Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"خطوط التماس" بين واشنطن وموسكو تكبح خطط أنقرة في سوريا

مراقبون: روسيا تتخوف على وساطتها بين تركيا ودمشق وسط ترقب حدود تأمين واشنطن لـ"قسد" والثروات المطمورة تحت أنظار الجميع

النفوذ الأميركي في شمال سوريا يفرض على موسكو إعادة ترتيب أوراق الهجوم التركي المرتقب   (أ ف ب)

تكثف العاصمة موسكو تحركاتها خلال الأيام الأخيرة للتعاطي مع التلميحات التركية المتصاعدة في شأن إطلاق عملية عسكرية برية ترى فيها ضرورة "لتطهير" الشمال السوري، فيما تتحفظ القوى الدولية الفاعلة في المشهد السوري.

وبعد أيام من لقاء مسؤولين روس، بينهم وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف، زعيم "جبهة السلام والحرية" المعارضة السورية أحمد الجربا في العاصمة موسكو، هاتف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين الأحد وطالبه بضرورة "تطهير" شمال سوريا من القوات الكردية، فيما تمسك الأخير بـ"استيفاء شروط" الاتفاق الروسي - التركي لعام 2019، ومواصلة "الاتصالات الوثيقة في هذا الصدد".

في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) شنت أنقرة سلسلة ضربات جوية عرفت باسم عملية "المخلب-السيف"، استهدفت مواقع في الشمال السوري وتحديداً في عين العرب (كوبانى) وتل رفعت ومنبج بمحافظة حلب لحزب العمال الكردستاني في العراق ولقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وعلى رأسها وحدات حماية الشعب الكردية السورية، في هجوم قالت إنه جاء رداً على اعتداء إسطنبول في 13 من الشهر ذاته، الذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص، ونفى الطرفان الكرديان أي دور لهما فيه. ومنذ ذلك الحين تتصاعد تهديدات أردوغان بشن هجوم بري أيضاً ضد مناطق سيطرة القوات الكردية في سوريا، على رغم رفض واشنطن الداعمة للأكراد، وموسكو الداعم الرئيس لدمشق.

وبحسب اتفاقات بين أنقرة وواشنطن وموسكو وقعت في عام 2019 يملك الجانب الروسي القرار بخصوص منطقة تل رفعت الواقعة غرب نهر الفرات، فهي تقع ضمن نطاق نفوذه، بينما منبج وعين العرب ضمن مناطق النفوذ الأميركي، وهو ما يعوق أي توغل تركي باتجاه المنطقتين.

المسألة السورية تعود للمشهد

بعد أيام من زيارة وفد من الخارجية الروسية برئاسة نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، إلى إسطنبول (بدأت الخميس الماضي) لبحث تفاهمات جديدة حول مناطق النفوذ الروسية في شمال سوريا، عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد للتأكيد خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ضرورة "تطهير" شمال سوريا من القوات الكردية.

أردوغان ووفق بيان الرئاسة التركية، أوضح للرئيس الروسي "ضرورة وأولوية تطهير الحدود السورية مع تركيا من الإرهابيين بعمق 30 كيلومتراً في الأقل في المرحلة الأولى بموجب اتفاق سوتشي المبرم عام 2019"، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد في وحدات حماية الشعب الكردية.

 

 

في المقابل، وبحسب بيان الكرملين في شأن المكالمة، بحث المسؤولان "مشكلة" حل النزاع في سوريا على أساس "استيفاء شروط" الاتفاق الروسي التركي لعام 2019. وقالت الرئاسة الروسية إن "هيئات الدفاع والسياسة الخارجية في البلدين ستواصل الاتصالات الوثيقة بهذا الصدد".

والسبت، وبعد مشاورات سياسية استضافتها إسطنبول على مدى يومين بين دبلوماسيين روس وأتراك، جددت الخارجية التركية، "تطلعاتها إلى تنفيذ بنود مذكرة التفاهم الموقعة مع موسكو بخصوص وحدات (حماية) الشعب الكردية"، مضيفة في بيان لها، أنه تم خلال المشاورات "تأكيد أهمية الحفاظ على وحدة سوريا السياسية وسلامة أراضيها، وضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في البلاد على أساس خريطة الطريق الواردة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254"، مع التشديد على حزم الجانب التركي "في مكافحة تنظيم الوحدات الكردية الإرهابي الذي يشكل تهديداً وجودياً ليس فقط لوحدة أراضي سوريا، بل وللأمن القومي التركي أيضاً"، على حد وصفها.

وفي عام 2019 وضع اتفاق بين أنقرة وموسكو حداً لعملية تركية أخرى كانت تسمى "نبع السلام". وسمح الاتفاق بخلق "منطقة أمنية" على عمق 30 كيلومتراً لحماية تركيا من الهجمات التي قد تأتي من الأراضي السورية.

ونص اتفاق آخر وقع عام 2019 برعاية واشنطن وموسكو على انسحاب القوات الكردية إلى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية، وتسيير دوريات مشتركة بعمق عدة كيلومترات في شرق وغرب منطقتي تل أبيض ورأس العين اللتين أصبحتا تحت النفوذ التركي المباشر منذ ذلك الحين. إلا أن أنقرة دائماً ما تنتقد كلاً من موسكو وواشنطن، لما تقول إنه "عدم احترامهما هذه الاتفاقات وإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدودها".

روسيا تجتمع مع المعارضة السورية

في الأثناء كان لافتاً لقاء مسؤولين روس بينهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونائبه ميخائيل بوغدانوف، الخميس الماضي في العاصمة موسكو، زعيم "جبهة السلام والحرية" المعارضة السورية أحمد الجربا، لبحث، وفق ما جاء في بيان للخارجية الروسية، "تطورات الوضع في سوريا وتسوية الأزمة".

وقالت الخارجية الروسية إن لافروف استقبل وفد "الجبهة" المعارضة السورية برئاسة الجربا في موسكو، وبحث معه "تطورات الأوضاع في سوريا مع التركيز على مهام تفعيل الحل السياسي الشامل بالتوافق مع قرار رقم 2254 لمجلس الأمن الدولي"، مضيفاً أن الجانب الروسي "أكد دعمه الثابت لسيادة ووحدة أراضي سوريا. وشدد على ضرورة تكثيف الجهود الدولية للمساعدة في تحسين الأوضاع الإنسانية وإعادة إعمار سوريا بعد النزاع".

 

 

إلا أنه ووفق بيان الجبهة المعارضة، التي أسست في يوليو (تموز) 2020، وتضم تحت مظلتها "المجلس الوطني الكردي" و"المنظمة الآثورية الديمقراطية" المنضويين في "الائتلاف السوري"، و"المجلس العربي للجزيرة والفرات" و"تيار الغد السوري" فإن الزيارة تناولت "تطورات الأوضاع في سوريا، وبخاصة العملية العسكرية التركية"، إذ أكد الوفد للمسؤولين الروس أهمية توسيع المشاركة السياسية في مناطق شرق سوريا، وإنهاء احتكار السلطة من جانب "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) و"الإدارة الذاتية"، التي توفر "ذرائع" دائمة لأنقرة للتلويح بشن عملية عسكرية.

ونقلت تقارير سورية معارضة، عن أحد مسؤولي الوفد الذي شارك في مباحثات موسكو، قوله إن "الجانب الروسي عبر خلال اللقاءات عن قلقه من حصول عملية عسكرية برية تركية في الشمال السوري. وأكد أولوية التهدئة وإعادة الاستقرار في المنطقة"، معتبراً أن الروس يعتبرون أن الحوار بين "الإدارة الذاتية" والنظام السوري هو "المخرج الوحيد للتسوية"، ويعتقدون أن الوجود الأميركي في المنطقة يعرقل مثل هذه الجهود.

كيف نفهم التحرك الروسي؟

تشير التحركات الروسية في التعاطي مع التلويح التركي بشن عملية عسكرية في الشمال السوري، إلى أن رفض موسكو العملية قائم على تخوفات من أن تقوض العملية جهود الوساطة التي تقودها بين الجانب التركي والنظام السوري من أجل تطبيع العلاقات بينهما، فضلاً عن اعتبار أن أي عملية عسكرية في الشمال السوري لا تصب في النهاية لصالح النظام الذي يريد الحلول محل "قسد" في المناطق التي تطالب أنقرة بإخلائها من هذه القوات، بحسب ما يقول مراقبون لـ"اندبندنت عربية".

ويوضح فراس الخالدي، عضو هيئة التفاوض وعضو اللجنة الدستورية السورية، أن "خسارة المعارضة السورية التقليدية زخم الدعم الأميركي العسكري والمادي والسياسي سهل مهمة تفرد محور (آستانة – سوتشي) بأطر الحل في سوريا بعيداً من الشرعية الأممية المتمثلة في القرار 2254، بينما تتوجس روسيا دوماً من ملف شمال شرقي سوريا كلما ضغطت تركيا باتجاه فتح معركة كبرى مع قسد، فالروس يعلمون حجم الدعم الأميركي لقسد ويدركون مدى خطورة الاقتراب من الوجود الأميركي هناك واللعب بخطوط التماس".

 

 

وعن موقف المعارضة السورية من العملية العسكرية المرتقبة. يقول الخالدي "للأسف تم تقسيم المعارضة السورية بالمجمل إلى ثلاثة أطراف، المعارضة السورية المعتدلة التي تم تصفية عدد كبير من قياداتها وتهجير وتهميش القسم المتبقي بحيث وصلوا بها إلى مرحلة انعدام التأثير، والمعارضة الإسلاموية المتطرفة التي فرضوها على الشعب السوري بالقوة وتم تسليمها المنطقة المحررة بعد أن أنهوا الجيش السوري الحر، والطرف الأخير هو قوات سوريا الديمقراطية ذات النزعة الانفصالية التي فرضتها الولايات المتحدة على الأكراد خصوصاً والسوريين عموماً ومنحتها أغنى منطقة في سوريا لتتحكم بها وبأهلها".

يتابع "يقودنا هذا الوضع إلى حقيقة دامغة بأن المعارضة السورية الحقيقية لا تملك من أمرها شيئاً، والطرفان الآخران مفروضان على المعارضة على رغم أنهما جزء من المشكلة وليس الحل، فالأكراد ذريعة تركيا للتدخل في سوريا وذريعة النظام لاستقدام إيران وميليشياتها لاستعادة موارد منطقة شمال شرقي سوريا التي ستساعد في تخفيف الأزمة المعيشية للمواطنين السوريين، والمعارضة الإسلاموية التي تحتضنها تركيا في شمال غربي سوريا ذريعة روسيا للتدخل وذريعة النظام وإيران بأنهما يكافحان الإرهاب الذي أتت به المؤامرة التي يزعم النظام بأن المعارضة تطلق عليها ثورة".

 

 

من جانبه ووفق ديميتري بريجع المحلل السياسي الروسي، الباحث في جامعة الصداقة بين الشعوب، فإن موسكو بشكل رئيس ترى في "استمرار الرهان على العملية العسكرية البرية من قبل الأتراك ما يمكن أن يسبب مشكلات ويهدد العلاقات الروسية – التركية، لأن العلاقات مرتبطة بالاتفاقات والتفاهمات الثنائية بين البلدين، والتي تعد الضامن للهدنة المبرمة في نهاية 2016 بين المعارضة المسلحة المعتدلة والقوات الحكومية".

 يضيف "لذلك إنهاء العمل بالاتفاق يعني العودة إلى ما قبل 2016 عندما كان الوضع يشهد تصعيداً خطيراً وأعتقد ألا أحد يريد ذلك، كما أن احتمالات خسارة قوات سوريا الديمقراطية شمال شرقي سوريا يعني أن الولايات المتحدة أيضاً قد تخسر المنطقة، ولا أعتقد أنها تريد هذا السيناريو بخسارة أغنى منطقة على الخريطة السورية من حيث الثروات المطمورة في باطن الأرض، في المقابل كذلك تريد دمشق استعادة شمال شرقي سوريا لحل مشكلاتها الاقتصادية ومشكلات نقص الوقود في المحافظات السورية بسبب العقوبات الغربية".

ويمضي بريجع قائلاً "أخطار أي عملية عسكرية في الشمال السوري تكمن في تهديدها رسم خريطة عسكرية جديدة وإنهاء العمل بالمخطط القديم الذي تم الاتفاق عليه بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة، وهو ما لا يرغبه الجميع في الوقت الراهن".

المزيد من تقارير