Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

احتجاجات الأردن تطرح سؤال العلاقة بين العشائر والدولة

مدينة معان اعتبرت حجر أساس في تأسيس المملكة لكنها اليوم تشكل صداعاً دائماً وبؤرة للتمرد

الملك عبد الله الثاني بن الحسين يلتقي وجهاء من العشائر الأردنية (الديوان الملكي)

طرحت الأحداث الدامية الأخيرة في الأردن سؤالاً عن  العلاقة بين العشائر والدولة وتحولاتها بين عهدين ملكيين من التحالف إلى التنافر.

برز دور العشيرة وتأثيرها في الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها مناطق متفرقة بالمملكة على نحو يعقد مهمة الحكومة ويجعلها أكثر حذراً في التعاطي مع تداعيات الأزمة المشتعلة منذ أسبوعين.

فمعظم المناطق التي شهدت احتجاجات على رفع أسعار المحروقات عشائرية بامتياز كمدن معان والكرك والطفيلة وجرش وحتى تلك التي تضم مكونات أردنية من أصول عدة كان للعشيرة الدور الأبرز وربما الأوحد في النزول إلى الشارع والتحرك كمدن الزرقاء وإربد والعاصمة عمان.

معان صداع الحكومات

المفارقة أن مدينة معان الجنوبية التي وصفت بأنها بؤرة الاحتجاج في الأردن وشكلت صداعاً أمنياً دائماً للحكومات المتعاقبة تعد العاصمة الأولى للدولة الأردنية في بداياتها.

توطدت أهمية معان للأردنيين باستقبالها الأمير المؤسس للدولة الحديثة عبدالله بن الحسين آنذاك، إذ وصل إليها آتياً من المدينة المنورة عام 1920 قبل أن يتجه مطلع 1921 إلى العاصمة الحالية عمان، حيث أصبحت معان منذ ذلك التاريخ محطة مهمة في تأسيس الدولة الأردنية الحديثة.

لكن لاحقاً أصبحت معان مهداً للثورات الاجتماعية والاحتجاجية على السياسات الاقتصادية للدولة ومعقلاً للتيارات الدينية السلفية، فشهدت جولات من الاضطرابات والقلاقل ورصيداً وافراً من "التمرد".

عام 1989 وتحت عنوان "أزمة الخبز" شهدت المدينة أحداث شغب واسعة طاولت البنوك والشركات والمدارس والآليات العسكرية، تبعها انخفاض هائل في سعر صرف الدينار الأردني مقابل العملات الأجنبية.

وفي 2002 استخدمت حكومة علي أبو الراغب القوة المفرطة لقمع تحركات بالمدينة التي تعاني فقراً وسوءاً في الخدمات العامة، فقصفت بعض مناطقها بالمروحيات.

وشهدت المدينة قلاقل ومناوشات على مدى أعوام عدة تباينت أسبابها من اقتصادية إلى اجتماعية وسياسية، جعلها تتفاعل مع أحداث المنطقة والإقليم بدءاً من الحرب العراقية - الإيرانية وحرب الخليج والانتفاضة الفلسطينية وآخرها الأزمة السورية.

ركيزة اجتماعية وسياسية

في الأردن تعتبر العشائر جزءاً مهماً من الحياة الاجتماعية والسياسية وتعد عاملاً فاعلاً في تأكيد القيم التقليدية والعادات وتعزيز الروابط العائلية والاجتماعية، كما أنها أحد مصادر السلطة والتأثير في المجتمع ولها دور فاعل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذه الأهمية دفعت الديوان الملكي إلى إنشاء مستشارية خاصة بالعشائر، إذ يحرص مكتب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمير الحسين على تنظيم زيارات دورية إلى مناطق تجمع العشائر والقبائل في بلد ما زال يحتفظ بثقل عشائري مهم ومؤثر.

واستطاعت هذه المستشارية أن تلعب دوراً فاعلاً في تجذير العلاقة بين مؤسسة الحكم وأبناء البادية الأردنية في الشمال والوسط والجنوب، خصوصاً خلال مرحلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

وظلت العلاقة بين النظام الأردني والعشائر طوال سنوات إيجابية وقوية بموجب عقد اجتماعي غير مكتوب تم إقراره عند تأسيس الدولة، لكن منذ أعوام تشكو العشائر من إقصاء متعمد ومحاولات لطمس هويتها وإبعادها عن مراكز صنع القرار عبر إحلال تيار ليبرالي بات يتحكم في معظم مفاصل الدولة.

معارضة عشائرية

يقول مراقبون إن أبرز منظمي الحراكات الشعبية والاحتجاجية منذ عام 2011 هي وجوه عشائرية، بينما أهم المعارضين خارج البلد أو داخلها هم من أبناء العشائر الأردنية.

في هذا السياق يبرز حراك "بني حسن" العشيرة الأكبر في البلاد التي تضم نحو مليون نسمة، ونقيب المهندسين السابق ليث شبيلات بوصفه أبرز معارض للنظام الأردني الذي ينتمي إلى عشيرة كبيرة من مدينة الطفيلة التي تعد إلى جانب مدينة معان بؤرة دائمة للاحتجاجات وصداعاً سنوياً للسلطات.

كما تبرز عشائر أخرى كبيرة معارضة للنهج القائم مثل "بني عباد" و"بني صخر" وغيرها من القبائل التي دخلت منذ أعوام في حراكات مطلبية تهدف إلى الإصلاح السياسي وإخراج البلاد من حال التردي الاقتصادي ووقف الفساد بأشكاله كافة.

لكن في العام الماضي برز خطر "العصيان العشائري" بشكل كبير، وبدا واضحاً في أحداث الشغب والاشتباكات غير المسبوقة التي أعقبت فصل النائب البرلماني أسامة العجارمة، تحديداً في منطقة أم البساتين التي تقطنها عشيرة العجارمة، إحدى أهم وأبرز العشائر الأردنية العريقة.

اتهم النائب العجارمة بالدعوة إلى التمرد والانقلاب على الدولة وتوتير العلاقة التاريخية بين العشائر والنظام في الأردن والمساس بالسلم الأهلي داخل المملكة.

واعتبر مراقبون من بينهم النائب عمر عياصرة، ما حدث بمثابة استخدام سيئ لدور العشيرة وتوظيف خطاب متطرف يحاول إعادة الأردن لمرحلة ما قبل الدولة، عبر تحالف بين السخط الشعبي في الشارع والانتماءات العشائرية الفئوية.

واليوم لا تبدو العلاقة التاريخية بين الدولة الأردنية والعشائر في أحسن حالاتها، فهي آخذة بالتراجع منذ نحو عقدين مع توجه المملكة إلى تحولات اقتصادية واجتماعية كالخصخصة ووقف ريعية الدولة وبيع مؤسسات الدولة والارتهان لقرارات صندوق النقد الدولي.

المزيد من تقارير