Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وراء الكواليس في آخر أيام "تويتر": كيف دمرنا إيلون ماسك

تقرير من آيو دودس عن الكلفة الإنسانية الحقيقية لتسريح موظفي "تويتر"، وحقوق الموظفين التي انتهكت والفوضى التي عمت مكاتب الشركة في جميع أرجاء العالم بعد تولي ماسك قيادة الشركة

فصل ماسك خلال موجة التسريح الأولى نحو نصف الموظفين من أصل إجمالي 7400 موظف (أ ف ب/غيتي/اندبندنت)

الواحد تلو الآخر كان أعضاء فريق أمير شيفات Amir Shevat يختفون.

كانت الساعة قد تخطت منتصف الليل يوم الجمعة 4 نوفمبر (تشرين الثاني)، في مدينة أوستن في تكساس، حين وجد مهندس البرمجيات البالغ من العمر 46 سنة نفسه عاجزاً عن النوم فيما ينتظر أن يصله الخبر اليقين كي يعلم أي الموظفين الذين تحت إدارته سوف يطردون من تويتر.

هيأ الموظفون أنفسهم لموجة ضخمة من التسريح الجماعي منذ اللحظة التي تسلم فيها إيلون ماسك دفة شركة التواصل الاجتماعي المتأزمة، كما أخبروهم بأن يتوقعوا صدور قرار نهائي في اليوم التالي.

لكن بدلاً من ذلك، بدأ صرف الموظفين من العمل قبل الموعد المحدد، مساء الخميس، حين أخذ زملاء شيفات يختفون من دون سابق إنذار عن قناة المراسلة التي تستخدمها الشركة - مع تحول شارات الصفحات الخاصة لكل منهم إلى اللون الرمادي فيما "تعطلت" حواسيبهم عن بعد، أو أوقفت عن العمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويستذكر شيفات الواقعة في مقابلة مع "اندبندنت"، "كان الوضع مشحوناً. لا تقدر على النوم ولا على فعل أي شيء… عليك أن تدعم [موظفيك]، هذا ما يفعله القادة برأيي". وهو يشبه الوضع آنذاك بمشهد من فيلم الخيال العلمي "ماتريكس" Matrix، حين يجول سايفر الخائن بين رفاقه المغلوب على أمرهم، وهو يسخر منهم فيما يفصل الطاقة عن أدمغتهم، الواحد تلو الآخر.

في سان فرانسيسكو، كانت عالمة البيانات مليسا إنغل البالغة من العمر 48 سنة تتابع الأمر نفسه. أنشأ فريقها في وقت سابق مجموعة دردشة على واتساب لكي يظلوا على تواصل في حال فصلوا من وظائفهم.

وفيما كانت الساعة تدق الحادية عشرة ليلاً في كل منطقة على التوالي - أولاً مدينة نيويورك ثم شيكاغو وبعدها أريزونا فالغرب الأوسط الأميركي- أخرج زملاؤها عنوة من أنظمة عمل تويتر، أحياناً في خضم عملهم على كتابة أو تشغيل شيفرة برنامج حاسوبي.

وتقول إنغل لـ"اندبندنت"، "كان الوضع أشبه بظهور أمواج عاتية تتقدم باتجاهك عبر الولايات المتحدة، وأنت لا تعلم إن كنت ستغرق أو إن كنت تقف على ارتفاع يسمح لك بالنجاة منها".

طرد شيفات من وظيفته تلك الليلة، فيما ظلت إنغل في منصبها أسبوعاً آخر، لكن بالنسبة إليهما كما إلى نحو 13 ألف موظف آخرين عملوا لدى تويتر قبل ماسك، لم تكن تلك الفترة سوى بداية شهر عاصف وفوضوي مليء بالطلبات الغريبة والصرف المفاجئ من العمل، والإذلال العلني ونكث الوعود وأساليب العمل الإدارية التي يزعم بأنها قاسية ومسيئة.

ويقول أكيفا كوهين، المحامي الذي يمثل في الأقل 22 موظفاً سابقاً في تويتر يتهمون الشركة بحجز أموالهم من تعويضات نهاية الخدمة ومستحقاتهم بشكل غير قانوني "تعاملت تويتر مع هؤلاء الأشخاص بشكل مريع. سخر ماسك من البعض بعد أن طردهم من العمل، وتراجع عن الوعد الذي قطعه هو وتويتر حول ما ينتظر الموظفين من تعويضات في حال تسريحهم بعد عملية الدمج، ثم فصل الموظفين من عملهم عشية فترة الأعياد ولم يبد عليه أنه يدرك أبداً أنه يتعامل مع أشخاص يستحقون معاملة لائقة ومحترمة".

تحكي هذه قصة كيف دمر إيلون ماسك تويتر 1.0 [باعتبار أن تويتر بعد ماسك هو نسخة مختلفة عن الأساسية] كلياً، وماذا حدث للأشخاص الذين اعترضوا سبيله.

التعتيم على الأحداث

لم تكن ملهمة أبداً، تلك الرسالة التي ظهرت على لسان باراغ أغراوال، المدير التنفيذي لتويتر، إذ كتب "أهلاً يا قوم، إن كنتم تعانون من مشكلات مع القلق بسبب كل ما يجري من أحداث وبسبب تبعاتها المحتملة، فأنا أحمل أخباراً جيدة لكم. هذه الأمور تستغرق وقتاً طويلاً… ولذلك سوف تظلون في الوضع نفسه طيلة أسابيع إن لم نقل أشهراً قبل أن يحل كل هذا الوضع!".

لم تخرج هذه الكلمات من فم أغراوال الحقيقي، بل من الرسم الكرتوني الهزلي الذي يصوره - وهو محاكاة رسمها مانو كورنيت الموظف في تويتر ورسام الكاريكاتير في 25 أبريل (نيسان) 2022، أي اليوم نفسه الذي وافق فيه ماسك على شراء الشركة لقاء 44 مليار دولار - اختزل شعور الخوف والارتباك الذي أحس به كثيرون من العاملين في تويتر.

أتى عرض الشراء من ماسك بعد أسابيع من الانتقادات اللاذعة كما السخرية التي وجهها أحياناً لتويتر، متهماً المنصة بتقويض الديمقراطية عن طريق قمع حرية التعبير، وهذا ما أثار التكهنات حول احتمال رفعه الحظر عن الرئيس السابق دونالد ترمب.

وتقول إنغل "حتى في ذلك الوقت، كنا قلقين للغاية. شعرنا بأننا مستهدفون". كانت تعمل في فريق "النزاهة المدنية" في تويتر، حيث تصمم خوارزميات التعلم الآلي التي تساعد مسيري المحتوى من البشر على إيجاد وحذف المعلومات السياسية الكاذبة - وهو بالتحديد شكل ضبط التعبير الذي يعارضه ماسك على ما يبدو. عمل زملاء آخرون على تصميم خوارزميات مشابهة قادرة على كشف عبارات التحرش والمواد المرتبطة بإساءة معاملة الأطفال كما انتهاك حقوق الطبع والنشر.

خلال الأشهر الستة التي تلت، حاول ماسك التملص من العرض، وتعارك مع مجلس إدارة تويتر في المحاكم والإعلام، مما أسفر عن انخفاض قيمة أسهم الشركة وتردي معنويات موظفيها.

في مايو (أيار)، رسم كورنيت رسماً كاريكاتورياً يظهر فيه ماسك وهو يستعد للصعود على متن مركب تويتر، فيما ينظر بارتباك إلى طاقم المركب الذي يستخدم الفؤوس من أجل تحطيم المركب. وفي رسم آخر يعود إلى مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول)، ظهر الطائر الأزرق، رمز تويتر، وهو يئن في ذهول بعد ركوبه أفعوانية ملتوية.

حين حسم ماسك الصفقة بعد طول انتظار ودخل إلى مقر تويتر في سان فرانسيسكو وهو يحمل مغسلة مطبخ حقيقية يوم 26 أكتوبر، توقع معظم الموظفين موجة تسريح جماعية - قد تطاول 75 في المئة من الموظفين، لكن سرعان ما أوضحت الإدارة الجديدة بأن قنوات التواصل [مع الموظفين] ليس أولوية بالنسبة إليها.

ويقول شيفات، الذي ترأس قسم المنتجات في منصة المطورين من الأطراف الثالثة بعد أن استحوذت الشركة على شركته الناشئة في عام 2021 "كان الوضع فوضوياً وغير مهني. لقد مررت بعدة عمليات استحواذ وعادة ما يحدث الكثير من التواصل - لأنه التصرف الصائب. يمر الناس بوضع يسود فيه الخوف وانعدام اليقين والشك لذلك يعطى الأولوية للتواصل".

لكن في المقابل. يقول شيفات إنه منع من جمع فريقه للإجابة عن أسئلتهم، وحتى قيل له إنه قد يطرد في حال فعل ذلك، "كانت العملية بأسرها غير إنسانية إلى حد بعيد".

في السابق، اشتهرت تويتر في وادي السيليكون بثقافتها المريحة واحترامها التوازن بين العمل والحياة الخاصة، لكن استحواذ ماسك على الشركة نزل عليها كالصاعقة، فارضاً تغييرات سريعة وتاركاً الموظفين في حال "من التعتيم المعلوماتي".

وبينما كان ماسك يقيل كبار المسؤولين التنفيذيين ويستبدل بهم أصدقاءه أصحاب رؤوس الأموال، لم يعد لدى فريق شيفات أدنى فكرة عما يجب أن يفعله، لأسباب أهمها أن مديريه أنفسهم كانوا يتعرضون للطرد الواحد تلو الآخر. مرت أيام عدة لم يحصل فيها أي تواصل على مستوى الشركة، سواء من ماسك أو مساعديه- فيما صدرت أوامر كثيرة ومتناقضة.

طلب من مهندسي البرمجة طبع 50 صفحة لآخر الرموز التي صمموها، ثم ألغي الطلب. بعدها بدأت جماعة الأنصار الأوفياء لماسك من شركاته الأخرى، مثل تيسلا وسبايس إكس باستجواب العاملين في تويتر لاكتشاف هوية أهم الموظفين فيها. أعلن عن انعقاد اجتماعات عامة شاملة ثم ألغيت بعدها. وحاولت الكوادر الإدارية الوسطى يائسة أن تفهم مدلول هذا الفراغ وأن تصدر تعليمات العمل.

كتب أحد الموظفين على خدمة المراسلة الداخلية في الشركة التي تشبه برنامج سلاك Slack "لو كنتم تشعرون بالإحباط والذهول حالياً، أريدكم أن تعلموا بأنكم لستم وحدكم، هذا الوضع مقرف". ويقول شيفات "طلب منا في أوقات عشوائية أن نقوم بأمور عشوائية بلا أي سبب أو سياق مفهوم".

في حين تركت بعض الفرق في حال من الانتظار والتعتيم، أعطيت أخرى مواعيد نهائية كابوسية لكي تنفذ قائمة طلبات ماسك وأمنياته الجديدة. وقال أحد الموظفين في رسالة داخلية يوم الأحد 30 أكتوبر "يتوقع منا أن نعمل على مدار الساعة والأيام، حرفياً، لكي ننفذ هذه الطلبات"، فيما قال آخر "من الضروري جداً أن ننهي هذا العمل خلال هذه المهلة الضيقة جداً". وطلب من موظفين آخرين العمل 12 ساعة يومياً، سبعة أيام في الأسبوع، فيما أوصى أحد المديرين بـ"العمل بطاقة مجنونة".

وصل الأمر حد التقاط صورة لمديرة قسم تطوير المنتجات إستر كروفورد وهي تغفو على أرض مكتبها في كيس نوم. أما "أيام الراحة" الشهرية التي كانت تطبق على مستوى تويتر كاملة بعد أن أدخلها إليها المؤسس الشريك جاك دورسي خلال الفترة الأولى من جائحة كوفيد، فقد اختفت من دوامات الموظفين بلا تبرير.

وكتب أحد موظفي تويتر على موقع التواصل الاجتماعي "بليند" Blind الذي يحافظ على سرية المستخدمين لكنه يتحقق من وضعهم الوظيفي من خلال عناوين بريدهم الإلكتروني في مؤسساتهم "حذرتنا الإدارة مرات عدة من الطرد في حال فشلنا في إنهاء المهام بالوقت المناسب ولو لأسباب خارجة عن سيطرتنا كلياً. إن لم نعمل خلال عطل نهاية الأسبوع، نفصل. لو أخذنا عطلة مدفوعة أو غير مدفوعة، نفصل. يعمل الموظفون بدوام غير معقول. أنا أعمل نحو 20 ساعة يومياً بأقصى ما لدي من طاقة".

وأضاف "أستيقظ في الليل كي أشارك في اجتماعات من بعد حول تطور العمل. حتى في الأوقات التي لا أعمل فيها، لا يسعني أن أتوقف عن القلق في شأن العمل. لا يمكنني التعامل مع هذا الوضع. أنا بحال مزرية. وصلت حد الانهيار، هذا وضعي بعد أيام من وصول إيلون فحسب".

قدوم الطوفان

أخيراً، بعد طول انتظار، يوم الخميس 3 نوفمبر، منع كل موظفي تويتر من دخول مكاتبهم في سان فرانسيسكو. ها هي موجة الطرد التي توقعوها منذ فترة طويلة قد وصلت.

جاء في رسالة إلكترونية صادرة عن كبار المديرين - مع أن أحداً منهم لم يتجرأ على توقيعها باسمه فعلياً "في محاولة لوضع تويتر على مسار الصحيح، سوف نختار الطريق الصعب الرامي إلى تقليص نسبة القوى العاملة لدينا حول العالم يوم الجمعة. وفي سبيل الحفاظ على سلامة كل موظف كما سلامة أنظمة تويتر وبيانات عملائها، سوف يغلق مكتبنا موقتاً ويعلق الدخول ببطاقة العمل".

تقول التقارير إن ماسك عزل نفسه وراء الكواليس في "غرفة حرب" مع أقرب مستشاريه - أو "بلطجيته" كما يسميهم كثير من موظفي تويتر - لتنظيم عمليات التسريح. وأفادت تقارير إنه فاتح كبار مسؤولي الشركة برغبته في تسريح الموظفين قبل أن يحصلوا على علاواتهم المعتادة يوم الأول من نوفمبر، لكنه تراجع بعد أن قالوا له إن هذه العلاوات ستكون أقل بملايين الدولارات من الرسوم القانونية والغرامات المتوقعة.

وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، جرى جزء من التخطيط لموجة الطرد على صفحة من برنامج المراسلة سلاك تركت مفتوحة عن غير قصد، فاكتشفها الموظفون يوم 2 نوفمبر. وحين تسلم أحد المديرين قائمة بأسماء مئات الموظفين الذين عليه أن يطردهم، تقيأ في سلة المهملات.

وقيل للموظفين إنهم سيعلمون، بحلول يوم الجمعة الساعة التاسعة صباحاً بتوقيت منطقة المحيط الهادئ إن كان لديهم مستقبل في الشركة أم لا.

لكن إنغل لم تتلق تحذيراً من هذا النوع. على رغم أهمية عملها - الذي حدد شكل استجابة تويتر للانتخابات في الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والبرازيل والهند ومناطق العالم أجمع - كانت متعاقدة مع الشركة فحسب [وليست موظفة دائمة]، وفيما كانت مندمجة جداً في ثقافة العمل مع فريقها، لم تتمتع بتأمين صحي أو مساهمات في صندوق التقاعد، بالتالي شاهدت عبر واتساب "الأمواج العاتية" وهي تسحق معظم الموظفين في قسمها، مديرها ضمناً. لم تعلم مديرة في فريق آخر بتسريح أحد موظفيها سوى عندما اختفى فجأة من اتصال عبر الفيديو.

وصفت هيلين-سايج لي، وهي من أعضاء فريق تويتر الذي كان يتحضر لانتخابات التجديد النصفي الأميركية المزمع عقدها بعد خمسة أيام، سلوك الشركة في التبليغات الرسمية بالفصل بـ"القاسي"، فقالت إنه تم التخلص من الموظفين وهم منكبون على عملهم، ومنعهم من لملمة أغراضهم الخاصة من المكتب. وأضافت أنهم "حرموا من الوداع الأخير، ومن الحرص على إمكانية التواصل مع غيرهم ممن طردوا ومن الوقت اللازم لكي يحفظوا وثائق العمل المهمة".

وفقاً لموقع بلاتفورمر Platformer البارز والمتخصص بأخبار الشركات التكنولوجية، نشر الموظفون الذين كانوا لا يزالون قادرين على دخول برنامج سلاك عبارات وداع للآخرين، وشاركوا رسمي إيموجي- قلباً أزرق وتحية عسكرية- سرعان ما تحولا إلى رمز للتضامن بين الموظفين الحاليين والسابقين في تويتر. ونشر آخرون صور ميمز طريفة فيها إشارات إلى أفلام الأبطال الخارقين، أفنجرز، من مارفل، حيث يقضي أحد الأشرار بحركة من يده على 50 في المئة من سكان الكون فوراً.

تقول ليزا بلوم، المحامية التي تتخذ من لوس أنجليس مقراً لها وتمثل شيفات ولي في خلافهما مع الشركة، والتي تكلمت مع "مئات" الموظفين السابقين في تويتر، إن ما مجموعه 3765 شخصاً قد فصلوا من وظائفهم في تلك الموجة الأولى - أي نحو نصف موظفي تويتر العاملين بدوام كامل والبالغ عددهم 7400 موظف. ويزعم أن من بين هؤلاء كل أعضاء المقر الرئيس الجديد لتويتر في أفريقيا، الذي افتتح في أكرا، غانا، قبل أيام من ذلك التاريخ فقط، وتحديداً يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر. وطالت عمليات التسريح في الأيام التي تلت، الموظفين في إسبانيا وإيرلندا، موقع مقر تويتر الرئيس في أوروبا.

لم يسلم أحد من الطرد، سواء الباحثين الذين يحللون التحيز السياسي لخوارزميات تويتر ووصولاً إلى "مهندسي موثوقية الموقع الإلكتروني" المخضرمين الذين يحافظون على سير الخدمات الإلكترونية الأهم مثل منصة تويتر نفسها. وتقول إنغل "لا يخضع الأمر إلى أي منطق محدد على ما يبدو. طرد أشخاص يظهر أنهم أدوا وظائف أساسية". وتضيف أن تسريح العمال كان ليحدث في أي حال على الأرجح، مشيرة إلى خطوات مشابهة حدثت في أمازون ومايكروسوفت وميتا، الشركة الأم لفيسبوك- لكنها تابعت بأن ماسك "اكتفى بسحب سيف الساموراي الصغير خاصته وقطع الشركة إلى النصف".

وقال أحد الموظفين السابقين لموقع بلاتفورمر "لن أنسى أبداً أنه لم يخاطب الموظفين مرة واحدة حتى قبل أن يطرد نصفنا. إن عدم تمكنه من توقيع اسمه على البريد الإلكتروني الذي حمل خبر الطرد تصرف جبان جداً".

"مرحباً، أما زلت أعمل هنا؟"

كما هو متوقع، عمت الفوضى بعد ذلك. اختفى قسم التواصل في تويتر كما الجزء الأكبر من قسم الموارد البشرية، ما عاد أحد يعلم على ما يبدو مكان أي أحد آخر، أو من المسؤول عن ماذا.

تقول بلوم إن أحد موكليها حاول أن يسأل الموارد البشرية عن وظيفته، لكنه تلقى رداً آلياً بوجود خطأ في الجهة المرسل إليها. وتضيف "لم يكن أي أحد موجوداً". وفقاً لموقع بيزنيس إنسايدر Business Insider، وصل عدد الناس الذين طردوا عن طريق الخطأ إلى درجة استدعت تحديث الأنظمة الداخلية كي يتمكن المسؤولون عن التعيينات من اختيار "الطرد العرضي" عندما يعيدون الموظفين إلى سجلات الشركة من جديد.

تبع ذلك تعذر استخدام أجزاء أساسية من البرامج، فيما انقضى أجل العقود المبرمة مع موردي البرمجيات من دون وجود أحد لإدارة الموضوع. وفقاً للتقارير، ارتفعت درجة الحرارة بشكل مفرط في غرفة خوادم في مكتب نيويورك، وقضت كلياً على شبكة الواي فاي فيما لم يتمكن ماسك نفسه من دخول حساب شركة تويتر الخاص على المنصة نظراً إلى أن كل المكلفين بإدارته قد صرفوا من الخدمة. وأشارت تقارير إلى تسريح كل أعضاء فريق العلاقات العامة الأميركي، الذي كان كثير من الصحافيين المتخصصين بشؤون التكنولوجيا يقدرونه كثيراً لكونه أكثر تجاوباً معهم وشفافية من باقي الفرق في وادي السيليكون.

أدركت زمرة المقربين من ماسك بسرعة بأن خطواتها كانت عشوائية ومبالغاً بها. طلب من المديرين ومسؤولي التعيينات أن يحاولوا إعادة تعيين بعض الموظفين المفصولين من العمل، لأنه في بعض الأحيان لم يبق في الشركة من يستطيع أن يشغل أجزاء مهمة من البرامج الداخلية.

فيما عمل المكلفون بإدارة مشاريع ماسك وفق ساعات دوام مجنونة، قبع آخرون من دون أي إرشاد أو توجيه. لم يكن ماسك قد شرح خطته أمام الشركة بعد، ولا أصدر بيانات رسمية، في الوقت الذي كان يقارع فيه منتقديه ويمازح المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين ينتمون إلى اليمين البديل على تويتر نفسه. وتتذكر إنغل تلك الفترة فتقول "كانت المعنويات منخفضة جداً. لا أحد لديه رغبة بالعمل، لكننا جميعاً نشعر بضغط هائل لكي نعمل. لم أعد أعلم إن كان عملي مهماً أساساً بالنسبة إلى تويتر. هل كنت أبذل كل ذلك المجهود من دون طائل؟ لأنني لم أكلف بشيء".

مثل متعاقدين كثيرين غيرها، كانت إنغل نفسها عالقة في وضع محير، وتمر بما تسميه "وظيفة شرودينغر" [عدم اليقين الوظيفي]. لو طردت من عملها، لن تحصل على تعويض مما يعني أنها سوف تكدح لكي تساعد في تأمين قوت طفليها، لكن تويتر لم يطردها ولا كلفها بمهام جديدة "في تلك المرحلة، كان مديري ومديره قد فصلا من العمل. أخذت أبعث رسائل إلكترونية إلى أشخاص، وأسألهم - أما زلت أعمل هنا؟ حرفياً، هل ما زلت أعمل هنا". حتى إن أحد الموظفين قدم بالنيابة عنها طلباً إلى فريق الدعم لكي يحل مشكلتها عبر جيرا Jira - برنامج رصد الأخطاء وإدارة المشاريع الذي يستخدم على نطاق واسع - وذكر اسم إيلون ماسك من ضمن الأشخاص في الطلب.

في نهاية المطاف، في تمام الساعة 11:39 ليلاً بتوقيت سان فرانسيسكو، يوم الأربعاء 9 نوفمبر، خاطب ماسك من تبقى من موظفيه. وكتب "أعتذر لأن هذه هي رسالتي الإلكترونية الأولى للشركة كلها، لكن ما من طريقة لتجميل الرسالة. بصراحة، إن الوضع الاقتصادي الذي نواجهه رديء… في غياب أي مردود كبير من الاشتراكات، هناك احتمال كبير بألا تنج تويتر من الركود الاقتصادي المقبل". لا تشغل بالك طبعاً بأن ماسك نفسه أثقل كاهل الشركة بديون تبلغ 13 مليار دولار لتمويل عملية شرائه، وضاعف دفعات الفوائد السنوية المترتبة عليها عشرين مرة.

ثم نزلت صاعقة أخرى: ألغيت سياسة تويتر القديمة العهد التي تقضي بـ"العمل من المنزل إلى الأبد"، واعتباراً من يوم الخميس، يفرض على الجميع أن يعملوا من المكتب 40 ساعة أسبوعياً ما لم يواجهوا ظروفاً استثنائية. سأل أحد الموظفين في رسالة على برنامج سلاك، نقلها بلاتفورمر "ما التوجيهات للموظفين الذين لديهم أطفال وأشخاص آخرين يعتمدون عليهم، والمضطرين إلى اتخاذ تدابير لرعاية الأطفال، إلخ؟ هذه ليست ترتيبات يمكن تغييرها واقعياً فوراً… يبدو أن هذه السياسة الجديدة مصممة لمعاقبة الوالدين والأوصياء على أفراد آخرين، وغيرهم من مقدمي الرعاية الذين ربما خططوا شكل حياتهم بأسرها حول العمل عن بعد، سواء بدوام كامل أو جزئي".

دافع ماسك بشراسة عن هذه السياسة خلال اجتماع عام عقد في اليوم التالي، قائلاً إن "الإفلاس ليس مستبعداً" ومضيفاً "إن كنتم قادرين جسدياً على بلوغ المكتب لكنكم لا تحضرون إليه، فاستقالتكم مقبولة". استقال عدة مسؤولين كبار يعملون في مجالات حساسة في الشركة في غضون ساعات قليلة.

"بشكل فاضح جداً"

يوم السبت 12 نوفمبر، كانت إنغل تتمشى في مركز تجاري في ضواحي سان فرانسيسكو، وتنجز بعضاً من مهام التبضع لعيد الميلاد باكراً برفقة ابنتها البالغة من العمر 11 سنة وصديقتها، عندما وصلتها رسالة غريبة على هاتفها. حاولت الدخول إلى تطبيق البريد الإلكتروني الخاص بتويتر، لكنها أخرجت منه، ثم حاولت الدخول إلى برنامج سلاك، وكانت النتيجة نفسها. من دون أي تحذير مسبق أو تواصل مباشر، وصل إليها الدور هي الأخرى.

وتقول وهي تستذكر الأحداث "شعرت بالصدمة. وحطمني الموضوع. سان فرانسيسكو من أغلى المناطق في العالم للسكن… يمكن أن تصبح الحياة هنا قاسية للغاية. وهمي الأول هو: كيف سأتمكن من تسديد الإيجار؟ كيف سيتسنى لي أن أجعل طفليَّ يقضيان عيد ميلاد لطيفاً؟".

لم ترغب بإفساد ليلة ابنتها، لذلك تظاهرت كما لو أن شيئاً لم يكن واصطحبت الفتاتين إلى مطعم. وتقول "كنت أحاول جهدي لكي أتماسك ولا أنهار أمامهما (ولداي) يبلغان من العمر 11 و14 سنة، وقد أصبحا بعمر يسمح لهما أن يفهما بعض أحوال الحياة الواقعية، لكن المرء لا يرغب بتكبيدهما هماً لا داعي له".

في وقت لاحق، تلقت إنغل رسالة إلكترونية من موظفها المباشر، وهو شركة تعاقد، يؤكد لها الخبر. لم يتلق المديرون المسؤولون عن هؤلاء الموظفين المتعاقدين في تويتر هم الآخرين أي إخطار بتسريحهم الوشيك، ويزعم بأن أحدهم فصل من عمله فيما كان يجري "تغيرات حيوية" للأنظمة المصممة لمكافحة الإساءة إلى الأطفال.

يقدر العدد الإجمالي للمتعاقدين الذين طردوا من وظائفهم بـ4400 شخص من أصل 5500- واضطلع عدد كبير من بين هؤلاء بمهام إدارة المحتوى مباشرة، وأنيطت بهم مسؤولية تنظيف أسوأ ما ينتجه مستخدمو شبكة التواصل الاجتماعي (وهي وظيفة بالغة الأهمية وحساسة وغالباً ما تكون متدنية الأجر ومؤلمة نفسياً).

وفيما تواصل نزيف الأدمغة والمهارات في تويتر - بما في ذلك كبير مسؤولي سياسة الخصوصية، وكبير مسؤولي الأمن، وكبير مسؤولي الامتثال، وكبير مسؤولي التسويق وأحد نواب رئيس قسم الدعاية والإعلان، ورئيس قسم الثقة والسلامة - وجه ماسك انتقادات علنية لعمل موظفيه على شبكة التواصل الاجتماعي. وكان الطرد السريع مصير الموظفين الذين دافعوا عن أنفسهم، سواء في العلن أو وراء الكواليس. اختلف الموضوع كثيراً عن شعار تويتر السابق "التواصل بلا كلل ولا هوادة لبناء الثقة"، الذي شجع قبل ذلك عملية توجيه الانتقادات الصريحة والعلنية. ومن الأمور غير المألوفة كذلك أن ماسك سخر من بعض الموظفين الذين طردهم، ودعاهم "نوابغ" بتهكم.

يوم 16 نوفمبر، وصلت رسائل التسريح من العمل إلى الموظفين في إيرلندا وألمانيا، الدولتين العضوتين في الاتحاد الأوروبي، لكن ظهر بأن مسؤولي تويتر في الولايات المتحدة إما لم يفهموا أو لم يكترثوا لقوانين الاتحاد الأوروبي الصارمة في شأن تنظيم العمل، وحاجج المحامون والاتحادات العمالية التي تمثل هؤلاء الموظفين بأن صرفهم من العمل غير محق.

فيما تتواصل هذه المعارك، تلقت شركة تويتر أمراً بإعادة إيرلندية من كبار المديرين التنفيذيين إلى منصبها- وهي سينايد ماك سويني، المحامية المخضرمة التي تترأس قسم السياسة العامة العالمي في الشركة. ومع أن الشركات في إيرلندا ملزمة بإخطار الحكومة قانونياً بأي عملية تسريح جماعي للموظفين قبل 30 يوماً من اتخاذها هذه الخطوة، قال وزير الأعمال الإيرلندي ليو فارادكار إن تويتر لم تفعل ذلك.

بعد ذلك، في محاولة لاستعادة السيطرة على زمام الأمور كما يبدو، صعد ماسك الوضع. في منتصف ليل الأربعاء 16 والخميس 17 نوفمبر، أرسل بريداً إلكترونياً إلى كل الموظفين المتبقين في تويتر، طالباً منهم إما الضغط على زر الموافقة على التغييرات الجذرية في ظروف العمل، أو تسلم راتب ثلاثة أشهر والاستقالة. وكتب في الرسالة "في الفترة المقبلة، ولكي نتمكن من الخروج بشكل جديد وثوري لتويتر والنجاح في عالم يزداد تنافسية، علينا العمل بصلابة وشدة. وهذا يعني العمل ساعات طويلة ومكثفة جداً. لا يقبل سوى بالأداء الاستثنائي".

"أكثر بيئة عمل سامة في مجال التكنولوجيا في عام 2022"

وجد بعض الموظفين في هذا الخيار الفرصة التي كانوا ينشدونها. وقالت هيلين-سايج لي في 2 ديسمبر (كانون الأول) "كان السؤال الذي ظللت أطرحه على نفسي مراراً وتكراراً خلال الأشهر الستة الماضية "ما الذي يبقيني هنا؟"". والآن، أصبح الجواب على هذا السؤال بالنسبة إلى كثيرين "لا شيء".

لاحقاً، شرح موظفون كثر اختاروا مغادرة الشركة على تويتر بأنهم لم يجدوا أي معنى في البقاء والعمل ساعات أطول في ظل ظروف عمل أقسى ومن دون أي زيادة على أجورهم، من أجل تحقيق رؤية غير واضحة لرجل أرغم زملاءهم على العمل لفترات مكثفة وطويلة قبل أن يطردهم من وظائفهم بكل قسوة بين ليلة وضحاها.

وقالت ترايسي هوكينز التي استقالت في وقت سابق من نوفمبر لأنها لم ترد العمل لصالح ماسك "يا موظفي تويتر، لا يمكنكم أن تثقوا بهذا الرجل، ومع ذلك فأقل ما يتوقعه منكم هو الولاء المطلق. ربما تخيفكم مغادرة العمل وربما أنتم مضطرون إلى البقاء الآن لأسباب شخصية، لكن أرجوكم، انشروا سيرتكم الذاتية واعثروا على شركة تتعامل معكم باحترام".

في رسم الكاريكاتور الذي نشره يوم 17 نوفمبر، صور مانو كورنيت خياراً بين حبتي دواء: حبة حمراء كتب عليها "أنهكوا أنفسكم في العمل الشاق لصالح مهرج معتل اجتماعياً" وحبة زرقاء كتب عليها "حلقوا بعيداً".

لكن البعض لم يتمكنوا ببساطة من تحمل كلفة الضغط على زر الموافقة. وتقول بلوم "وصلنا خبر من عدد من الأشخاص الذين لديهم أطفال أو إعاقات وليسوا قادرين بكل بساطة أن يوافقوا على العمل ساعات طويلة لا تنتهي، ونحن الآن نمثلهم. لسنا في مشغل من القرن التاسع عشر، يعمل فيه الناس بالسخرة. نحن في القرن الحادي والعشرين. يجب أن يذهب الناس إلى عملهم، ويعملوا بجد، ثم يعودوا إلى منازلهم ويتمتعوا بالحق في أن يكون لديهم عائلات واهتمامات أخرى".

لكن الحسابات اختلفت بالنسبة إلى الموظفين الأجانب الذين يعيشون في الولايات المتحدة بفضل حصولهم على تأشيرة عمل - وهو وضع سائد في وادي السيليكون الذي يستقطب أهم مصممي الشيفرة الحاسوبية في العالم قاطبة. تكفل هؤلاء الأشخاص شركة واحدة ولا يحق لعديد من بينهم أن يسعوا إلى العمل في مكان آخر وفقاً لشروط تلك التأشيرة. ويقول شيفات "قدمت إلى هذا البلد منذ ثماني سنوات بواسطة تأشيرة [عمل]. أعرف هذا الشعور. أكثر ما سبب لي الأرق هو أمثال هؤلاء، هناك أشخاص سينتزعون من كنف عائلاتهم من دون أن يقدروا على تغيير الجهة التي وظفتهم".

تسمح بعض أنواع تأشيرات العمل لأصحابها بالبحث عن مستخدم جديد، لكنها تفرض عليهم موعداً نهائياً قاسياً لا يتخطى 60 يوماً. ويقول شيفات "تمارس عليكم ضغوط لكي تجدوا وظيفة لا تناسبكم. عندما كنت في هذا الموقع، شعرت بأنني عبد للتأشيرة. من الخطأ استغلال هذا الوضع".

ورداً على سؤاله إن كان يعتقد أن ماسك وتويتر استغلا هذه السلطة، يجيب شيفات بنعم "إن تلقيت رسالة إلكترونية جاء فيها "عليك الآن أن تعمل بلا هوادة لقاء الأجر نفسه، وإن لم تنقر على هذا الرابط، فسوف نلقي بك خارجاً"- لو كنت تملك تأشيرة عمل، سوف تنقر على الرابط. ليس لديك أي خيار آخر. تعود إلى منزلك، وتنظر إلى أطفالك، ثم تنظر إلى زوجتك وتقول، "سوف أقوم بكل ما في وسعي لأنني لا أملك أي خيار آخر". عدم إعطاء الأشخاص خيارات وحرية هو استغلال برأيي".

مع اقتراب الموعد النهائي لاتخاذ القرار، امتلأت صفحات برنامج سلاك في تويتر بالرسائل الوداعية المشحونة بالعواطف، وبإيموجي يلقي التحية. يقدر عدد الأشخاص الذين استقالوا في ذلك اليوم بنحو ألف شخص - وهو عدد أكبر بكثير مما توقعه ماسك و"زمرته"، كما يقال.

ومع ذلك، استمرت عملية التسريح. أرسى ماسك عمليات مراجعة دورية لأنظمة الشيفرة الحاسوبية، وشك بعض الموظفين بأنها عذر لطرد مزيد من الناس. قبل عيد الشكر بقليل، أشارت التقارير إلى تسريح نحو 50 موظفاً إضافياً، فيما قيل لبعض المهندسين إن الشيفرة التي يكتبونها "غير مرضية" لكنهم لم يحصلوا على أي تفاصيل إضافية عن معنى هذا التعليق. كل الذين طردوا كانوا قد وافقوا على موضوع "النسخة الجديدة من تويتر" لكنهم حصلوا على تعويض أقل مما كانوا ليتلقوه لو لم يوافقوا عليها.

وسألت الدورية الإخبارية براغماتيك إنجنير Pragmatic Engineer التي قدرت عدد الموظفين المتبقين في الشركة بحلول 24 نوفمبر بـ2675 شخصاً فقط "علينا أن نطرح السؤال التالي: لماذا يهيئ إيلون ماسك بيئة عمل تبدو كأنها الأكثر سماً بين أكبر شركات التكنولوجيا في عام 2022؟".

الأسبوع الماضي، يزعم بأن مجموعة من البوابين في تويتر أضربت عن العمل بسبب الإشاعات المنتشرة حول إنهاء عقودها. ويتهم قادة الاتحادات العمالية ماسك بوقف العمل بذلك العقد باكراً كخطوة "انتقامية".

وتقول رئيسة الاتحاد العمالي في كاليفورنيا، لورينا غونزاليس فليتشر لـ"اندبندنت"، "هذا الأمر ليس بجديد علينا"، واصفة "نمطاً من السلوك" في تيسلا حيث يعتقد ماسك "بأنه قادر على العمل في كاليفورنيا فيما يرفض الامتثال للقانون". يزعم بأن ماسك أحضر إلى الشركة اثنين من أبناء عمومته، ونحو 150 شخصاً من شركاته الأخرى، ورجل خدع الصحافيين بتظاهره بأنه موظف من تويتر يغادر المبنى بعد طرده من العمل.

في هذه الأثناء، أشارت تقارير إلى أن الموظفين العائدين إلى العمل يوم الإثنين 5 ديسمبر اكتشفوا بأن بعض غرف الاجتماعات تحولت إلى غرف نوم أشبه بالغرف الفندقية لكي يستخدموها للنوم في المكتب- وهو أمر لم يطلبوه ولا تناقشوا فيه. يبدو أن بعض الموظفين يستخدمون هذه الغرف.

أظهرت الصور الفوتوغرافية التي أرسلت إلى قناة بي بي سي الإخبارية أرائك تحولت إلى أسرة بسيطة، وغرفاً فيها نعال خفيفة وخزائن وغسالة ركبت حديثاً. يقوم مفتشو المباني في سان فرانسيسكو حالياً بالتحقيق في الموضوع.

مزاعم حالات تمييز

رفض عديد من الموظفين السابقين في تويتر التعليق على هذا الخبر إما لأنهم وقعوا اتفاقية عدم إفصاح، أو لأنهم يخشون من العقاب أو لأنهم منهكون عاطفياً إلى درجة كبيرة بسبب الوضع ولا يمكنهم الخوض فيه أكثر بعد. يزعم بأن ماسك أرسل الأسبوع الماضي رسالة إلكترونية إلى كل الموظفين يذكرهم فيها باتفاقات عدم الإفصاح التي وقعوها، ويعطيهم مهلة حتى الساعة الخامسة من بعد الظهر لتوقيع تعهد بعدم تسريب أي معلومات سرية إلى الصحافة، ويهددهم بمقاضاتهم والمطالبة بتعويض من أي شخص يعصي هذه الأوامر.

يشعر الموظفون الذين بقوا في الشركة "بالاستياء العارم" و"معنوياتهم متدنية للغاية" كما تقول إنغل التي ما زالت على اتصال ببعض زملائها. وتشرح بأنهم "يشعرون بأنهم يغرقون في العمل ويتخبطون بسبب تعليمات شخص واحد. كانت تويتر منظمة تقوم على كثير من التعاون والمداولات، هل تفهمونني؟ كنا نفكر بحذر شديد في ما سنفعله وكان عملنا يقوم على البيانات بشكل كبير. والآن… الجميع متوتر ويتساءل ما ستحمله الرسالة المقبلة وكيف ستؤثر في حياته وفي معيشته. سبب بقائهم في الشركة هو إيمانهم بمهمة تويتر- أكثر من إيمانهم في السيد ماسك. من الصعب جداً بكل بساطة أن تعمل في ظل هذا النوع من البيئة الفوضوية".

بحسب التقديرات التي أصدرتها شركة تحليل السوق إنسايدر إنتليجانس Insider Intelligence يوم الثلاثاء، سوف تعاني تويتر "هجرة" أكثر من 32 مليون مستخدم شهري نشط خلال السنتين المقبلتين - أي نحو تسعة في المئة من العدد الإجمالي لمستخدميها - فيما يعجز "طاقم موظفيها الأساسيين" المكتئبين من معالجة المشكلات التقنية والمحتوى المهين. طبعاً، وبما أن تويتر لم تعد شركة عامة، فهي لم تعد ملزمة بكشف أعداد مستخدميها.

إضافة إلى تفتيش المبنى، أسفر أول شهر لماسك في تويتر بالفعل عن رفع عدة دعاوى قضائية ومطالبات بالتحكيم. يتهم كل من أكيفا كوهين وليزا بلوم الشركة بالاحتيال على موكليهما في موضوع حزمات التعويض التي وعدت بتقديمها قبل عملية الاستحواذ. تقول بلوم كذلك إن عمليات التسريح خالفت قانون كاليفورنيا القاضي بإخطار الموظفين بالتعديلات وإعادة التدريب، وهو يفرض على أصحاب العمل في الولاية أن يعطوا إنذاراً قبل 60 يوماً من أي عمليات تسريح جماعية. عملياً، لا يزال موظفو تويتر ينتسبون إلى الشركة حتى يناير (كانون الثاني) في الأقل، لكن فرضت عليهم إجازة مدفوعة إلزامية حتى تاريخ مغادرتهم الشركة نهائياً.

يزعم كوهين بأن ماسك يحاول الضغط على الموظفين لكي يقبلوا بمبلغ أقل من الذي وعدوا به، ويأمل بأن عدداً كافياً منهم سيختار ذلك فيكون الأمر أقل كلفة على الشركة إجمالاً. ويقول "إن كان ماسك مضطراً إلى دفع تعويضات نهاية الخدمة كاملة لأكثر من ثلاثة آلاف موظف طرده، قد يكبد ذلك تويتر مئات الملايين من الدولارات، لذلك يعملون بجهد على إيجاد سبيل للالتفاف على موضوع تسديد المبالغ التي يدينون بها".

لكنه يضيف بأن مستحقات عملائه مجتمعين تصل إلى ملايين الدولارات، إن لم نحسب أي تعويضات خاصة قد تحسب لهم بموجب قانون الولاية: "إن المبلغ النهائي لجميع التعويضات، ولا سيما إن حسبنا كل الموكلين (التابعين لجميع مكاتب المحاماة)، سوف يكون مرتفعاً جداً".

ورفعت ضد تويتر دعوى قضائية متعلقة بالتمييز، تتهم الشركة باستهداف النساء بشكل غير قانوني في عمليات التسريح التي طالت 57 في المئة من الموظفات في الولايات المتحدة مقابل 47 في المئة من الموظفين. وتزعم الدعوى بأن النساء تضررن أكثر من مطالب ماسك "غير المنطقية" في العمل وانتهاء العمل من المنزل فجأة.

ويقول كوهين إن بعض موكليه قدموا له أسباباً تدعوه إلى الاعتقاد أن عمليات التسريح انتهكت قوانين مكافحة التمييز في بعض الولايات الأميركية. وفقاً لموقع وايرد Wired، طرد بعض الموظفين فيما كانوا يخضعون لإجراءات التلقيح الصناعي التي تمولها الشركة وكانوا يعتمدون عليها من أجل الحمل والإنجاب، كما وجد شيفات من جانبه بعد ذلك، عندما وضع لائحة بأسماء الشركات التي لديها فرص للعمل لكي يساعد الناس على إيجاد عمل، أن نحو "80 في المئة" ممن بعثوا له برسائل مرشحين "متنوعين" من بينهم نساء وأشخاص ذوو بشرة ملونة وأفراد من مجتمع الميم.

تقول إنغل إن إحدى زميلاتها طردت من العمل بعد تقديمها طلباً بأخذ إجازة أمومة لكن أعيد توظيفها وتقديم اعتذار لها بعد ممارسة ضغوط على الشركة.

بدأ بعض القادة في وادي السيليكون بالفعل بالثناء على أسلوب عمل ماسك، ووصفوه بأنه خطوة تصحيحية مرحب بها بعد سنوات من تنامي نفوذ القوى العاملة. حين كان الاقتصاد أكثر ازدهاراً وتدافعت الشركات التكنولوجية العملاقة من أجل توظيف أمهر الأشخاص، سخر الموظفون في تويتر وغوغل ومايكروسوفت وميتا وغيرها نفوذهم كرأس مال بشري لمقاومة مديريهم والضغط عليهم في مواضيع منها القضايا السياسية مثل حظر دونالد ترمب، والتعاون مع الجيش الأميركي أو الحكومة الصينية. قد يكون ماسك الأول بين بارونات تكنولوجيا متعددين في تسديد ضربة مضادة باستمتاع.

والأهم هو أن الموظفين السابقين والمحامين الذين يمثلونهم يصفون سلوك ماسك بالقاسي وغير المبرر. يعبر كثيرون عن تفهمهم لاحتمال اضطرار ماسك إلى القيام بعمليات تسريح إن أعتقد أن للشركة مصلحة في ذلك، لكنه بذل جهداً خاصاً على ما يبدو لكي يقوم بهذه الخطوة من دون رحمة ولا احترام.

في أواخر شهر نوفمبر، كتب مانو كورنيت على مدونته منشوراً بعنوان "أنظمة مريضة: كيف تبقي أحدهم بجانبك إلى الأبد"، يفصل أساليب العمل التي يطبقها المديرون المضطهدون مثل "دعهم ينهمكون إلى درجة لا تسمح لهم بالتفكير" و"حافظ على سيل مستمر من الأزمات". وكتب كورنيت "هذه هي تجربتي بالتحديد في العمل مع تويتر خلال الأيام الأولى من تسلم ماسك زمام الأمور".

فيما كان ماسك يشوه سمعة العاملين في تويتر على المنصة نفسها، عانى موظفون سابقون كثيرون من مضايقات وإساءات من أشخاص يدعون بأنهم من معجبيه. في طلبه بالتحكيم [بينه وبين الشركة] يقول شيفات إنّه تلقى إهانات معادية للسامية فيما واجهت إنغل، وهي متحولة جنسياً، "كماً غير معقول من الكراهية " التي استهدفتها بسبب هويتها ومنها تهديدان بالقتل.

منذ ذلك الوقت، يبدو أن ماسك تبنى سياسة الأرض المحروقة. لقد سمح لعدد مختار من الصحافيين بالاطلاع على سجلات الدردشة الداخلية السابقة في تويتر (المسماة "ملفات تويتر")، وهو أمر غير مسبوق واتهم سلفه بممارسة الرقابة لأسباب سياسية و"التدخل في الانتخابات". وبعد أن وجه له رئيس قسم الثقة والسلامة في تويتر سابقاً يوئيل روث بعض الانتقادات المتزنة، لمح ماسك من غير دليل - وبكل وقاحة- بأن روث ساعد في استغلال الأطفال.

كررت تغريدات ماسك وضخمت نظريات مؤامرة سابقة كانت تكتسب زخماً طيلة الأيام التي سبقتها، فأججت سيلاً جديداً من التهديدات والمضايقات التي يزعم بأنها دفعت روث إلى مغادرة منزله. ومن غير المرجح ألا ينتبه الموظفون السابقون في تويتر إلى هذا الاستعراض العملي لاستعداد ماسك إلى التهجم بعنف على منتقديه.

في وصفه سلوك ماسك. يقول شيفات "هذا تنمر، هذا استغلال للنفوذ بغرض إساءة معاملة الأشخاص الذين يعملون تحت إمرتك، واستغلال بكل مرح. أعتقد بأنه تصرف مشين".

يتوقف لبرهة قبل أن يضيف "أنا أستخدم كلمات ملطفة لأنني كنت أسكن في وادي السيليكون، لكن في تكساس، يستخدمون كلمات أخرى".

لم يستجب تويتر وإيلون ماسك لطلب التعليق على هذا التقرير.

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات