكان قوة راجحة، لذلك يظل الوضع مهدداً ومشحوناً بالتوتر بخاصة أن حراك الشارع سيكون مستمراً، وأي إخفاق للحكومة الانتقالية المقبلة سيزيد من عامل المواجهة خصوصاً أن الإسلاميين واليساريين يلتقيان على هدف إسقاط هذا الاتفاق على رغم اختلافهما الأيديولوجي العميق، وهو من مفارقات الواقع الجديد في السودان. كذلك حال الاصطفاف التي تسيطر على المشهد لا تبشر بالاستقرار، بالتالي هناك مصاعب كثيرة تواجه هذا الاتفاق حتى إذا وصل إلى مرحلة التوقيع النهائي، فمن الصعب التنبؤ بما سيحدث في ظل وجود رمال متحركة بكثافة".

ورأى الكاتب السوداني أن استقرار الدولة في الانتقال الحالي بموجب مؤشرات الاتفاق الإطاري بعيد المنال، فأي طرف من أطراف العملية السياسية الحالية لن يستسلم بشكل سريع ولكل واحد منهما أدواته، لكن المحك الذي يواجه القوى المدنية هو مدى تحقيقها نسبة عالية من الأهداف الكلية للثورة، وهو بلا شك سيغير مزاج الشارع السوداني إذا كان إيجابياً وهذا شيء مستحيل". 

نقطة فارقة 

في المقابل، علق المتحدث الرسمي باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم محمد عمر أنور على فرص الحل السياسي بعد انقلاب 25 أكتوبر بالقول، "لعل الأبرز في المحاولات السياسية هو اتفاق (البرهان – حمدوك) الذي وقع في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 ورفضته كل من قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة من منطلق أنه لا بد من إسقاط المجلس العسكري الانقلابي وإلغاء الشراكة مع المؤسسة العسكرية للوصول إلى سلطة مدنية كاملة بصلاحيات حقيقية لإدارة المرحلة الانتقالية".

وأضاف "لكن ما يميز هذه المرحلة بروز أشكال أكثر نضجاً للتنسيق بين اللجان القاعدية عبر التنسيقيات مروراً بالمدن والولايات المختلفة في السودان، ويمثل الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب نقطة فارقة في مستقبل الحراك السياسي على رغم عدم اكتماله وإجازته بشكله النهائي. مع ضرورة  إشراك أكبر تجمع  مدني لديه توجهات الميثاق نفسها في مراحل لاحقة بعد أن يتم فتحه للتوقيع".

وأوضح "في نظري أن النادي السياسي القديم يعيد الآن تشكيل نفسه عبر تجمعات مختلفة، ولا يزال أنصاره بعيدين عن تلمس أجندة الشارع الثوري الذي يتطلع لأوضاع جديدة تحقق حياة أفضل للمواطنين".

ونوه إلى أن "الاتفاق الإطاري لم يحقق مطالب الشارع الرئيسة، بل اعترف بفشله في إسقاط المجلس الانتقالي العسكري، وأجل النقاش حول أربع قضايا أساسية ومهمة مثل العدالة والقصاص، وإصلاح المنظومة العسكرية، وتفكيك نظام البشير، واتفاق سلام جوبا، واكتفى بتحقيق شكل ديكوري لسلطة مدنية وئدت حية بتصريحات قائد الانقلاب في أكثر من مرة خلال الأيام السابقة، فضلاً عن أن الاتفاق أسهم في عزل قوى مهمة كانت محسوبة على التحول الديمقراطي، وخلق حال استقطاب لا مبرر لها داخل الصف الثوري، كما أوجد اعترافاً وشرعنة للمجلس الانقلابي".

مد وجذر 

وزاد المتحدث الرسمي للجان مقاومة الخرطوم، "نحن كلجان مقاومة لسنا الوحيدين في المشهد السياسي السوداني، لذا نحن منفتحون تجاه أي اختراق يحقق مطالب الشارع والمواطن، وفي الوقت نفسه نعمل من زاويتنا عبر آليات نعترف أنها بطيئة بحسب الواقع المعقد، لإكمال وإنضاج الميثاق، حتى يفتح للتوقيع من القوى المدنية، بيد أن هناك أفكاراً كثيرة مطروحة مثل تشكيل مجلس ثوري موقت لتسلم السلطة، وتطوير الميثاق الثوري وتوسيع قاعدته، وتشجيع التمثيل القاعدي المؤسسي للأحياء والقطاعات المهنية المختلفة كجزء من مفهوم تأسيس سلطة الشعب، إضافة إلى عدد من الأفكار والمبادرات التي نرى أنها تصب لمصلحة الحركة الجماهيرية وبنائها جنباً إلى جنب مع أهلنا ضد الطغمة الحاكمة".

وحول تقييمهم لحراك الشارع ومدى فاعليته أفاد بأنه "يدور أحياناً حديث بدوافع مختلفة، حول انخفاض وتيرة التفاعل مع المواكب، ومعروف أن الحركة الجماهيرية تتعرض لمد وجذر، لكن مؤكد أن جذوة التغيير مستمرة، وأنه في المنعطفات فإن الشعب السوداني لا يخذل قضاياه. كما يؤكد الواقع الحالي صحة تقديرات اللجان بضرورة إسقاط الانقلاب، فالحراك الجماهيري يمتد من معسكرات النازحين والمناطق التي تسيطر عليها الحركات غير الموقعة على اتفاق سلام جوبا، مروراً بمناطق الإنتاج وعمال الموانئ والمزارعين وحركة الطلاب. وحالياً هناك إضراب للمعلمين سبقه العاملون في الكهرباء وأساتذة الجامعات، وهناك قطاعات أخرى مثل الأطباء تتحرك في الاتجاه ذاته. كما أننا قلقون من حال الإفقار المتعمد للمزارعين وضعف الموسم الزراعي الحالي، وإغلاق عديد من المصانع، كل ذلك يؤكد أن الطغمة الحاكمة لا تلامس هموم الشعب بل تنهب في ثرواته".

وبينما أكد أنور تفاعلهم كلجان مقاومة بذهن مفتوح مع الحلول التي يبادر بها الفاعلون السياسيون شريطة تلبيتها مطالب الشارع الأساسية، وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية ما زالت تمارس القمع ضد المواكب، الذي تطور من استخدام الدوشكا والقنص بالرصاص الحي والمطاطي، واستخدام الغاز والماء الملوث والقنابل الصوتية، فضلاً عن إدخال المدرعات لمواجهة المتظاهرين السلمين ودهسهم، بجانب إغلاق الجسور والكباري بالحاويات لمنع تدفق المتظاهرين للمشاركة في المواكب المركزية التي تتجه إلى القصر الرئاسي، مما يؤكد أن الانقلاب معزول ويخاف من الجماهير التي تعزله.

تطورات الأزمة 

وكان البرهان أعلن في 25 أكتوبر 2021 عبر التلفزيون الرسمي حال الطوارئ في البلاد بعد حل السلطات الانتقالية، وإقالة كثير من أعضاء الحكومة والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة المسؤول عن قيادة المرحلة الانتقالية، لكنه أكد أنه ما زال يرغب في "الانتقال إلى دولة مدنية وتنظيم انتخابات حرة في عام 2023".

وقتل في ذلك اليوم ما لا يقل عن سبعة أشخاص، بينما أُصيب 80 آخرون بالرصاص في الخرطوم خلال تظاهرات حاشدة نددت بالانقلاب الذي دانه أيضاً المجتمع الدولي على نطاق واسع، بيد أن واشنطن أعلنت في حينها تعليقها مساعدات بقيمة 700 مليون دولار للسودان. كما علق الاتحاد الأفريقي مشاركة السودان في كل نشاطاته، وأوقف البنك الدولي مساعداته، فيما دعا مجلس الأمن الدولي إلى إعادة تشكيل "حكومة انتقالية يقودها مدنيون"، وهو مطلب أعلنه أيضاً الرئيس الأميركي جو بايدن.

وفي 11 نوفمبر شكل البرهان مجلس سيادة انتقالياً جديداً، استبعد منه أربعة ممثلين لقوى الحرية والتغيير، بينما احتفظ بمنصبه رئيساً للمجلس، كما احتفظ الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع بمنصبه نائباً لرئيس المجلس.

وفي ظل احتجاجات وأزمات سياسية كانت الأكبر في البلاد، توصل البرهان ورئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، في 21 نوفمبر إلى اتفاق بشأن عودة الأخير إلى رئاسة الحكومة السودانية، راجياً أن يهدئ ذلك احتجاجات تتسارع وتيرتها، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تهدئة الشارع، واستمرت التظاهرات في مدن عدة. وفي اليوم التالي، أطلق سراح كثير من السياسيين الذين اعتقلوا منذ الانقلاب.

لكن سرعان ما أعلن حمدوك في الثاني من يناير (كانون الثاني) 2022 استقالته، بعد مقتل ثلاثة متظاهرين في ذلك اليوم، ولم تقف الأزمة عند هذا الحد، بل استمر تساقط مزيد من القتلى خلال الاحتجاجات في الأشهر التالية، حتى بادرت الأمم المتحدة حينها ببدء محادثات برعايتها لتقاطعها الأطراف المدنية الرئيسة، لا سيما قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة السابقة، التي وضعت شرطاً مسبقاً إنهاء القمع وإطلاق سراح السجناء السياسيين.

وفي 4 يوليو (تموز)، أعلن البرهان انسحاب الجيش من الحوار للسماح للقوى المدنية بتشكيل حكومة كفاءات، فيما دعت الكتلة السياسية المدنية الرئيسة إلى مزيد من الضغط الشعبي، منددة بالانسحاب التكتيكي الذي يهدف في الواقع إلى الحفاظ على نفوذ الجيش.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير