يعيش الشارع الليبي حالاً من الترقب بعد تسليم حكومة عبدالحميد الدبيبة، العقيد في جهاز استخبارات نظام الرئيس الراحل معمر القذافي أبوعجيلة مسعود المريمي، إلى الولايات المتحدة الأميركية بتهمة الضلوع في تفجير طائرة لوكربي عام 1988، التي راح ضحيتها 270 قتيلاً، على خلفية تحذير تقارير صادرة عن صحيفة "مالطا توداي" نقلتها وسائل إعلام ليبية، مفادها بأنه "تم إحباط وصول 14 عسكرياً بريطانياً ممنوعين من قبل الشرطة المالطية من استخدام المجال الجوي المالطي للسفر إلى ليبيا".
خبر أكده مراقبون للشأن الليبي موضحين أن "هؤلاء الضباط هم من ضحايا الجيش الجمهوري الأيرلندي الذي دعمه معمر القذافي بداية عام 1973 حتى 1990، ضد بريطانيا".
وتابع المصدر ذاته أن "هؤلاء الضباط حاولوا الوصول إلى الأراضي الليبية لإيجاد موطن قدم لهم على غرار القوات التركية التي تسيطر على قاعدة الوطية غرب البلد والفاغنر الروس الذين يتمركزون من جهتهم شرق ليبيا، كتعويض لهم عن دعم القذافي للجيش الجمهوري الأيرلندي ضد بريطانيا"، في حين استبعد آخرون "مطالبة ضحايا الجيش الجمهوري الأيرلندي في بريطانيا بتعويضات مالية من ليبيا على خلفية فتح قضية لوكربي التي يراد بها فقط تسليم بوعجيلة في مقابل التمديد لحكومة الدبيبة، بخاصة أن شق الإلزامات المالية للدولة الليبية مقفل منذ 2008، وفق اتفاق ليبي - أميركي".
دعم القذافي للجيش الجمهوري الأيرلندي
وسبق وكشفت تقارير إعلامية محلية في يناير (كانون الثاني) الماضي، نقلاً عن وثائق سرية من الأرشيف الأيرلندي، عن حجم الدعم الذي خص به القذافي الجيش الجمهوري الأيرلندي، إذ تم تزويده بست شحنات من الأسلحة ومساعدات مالية وصلت قيمتها لحوالى 12 مليون دولار أميركي نقداً من دون استخدام أي حسابات بنكية على ثلاث مراحل 1973-1975 و1985-1986 و1988-1990.
وأكدت التقارير المحلية ذاتها نقلاً عن وسائل إعلام أيرلندية من ضمنها "أيريش سونترال" و"آر تي أو"، أن "ليبيا زدوت الجيش الجمهوري الأيرلندي في فترة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بشحنة مسلحة تقدر بأكثر من 1.5 مليون طلقة من أنواع عدة من الذخيرة، و560 بندقية هجومية من طراز كلاشينكوف ومدافع رشاشة ثقيلة وصواريخ (سام 7) وقاذفات صواريخ (آر بي جي)، وأكثر من 100 لغم مضاد للدبابات، ومتفجرات سيمتكس القاتلة التشيكية الصنع".
الانتقام لليبيا
وأضافت التقارير أن "تفجير طائرة لوكربي ألقى بظلاله على علاقة ليبيا بالغرب وتحديداً بالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، لاسيما بعد فرضهما عقوبات اقتصادية على الدولة الليبية عام 1992، مما دفع بالقذافي للانتقام من بريطانيا التي سبق واستخدمتها الولايات المتحدة الأميركية كنقطة لقصف العاصمة الليبية طرابلس عام 1986، والاعتراف العلني بدعمه للجيش الجمهوري الأيرلندي بالسلاح والأموال في الفترة الممتدة بين 1985-1990".
وفي ديسمبر (كانون الأول) 1991، جمع لقاء بين رئيس وزراء أيرلندا السابق تشارلز هوغي ورئيس الوزراء البريطاني جون ميجور، لمناقشة العقوبات المقرر اتخاذها ضد ليبيا بسبب تفجير طائرة لوكربي، وقد وصفت آنذاك ليبيا بـ"الدولة الإرهابية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقدمة لـ"نهش" ثروات ليبيا
وحول إمكانية فتح قضية لوكربي الباب مجدداً أمام دول عدة على غرار ضحايا الجيش الجمهوري الأيرلندي في بريطانيا، أكد المحلل السياسي محمد قشوط أن "عائلة الدبيبة مستعدة للبقاء في السلطة بأية وسيلة حتى لو كانت إحدى هذه الوسائل التفريط في ثروات ليبيا، كما هي الحال مع تركيا التي حصلت على اتفاقات ومذكرات تفاهم للتنقيب على النفط والغاز في السواحل البحرية الليبية، إضافة إلى الأموال الليبية المجمدة التي يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تضعها نصب عينها على خلفية تسلمها للعقيد السابق في الأمن الخارجي أبوعجيلة مسعود، الذي تم تسليمه ضمن صفقة سياسية بعيدة كل البعد من الإجراءات القانونية، ومن دون علم النائب العام الليبي الصديق الصور، ليفتح بذلك ملف قضية دفعت ليبيا وشعبها في مقابلها معاناة حصار اقتصادي امتد لـ10 سنوات، ثم تم دفع ما يفوق ملياري دولار أميركي وأقفلت باتفاق نهائي مع الولايات المتحدة الأميركية".
وتابع قشوط قائلاً إن "تسليم أبوعجيلة مسعود ليس إلا مقدمة لتسليم مواطنين ليبين آخرين ستستغله دول عدة لنهش مقدرات الدولة الليبية، وهو ما ظهر جلياً خلال الأيام القليلة الماضية في لندن من خلال التجمع الذي أقامه ضحايا الجيش الجمهوري الأيرلندي للمطالبة بتعويضهم أيضاً".
ونوه المحلل السياسي إلى أن مستشار رئيس الحكومة إبراهيم الدبيبة سبق واتفق في زيارته الأخيرة إلى بريطانيا مع المحامي الأيرلندي جايمس ماكيو، ليكون الأخير حلقة وصل مع الحكومة البريطانية بخصوص تعويضات ضحايا الجيش الجمهوري الأيرلندي، والأخيرة رحبت بالأمر".
"أموال شخصية على حساب المصلحة الوطنية"
من جهته، قال وكيل وزارة الخارجية السابق حسن الصغير إن "الدبيبة لديه أموال شخصية له ولعائلته وعقارات محجوزة في بريطانيا وأيرلندا، خاضعة لتحقيقات الفساد وغسيل الأموال منذ سنوات، والدبيبة بصدد خوض مفاوضات مع مسؤولين بريطانيين للإفراج عنها وتميكنه منها".
وأوضح وكيل وزارة الخارجية السابق في منشور له على "فيسبوك"، أن "الدبيبة عرض على سلطات هذه الدول تعويض المتضررين من قضية لوكربي في بريطانيا والمتضريين من عمليات الجيش الجمهوري الأيرلندي، بمبلغ قيمته ثلاثة مليارات و600 ألف دولار من الأموال الليبية، في مقابل تمكينه من أمواله الخاصة وإنهاء التجميد والتحقيقات الخاضعة له هذه الأموال".
القضية أقفلت منذ 2009
في المقابل، يعتقد المحلل السياسي إبراهيم لاصيفر أن "إعادة فتح ملف لوكربي جاء فقط نتيحة ظهور تحقيقات جديدة أثبتت تورط شخصية جديدة وهي أبو عجيلة المريمي".
وأوضح أن "الأمر ليس له علاقة بالتعويضات سواء للولايات المتحدة الأميركية أو لبريطانيا، ولن يفتح هذا الملف نهائياً باعتبار أن ملف التعويضات في قضية لوكربي قام بتسويته النظام السابق مع السلطات الأميركية عام 2008".
وواصل المتحدث ذاته قائلا "أما في مسألة قرار دعم الجيش الجمهوري الأيرلندي ضد بريطانيا فقد صدر عن الرئيس السابق معمر القذافي الذي انتهت ولايته، لذلك لا يوجد متهم رئيس يمكن إدانته، ولا يمكن للدولة الليبية أن تتحمل خطأ أشخاص صاروا في عداد الموتى".
وأشار إلى أنه "من يثبت تورطه في قضية دعم الجيش الأيرلندي التي أقفلت بدورها عام 2009، سيحاكم قضائياً وليس هناك أي مجال لتعويضات مالية"، مضيفاً أن "قضية الجيش الأيرلندي ليست موضوع نزاع لأن جل عناصر النظام السابق حاصلون على لجوء سياسي في بريطانيا، التي لا يمكنها أن تعطي حق اللجوء لأشخاص متورطين في عمليات سياسية ضدها، لأن هذا مناف لقوانين الأمن القومي البريطاني، وهو الأمر الذي سيجعل جميع الحكومات البريطانية السابقة، محل اتهام أمام القضاء البريطاني بسبب التساهل في منح اللجوء لمتهمين على ذمة القضاء البريطاني".
احتجاج أمام مجلس الأمن الدولي
وبخصوص الوسائل التي يمكن اتبعاها لإنقاذ البلد من فكي التعويضات الدولية، طالب قشوط الشعب الليبي بـ"الانخراط في انتفاضة شعبية للدفاع عن ثروات الدولة الليبية"، داعياً السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس النواب للتحرك وتقديم احتجاج أمام مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى مطالبة الدول الخليجية التي سبق ودخلت في وساطة بين أميركا ونظام القذافي، حتى تشهد بما تم الاتفاق عليه ومخاطبة الحكومة الأميركية وتذكيرها باتفاقها الموقع مع الدولة الليبية سنة 2008 بخصوص غلق ملف قضية لوكربي، الذي أصدر بشأنه الرئيس الأمييكي الأسبق جورج بوش، مرسوماً رئاسياً رقم 13744 يقضي بعدم العودة للقضية مرة أخرى واعتبارها مقفلة نهائياً".