Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل حمّلت "خطة الإنقاذ" المودعين في لبنان العبء الأكبر من الأزمة؟

ترتكز على شطب وتحويل 83 مليار دولار من أصل إجمالي الودائع البالغة قيمتها 100 مليار

غاب عن خطة التعافي قضية مكافحة الفساد التي كانت سبباً لانتفاضة 17 أكتوبر 2019 في لبنان (أ ف ب)

 

قبل نهاية صلاحياتها الدستورية بساعات وتحولها إلى حكومة تصريف أعمال في الـ 21 من مايو (أيار) 2022، أقرت الحكومة اللبنانية خطة التعافي المالي والاقتصادي بعنوان "استراتيجية النهوض بالقطاع المالي"، وحينها لم تحظ بإجماع وطني بل أثارت لغطاً حول بنودها، إذ يرى منتقدوها أنها لا ترقى إلى خطورة الأزمة التي صنفها البنك الدولي ضمن أصعب ثلاث أزمات سجلت في التاريخ منذ أواسط القرن الـ 19.

ورأت الخطة أن الركود الاقتصادي العميق وتدهور سعر الصرف وانكشاف ودائع المصارف التجارية لدى مصرف لبنان، إضافة إلى الحاجة لإعادة هيكلة الديون السيادية، كلها أدت إلى ضرر كبير في القطاع المالي، وقدرت إجمال خسائر القطاع المصرفي بما يزيد على 70 مليار دولار أميركي.

وتقوم الخطة على بنود أساس عدة أهمها إلغاء تعددية أسعار الصرف الرسمية بحيث يكون هناك سعر صرف رسمي واحد فقط، وهيكلة القطاع المصرفي وهيكلة سندات الـ "يوروبوند" وتعديل قانون السرية المصرفية، وإعادة رسملة جزئية لمصرف لبنان، إضافة إلى توزيع الخسائر وهو البند الأكثر جدلاً، إذ تقسم الخطة الخسائر بنسبة صغيرة للدولة وتحمل معظمها لمصرف لبنان وجمعية مصارف لبنان والمودعين، الأمر الذي يواجه برفض شديد ومطالبة بتحمل الدولة لوحدها الخسائر عبر الصندوق السيادي.

الفساد والحزب

وبرأي بعض الأوساط المعارضة فإن الخطة تقصدت تحميل الخسائر للمصارف والمودعين تلبيةً لرغبة "حزب الله" الذي يعتقدون أنه يحكم الدولة ومؤسساتها ولا يريد تحميلها الأعباء، في حين يؤكد آخرون أن أموال بيئته بشكل عام غير مودعة في المصارف اللبنانية وملكية تلك المصارف تعود لخصومه السياسيين وبالتالي فهو لا يأبه بإفلاسها.

وينتقد هؤلاء غياب قضية مكافحة الفساد عن الخطة، ويبررون ذلك بأن القوى التي وضعت الخطة هي جزء من الفساد المستشري في البلاد وهي لا تريد إدانة نفسها، علماً أن سبب تعقد الأزمة اللبنانية سياسياً واقتصادياً وشعبياً هو عدم معالجة تهريب أموال المودعين، وعدم إجراء التدقيق المالي وتعطيل التحقيق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت.

إلا أنه في المقابل يرفض "حزب الله" تلك الاتهامات، وتقول مصادره إن "خطة التعافي هي أفضل الممكن في ظل الانقسام السياسي في البلاد ورفض السياسيين فصل خلافاتهم عن النقاش الاقتصادي الذي يهم جميع اللبنانيين، مؤكدة وجود ملاحظات على بنود عدة وأن الحزب سيبدي ملاحظاته عند طرح تلك الخطة أمام مجلس النواب".

أسباب الأزمة

وفي هذا السياق يفند رئيس الجمعية الاقتصادية المتعاونة مع اتحاد المصارف العربية منير راشد أسباب الأزمة الاقتصادية اللبنانية، إذ يضعها في مجموعة من النقاط أبرزها الدَين والعجز المرتفعان في المالية العامة، وسياسة تثبيت سعر الصرف طوال 30 عاماً، والفوائد المرتفعة التي تسببت برفع كلفة رأس المال والإنتاج، واستثمار 70 في المئة من الودائع في القطاع العام وهو قطاع متعثر ومنخفض الإنتاجية في مقابل القطاع الخاص، وإعطاء الحافز للقطاع الخاص بالتوجه نحو القطاع الريعي، وكل هذا برأيه أدى إلى فقدان القدرة التنافسية وإلى ركود اقتصادي نتج منهما عجز كبير في الحساب الجاري الخارجي يفوق الـ 10 مليارات دولار سنوياً، وانخفاض الاحتياطات لمصرف لبنان تدريجياً وخفض التصنيف الائتماني لدين الدولة والقطاع المصرفي، إضافة إلى خروج مبالغ كبيرة لرؤوس الأموال.

واعتبر أن الأزمة التي يمر بها الاقتصاد كان يجب ألا تحدث، لأنه من النادر أن تقع دولة في أزمة مالية واحتياطها بلغ في منتصف عام 2019 نحو 50 مليار دولار، وهو ما يفوق الدين العام بالدولار بـ 150 في المئة ويغطي 45 في المئة من الودائع، مشدداً على أنه كان على مصرف لبنان أن يتوقف عن توفير السيولة للمصارف واتخاذ إجراءات إصلاحية مالية ونقدية فوراً.

وأشار إلى أنه و"منذ بداية الأزمة لم يتم اتخاذ إجراءات صحيحة، إذ تخلى مصرف لبنان عن سياسة تثبيت سعر صرف لليرة على أساس 1500 للدولار من دون اتخاذ إجراءات بديلة ناجحة، كذلك تم التوقف عن تزويد المصارف بالسيولة مما أدى إلى ضرب الثقة بالمصارف وهو ما أوحى بأنها مفلسة، وبروز سبعة أسعار لليرة مما أدى إلى تقويض عمل القطاع العام وخلق فرص للفساد، ووضع قيود عشوائية على حركة رؤوس الأموال".

قرارات قاتلة

وكشف عن سلسلة قرارات خاطئة للحكومات أدت إلى تفاقم الأزمة، ومنها اتباع سياسة دعم باهظة كلفت أكثر من 14 مليار دولار خلال سنة ونصف السنة، إضافة إلى إعلان الحكومة بقرار انفرادي يقضي بتوقف خدمة الـ "يوروبوند" في الداخل والخارج، ومنع المصارف من التعامل في سوق القطع مشترية أو بائعة.

وأشار إلى أن تلك السياسات أدت إلى استنفاذ 24 مليار دولار من احتياطات مصرف لبنان، وخلق سعرين للدولار، "فرش" بحسب السوق الحرة، "اللولار" أي الدولار المودع في المصارف قبل أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وقيمته أقل من 15 في المئة من الدولار الحقيقي، مما أدى إلى خسارة في قيمة الليرة 96 في المئة وبالتالي انخفاض الأجور وارتفاع البطالة، إذ خسر الإنتاج ثلث قدراته وارتفع التضخم بحدود 1000 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وانتقد راشد خطة الإنقاذ الاقتصادي التي وضعتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ودعمها صندوق النقد الدولي، إذ برأيه اعتبرت أن التزامات الدولة المقدرة بـ 73 مليار دولار عبارة عن خسائر مالية وهذا خطأ فادح، وأن "الخسارات المزعومة عولجت بشطب معظم الودائع وليس من خلال إحياء الاقتصاد واستعادة النمو واستقرار الأسعار وسعر الصرف".

ووفق الخطة فإن البنود المتعلقة بإعادة الملاءة لمصرف لبنان لحظت مشاركة الدولة فقط بـ 2.5 مليار دولار وإلغاء التزامات مصرف لبنان بالعملة الصعبة تجاه المصارف المقدرة بـ 65 إلى 70 مليار دولار واستبدالها بإصدار حقوق لمصلحة المصارف، وهي تفتقد لأي قيمة حقيقية، وإعادة هيكلة ورسملة المصارف القادرة على الاستمرار بعد استيعاب الخسائر، الأمر الذي برأيه سيشطب ويقلص أصول المصارف بالدولار وإلغاء سندات الدولة لدى المصارف واستعادة قروض للعملاء على أساس السعر الرسمي.

صندوق وهمي

ويضيف أن التزامات المصارف بالدولار ستقلص كالتالي، "حماية الودائع فقط لغاية 100 ألف دولار لمودعين تقدر ودائعهم بـ 19 مليار دولار، ويدفع منها 14 مليار تسحب خلال سبع سنوات فيما يحول الباقي إلى ودائع بالليرة"، وبالتالي سيصبح المودعون الكبار من صغار المودعين.

ولفت إلى أن الخطة تتضمن تحويل الودائع التي تفوق 100 ألف دولار والتي تبلغ بمجملها نحو 30 مليار إلى صندوق استرداد الودائع، غير محدد إن كان بالليرة أو الدولار، معتبراً أنه صندوق وهمي كونه سيحتاج إلى أكثر من 100 سنة لاسترداد الودائع، وهو ما يعني فعلياً تحويل ودائع كبار المودعين إلى مساهمة برأسمال المصارف.

وقال إن الخطة تتضمن أيضاً إلغاء حصة المساهمين ودمج المصارف الباقية القادرة على الاستمرار وحل المصارف غير القادرة على الاستمرار وضخ أموال جديدة في المصارف من دون الإشارة إلى مصدرها، ولفت إلى أن الخطة لحظت أيضاً موازنات الدولة، إذ توقعت الاستمرار بتحقيق عجز مالي مرتفع وتراكم المتأخرات بحدود 6 مليارات دولار، وتوحيد سعر الصرف فقط وليس تحريره، وهو برأيه غير مجدٍ.

وتابع أن تطبيق الخطة يعني أن "معظم القطاع المصرفي سيغلق أو يقلص عمله إذا لم تلحظ مصدر الأموال التي ستعيد الملاءة، ومن سيشتري المصارف المتعثرة أو إقامة مصارف جديدة". واعتبر أن "الخطة المعروضة لا تؤدي إلى تعافي الاقتصاد بل إلى شطب الجزء الأكبر من القوة الشرائية للمواطن، مما يؤدي إلى كساد غير مسبوق وإقفال معظم المصارف بعد إلغاء معظم الودائع".

ولفت إلى أن القوانين المطروحة مثل "الكابيتال كونترول" لا تخدم الاقتصاد ولا تشجع على دخول رؤوس الأموال، وإنما تقيد السحب من الودائع بحد أقصى قدره فقط 1000 دولار شهرياً لكل مودع.

الخطة البديلة

ويشرح راشد الخطة البديلة القادرة على التعافي الاقتصادي رافضاً معادلة إعادة الودائع أو شطبها، وكذلك ديون الدولة ومصرف لبنان كما تنص الخطة الحكومية، إذ يرى أن أي نظام مالي في العالم غير قادر على إعادة فورية لجميع ودائعه، وأضاف "لا نطرح بيع مؤسسات الدولة للتعويض عن كبار المودعين المقدرة بـ 10 في المئة من مجموع عدد الحسابات، وتحوز على 80 في المئة من مجمل قيمة الودائع، إنما الهدف استعادة فعالية إنتاج هذا القطاع".

ويعتبر أن أهم بنود البرنامج البديل يبدأ بالإعلان الرسمي عن الحفاظ على كل الودائع بأية عملة كانت، مما يعيد الثقة بالدولة والمصارف، ومن ثم التحرير الكامل والمباشر لسعر الصرف لجميع المعاملات والقطاعات وليس فقط توحيده كما تقترح الحكومة وصندوق النقد، لافتاً إلى أن "تحرير سعر الصرف يوحد سعر الصرف تلقائياً وله وقع إيجابي على صعد عدة، منها استعادة القيم الحقيقية للأصول والخصوم المالية وإلغاء جميع القيود المكبلة على السحب واستعادة المصارف لدورها في سوق القطع وإعادة السيولة للمصارف، والتعامل من دون قيود مع المصارف يشجع تقليص الطلب على الدولار النقدي وتعزيز العودة لاستعمال النقد الافتراضي والثقة بالليرة اللبنانية ودعم النمو وخلق فرص عمل ودخول رؤوس الأموال من الخارج".

ولفت إلى أن الخطة البديلة يجب أن تتضمن تحقيق توازن مالي وإعادة جدولة ديون الدولة بما يؤدي إلى تحسين أداء ميزان الدفوعات ودعم سعر العملة المحلية وإعادة جدولة الأصول والالتزامات المالية، كي لا يشكل تحرير سعر الصرف ضغطاً على السحوبات خلال المرحلة الأولى، وتطوير إدارة مؤسسات القطاع العام من خلال خصخصة إداراتها بالاستناد إلى مناقصات ترتكز إلى المعايير العالمية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي يعاني السياسات الحالية ويستطيع التعافي من خلال الإصلاح الذاتي.

كما تتضمن الخطة البديلة تحويل صندوق الضمان الاجتماعي والصناديق الخاصة إلى أساس نقدي بدلاً من وضعها الحالي لتوفر الضمان الصحي والتقاعد المستدام للقطاع الخاص من خلال ضريبة مخصصة للضمان يسهم فيها الأفراد والشركات، وقد تسهم الدولة بجزء من الكلفة كبديل لتخصيص إيرادات للحماية الاجتماعية.

عراب الخطة

وفي المقابل يقول نائب رئيس الوزراء اللبناني سعادة الشامي، وهو من عرابي تلك الخطة، إنها استجابة مباشرة للأزمة وإن المنتقدين يرتكزون على مبادئ نظرية غير قابلة للتطبيق، واضعاً معظم الانتقادات في "خانة الشعبوية والتهرب من المسؤولية".

وأشار إلى أن الخطة أخذت بعين الاعتبار كثيراً من شروط صندوق النقد الدولي الذي توصلت حكومة ميقاتي معه إلى مسودة اتفاق مدتها أربع سنوات بقيمة 3 مليارات دولار، والموافقة النهائية عليها مشروطة بتنفيذ ثمانية متطلبات رئيسة.

وقال الشامي إن لبنان يحتاج إلى ما بين 8 و10 مليارات دولار على مدى 10 سنوات، علاوة على أموال صندوق النقد الدولي.

وأضاف أنه لا يستطيع تحديد موعد محدد لاستكمال جميع الشروط لأن كثيراً منها يتطلب موافقة برلمانية، ويشمل ذلك ضوابط على رأس المال وإطار عمل لإعادة الهيكلة المصرفية.

وأكد أنه إذا وافق البرلمان على مسودات القوانين فإنه يمكن التحرك بسرعة كبيرة، وذكر أن إصلاح الحوكمة على رغم صعوبته في قلب خطة الحكومة للتعافي، والتي تهدف إلى خفض الدين الحكومي أكثر من 300 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وصولاً إلى 100 في المئة بحلول عام 2026.