Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين يعود لـ"النووي" ردا على ميركل و"خيانة" اتفاقات مينسك

أعلن أن بلاده على استعداد لتبني إنجازات أميركا لضمان أمن روسيا

تداعيات تصريح المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل حول "اتفاقيات مينسك" مستمرة (أ ف ب)

"اتفاقات مينسك" التي لطالما تمحورت حولها الأحداث الأوكرانية منذ إعلان منطقة دونباس عن انفصالها من جانب واحد عن أوكرانيا عام 2014، عادت لتثير كثيراً من الصخب والضجيج في أعقاب تصريح المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل بأنها كانت على يقين من عدم تنفيذ هذه الاتفاقات، وكأنما بموجب اتفاق مسبق مع الرعاة الغربيين. وكان الرئيس الأوكراني السابق بيتر بوروشينكو أول من كشف عن أنه "وقع الاتفاقات ولم يكن ينوي تنفيذها".

ولمزيد من التفسير، قالت المصادر الأوكرانية إنه كان مطلوباً لأوكرانيا وقياداتها، الحصول على فسحة من الوقت لإعداد وتدريب القوات المسلحة "من أجل استعادة الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها روسيا بالقوة". ولم يتوقف الجانب الروسي عند هذه التصريحات طويلاً، إلا بعد أن أعلنت ميركل عن موقف مماثل في معرض ما أدلت به من حديث إلى صحيفة تسايت "Zeit" الألمانية، إذ قالت "إن أوكرانيا استغلت هذه الفرصة جيداً وهي اليوم أقوى مما كانت عليه في عامي 2014-2015 وإن اتفاقات مينسك لم تنه الأزمة في شرق أوكرانيا، إلا أنها جمدتها لفترة من الزمن، نظراً إلى أن حلف الناتو لم يكن قادراً على إمداد قوات كييف بما تحتاج إليه من الأسلحة خلال تلك الفترة، وبالقدر نفسه الذي يقدمه اليوم".

وذلك ما سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى انتقاده، فضلاً عن وصفه ما قالته ميركل، بالـ"مخيب للآمال"، إلى جانب تأكيده أن ما ذكرته يعني أيضاً أن "روسيا كانت على حق في شروعها في العملية العسكرية الخاصة".

"السقطات السياسية"

ولم يقتصر الأمر على بوتين ليتجاوزه إلى بقية أعضاء فريقه على الصعيد الداخلي، في وقت تشير شواهد كثيرة إلى أن الرئيس بوتين يبدو وكأنما ينتظر مثل هذه "السقطات السياسية"، لينطلق منها إلى ما يظل يرومه من أهداف، كانت بدورها ولأعوام طويلة خير عون وسبيلاً للوصول إلى استكمال تنفيذ ما أعلنه من خطط تستهدف بناء القوات المسلحة الروسية على النحو الذي يتناسب وحاجة روسيا للتوصل إلى ما تبتغيه من قدرات وما تستحقه من موقع على خريطة السياسة الدولية.

وإذا كان بوتين أعلن صراحة خلال مؤتمر الأمن الأوروبي في ميونخ عام 2007 عزمه إعادة بناء قواته المسلحة بما يسمح لها بإرغام خصومه ممن أعلنوا رسمياً أن روسيا هي العدو الرئيس سواء للولايات المتحدة أو "الناتو"، فإنه عاد ليقولها على نحو أكثر صراحة بتأكيده أن ما كشفت عنه المستشارة الألمانية السابقة يزيد من يقينه بضرورة اتخاذ مزيد من الخطوات نحو ما يكفل تأمين مصالح بلاده، بما في ذلك استناده إلى ما تملكه روسيا من قدرات نووية. كما أكد بوتين أن ما كشفت عنه ميركل يمكن أن يثير مزيداً من الشكوك في جدوى جلوس روسيا إلى أية مفاوضات مستقبلية مع الدوائر الغربية أو الأوكرانية، للتوصل إلى اتفاق يمكن أن تجد فيه نفسها بعد حين، في مواجهة عدم التنفيذ، وأن ما يمكن أن توقعه من اتفاقات يمكن أن يستهدف أيضاً خداعها للحصول على فسحة الوقت التي تحتاج إليها الأطراف الأخرى كي تعد العدة لتنفيذ ما ترومه من أهداف!

وفي هذا الصدد يتساءل كثيرون أيضاً عن جدوى مشاركة المنظمات الدولية في تأمين الضمانات اللازمة لتنفيذ هذه الاتفاقات وغيرها ما دام المجتمع الدولي يمكن أن يغض الطرف عن مثل هذه "السلوكات". وكان مجلس الأمن الدولي وبمبادرة من جانب موسكو، استصدر قراره في شأن اتفاقات مينسك وآليات تنفيذها اعتباراً من كونها اتفاقاً دولياً جرى اعتماده من جانب أعلى سلطة دولية قانونية، بعد أن كانت الأطراف المعنية توصلت إليه بمشاركة مباشرة من جانب ممثلي منظمة الأمن والتعاون الأوروبي. وذلك تحديداً ما يحتدم حوله الجدل في موسكو على ضوء ما صدر من تصريحات رسمية وشعبية "تدين" المستشارة الألمانية السابقة ومن يقف وراء مخطط "خداع" وضياع ما يزيد على ثمانية أعوام تكبدت شعوب منطقة دونباس خلالها كثيراً من الخسائر البشرية والمادية. وسارع رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين إلى الإعلان عن ضرورة إلزام كل من ألمانيا وفرنسا دفع التعويضات المادية المناسبة لسكان دونباس "عن ثماني سنوات من الإبادة الجماعية وما تكبدوه من أضرار"، وهما اللتان شاركت قياداتهما السياسية في خداع شعوب هذه المنطقة ومعها روسيا والمجتمع الدولي. لكن الأهم في هذا الصدد هو تبني هذه المواقف من جانب أناس وقيادات لطالما حظيث بثقة الشارع الأوروبي والمجتمع الدولي وأسهمت في إحباط آمال الملايين من أبناء منطقة دونباس في جنوب شرقي أوكرانيا.

