Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إعادة النظر بهيئة الخدمات الصحية البريطانية في ضوء إضراب الممرضين

أية دعوة إلى تغيير أكبر لا تلقى على الأرجح آذاناً صاغية

فكرة أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية هي أفضل نظام صحي في أي مكان وزمان يجب أن تُعتبر خرافة كما هي في الواقع (غيتي)

 

يمكن أن تدعموا ممرضي هيئة الخدمات الصحية الوطنية المضربين في مطلبهم للحصول على أجور وظروف عمل أفضل، أو يمكن أن تنددوا بهم لخيانتهم واجبهم، كما يمكن أيضاً أن ينتابكم الشعوران معاً.

أما رأيي الخاص فتخطه فكرة أن هذا الإضراب الأكبر على الإطلاق الذي ينفذه أعضاء في الكلية الملكية للتمريض سيجعل عمتيّ الراحلتين الرائعتين الممرضتين التقليديتين جداً، تتقلبان في قبريهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن في مقدور الممرضين الذين لا يزالون يتمتعون بمستويات شبه فريدة من تعاطف الرأي العام أن يتلقوا في نهاية المطاف عرضاً محسناً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سائقي سيارات الإسعاف والمسعفين وربما الأطباء المبتدئين في المستشفيات أنفسهم إذا حذوا حذو الممرضين، لكن عند تلك المرحلة يتعين على الحكومة، أية حكومة، أن توقف ما يجري.

لا يمكن للرسالة المستخلصة من هذا السخط كله، يجب القول إنه سخط يشترك فيه المرضى في شكل متزايد، أن تكون حين يدعمها التزايد المستمر للأجور وأعداد الموظفين، إلا إعادة تفكير شاملة في كيفية عمل نظام الرعاية الصحية في هذه البلاد.

خلافاً للاعتقاد الذي يحمله بوضوح كثير من موظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية ومرضاها، ليست الهيئة في وضع سيئ على صعيد مخصصاتها من وزارة المالية، فهي تبتلع كميات كبيرة من أموال دافعي الضرائب وتضم ممرضين وأطباء مأجورين أكثر من أي وقت مضى.

نعم هذا صحيح وفق أرقام هيئة الخدمات الصحية الوطنية، فهناك 9300 ممرض إضافي وحوالى 4 آلاف طبيب إضافي يعملون في الهيئة مقارنة بسبتمبر (أيلول) 2021، و44820 ممرضاً إضافياً، و34170 طبيباً مقارنة بعام 2010، أما المفارقة فتتمثل في أنها تعالج عدداً أقل من المرضى.

لهذا السبب تسجل قوائم الانتظار، لا سيما لطالبي الاستشفاء، مستويات قياسية، ولا يعود السبب فقط للتراكم الناجم عن كورونا، وهذا يعكس قيام الأطباء والممرضين بعمل أقل (أقله إذا احتسب العمل بوسائل تقليدية).

وهكذا تطالب الهيئة بمزيد من الموظفين، وتفيد الهيئة بأن لديها معدل شغور في مجال التمريض يساوي 10 في المئة، وبأن هناك 38972 وظيفة يجب ملؤها، ولذلك تلجأ إلى التنسيب العالي الكلفة من خارج البلاد وإلى عاملين في وكالات يكونون أعلى كلفة.

وربما يسهم في النقص القرار المتخذ عام 2009 بقصر مهنة التمريض على خريجي هذا الاختصاص، وهذا يتطلب الآن رسوم تعليم يجب توفيرها، ومن شأن وقف العمل بهذه السياسة أو توفير منح بدلاً من القروض إلى الراغبين في امتهان التمريض، أن يشكل جزءاً من الحل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إلزام الأطباء بالعمل لفترة معينة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، ذلك أن كلفة تدريبهم أكبر بكثير من رسوم التعليم، لكن أياً من هذه الإجراءات لن يكفي.

غير أن أية دعوة إلى تغيير أكثر عمقاً لا تزال لا تلقى على الأرجح آذاناً صاغية، ومع بدء الأثر الإيجابي لإصلاحات [الاقتصادي البريطاني ويليام] بيفيريدج [المقترحة خلال الحرب العالمية الثانية] والفخر بامتلاك دولة الرفاه الأولى في العالم بالتلاشي، تميل البلاد إلى تعزية نفسها بالتفوق العالمي لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، ويستند ذلك في جزء كبير منه إلى الموقع الأول الذي تحتله المملكة المتحدة منذ زمن بعيد في استطلاع صندوق الكومنولث للأنظمة الصحية الوطنية، لكن هذا العام تراجعت البلاد إلى الموقع الرابع، ويمكن لنظرة عن كثب إلى الأعوام السابقة أن تبين ذلك، ذلك أن الهيئة إذ حققت أداء جيداً على صعيد المساواة في الوصول إلى خدماتها وكلفها حلت باستمرار إلى جانب الأنظمة الأدنى أداء على صعيد "النتائج الصحية"، وهنا لا بد للمرء أن يتساءل عن طبيعة "النتائج" الأخرى التي يجب تقييم نظام صحي وفقها حقاً، أضف إلى ذلك استنتاجات لجنة جودة الرعاية حول أن اثنتين من كل خمس إدارات للرعاية الاستشفائية للأمومة توفران رعاية دون المستوى، وأن هيئة الخدمات الصحية الوطنية متأخرة عن معظم أوروبا في معدلات الحياة بعد الشفاء من السرطان (على رغم أن الفجوة تضيق ببطء)، وأن توفر أجهزة التشخيص ذات التكنولوجيا الفائقة مثل أجهزة المسح مؤسف، مقارنة ببلدان أخرى أفقر في الأغلب، وأن المقارنة ليست جيدة.

إذا لم يكن هذا دليلاً كافياً على أن الهيئة تحتاج إلى إصلاح فدعوني أذكر ملاحظاتي الخاصة حول النظافة المشكوك فيها والمعدلات العالية باستمرار للعدوى داخل المستشفيات، بما في ذلك ما حصل خلال جائحة كورونا، والفاتورة الضخمة الأعلى، إذا احتُسبت كحصة للفرد مقارنة حتى بالولايات المتحدة التي تدفعها الهيئة كتعويضات عن الأخطاء الطبية.

لكن لا تزال ثمة حجة جاهزة، فبالنسبة إلى أي شخص يشكك في الجودة المقدسة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، تقول الحجة الفاصلة حسناً، هي ليست مثالية، لكن بعد الأقوال والأفعال كلها فهي مجانية عند استخدامها، وبعبارة أخرى نحن لسنا مثل الولايات المتحدة، إذ تسبب الفواتير الطبية أكثر من 60 في المئة من الإفلاسات كلها، لكن السبب الوحيد الذي يجعل هذه الحجة فاصلة هو أن مقارنة أكثر صحة ومنطقية بكثير قلما تذكر، فعلى رغم كثرة الناس الذين يمتدحون هدوء العلاج الذي يتلقونه في غرف الطوارئ بأوروبا، تقتصر المقارنة الأكثر شيوعاً في الدوائر الأكاديمية والسياسية على الولايات المتحدة.

إن السبب وراء ذلك هو مسألة أخرى تماماً، لكن منذ الجائحة يبدو أن الاهتمام الأكبر إلى حد ما تركّز على كيفية تنظيم جيراننا الأوروبيين أنظمتهم الصحية التي تستند إجمالاً، كأنظمة المزايا لديهم، إلى نظام للتأمين يتطلب إسهامات.

ولطالما برزت مخاوف من أن يكون بعض العلاج على الأقل، خلافاً للحال في المملكة المتحدة، غير "مجاني عند استخدامه"، مما قد يشكل تمييزاً في حق من لا يملكون المال، وتناولت المخاوف أيضاً أن يعني نظام تأمين مزيداً من التفاوت.

في الواقع تكون أجور الاستشارات الطبية عموماً مجانية أو قليلة أو قابلة للاسترداد من التأمين، ويكون التفاوت في الرعاية الصحية أقل بكثير منه في المملكة المتحدة، وتملك البلدان الأوروبية كلها تقريباً نظام تأمين ترتبط إسهاماته بالدخل، وتكون البوالص مجانية لمن لا يكسبون أي مال أو تكون مداخيلهم قليلة.

وثمة فارق كبير يسم أنظمة التأمين وفق الأسلوب الأوروبي، وهو أن القطاع الخاص متكامل في نظام التأمين العام. وفي المملكة المتحدة تعد الرعاية الصحية في القطاع الخاص منفصلة تماماً، ويلجأ المرء إلى الرعاية الصحية في القطاع الخاص، إما لأن وظيفته تتضمن تأميناً أو لأنه يختار أن يدفع كلف دورة علاجية لمرة واحدة، لكن أياً من النهجين لا يعكس مدفوعاتكم الإلزامية إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية والتفاوت ضخم، ويمكن القول إن التكامل أكثر كفاءة.

ولن يقتصر الأمر على عدم وجود نظامين متنافسين (واستشاريين يعملون في النظامين)، بل سيشمل أيضاً تدفقاً لمزيد من المال إلى الخدمة ككل، فأصحاب المداخيل الأعلى سيدفعون إسهامات أكبر، ويستطيع الآخرون دفع "مبلغ إضافي" في مقابل خدمات فردية، وقبل فترة غير طويلة حاولت أن أحتسب ما إذا كان المقيم في المملكة المتحدة سيدفع مبلغاً أكبر أو أقل وفق نظام تأمين بالأسلوب الأوروبي، مقارنة بما يدفعه حالياً من خلال الضرائب والتأمين الوطني إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية.

ما هو الاستنتاج؟ لن يدفع أصحاب المداخيل القليلة أو الذين لا مداخيل لهم شيئاً، وسيدفع معظم الناس المبالغ نفسها تقريباً، ويمكن لأصحاب المداخيل التي تقترب من العتبة الضريبية الأعلى أو تتجاوزها أن يدفعوا مبالغ أكبر، لكن ليس أكبر بكثير، وسيكون ذلك في مقابل خدمة أكبر عموماً تتعلق بأوقات الانتظار والوصول إلى الاختصاصيين ومستوى الإقامة في المستشفى، ويملك نظام يستند إلى التأمين أيضاً منافع غير مباشرة على صعيد الصحة العامة، فشركات التأمين أو الدولة بوصفها الملاذ الأخير للتأمين تملك حافزاً للإسهام في الإجراءات التي من شأنها أن تحسن الصحة العامة.

وفي شكل حاسم، خلافاً للنظام الأميركي، تكفل الدولة وليس صاحب العمل الضمان الصحي وفق الأسلوب الأوروبي، لذلك لا يؤثر فيه التنقل بين الوظائف أو فقدانها، وما من نظام أوروبي مثالي، لكن الأنظمة الأوروبية على ما يبدو عموماً لا تكلف لا الدولة ولا الفرد مزيداً من المال، وتعرض خدمات ملائمة أكثر وتنتج نتائج أفضل في مجموعات اجتماعية أوسع من السكان مقارنة بهيئة الخدمات الصحية الوطنية. لماذا إذاً لا توجد حركة تدعو إلى إصلاح الرعاية الصحية في المملكة المتحدة؟

يعود السبب أساساً إلى أن الفكرة الجامعة العظيمة حول أن هيئة الخدمات الصحية الوطنية هي أفضل نظام صحي في أي مكان وزمان يجب أن تعتبر خرافة، كما هي في الواقع من أجل أن تنال أية حركة من هذا النوع دعماً، لكن ربما اجتمعت تجربة جائحة "كوفيد" والفضائح الأخيرة في قطاع رعاية الأمومة والإضراب الأول للممرضين في مختلف أرجاء المملكة المتحدة باستثناء اسكتلندا لتوفير الحافز من أجل تغيير شامل.

يجب ألا يقتصر الأمر على تعديل هنا أو هناك أو زيادة استرضائية للأجور تعيد الممرضين وغيرهم للعمل، بل يجب أن يشمل إرادة حقيقية لتغيير الخدمات الصحية في المملكة المتحدة، إرادة تنجم عن الاعتراف بأن هيئة الخدمات الصحية الوطنية لم تعد محط حسد العالم، هذا إذا كانت كذلك يوماً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء