Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسامان مصريان بين مشاهد الطيور والرحلات الجغرافية

غاليري بيكاسو القاهرة تستضيف معرضين يستوحيان التجربة الشخصية

لوحة للرسام مصطفى الرزاز في المعرض (خدمة المعرض) 

تستضيف غاليري بيكاسو للفنون في القاهرة معرضين فرديين لكل من الفنان مصطفى الرزاز والفنان سمير فؤاد. الأول عنوانه "بعث"، أما الآخر فعنوانه "من 18 إلى 78 "، وهما يسلطان الضوء على جانب من مسار التجربة الخاصة للفنانين.

لا تخلو أعمال الفنان مصطفى الرزاز دائماً من طيوره المُحلقة في فضاء لوحاته. عليك أن تبحث عن هذه الطيور بين العناصر المرسومة، ولن تبذل كثيراً من الجُهد، إذ ستعثر عليها من دون عناء، فهي حاضرة في معظم أعماله، وهو حضور مُراوغ، يتعاظم أحياناً ليتصدر المشهد، أو يتضاءل في أحيان أخرى، كعنصر هامشي. خلافاً لذلك، تستوعب مساحة الرسم عند الرزاز كافة أشكال التحولات والإضافات التي مر بها.

في معرضه "بعث" يطالعنا الفنان بعدد كبير من أعماله التصويرية التي وضعها من وحي رسوماته وتخطيطاته الأولية على الورق. يعود بعض هذه الرسوم إلى عام 1962، وهي تسجل انطباعاته عن زيارت وجولات قام بها في عدد من محافظات الجنوب المصري. تغطي الرسوم مساحة جغرافية شاسعة بها الكثير من الاختلافات البيئية والعادات والتقاليد والمثيرات البصرية، تمتد من تخوم الدلتا وحتى النوبة في أقصى الجنوب، والتي يخصها بنصيب وافر من تجربته. رسم الرزاز أثناء هذه الرحلات مئات من الدراسات السريعة والتخطيطات والرسوم على الورق، وسجل مشاهداته وانطباعاته ومشاعره تجاه المكان والبيئة والعلاقات الاجتماعية. هي سيرة بصرية للأماكن بعين الفنان، سيرة تختزل المشهد إلى بضعة خطوط وعناصر قليلة لكنها موحية بلا شك. حوّل الرزاز هذه الرسوم السريعة إلى أعمال تصويرية ملونة ليعيد إحياءها أو اكتشافها من جديد.

البناء البصري

حين تقتفي أثر البناء البصري للأشكال التي يرسمها الرزاز عليك أن تكون ملماً ببعض تفاصيل الموروث الشعبي المصري وخباياه، كي يمكنك وصل هذه الأشكال بمنبتها حين كانت مجرد أوراق صغيرة بحجم راحة اليد، اجتهدت الأمهات والجدات كي تشكلها في هيئة بشرية ثم وخزها وحرقها درءاً للحسد. تبعث رسوم الرزاز الروح من جديد في هذه الأشكال الورقية لتتشكل من وحيها العشرات من العناصر، التي ترسم ملامح تجربته بمزيج من الشغف والإلهام. في هذه الرسوم تتداعى ذكريات وروائح وأمكنة. يعيد الفنان اكتشاف عوالم لم يلتفت إليها في وقتها ويحولها إلى رصيد بصري وعاطفي لأعمال حديثة، فيكتب لها حياة جديدة، ولتمنحه بدورها تحدياً فنياً وطاقة وشغفاً جديداً كما يقول. إن العناصر هنا جميعها تبدو كبحث بصري مستمر من دون انقطاع في دهاليز الموروث والطبيعة المصرية، وهو كنز ثمين ينهل منه العديد من الفنانين المصريين، ومن وحي هذا المخزون تشكلت تجربة الرزاز.

 

 

في صالة العرض المجاورة ثمة استعراض آخر لمسار تجربة مختلفة، وهي تجربة الفنان سمير فؤاد. إختار الفنان لمعرضه إسم" 18 إلى 78 " في  إشارة إلى الفترة الزمنية التي يغطيها المعرض، فثمة ستون عاماً تفصل هنا بين تاريخ أول لوحة وتاريخ آخر لوحة. لا يهدف الفنان من وراء ذلك إلى عقد مقارنات أو استعراض تاريخ بقدر سعيه لتأكيد مفهومه الشخصي عن الممارسة الفنية، والتي يلخصها بقوله "إنها نفحة الموهبة مضافاً إليها طبقات متراكمة من العمل الدؤوب والتجارب العديدة والإصرار على تخطي محطات الفشل الكثيرة".

تصويرية فنية

هو فنان موهوب بلا شك ومثابر أيضاً، إذ اعتمد على جهوده الذاتية في تلقي المعرفة الفنية، وتمرس جيداً منذ وقت مبكر في صوغ عمل تصويري نموذجي. اهتدى سمير فؤاد في بداية تجربته إلى الفنان المصري حسن سليمان وتتلمذ عليه، فأكسبه هذا الاقتراب من تجربة سليمان تمسكاً بالصياغات الكلاسيكية للعمل التصويري. غير أن فؤاد لم يكتف بهذه المعالجات التقليدية للعمل التصويري، فانغمس في رحلة بحث ذاتية حول أساليب البناء، ليهتدي إلى تمثيل الحركة، التي سبقه إليها فنانو المدرسة المستقبلية، فتأخذه هذه المغامرة إلى دروب مختلفة من الإلهام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لعل هذا التجاور في العرض لأعمال تمثل بدايات الفنان وأخرى جديدة، يدفعنا إلى تأمل تجربة الفنان سمير فؤاد من جديد، فنضع أيدينا على مناطق التحولات والانعطافات الهامة في أسلوب بنائه للعمل التصويري. ما الذي أضافه وكيف تغيرت وجهته البصرية في التعامل مع اللون والحركة. تبدو هذه الفروق أكثر وضوحاً إذا ما تأملنا أسلوبه في التعامل مع البورتريه مثلاً، فسوف تطالعنا هنا انعطافة قوية في أسلوب تناوله للصورة الشخصية، من الاهتمام البالغ بالتفاصيل والملامح أو الشكل عموماً إلى الاهتمام بالحركة، من الثبات المفرط للجسد إلى السيولة الناعمة في حركة اللون وضربات الفرشاة. لا بد أن الفنان هنا قد خاض صراعاً ذاتياً في سبيل هذا الانتقال والتغير في الأسلوب، فالأعمال الأولى تحمل قدراً لافتاً من الحرفية والقدرة على تمثيل الشكل ورسم الوجوه، وهو أمر مثير بالطبع لإعجاب المحيطين به  والجمهور على حد سواء، وكان من الصعب عليه أن يتجاوز هذا الأمر بسهولة لولا رغبته في المغامرة والبحث. كانت الحركة هي أحد الجوانب الملهمة لديه دوماً، ومن خلال تساؤلاته الذاتية حول قدرة اللوحة على تجسيد الحركة تشكلت مسارات مختلفة للبناء والتفاعل مع الشكل. 

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة