Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تفاقم الديون وصعوبة التمويل يدفعان تونس إلى حال عدم اليقين

خلاف بين محللين حول القدرة على السداد في 2023 مع غموض مصادر الاقتراض من الأسواق الدولية

"انخفاض نسبة الدين من الناتج الإجمالي إلى 80.2 في المئة مقابل 82.6 في المئة مقدرة بقانون المالية الأصلي مؤشرات تدل إلى التحكم بكتلة الديون" (أ ف ب)

يواصل الدين العام في تونس تصاعده ليسجل مستويات حرجة من المديونية لم تبلغها البلاد من قبل، وارتفع بنسبة ثمانية في المئة مقارنة بالسنة المنقضية التي شهدت بدورها مستوى قياسياً، وتواجه البلاد صعوبات مالية نتيجة تفاقم الديون ما أدى إلى تراجع تصنيفها السيادي لدى وكالات التصنيف على خلفية مخاوف من إمكانية عدم وفائها بالتزاماتها المالية تجاه دائنيها، ما ترتب عنه عدم القدرة على الخروج إلى السوق المالية الخارجية للاقتراض على امتداد ثلاث سنوات بسبب كلفته الباهظة نظراً لتراجع التصنيف السيادي.

واعتبرت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" في 19 ديسمبر (كانون الأول)، أن تأجيل صندوق النقد الدولي المصادقة على برنامج تمويل جديد مع تونس من شأنه أن يزيد الصعوبات للحصول على تمويلات خارجية  وتآكل الاحتياطي من العملة الصعبة، إذ إن تأجيل النظر في ملف تونس  وسحبه من جدول أعمال مجلس إدارة الصندوق سيزيد من خطر تدهور الترقيم السيادي لتونس الذي ثبتته الوكالة عند مستوى CAA1 قيد المراجعة من أجل الخفض بسبب الوضعية الصعبة وزيادة مخاطر السيولة المالية ومكانتها الهشة في الخارج ما يجعل البلاد عرضة لعدم القدرة على السداد.

وأشارت المؤسسة الدولية إلى أن البرنامج الجديد لصندوق النقد حاسم وسيمكّن الحكومة من استقطاب تمويلات جديدة إضافية بكلفة معقولة في إطار اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف على غرار الاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي للإعمار والتنمية.

يشار إلى أن صندوق النقد الدولي قام بتحديد جدول اجتماعات مجلس إدارته، الأربعاء الماضي، على موقعه الإلكتروني مع سحب ملف تونس الذي كان من المبرمج النظر فيه. وكان أعلن في 15 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن تونس توصلت إلى اتفاق على مستوى الخبراء حول برنامج مدته 48 شهراً في إطار "تسهيل الصندوق الممدد" بقيمة تبلغ حوالى 1.9 مليار دولار لدعم السياسات الاقتصادية في البلاد.

العجز وأسعار الصرف

وبلغ حجم الدين العام المسجل في الأشهر التسعة الأولى من السنة الحالية نحو 110.18 مليار دينار (35.31 مليار دولار)، في حين لم يتجاوز 106.7 مليار دينار (34.19 مليار دولار) في النصف الأول من السنة بنسبة 77.7 في المئة من الناتج القومي الإجمالي و105.7 مليار دينار (33.87 مليار دولار) إلى حدود مارس (آذار) 2022 .

وتعود الزيادة المسجلة في الدين إلى عوامل عدة لا تعكس بالضرورة اللجوء إلى الرفع من نسق الاقتراض وفق متخصصين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" اختلفوا حول فرضيات العجز على التسديد في السنة المقبلة بسبب الغموض حول القدرة على الاقتراض من السوق المالية الدولية بفعل تأخر توقيع تمويل جديد مع صندوق النقد والتحكم في مستوى المديونية ومخاطرها بالإشارة إلى نسق ارتفاع النمو المتجاوز لنسبة زيادة الدين.

ويتوزع هيكل الدين العام لسنة 2022 بين دين خارجي في حدود 62.6 في المئة وداخلي بحدود 37.4 في المئة، وتوزع بين 43.9 مليار دينار (14.07 مليار دولار) دين داخلي و66.25 مليار دينار (21.23 مليار دولار) دين خارجي، ويسيطر اليورو على الجزء الأعظم من الديون الخارجية للبلاد بـ 54.3 في المئة منها مقابل 19.1 في المئة للدولار و7.7 في المئة من الين الياباني و14.1 في المئة من حقوق السحب الخاصة و4.5 في المئة من العملات الأخرى.

يشار الى أن حجم الدين العام المقدر بقانون المالية الأصلي لسنة 2022 هو في مستوى 114.14 مليار دينار (36.58 مليار دولار)، ما يمثل 82.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وفق وزارة المالية التونسية التي توقعت في تقريرها للموازنة التكميلية أن يرتفع حجمه مع نهاية سنة 2022 ليبلغ 115.9 مليار دينار (37.14 مليار دولار) مقابل إجمالي الدين الذي أغلقت به سنة 2021 ويبلغ 104.29 مليار دينار (33.42 مليار دولار) أي بزيادة 11.66 مليار دينار (3.71 مليار دولار). وفسرت الوزارة هذه الزيادة بتمويل عجز الميزانية بقيمة 9.734 مليار دينار (3.11 مليار دولار) والقروض الصافية للخزينة إضافة إلى 1.635 مليار دينار (522 مليون دولار) تأثيرات أسعار الصرف. ويمثل حجم الدين نحو 80.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحسب الموازنة التكميلية بانخفاض مسجل مقابل 82.6 في المئة مقدرة بقانون المالية الأصلي وبزيادة مقارنة بسنة 2021 إذ بلغ 79.9 في المئة من الناتج الإجمالي.

الفوائد والنفقات

وبلغت نسبة خدمة الدين من الميزانية 23.6 في المئة مقابل 25 في المئة مقدرة أولياً لسنة 2022، وتسببت فوائد الدين في  زيادة النفقات بمقدار 227 مليون دينار (72.7 مليون دولار)، بينما بلغ أصل الدين مستوى 7.505 مليار دينار (2.4 مليار دولار) إلى حدود سبتمبر (أيلول) 2022 مقابل 7.917 مليار دينار (2.53 مليار دولار) في الفترة نفسها من السنة الماضية مسجلاً بذلك نسبة إنجاز في حدود 74.8 في المئة، ويتوزع بين دين داخلي وقدره 4.545 مليار دينار (1.45 مليار دولار) وخارجي  2.960 مليار دينار (948 مليون دولار) على أن يتم خلال الثلاثي الأخير من سنة 2022 تسديد 1.312 مليار دينار (419 مليون دولار) قيمة أصل الدين الخارجي و989 مليون دينار (317 مليون دولار) قيمة أصل الدين الداخلي، في وقت بلغ سداد فوائد الدين 3.2 مليار دينار (1.02 مليار دولار).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسددت الحكومة التونسية حتى نهاية سبتمبر الماضي القسط الأخير للاكتتاب القطري بقيمة 250 مليون دولار في أبريل (نيسان)، علاوة على قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 127 مليون دولار موزعة بين مايو (أيار) ويونيو (حزيران) وسبتمبر ونوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) 2022، إضافة الى قرض السعودية بقيمة 100 مليون دولار موزعاً بين يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز)، إلى جانب قرض صندوق النقد العربي بـ 78 مليون دولار موزعة بين أشهر أبريل ويونيو وأكتوبر وديسمبر، وقرض رقاعي بضمان ياباني قيمته 25 مليار ين (186 مليون دولار) في الشهر الحالي، بالإضافة إلى القرض الداخلي بالعملة وقدره 300 مليون يورو (319 مليون دولار) في مارس و145 مليون يورو (154 مليون دولار) في مايو و123 مليون يورو (130 مليون دولار) في يونيو، وسندات  قيمتها 139.4 مليون دينار (44.67 مليون دولار) إلى جانب سندات الخزينة  بـ808.2 مليون دينار (259 مليون دولار) في فبراير (شباط) الماضي و810.7 مليون دينار (259.8 مليون دولار) في مايو 2022 و894.8 مليون دينار (286.7 مليون دولار) في أغسطس (آب) 2022.

مخاوف السوق

ورأى عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسين أن "حجم الدين المعلن لا يشمل ديون المؤسسات العمومية التي يتجاوز بإلحاقها نسبة 109 في المئة من الناتج القومي"، مضيفاً أن "ذلك ما يعمق المخاوف بشأن السنة المقبلة التي ترتفع فيها خدمة الدين مقارنة بالعام الحالي"، وتابع أن "الصعوبات الحالية التي يشهدها قطاعا السياحة والشغل (تحويلات المغتربين) تهدد بخفض الموارد من العملة الصعبة التي أسهمت في التخفيف من وطأة الأزمة وساعدت على تحقيق خدمة الدين سنة 2022، إذ تنبئ تداعيات الحرب الأوكرانية وتأثيرات الجائحة العالمية في المالية العمومية بانطلاق سنة صعبة مع التأخير الحاصل في توقيع اتفاقية تمويل جديد مع صندوق النقد وامتداد حال عدم اليقين ومؤشرات أزمة اجتماعية داهمة".

من جانبه، أشار المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم إلى أن "انخفاض نسبة الدين من الناتج الإجمالي إلى 80.2 في المئة بحسب الموازنة التكميلية مقابل 82.6 في المئة مقدرة بقانون المالية الأصلي مؤشرات تدل إلى التحكم في كتلة الديون"، لافتاً إلى أن "الزيادة المسجلة مقارنة بسنة 2021 إذ بلغت 79.9 في المئة من الناتج الإجمالي جاءت كنتيجة حتمية للتغير في أسعار صرف العملات بعدما تراجعت العملة المحلية بنسبة 15 في المئة مقابل الدولار مع استقرار نسبي تجاه اليورو ما نشأ عنه تضخم كتلة الدين"، وأكد أنه "في المقابل، لم تتجاوز نسبة ارتفاع إجمالي الدين نحو ثمانية في المئة بحساب الانزلاق السنوي (الناتج المحلي) نسبة النمو بالأسعار الجارية، إذ تزيد بوتيرة  أضعف من وتيرة ارتفاع الناتج القومي بالأسعار الجارية"، موضحاً أن "ما يجمع بين نسبة النمو السنوي المتوقعة في حدود 2.6 في المئة ونسبة التضخم السنوية المتوقعة في حدود 8.2 في المئة مؤشرات إلى القدرة في  التحكم بالدين وعدم انزلاقه لمستويات تخرج عن السيطرة، لذلك سجل حجم قائم الدين ارتفاعاً في حين انخفضت نسبته من الناتج الإجمالي".

وحول تحذيرات وكالة التصنيف الائتماني "موديز"  قال سويلم  إنه  "ينم عن انتظار التطورات في ملف المفاوضات مع صندوق النقد من دون التعبير عن نوايا تخفيض الترقيم، في حين أثر سحب ملف تونس من الرزنامة بطريقة مباشرة على وضعية السندات التونسية وسجل العائد على السندات ارتفاعاً، بعد أن  كان في حدود 22 في المئة سجل ارتفاعاً قدره 400 نقطة قاعدية مقارنة بالفترة نفسها من الشهر الماضي حيث ارتفع فيها  بقيمة 200 نقطة، لكن مقارنة ببداية ديسمبر زاد بقيمة 500 نقطة قاعدية وهي من التأثيرات المباشرة التي تعكس تخوفات السوق".

اقرأ المزيد