وكان ألكسندر لوكاشينكو رئيس جمهورية بيلاروس التي استضافت محادثات الأطراف المعنية بما فيها قيادات كل من روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا في العاصمة مينسك، أكثر الأطراف الدولية تذمراً وسخطاً تجاه تصريحات ميركل حول اتفاقات مينسك التي وصفها بـ"الحقيرة"!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استخدام الأسلحة النووية؟

ومن اللافت في هذا الشأن أن هناك ما يشبه الإجماع حول أن الأزمة الأوكرانية كان يمكن أن تصل إلى نهاية مناسبة تكفل لجميع أطرافها كثيراً من الاستقرار والسلام، بل الرخاء الذي كان بوتين تعهد بإسهام بلاده في تحقيقه، من خلال ما وعد به نظيره الأوكراني السابق بوروشينكو من مساعدات عينية ومادية في إعادة بناء ما جرى تدميره في أوكرانيا، بل كان من الممكن أيضاً أن تحتفظ أوكرانيا بوحدة أراضيها، بما فيها منطقة دونباس التي لم يكن سكانها في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك يطلبون أكثر من الحكم الذاتي والاحتفاظ بما يكفل لهم حقوقهم الوطنية ومصالحهم القومية، بما فيها الحق في استخدام اللغة الروسية!

ويذكر المراقبون أن لوكاشينكو انفجر في غضبه بسبب خداع ميركل لكل الأطراف التي أهدرت كثيراً من الوقت والجهد من أجل التوصل إلى الاتفاقات التي لطالما علقت عليها شعوب المنطقة بما فيها الشعب الأوكراني، آمالاً كبيرة. وإذ وصف لوكاشينكو الطريقة التي لجأت إليها ميركل في خداعها لنظرائها في مينسك بأنها ليست فقط "مقززة"، بل "مقرفة"، تحول لينعت المستشارة الألمانية السابقة بأنها "تصرفت على نحو حقير...  حقير".

وبعيداً من الشق الأخلاقي لهذه القضية، يتوقف مراقبون كثر عند ما كشف الرئيس بوتين عنه من احتمالات ومواقف، قد تضطر الظروف فيها روسيا إلى التعامل معها بما لا تريده ولا ترضاه، على ضوء ما تعالى من تصريحات في أروقة الأوساط الغربية في شأن احتمالات السقوط الاضطراري في شرك استخدام الأسلحة النووية.

ويذكر المراقبون أن مواقف وتصريحات بوتين في هذا الصدد تأرجحت سلباً وإيجاباً، وهو الذي سبق وقال "لا حاجة لروسيا لعالم ليس فيه مكان لروسيا". كما أنه كان أول من بادر برفع درجة التأهب لقواته النووية في الأيام الأولى لعمليته العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا. صحيح أنه عاد بعد ذلك ليجنح إلى "السلم" مؤكداً أنه لن يستخدم الأسلحة النووية، إلا أنه أعلن عن ذلك في صياغات تحتمل التأويلات كافة. وها هو يعود وفي معرض تعليقاته على تصريحات أنغيلا ميركل إلى صحيفة "تسايت" الألمانية، ليؤكد قدرات بلاده على الردع النووي، فقال "إن الولايات المتحدة لديها تجربة الضربة الوقائية، فضلاً عن نظام متطور لنزع السلاح، لكن روسيا لديها في الوقت الحاضر أسلحة نووية، لكنها أكثر حداثة وفاعلية"، مشدداً في الوقت نفسه على أن "روسيا الاتحادية تجري تدريبات باستمرار لقواتها النووية، ولا تخفي أي شيء". ولم يستبعد بوتين أن تتعلم موسكو من الولايات المتحدة تطورات في شأن مفهوم توجيه ضربة نووية لنزع السلاح، بما قاله حول إنه "إذا كنا نتحدث عن هذه الضربة لنزع السلاح، فربما ينبغي أن نفكر في تبني إنجازات شركائنا الأميركيين وأفكارهم لضمان أمننا".

لكن الأهم والأكثر خطورة في تصريحات بوتين خلال لقائه أعضاء مجلس حقوق الإنسان، ربما يتلخص في ما قاله حول رفضه ضمان أن لا تكون روسيا هي المبادرة باستخدام الأسلحة النووية. وأعلن أيضاً أنه يعتقد بأن خطر مثل هذه الحرب آخذ في الازدياد. أما بالنسبة إلى حقيقة أن روسيا لن تبادر باستخدام الأسلحة النووية تحت أي ظرف من الظروف، فقد خلص بوتين إلى القول إن "موسكو تعتبر هذا النوع من الأسلحة وسيلة للحماية وإمكانية لضربة انتقامية"، مضيفاً أن روسيا الاتحادية "لم تصب بالجنون" وأنها "تدرك ماهية الأسلحة النووية". كما أشار إلى "عدد كبير من الأسلحة النووية التكتيكية الأميركية" في أوروبا!! وتلك كلها تصريحات تحتمل الشيء ونقيضه بما يجعل الباب مفتوحاً أمام التأويلات كافة!

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير