Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيع أم استثمار: لماذا يتخوف المصريون من صندوق قناة السويس؟

أبدى مراقبون انزعاجهم من إنشائه وبرلمانيون طالبوا بـ"وحدة الموازنة العامة" والحكومة تطمئن المواطنين "لا تفريط في الأصول"

عبر المجرى الملاحي لقناة السويس نحو 23 ألف سفينة خلال العام الحالي (أ ف ب)

أثار إعلان مجلس النواب المصري موافقته بشكل مبدئي على مشروع قانون جديد مقدم من الحكومة ينص على تعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لعام 1975 بنظام هيئة قناة السويس، بما يمكّن الهيئة من تأسيس صندوق استثماري تابع لها، ردود أفعال واسعة بين المتخصصين والمسؤولين، لتتسع دائرة الخلاف إلى ساحة مواقع التواصل الاجتماعي.

ووافق مجلس النواب المصري خلال جلسته العامة، الإثنين 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، على المادة (15 مكرراً "3") من مشروع القانون التي حددت موارد الصندوق في مصادر عدة، تشمل رأسمال الصندوق، ونسبة من إيرادات هيئة قناة السويس، أو تخصيص جزء من فائض أموال هيئة قناة السويس لصالح الصندوق بعد الاتفاق مع وزير المالية، وعائد وإيرادات استثمار أمواله، إضافة إلى الموارد الأخرى التي تحقق أهدافه، ويقرها مجلس الإدارة، ويقبلها رئيس مجلس الوزراء.

خلاف برلماني

وشهدت الجلسة العامة التي نوقش بها مشروع القانون الجديد خلافاً، إذ أعلنت عضو مجلس النواب مها عبد الناصر رفضها لمشروع القانون الجديد الذي يتضمن تأسيس صندوق خاص بقناة السويس. وقالت إنها ترفض "فكرة إنشاء صناديق جديدة"، مشيرةً إلى "عدم وجود وحدة لموازنة الدولة".

وتابعت، "الحكومة لديها إصرار على تكرار الأساليب الاقتصادية نفسها وتنتظر نتائج جيدة"، وطالبت بحضور رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي للرد على تساؤلات أعضاء البرلمان وممثلي الشعب المصري، مضيفة أن "تأسيس صندوق جديد لقناة السويس في وقت تتعرض الدولة لأزمة اقتصادية أمر غير ملح في الوقت الحالي"، مطالبة الحكومة المصرية بالتوقف عن الاقتراض الذي كبّل الاقتصاد بالديون.

وفي الاتجاه ذاته، أعرب عضو مجلس النواب أحمد فرغلي، عن تخوفاته من تأسيس صندوق خاص بقناة السويس. موضحاً أن "الاعتراض الأول يتمثل في فلسفة إنشاء الصندوق من الأساس، فإن كان السبب ليكون للهيئة ذراع للاستثمار فهو أمر محقق من خلال قانون الهيئة ذاته، الذي يمنحه حق الاستثمار والدليل أن لديها سبع شركات".

وأشار فرغلي إلى أن الهيئة تدخل ضمن هيكل المساهمين في شركة "بورسعيد لتداول الحاويات" بنسبة تصل إلى 38 في المئة، قائلاً "إذاً لا يوجد أي داع لتدشين صندوق سيادي لقناة السويس إذا كانت تستطيع المساهمة في شركات وتدخل في استثمارات"، ومضيفاً أنه "كان من الممكن تعديل قانون الهيئة وإضافة ما يلزم لتحقيق أكبر استفادة من القناة بشكل عام، لكن أن يتم إنشاء صندوق جديد فهو أمر غير مفهوم وغير واضح الأهداف".

في الجهة المقابلة، قال رئيس الأغلبية البرلمانية أشرف رشاد إن "قناة السويس كنز مصر الأول"، مؤكداً أنه "يوافق على مشروع القانون بعيداً من الحلول الروتينية"، مشدداً على أن "التشريع يهدف في المقام الأول إلى طرح حلول غير روتينية أو تقليدية، ويسعى إلى تسهيل الأمور وليس تعقيدها"، لافتاً إلى أن "التشريع الجديد يُسهم في خلق حلول جديدة".

مجلس النواب: لا مساس بقناة السويس

سخونة الخلاف والمناقشات دفعت رئيس مجلس النواب المصري المستشار حنفي جبالي، إلى افتتاح جلسة الأربعاء 20 ديسمبر (كانون الأول) التي نقلتها الفضائيات المصرية، برسالة توضيح إلى جموع المصريين، إذ قال إن "ما تضمنه مشروع قانون هيئة قناة السويس من حق الصندوق المزمع إنشاؤه في بيع أو شراء أو استئجار أو استغلال أصوله الثابتة أو المنقولة، إذ إنه أمر طبيعي يتفق مع طبيعة الصناديق كوسيلة من وسائل التمويل والاستثمار، ولا يمس بشكل مباشر أو غير مباشر المجرى الملاحي لقناة السويس"، موضحاً أن "لفظ (الأصول) لا يمكن أن ينصرف بأية حال من الأحوال إلى القناة ذاتها"، قائلاً "القناة مال عام لا يمكن التفريط فيه".

وأضاف، "تابعت عن كثب الأخبار المتداولة، سواء بالوسائط الإعلامية المختلفة أو على مواقع التواصل الاجتماعي"، منوهاً بأنه "إزاء التخوفات المشروعة لبعض المواطنين تجاه هذا الأمر، والمقدرة من جانبنا بشدة، التي تؤججها الادعاءات والمغالطات التي صدرت عن أناس لهم مكانتهم العلمية والأدبية والثقافية بل والقانونية في المجتمع، وجدت لزاماً علي ضرورة توضيح الأمر، إذ إن مشروع القانون لا يتضمن أية أحكام تمس قناة السويس لكونها من أموال الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو بيعها، بل ويزيد على ذلك أن الدولة ملزمة، وفق المادة 43 من الدستور بحمايتها وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة، باعتباره مركزاً اقتصادياً مميزاً.

ووجه رئيس مجلس النواب رسالة للمصريين قائلاً: "شعب مصر العظيم إن مجلس النواب الذي أوليتموه ثقتكم، لم ولن ينجرف إلى إصدار قوانين تمس أحكام الدستور الذي يعبر عن ضمير الأمة، وأنه يبذل قصارى جهده في تمحيص مشاريع القوانين لضمان بلوغها حال إقرارها مصلحة الوطن والمواطن".

الأزمات العالمية وراء التأسيس

وتعقيباً على تأسيس صندوق استثماري جديد، قال رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع إن "فلسفة الصندوق تستهدف تحقيق الاستدامة الاقتصادية للهيئة ومجابهة أي طوارئ"، متابعاً خلال مناقشة مشروع القانون بـ"النواب" أنه "لا يخفى علينا ما يمر به العالم من أزمات وكل سفن الحاويات من شرق آسيا تمر من قناة السويس وتوقفت لكن بسياسة مرنة استطعنا عمل دراسات تسويقية قدمنا من خلالها تخفيضات من 45 إلى 75 في المئة لسفن الساحل الشرقي الأميركي تحديداً، إذ إننا لسنا البديل الوحيد له"، مضيفاً أن "تجارة الحاويات حققت خسائر في الوقت الذي حققت فيه الهيئة زيادة 8 في المئة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع "الأزمات العالمية المتلاحقة سبب رئيس لتأسيس الصندوق، إذ إن مشكلة مركب (إيفر غيفين) تم حلها في ستة أيام فحسب"، مستدركاً "لو استمرت تلك الأزمة لستة أشهر كانت ستتحول إلى مشكلة كبيرة، علاوة على الأزمة الأوروبية والحرب الروسية - الأوكرانية تدفعنا إلى تحقيق فائض لاستخدامه في الصندوق المزمع إنشاؤه".

وقبل انتهاء الربع الأول من عام 2021، توقفت حركة التجارة العالمية بشكل شبه تام، بعد أن تعطلت الملاحة بقناة السويس لمدة اقتربت من الأسبوع عندما جنحت سفينة الحاويات "إيفر غيفن"، التي كانت ترفع علم دولة بنما، والتابعة للخط الملاحي الياباني "إيفر غرين"، وعلى متنها نحو 19 ألف حاوية، وتوقفت معها حركة ما يقرب من 400 سفينة وقتها، قبل أن تنجح فرق الإنقاذ البحري بالقناة بمساندة دولية في تعويم السفينة الجانحة في 29 مارس (أذار) 2021، وطلبت القناة من الشركة المالكة للسفينة تعويضات بلغت 916 مليون دولار، إلا أنه بعد مفاوضات أولية تم خفض المبلغ لنحو 550 مليون دولار لتغادر السفينة البنمية بعد 100 يوم من الاحتجاز في يوليو (تموز) 2021.

وفي غضون ذلك عبر المجرى الملاحي لقناة السويس نحو 23 ألف سفينة العام الحالي بلغت حمولاتها الصافية ملياراً و420 مليون طن وسجلت عوائد القناة خلال العام الماضي نحو ستة مليارات دولار ارتفعت إلى 7.9 مليار دولار العام الحالي وسط توقعات رسمية أن تتخطى العوائد حاجز ثمانية مليارات دولار في 2023.

ماذا قال الرئيس المصري؟

والحديث عن تأسيس صندوق استثماري خاص بهيئة قناة السويس ليس أمراً جديداً، إذ يعود إلى أكتوبر (تشرين الأول) عندما لمّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمة له على هامش المؤتمر الاقتصادي إلى فكرة تدشين الصندوق، وبين أهمية أن يكون هناك "ملاءة مالية ضخمة لهذا الصرح العملاق"، وقال آنذاك إن "هيئة قناة السويس اعتادت أن توجه دخلها إلى الموازنة العامة عبر وزارة المالية فحسب"، موضحاً أنه "سأل رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس عما تملكه في ذلك الوقت من أموال، فأجاب: لا يوجد".

وتابع الرئيس المصري "قلت له كيف لمؤسسة عملاقة مثل الهيئة لا يكون لها ملاءة مالية بـ300 أو 400 مليار جنيه (16 مليار دولار أميركي)"، موضحاً أنه أبلغ رئيس الهيئة بإنشاء صندوق إيرادات الهيئة مع العمل على تنميتها، وعدم إنفاق أي شيء إلا بالعودة إليه، أي إلى الرئيس، منوهاً بأن "الصندوق به نحو 80 مليار جنيه (3.2 مليار دولار)، ومن المتوقع أن يصل إلى 300 مليار جنيه (12.15 مليار دولار) أو 400 مليار جنيه خلال أربع سنوات، بالتالي تكون الملاءة المالية الكبيرة".

محللون يسألون: كيف سيدار الصندوق؟

في غضون ذلك، روّج المتخصص في شؤون الاقتصاد هاني توفيق، لما سماه "رؤية خاصة في شأن قانون قناة السويس" ملخصها استبدال مديونية الدولة قصيرة الأجل بسندات طويلة الأجل (30 - 50 سنة) يصدرها الصندوق، قائلاً على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، "ما يقلقني في هذا القانون هو مزيد من تجاهل مبدأ شمولية ووحدة الموازنة العامة للدولة".

وفي الاتجاه نفسه قال وزير التموين الأسبق جودة عبد الخالق، إن "الأزمة الدائرة في ما يخص تأسيس صندوق خاص بقناة السويس هو غياب المعلومات والبيانات التي تبين للمواطنين الهدف من التدشين"، موضحاً أنه "يجب أن تفصح الحكومة عن تبعية الصندوق الجديد والجهة الرقابية التي ستتابع دوران رأسماله وتوضح مجلس إدارة الصندوق والأدوار المنوطة به، وهل ستتم إدارته بنفس أسلوب إدارة صندوق مصر السيادي الذي تأسس من قبل أم لا؟".

واعتبر أمين عام حزب المحافظين وعضو البرلمان، طلعت خليل، على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مشروع القانون الجديد المتعلق بقناة السويس "خطراً داهماً يبتلع هيئة قناة السويس ويمس بسيادة مصر على أهم مرفق دولي تديره الدولة".

وأوضح أن "المادة (15) من قانون هيئة قناة السويس الحالي تتكون من فقرة وحيدة من سطرين تمت زيادتها لتتفرع إلى تسع مواد في حين أن القانون الأصلي يتكون من 16 مادة"، ومتابعاً أن "فلسفة مشروع التعديل بإنشاء صندوق لقناة السويس جاءت في أربع نقاط بحسب المذكرة الإيضاحية على رغم أن جميع مواد القانون الحالي 30 لسنة 1975 تفي بالغرض تماماً بزيادة قدرة الهيئة للاستثمار ومن دون إنشاء صندوق مريب وغريب سيجهز على سيادة مصر على المرفق العالمي لقناة السويس".

وأشار خليل إلى أن "مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي كانت تدور حول وحدة وشمول الموازنة العامة للدولة فيما جاء مشروع القرار يضرب موازنة مصر، وينشئ صندوقاً ليست لموارده وإيراداته صلة بموازنة الدولة وبعيد تماماً من رقابة البرلمان".

وتساءل خليل، "هل من المقبول تحويل نسبة من إيرادات قناة السويس وتخصيص جزء من فائض الهيئة لهذا الصندوق؟". واعتبر ذلك أمراً "به عبث شديد واستهانة بإيرادات مرفق ذي حصيلة دولارية مهمة تحول إلى الصندوق بعيداً من موازنة الدولة لأن فوائض قناة السويس باعتبارها هيئة اقتصادية تؤول للخزانة العامة".

مجلس الوزراء ينفي البيع

في تلك الأثناء أصدر مجلس الوزراء عبر مركزه الإعلامي بياناً رسمياً نفى خلاله المزاعم التي تشير إلى اعتزام الحكومة إنشاء صندوق هيئة قناة السويس كباب خلفي لبيع القناة.

وأكد أنه "تواصل مع هيئة قناة السويس التي نفت تلك الأنباء، مؤكدة أنه لا صحة لاعتزام الحكومة إنشاء صندوق هيئة قناة السويس كباب خلفي لبيع القناة"، مشددة على أن قناة السويس وإدارتها "ستظل مملوكة بالكامل للدولة المصرية وتخضع لسيادتها، كما سيظل كامل طاقم هيئة القناة من موظفين وفنيين وإداريين من المواطنين المصريين".

ووفقاً لبيان مجلس الوزراء فإن "الهدف من إنشاء صندوق مملوك لهيئة القناة هو زيادة قدرة الهيئة على المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرفق هيئة القناة وتطويره من خلال الاستغلال الأمثل لأمواله وفقاً لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها".

وأكد البيان أن الصندوق سيسهم في تمكين الهيئة من مجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أي ظروف استثنائية أو سوء في الأحوال الاقتصادية، وأن جميع حسابات الصندوق تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، مهيبة بالمواطنين عدم الانسياق وراء تلك الأكاذيب، والحصول على المعلومات من مصادرها الموثوقة وناشد "مجلس الوزراء جميع وسائل الإعلام ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي تحري الدقة في ما يتم نشره، وعدم الالتفات للأخبار مجهولة المصدر".

وتعول القاهرة على عائدات قناة السويس في دعم خزانة الدولة، إذ تمثل عائدات القناة نحو 1.5 في المئة من إجمالي الناتج الاقتصادي لمصر، إلا أنها تعد مصدراً مهماً للعملة الأجنبية خصوصاً مع تطور عائدات القناة في الفترة الأخيرة بعد أن سجلت في يوليو الماضي أعلى إيراد شهري في تاريخها، إذ وصل إلى 704 ملايين دولار أميركي بعد عبور 2103 سفن المجرى الملاحي في أكبر معدل لعبور السفن على أساس شهري.

وقبل سبع سنوات شقت الحكومة المصرية قناة جديدة على طول القسم الشمالي من القناة، لتعزيز حركة الشحن العالمية واستيعاب تدفق السفن التي تنقل النفط والملابس والإلكترونيات وغيرها من السلع بين أوروبا وآسيا، وبلغت كلفة المشروع نحو 8.5 مليار دولار، إلا أن الرهان كان يتعلق بتعظيم مكانة القناة عالمياً، وتحقيق مزيد من الإيرادات للدولة المصرية.

وتوقع الرئيس الأسبق لهيئة قناة السويس آنذاك، أن تتضاعف إيرادات القناة من نحو خمسة مليارات دولار سنوياً عام 2015 إلى أكثر من 13 مليار دولار بحلول عام 2023، لكن الزيادة لم تصل إلى سقف هذه التوقعات، إذ وصلت إلى 5.8 مليار دولار عام 2019، قبل أن تتراجع إلى 5.6 مليار دولار في 2020 عام الجائحة العالمية، ثم ارتفعت إلى ستة مليارات دولار في 2021 قبل تواصل الارتفاع إلى 7.9 مليار دولار العام الحالي وسط توقعات رسمية أن تتخطى العوائد حاجز ثمانية مليارات دولار".

اقرأ المزيد