Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تندر السير والمذكرات السياسية في المغرب؟

تتفاوت الأسباب ما بين مناخ الخجل والتوجس من ذكر الأسماء والأحداث إلى الخوف من مشاكل تعود بالضرر أو التضييق

مذكرات رئيس "حكومة التناوب" في المغرب الراحل عبد الرحمن اليوسفي قيد حياته، التي صنفها وجمعها رفقيه في درب السياسة مبارك بودرقة تحت عنوان "أحاديث في ما جرى" (اندبندنت عربية)

ربما يصيح الزعيم الحزبي تحت قبة البرلمان وربما يبزغ نجم المسؤول الحكومي في سماء السياسة وربما يتصدر اسم الوزير أخبار الصحافة والإعلام، لكن على رغم ذلك قليلاً ما "يتجرأ" السياسيون في المغرب على تدوين وديباجة سيرهم السياسية الشخصية.

وباستثناء حالات قليلة لقادة وزعماء سياسيين وحزبيين اختاروا كتابة سيرهم ومذكراتهم السياسية، فإن الغالبية منهم استنكفوا عن هذا التوجه لأسباب عدة يعزوها مراقبون في الغالب إلى "مناخ الخجل والتوجس" من ذكر أسماء أو أحداث في هذه السير والمذكرات ربما تتسبب لهم في مشكلات أو تعود عليهم بالضرر أو التضييق.

مذكرات وسير سياسية

ولعل إحدى أبرز المذكرات أو السير السياسية التي خطها أو دونها سياسيون مذكرات رئيس "حكومة التناوب" في المغرب الراحل عبدالرحمن اليوسفي قيد حياته التي صنفها وجمعها رفيقه في درب السياسة مبارك بودرقة تحت عنوان "أحاديث في ما جرى".

ويمكن اعتبار هذا الكتاب سيرة أو مذكرات سياسية روى فيها اليوسفي نتفاً من سيرته الذاتية وحياته النضالية الطويلة سواء لما كان معارضاً شرساً لنظام الحكم في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وأيضاً عندما تحول إلى رجل دولة ترأس تجربة حكومية بقيادة حزبه الاتحاد الاشتراكي في الفترة بين 1998 و2002.

وتضمنت مذكرات اليوسفي أيضاً شهاداته على أحداث عدة شهدها المغرب وانطباعاته في شأن كثير من الشخصيات التي التقى بها أو جمعته السياسة أو حتى السجن بها، وهي السيرة السياسية التي شكلت حدثاً بارزاً في وقتها لأنها تعود لرجل كتوم تعود على الصمت والهروب من الأضواء.

ومن المذكرات السياسية المعروفة الأخرى التي تعد على رؤوس أصابع اليدين، مذكرات عبدالله الوكوتي بعنوان "ذكريات مقاوم" خصها بشهادته على حقبة من الكفاح المغربي ضد الاستعمار الفرنسي، ومذكرات الراحل حسن الوزاني حول تاريخ الحركة الوطنية، وأيضاً مذكرات الراحل عبدالكريم غلاب بعنوان "مذكرات سياسية وصحافية".

ومن السير والمذكرات السياسية الشهيرة كتاب "الزائغ" للمحجوبي أحرضان، الزعيم السياسي والوزير الأسبق في عهد الملك الراحل الحسن الثاني الذي كشف خلاله عن بعض خبايا التاريخ السياسي للمغرب، لا سيما مرحلة نفي السلطان محمد الخامس إلى مدغشقر وأحداث الريف الدامية، كما كتب القيادي عبدالواحد الراضي مؤلفه "المغرب كما عشته" الذي سرد خلاله مشاهداته وآراءه في الأحداث التي عاشها من موقع زعيم حزبي ورجل دولة أسهم في المشهد السياسي طيلة ستة عقود.

مذكرات غير كافية

ويقول في هذا السياق المحلل السياسي والأستاذ بجامعة مراكش الدكتور عبدالرحيم العلام إنه من الناحية الإحصائية هناك كتابات لا بأس بها تدخل في إطار السيرة الذاتية السياسية، قياساً بالساسة المغاربة الذين يتقنون الكتابة ولديهم قدر كاف من المعرفة العلمية، أو الذين أمهلتهم الأقدار للكتابة.

وأوضح في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" أنه يمكن تعداد عشرات السير الذاتية السياسية التي من شأنها أن توفر للمهتمين معلومات يمكن البناء عليها والاستفادة منها، من قبيل الكتابات التي دونها كل من الحسن الثاني ومحمد عابد الجابري وعبدالله الوكوتي وعبدالكريم الخطيب وعبدالواحد الراضي والمحجوبي أحرضان وبن سعيد أيت إيدر وعبدالرحمن اليوسفي وعبدالهادي بوطالب وآخرون، إضافة إلى عشرات الحوارات الصحافية التي سجلت مع سياسيين مغاربة.

واستدرك العلام بأنه على رغم ذلك تبقى السير السياسية الذاتية في المغرب غير كافية، بما أن عدداً من السياسيين لم يكتبوا ما خبروه في حياتهم الطويلة في عالم السياسة، على غرار ما يقوم به ساسة الغرب ومفكروه، بحيث ما إن ينهي الرؤساء والمسؤولون ولاياتهم حتى يضعوا اللمسات الأخيرة على كتبهم التي يدونون فيها تجربتهم السياسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مناخ الشك والصمت

من جهته يرى المحلل السياسي الدكتور محمد شقير أنه طيلة أكثر من خمسة عقود درج السياسيون من رؤساء أحزاب وبرلمانيين ووزراء على عدم الإقدام على كتابة سيرهم الذاتية، عازياً ذلك إلى عوامل عدة من أهمها مناخ الخوف والشك بين السياسيين وترسخ ثقافة الصمت داخل الحياة السياسية.

ويشرح شقير في تصريحات إلى "إندبندنت عربية" أن السياسي أو القائد الحزبي يتخوف عادة من خلال كتابة سيرته التطرق إلى ذكر أحداث معينة وأسماء سياسيين آخرين قد يمس سمعتهم ويكشف عن بعض أسرارهم".

وهناك عامل آخر، وفق شقير، يتمثل في انشغال السياسي عادة بمجريات الحياة السياسية ودواليبها اليومية، مما لا يسمح له بوقت كاف يخصصه لكتابة سيرته الذاتية، لا سيما أنه يعتبر أن كتابة السيرة الذاتية بالنسبة إلى السياسي المغربي لا تكون إلا في نهاية المسار السياسي من دون أن يدرك بأن المرض أو الموت قد يفاجئه في أي لحظة ويحرم من كتابة سيرته الذاتية.

ولفت شقير إلى أن بعض السياسيين غالباً ما يفتقدون القدرة على الكتابة والتمكن من التعبير عن خواطرهم وتجاربهم في المجال السياسي أو في اضطلاعهم بمهمات وزارية أو برلمانية أو دبلوماسية وغيرها"، مردفاً أن "هذا لم يمنع من أن يكون بعض السياسيين شذوا عن هذه القاعدة وكتبوا سيرهم الذاتية".

واستحضر شقير السيرة الذاتية للمحجوبي أحرضان، في حين أصدر الزعيم الاشتراكي محمد اليازغي سيرته الذاتية بعنوان "سيرة مناضل" عبارة عن حوارات كتبها أحد الصحافيين، وتكرر الأمر مع عبدالرحمن اليوسفي وكذلك عبدالكريم الخطيب، إضافة إلى ما كتبه علي يعتة في مؤلف سماه "سنوات اعتقال وراء القضبان"، علاوة على كتاب "نصف قرن من السياسة" للمستشار الملكي الراحل عبدالهادي أبوطالب.

عوامل ندرة السير السياسية

ويعود العلام ليحدد أربعة أسباب تفسر إقلال السياسيين المغاربة في كتابة سيرهم ومذكراتهم السياسية، الأول "ضعف المستوى الثقافي لعدد منهم، إذ إنه من الصعب أن يباشر شخص لا يكتب في العادة أو لا يقرأ كثيراً في الكتابة بعد اعتزاله السياسة أو إبعاده عنها".

والسبب الثاني، وفق العلام، تأثير الطريقة التي يغادر بها بعض السياسيين مواقعهم السياسية على "مزاجهم" في البوح السياسي، فكثر منهم غادروا إما غاضبين أو مرغمين، أو بعد أن فقدوا حضورهم القوي في السياسة، ومنهم من يبقى في موقعه السياسي إلى وفاته أو تقدمه في السن.

والعامل الثالث، بحسب العلام، يتمثل في أن مشاعر الخوف أو الجبن السياسي ربما تقف عائقاً أمام البوح، باعتبار أن الكتابة تحتاج إلى جرعة شجاعة إضافية، بخاصة أن عدداً من السياسيين المغاربة لا يفقدون الأمل في تحمل مسؤوليات جديدة بعد مغادرتهم المسؤولية الحكومية أو الحزبية".

ويشرح العلام "غالباً ما يبقى هؤلاء السياسيون أعينهم في مناصب ووظائف سياسية أخرى، لا سيما أن الطريقة المعتمدة في التعيينات الملكية تسمح للسياسيين بالإبقاء على تطلعاتهم لاحتلال مواقع المسؤولية، وهو ما قد تحول دونه مضامين من سيرتهم الذاتية".

أما الخجل، يكمل العلام، فإنه من أكثر العوائق أمام الكتابة في السيرة السياسية، لا سيما في بلد محافظ مثل المغرب، لأن البوح السياسي لا يمكن أن يكون إلا مصاحباً ببوح حول الحياة الشخصية، تحديداً في مجال الذمة المادية والعلاقات مع دوائر القرار.

ويتلخص العامل الرابع في أن استمرارية نظام الحكم تجعل بعض السياسيين يفكرون أكثر من مرة قبل الشروع في التدوين، وهو أمر غير متوافر في تجارب سياسية أخرى تعرف قطائع بين أنظمة الحكم تساعد السياسيين الذين يعيشون في ظل نظام حكم جديد أن يكتبوا بحرية عما عاشوه في ظل نظام حكم سابق، وهو ما ليس متحققاً بالنسبة إلى السياسيين المغاربة إلا في ما ندر وبمستويات حرية نسبية".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات