Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خلافات موسكو وأوكرانيا حول تاريخ ميلاد السيد المسيح

كييف وجدت في التقويم اليولياني تأصيل الانتماء إلى أوروبا للتخلص من إرث علاقاتها القديمة مع موسكو

تصاعد الدخان بعد انفجار في كييف في 17 مارس 2022 بينما كانت القوات الروسية تحاول تطويق العاصمة الأوكرانية كييف (أ ف ب)

الخلافات حول موعد احتفالات روسيا وأوكرانيا بتاريخ ميلاد السيد المسيح قصة قديمة تختلط فيها السياسة مع الديانة، وإن استندت في بعض جوانبها إلى اختلاف المساحات الزمنية لكل من التقويمين الغريغوري واليولياني، وذلك ما يمكن استيضاح أبعاده وتفاصيله، فبين ثنايا ذلك التاريخ الذي يجمع بين الشعبين الروسي والأوكراني، بما في ذلك إبان سنوات مراحله المعاصرة التي منها ما يعود إلى آخر عصور الاتحاد السوفياتي السابق، وما أعقبها من توتر في علاقات الدولتين روسيا وأوكرانيا. وقد جاءت أولى سنوات الثورات الملونة التي اجتاحت الفضاء السوفياتي السابق في مطلع القرن الحالي، لتلقي بمزيد من الزيت في أتون خلافات البلدين التي انتهت إلى ما آلت إليه منذ أولى سنوات اندلاع الأزمة الأوكرانية.

قصة قديمة

إذاً القصة قديمة، تباينت مراحلها بقدر تباين المخططات الغربية التي استهدفت روسيا، قبل أن تتحول إلى أوكرانيا بوصفها ثاني كبرى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. ويذكر المراقبون في موسكو بدايات هذه "الحكاية"، وما ارتبط منها بما وصفه الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف بـ"المؤامرة" التي دبرها الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين مع نظيريه الأوكراني ليونيد كرافتشوك والبيلاروسي ستانيسلاف شوشكيفيتش لإطاحته تحت شعارات الاستقلال والسيادة في ديسمبر (كانون الأول) 1991. وجاءت المرحلة الثانية مع أولى موجات "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا في عام 2004، التي أطاحت فيكتور يانوكوفيتش في "انقلاب أبيض" جرى تحت شعارات "الجولة الثالثة" لإعادة الانتخابات الرئاسية وإعلان فيكتور يوشينكو رئيساً لأوكرانيا.

فالبدايات اتسمت من حيث الجوهر بصبغة سياسية، سرعان ما غدت في أمس الحاجة إلى عناصر دعم أخرى، وجدها الرئيس الأوكراني السابق بترو بوروشينكو في "الخلافات" العقائدية بين الكنيستين الروسية والأوكرانية، بعد أن سبق ونجح في إقصاء اللغة الروسية من صدارة المشهد الثقافي السياسي في أوكرانيا، بوصفها أحد المكونات الرئيسة لوحدة الشعبين الروسي والأوكراني. ومن هنا كانت حملته ضد التمسك بالتقويم اليولياني، ودعوته إلى استبدال التقويم الغريغوري به من خلال إضفاء الطابع الديني الكنسي وتقنين التحول بالكنيسة الأوكرانية صوب نظيراتها الغربية في القسطنطينية والعواصم الأوروبية.

وما إن أعلن بوروشينكو عن نياته في شأن التحول من التقويم اليولياني إلى مثيله الغريغوري، حتى اشتعلت نيران الجدل حول محاذير العودة إلى التقويم اليولياني، الذي كان فلاديمير لينين زعيم ثورة أكتوبر (تشرين الأول) الاشتراكية في روسيا أول من تبنى تغييره بالتقويم الغريغوري، استناداً إلى أسس علمية فلكية تتسم بكثير من المنطقية والموضوعية. وتقول الأدبيات التاريخية في هذا الصدد إن التقويم اليولياني ينتسب إلى يوليوس قيصر، وبدأ يدخل حيز التنفيذ اعتباراً من عام 46 قبل الميلاد، بينما ينتسب الثاني إلى البابا غريغوري الثالث عشر الذي اكتشف حقيقة أن دورة الأرض حول الشمس أبطأ بمقدار 12 دقيقة بما استوجب التغيير، ومراعاة ما فقده التاريخ من فروق زمنية بلغت في مجموعها 10 أيام زادت في وقت لاحق إلى 13 يوماً، وهي الفروق الزمنية التي تفصل ما بين 25 ديسمبر والسابع من يناير (كانون الثاني)، تاريخ احتفالات الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية بعيد الميلاد المجيد، وذلك ما كان أساساً لاستعاضة التقويم اليولياني بسبب عدم دقته والحسابات غير الصحيحة للسنوات الكبيسة، بالتقويم الغريغوري الذي اعتمدته الكنيسة الروسية منذ أولى سنوات الاتحاد السوفياتي السابق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بين الدين والسياسة

وبعيداً من التوغل في قضايا اللاهوت والعلوم الفلكية، نعود إلى الأزمة الأوكرانية وما أسفرت عنه من جنوح نحو الخلط بين الدين والسياسة، لنشير إلى أن القيادات الأوكرانية وجدت في هذه القضايا السبيل إلى تأصيل سياسات التقارب مع أوروبا، والتخلي عن الإرث "الإمبراطوري" الروسي السوفياتي. ومن هنا جاء قرار الرئيس السابق بوروشينكو، الذي أقره البرلمان الأوكراني في ديسمبر عام 2017 حول العودة إلى التقويم اليولياني بما يمكن أن يكون تقنيناً لاحتفالات أوكرانيا بعيد الميلاد المجيد في 25 ديسمبر من كل عام، اعتباراً من عام 2017 في توقيت مواكب لاحتفالات البلدان الأوروبية، تأكيداً لانتماء أوكرانيا إلى أوروبا. وحول هذا القانون قال أندريه باروبي رئيس مجلس "الرادا" (البرلمان الأوكراني) الأسبق إن "أوكرانيا تحررت من الاحتلال العقلي لموسكو، وإنها تعود إلى أسرة الشعوب الحرة في العالم، وبما يجعلها قادرة على الانفصال عن تقاويم موسكو والمعايير الإمبريالية الروسية".

وذلك ما علق عليه كثيرون من خصوم النظام الأوكراني بإعادتهم إلى الأذهان كثيراً من حقائق السياسات الأوكرانية، وما سبق وأقرته من قوانين حول حظر استخدام اللغة الروسية والتحول بالأبجدية الأوكرانية من الكيريلية إلى اللاتينية، فضلاً عن حقيقة ما تمارسه الأوساط القومية من نشاط واسع النطاق من أجل تعميق الفرقة بين الشعبين الأوكراني والروسي، استناداً إلى كل ما اتسمت به سياسات الاتحاد السوفياتي السابق من قصور وسلبيات. وكان إبيفانيوس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا التي ظهرت في نهاية عام 2018 وحصلت على الاستقلال الذاتي، أكد أن الأوكرانيين، في غضون 10 سنوات، سيتحولون إلى إقامة احتفالاتهم بعيد الميلاد في 25 ديسمبر بدلاً من السابع من يناير، وإن اعترف في الوقت نفسه بأن فكرة التحول إلى الاحتفال مبكراً عن موعد احتفالات الأرثوذكس بعيد الميلاد في 25 ديسمبر، لم تحظ بعد بشعبية واسعة النطاق، كما أعرب عن مخاوفه من احتمالات، إذا تم تأجيل الاحتفال بعيد الميلاد الآن، أن "يكون عدد المترددين على الكنائس في 25 ديسمبر أقل كثيراً مما يمكن أن يكون عليه في السابع من يناير"، بحسب تصريحاته لصحيفة "غازيتا رو" الإلكترونية. وفي تصريحات مماثلة للصحيفة نفسها، قال روسلان بورتنيك خبير الشؤون السياسية الأوكرانية إن إبيفانيوس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا ينطلق في تصريحاته حول تغيير موعد الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد "من الرغبة في الاقتراب من التقاليد الدينية والسياسية الكاثوليكية الأوروبية". أضاف بورتنيك أن "الإعلان عن اتساع نطاق المؤيدين لهذه الفكرة في أوكرانيا، إذا كانت هذه الفكرة مدعومة من قبل الدولة، يمكن أن يلقى قبولاً أكثر في المجتمع الأوكراني"، وذلك إلى جانب ما يتردد حول أن ذلك سيسهم في تغيير الوعي المجتمعي انطلاقاً من أن الأمر بات "قصة ثقافية وروحية استراتيجية" يمكن تغييرها في أوكرانيا، بحسب اعتقاده.

نحو الغرب

لكن هناك رأياً مغايراً أعرب عنه رئيس مركز دراسة الدين والمجتمع في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية رومان لونكين، في حديثه إلى"غازيتا رو" بقوله إنه وعلى النقيض من ذلك، يبدو على يقين من أن غالبية الأرثوذكس من مختلف المقاطعات ستكون أقرب إلى قبول الاحتفالات مع الكنيسة الأرثوذكسية في كل من أوكرانيا وروسيا وبيلاروس، لكن ذلك يبدو، وحسب اعتقاد بعض الأوكرانيين على غير وفاق مع توجهات كثيرين من ممثلي الأوساط القيادية في أوكرانيا، ممن يؤكدون أن الغالبية في أوكرانيا باتت اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى فكرة إقامة احتفالات عيد الميلاد بموجب التقويم اليولياني في 25 ديسمبر في وقت مواكب لاحتفالات العواصم الأوروبية، تأكيداً لميول غالبية الأوكرانيين في وسط وغرب أوكرانيا، وقناعاتهم بانتماء أوكرانيا إلى المجتمع الأوروبي، وذلك ما يلقى معارضة من جانب آخرين في أوكرانيا ممن يقولون إن أولئك الذين يؤكدون أنه من أجل الانفصال عن موسكو يجب أن نحتفل بعيد الميلاد مع أوروبا، ويروجون لموعد جديد لا يفكرون في اللاهوت ولا في الناس، هذا واضح. "وهذه سياسة محضة على غرار قرارات حظر دراسة اللغة الروسية في المدارس أو التحول إلى الأبجدية اللاتينية بديلاً لمثيلتها الكيريلية".

وتعليقاً حول التصريحات الأخيرة لإبيفانيوس، قال القس ألكسندر أوفشارينكو "دع إبيفانيوس وغيره من أمثاله يغيرون ما يريدون"، مؤكداً "حقيقة أن أقدم كنيسة أرثوذكسية في القدس تحتفل بعيد الميلاد في السابع من يناير". وخلص إلى تأكيد أنهم "ما زالوا غير قادرين على فعل أي شيء. المؤمنون والعقلاء يعارضون فكرة التغيير. حتى الإحصاءات تتحدث عنها، هذا يعني أن الناس سيحتفلون بالعطلة الكبرى وفق التاريخ القديم وستفتح معابدنا. لا أحد يستطيع أن يمنعنا من تسبيح السيد المسيح، كما تملي محبتنا وضميرنا وشرائعنا الحدس السليم. الشيء الوحيد الذي يمكنهم أخذه منا هو يوم عطلة، لكن هذا ليس معنى يوم ميلاد المسيح!". ويستند هؤلاء في ذلك إلى أن "جمهورية أوكرانيا الشعبية" التي كانت جزءاً من الإمبراطورية الروسية حتى عام 1918 "تحولت إلى التقويم الغريغوري الجديد لتكون مواكبة لما أقره زعيم الفلاشفة فلاديمير لينين، بعد ثورة أكتوبر 1917، وإن لم تلتزم الكنيسة الأوكرانية به، انطلاقاً من رفضها التاريخي دعم الشيوعيين".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير