Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عودة نفرتيتي"... هل ترجع الملكة من برلين إلى القاهرة؟

يعد التمثال من أهم القطع الأثرية في العالم واكتشفته بعثة ألمانية وخرج بطريق غير مشروع

دعا أثريون مصريون إلى استغلال قرب افتتاح المتحف المصري الكبير وتبني حملة عالمية للمطالبة بعودة نفرتيتي (أ ف ب)

تحل هذا العام الذكرى الـ110 على اكتشاف التمثال النصفي الشهير للملكة نفرتيتي بمحافظة المنيا (جنوب مصر) على يد بعثة ألمانية للتنقيب عن الآثار، وتعد نفرتيتي من أشهر ملكات مصر القديمة وكان لها عديد من الألقاب الملكية مثل "الزوجة الملكية العظيمة" و"سيدة مصر العليا والسفلى"، وكان لها نفوذ كبير، إذ أظهرتها أحد النقوش وهي تقاتل في المعارك، كما ظهرت وهي ترتدي تاج الفرعون، دلالة على عظيم نفوذها.

وعند ذكر آثار مصر المعروضة بالخارج في متاحف عالمية، حيث خرج عدد كبير منها بطرق غير مشروعة، يأتي على رأسها تمثال نفرتيتي، لا تزال مصر تسعى إلى استعادته منذ نحو 100 سنة، لكن لم تسفر مساعيها عن شيء حتى الآن بسبب التمسك الشديد من الجانب الألماني ببقاء التمثال، إذ يعد واحداً من أشهر وأقيم الآثار المعروضة في المتاحف الألمانية.

وفي السنوات الأخيرة دعا أثريون ومثقفون مصريون إلى استغلال قرب افتتاح المتحف المصري الكبير وتبني حملة عالمية للمطالبة بعودة نفرتيتي إلى الديار. ودعا بعضهم إلى إنشاء قاعة في المتحف تحت اسم نفرتيتي وعرض مجسم لتمثالها وسرد قصة التمثال واكتشافه وطريقة خروجه من مصر لخلق رأي عام عالمي داعم لمصر في هذه القضية.

وعن تمثال نفرتيتي يقول أستاذ الآثار بجامعة القاهرة أحمد بدران لـ"اندبندنت عربية" إنه تمثال نصفي من الحجر الجيري الملون، نحته النحات المصري تحتمس عام 1345 قبل الميلاد منذ نحو 3500 سنة، ويبلغ ارتفاعه 47 سم ويزن نحو 20 كيلو جرام، والتمثال يظهر رأس نفرتيتي بالرقبة وجزء من الكتفين والصدر، وجانبا الوجه متماثلان تماماً، وهو مصنوع من الحجر الجيري والمغطى بطبقة من الجص وحاله جيدة جداً، ويجمع ما بين المثالية والواقعية وبه لمسة من عصر العمارنة الذي يتميز بالخطوط الانسيابية".

ويضيف "نفرتيتي هي زوجة الفرعون المصري أخناتون (إمنحتب الرابع) أحد أشهر ملوك مصر القديمة الذي حكم ضمن الأسرة الـ18 في الفترة من 1352 ق.م إلى 1336 ق.م، ويعني اسمها بالمصرية القديمة (الجميلة تتهادى) أو (الجميلة أتت)، وفي عصر أخناتون الذي تبنى ديناً جديداً يدعو للوحدانية تم نقل العاصمة إلى منطقة (تل العمارنة) حالياً بمحافظة المنيا التي أطلق عليها وقتها (أخت آتون) أي (أفق آتون) لتكون مركزاً لديانته الجديدة وعاصمة ملكه بدلاً من طيبة (الأقصر) وقد ساندته زوجته نفرتيتي في دعوته إلى الوحدانية".

ألغاز الملكة نفرتيتي

على رغم شهرتها الكبيرة واعتبار تمثالها واحداً من أهم القطع الفنية في العالم إلا أن نفرتيتي يحيط بها عديد من الألغاز وتبدو الصورة المعروفة عنها غير مكتملة، فتفاصيل حياتها تبدو مجهولة لعلماء المصريات، وعن ذلك يقول أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، إن الملكة نفرتيتي "اختفت في العام الـ12 من حكم زوجها أخناتون من دون معرفة السبب أو وجود أية إشارة عنها، ولا يعرف إن كانت عاشت بعد وفاة زوجها أخناتون أم لا، وكم المدة التي عاشتها بعده في حال حدوث ذلك، فكلها تساؤلات ليست لها إجابة، وأيضاً لا نعرف أصلها ولا الأسرة التي انحدرت منها على وجه التأكيد، إذ يرى بعضهم أنها من عامة الشعب المصري. ويرى آخرون أنها ابنة الملك (آي) وأخت الأميرة (موت نجمت) التي تزوجها بعد ذلك الملك حور محب ليكتسب شرعية الحكم من دمائها الملكية".

ويضيف "عثر على تمثال نفرتيتي فريق تنقيب ألماني عن الآثار بقيادة عالم المصريات لودفيج بورخارت في تل العمارنة بالمنيا عام 1912، وعملت تلك البعثة الألمانية في المنطقة واستطاعت أن تكتشف كثيراً من المدينة القديمة وكان من مكتشفاتها في ديسمبر (كانون الأول) عام 1912 هذا التمثال النصفي الأسطوري للملكة نفرتيتي الذي أصبح من أجمل وأندر القطع الأثرية والفنية في العالم، وعثرت البعثة على هذا التمثال في ورشة أو أتيليه النحات المصري القديم تحتمس الذي عثر به أيضاً على عدد من التماثيل النصفية الأخرى للملكة نفرتيتي غير مكتملة الصنع".

خروج التمثال من مصر

منذ خروج تمثال نفرتيتي من مصر وهناك مساع مختلفة على مدار سنوات وعصور لاستعادته من ألمانيا، وتعد النقطة الرئيسة التي يرتكز إليها الجانب المصري في دعم موقفه وأحقيته هي خروج التمثال بصورة غير قانونية وغير مشروعة ولا تتفق مع ما كان سائداً وقتها في كيفية تقسيم الآثار المصرية التي تكتشفها البعثات الأجنبية في ذلك الوقت، كما تستند مصر إلى بعض الوثائق الألمانية التي تثبت الطريق غير المشروع الذي خرج به التمثال.

يقول بدران "في عام 1924 عثر في أرشيف الشركة الشرقية الألمانية (التي تولت أعمال التنقيب) على وثيقة تخص اجتماعاً حدث في 20 يناير (كانون الثاني) 1913 بين العالم المكتشف لودفيج بورخارت وبين مسؤول مصري رفيع لمناقشة تقسيم تلك المكتشفات الأثرية بين ألمانيا ومصر، ووفقاً للأمين العام للشركة الشرقية الألمانية (وهو صاحب الوثيقة، الذي كان حاضراً الاجتماع)، فإن بورخارت كان عاقداً العزم منذ البداية على أن يكون تمثال نفرتيتي للألمان".

ويضيف "يشتبه في أن يكون بورخارت قد أخفى قيمة هذا التمثال الحقيقية على رغم إنكاره لذلك، إذ عرض على المسؤول المصري صورة ذات إضاءة سيئة للتمثال كي يخفي جماله وحقيقة كونه تمثالاً لملكة مصرية، كما أخفى التمثال في صندوق عند زيارة مفتش عام الآثار المصرية الذي كان أجنبياً في ذلك الوقت وهو (غوستاف لوفيفر) حينما جاء ليفتش عن التمثال وقد كشفت الوثيقة عن أن بورخارت، ادعى أن التمثال مصنوع من الجبس، لتضليل المفتش وقام بتهريبه إلى منزله في حي الزمالك بالقاهرة، ومن هناك هربه إلى ألمانيا مخفياً ضمن قطع فخار محطمة غير ذات قيمة سيتم إرسالها إلى برلين للترميم".

رحلة التمثال في متاحف ألمانيا

عرض تمثال نفرتيتي في متاحف ألمانية عدة على مدار السنوات حتى وصل إلى مقره الأخير في متحف برلين الجديد الذي يعرض فيه منذ عام 2009، وتعرض لعديد من المخاطر وتم نقله من مكان إلى آخر خوفاً عليه من السرقة أو التحطم خلال القصف الشديد الذي شهدته برلين وغيرها من المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية، وقد عرف عن هتلر ولعه الشديد بهذا التمثال واهتمامه بالآثار والفنون بشكل عام ورغبته في وجود أقيمها وأندرها في ألمانيا، ويشهد على ذلك عمليات نهب منظم لعديد من القطع الفنية والأثرية من جانب الجيش الألماني في بلدان عدة خلال فترة الحرب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول بدران: "وصل التمثال إلى ألمانيا في عام 1913 وقدم إلى هنري جيمس سيمون تاجر الآثار وممول حفائر تل العمارنة ليبقى بحوزته حتى أعاره وغيره من القطع الأثرية التي عثر عليها إلى متحف برلين، وعلى رغم عرضها منذ عام 1913 لكن تمثال نفرتيتي لم يظهر للجمهور إلا في عام 1923 وبعدها بعام عرض كجزء من المتحف المصري ببرلين، وبعد ذلك نقل ليعرض في متحف برلين الجديد حتى إغلاقه في عام 1939 مع بداية الحرب العالمية الثانية ونقل الآثار إلى ملاجئ آمنة للحفاظ عليها".

ويضيف "في البداية خبأ الألمان تمثال نفرتيتي في قبو البنك الحكومي البروسي، ثم نقل إلى أحد المواقع العسكرية الحصينة في برلين عام 1941، وفي 1943 تعرض متحف برلين الجديد للقصف من قبل طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني، وفي عام 1945 نقل التمثال إلى منجم ملح ألماني في ولاية تورنغن ليعثر عليه الجيش الأميركي في العام نفسه ويتم إرساله إلى فرع الآثار والفنون الجميلة والأرشيف التابع للجيش، وينقل بعدها إلى البنك المركزي الألماني في فرانكفورت، ويشحن إلى نقطة التجمع الأميركية في فيسبادن حيث تم عرضه للجمهور في عام 1946، وفي عام 1956 أعيد التمثال إلى برلين ليتنقل بين متاحف عدة حتى يصل إلى متحف برلين الجديد".

المطالبات المصرية باستعادة التمثال

بدأت مطالبة مصر بإعادة التمثال منذ حقبة العشرينيات من القرن الماضي عندما أزيح الستار رسمياً عنه في برلين عام 1924، وفي عام 1925 هددت مصر بحظر التنقيب الألماني عن الآثار، وفي عام 1929 عرضت مصر مبادلة التمثال في مقابل بعض الأعمال الفنية الأخرى، لكن ألمانيا رفضت الأمر تماماً، وفي عام 1933 طالب هيرمان غورينغ وزير سلاح الجو النازي بإعادة التمثال للملك فؤاد الأول كمبادرة سياسية لكن هتلر عارض الفكرة وقال للحكومة المصرية إنه سيبني متحفاً مصرياً جديداً لنفرتيتي.

ومع الحرب العالمية الثانية حينما تمكن الأميركيون من الاستيلاء على التمثال طالبت مصر الولايات المتحدة الأميركية بتسليمها إياه، إلا أن الطلب تم رفضه وقيل لمصر أن تبحث الأمر مع السلطة الألمانية الجديدة، وفي عام 1989 زار الرئيس المصري محمد حسني مبارك تمثال نفرتيتي وأعلن أنه خير سفير لمصر في برلين.

وفي السنوات الأخيرة تبنى عالم الآثار الشهير الدكتور زاهي حواس مبادرات عدة للمطالبة بعودة التمثال وطالب ألمانيا بإثبات صحة وقانونية حيازتها له، وهو ما لم يقم به الجانب الألماني ليبقى تمثال نفرتيتي الملكة المصرية الشهيرة قائماً في برلين وتبقى مساع عودته للديار قائمة حتى إشعار آخر.

المزيد من العالم العربي