Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واقع "مروع" للرعاية الصحية في فنادق استقبال اللاجئين في بريطانيا

أطباء عامون وعاملون في الرعاية الصحية كشفوا لـ "اندبندنت" عن مجموعة مشكلات يواجهها طالبو اللجوء، بدءاً من النقص في خدمات رعاية الأمهات وصولاً إلى طب الأسنان

وزارة الداخلية قالت بأنها "تؤمن لطالبي اللجوء سكناً مجانياً آمناً مفروشاً بالكامل، وثلاث وجبات طعام في اليوم، ونفقة أسبوعية"(وزارة الداخلية البريطانية)

كشف أطباء في المملكة المتحدة، عن أن طالبي اللجوء الذين تم وضعهم في فنادق، قد تركوا بلا رعاية صحية كافية، الأمر الذي تسبب في عدم تلقي بعضهم علاجاً من إصابات ناجمة عن التعذيب، في وقت يعاني فيه أطفال فقدان الوزن، وتفتقر نساء حوامل إلى خدمات الأمومة.

وتحدث موظفون في الخدمات الصحية لـ "اندبندنت" عن وجود حالات سيئة جداً، كأطفال مثلاً اقتلعت أسنان عدة لهم بسبب النقص في العناية بها، وكذلك معاناة عديد من البالغين اضطرابات ما بعد الصدمة  PTSD، وكذلك الأفكار الانتحارية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"مجلس اللاجئين"  Refugee Council (منظمة تساعد اللاجئين وطالبي اللجوء في بريطانيا) وصف حالات هؤلاء بأنها "مروعة"، ونبه إلى أن "الإقامة الطويلة والمؤلمة في أماكن الإقامة في الفنادق، تضر بشكل متزايد بصحة الناس"، فيما حذرت "الجمعية الطبية البريطانية" British Medical Association (BMA)  (جسم نقابي للأطباء) من توافر "مجموعة متزايدة من الأدلة" على التأثير الذي تخلفه ظروف السكن غير الملائمة في هؤلاء المهاجرين.

ويتم بحسب أرقام وزارة الداخلية البريطانية، إيواء أكثر من 37 ألف طالب لجوء في فنادق، حيث ينتظر 10 آلاف و276 فرداً من البالغين والأطفال أكثر من ثلاثة أعوام صدور قرار في شأن طلبهم.

وعلم أن متعهدي وزارة الداخلية (مقدمو خدمات الإقامة وإدارة السكن للاجئين) يضعون كثيراً من طالبي اللجوء في فنادق، من دون إبلاغ السلطات المحلية أو خدمات الدعم عنهم. مما يعني أن شهوراً قد تمضي قبل أن تتم إحالة هؤلاء إلى أطباء عامين أو إلى مستشفيات لتلقي أي علاج رعاية صحية يحتاجون إليه.

وقد ارتفع عدد الذين تم إيواؤهم في تلك الفنادق بشكل كبير في الأعوام الثلاثة الأخيرة. ففي نهاية عام 2019، كان هناك نحو 1,490 طالب لجوء في أماكن الإقامة تلك، إلا أن الرقم قفز صعوداً إلى 26 ألفاً و380 بحلول نهاية عام 2021، وكان 10 في المئة منهم من الأطفال.

وبموجب القوانين البريطانية، لجميع طالبي اللجوء - بغض النظر عن مكان إقامتهم - الحق في الحصول على رعاية مجانية من مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" (أن إتش أس) NHS، شأنهم شأن المواطنين البريطانيين والمقيمين الدائمين الآخرين في المملكة المتحدة.

لكن، مع بدل أسبوعي يبلغ ثمانية جنيهات استرلينية و24 بنساً (10 دولارات أميركية) فقط، لا يتمكن كثيرون من تحمل حتى أجرة حافلة للوصول إلى أقسام "الحوادث والطوارىء"  A&E، أو شراء أدوية أساسية كالباراسيتامول مثلاً. تضاف إلى ذلك حواجز أخرى تشكل عائقاً أيضاً بحيث لا تتوافر لكثير من الأطباء العامين خدمات الترجمة المناسبة. وقد أخفقت إدارات بعض الفنادق أيضاً في تزويد النزلاء بمعلومات عن طريقة التواصل مع الخدمات المحلية.

 

تأتي هذه الانتقادات بعدما تم الكشف عن نقل عشرات المهاجرين من المشتبه بإصابتهم بالدفتيريا (الشاهوق وهو إنتان جرثومي يؤثر في غشاء الأنف والحلق وفي الجلد) من مركز معالجة ملفات اللجوء في مانستون في مقاطعة كينت، إلى فنادق في مختلف أنحاء البلاد. وأشارت "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" UK Health Security Agency (UKHSA)  إلى أن نتائج اختبار 50 مهاجراً جاءت إيجابية، لجهة إصابتهم بالجراثيم المسببة للدفتيريا وتعرف بـ "الوتدية الخناقية"  Toxigenic Corynebacterium Diphtheria (التي تفرز سموماً تسبب موت الخلايا) في الفترة الممتدة ما بين مطلع يناير (كانون الثاني) إلى الـ25 من نوفمبر (تشرين الثاني) من هذه السنة.

وتحدث الأطباء لـ "اندبندنت" عن الاحتياجات الصحية المعقدة التي يواجهها هؤلاء المهاجرون، موضحين أن إقامتهم في تلك الفنادق يمكن أن تجعلها أسوأ. وتشمل الأمثلة أطفالاً يعانون خراجات في أفواههم، بسبب النقص في العناية بأسنانهم، كما أفيد عن إصابة شخص بالتهاب في العظم سببه جرح برصاصة في الساق لم يتم علاجه.

في المقابل، خلص تقرير جديد وضعته مؤسسة "ميد آكت" MedAct الخيرية (تعنى بدعم المهنيين الصحيين من أجل حماية الحق الإنساني للأفراد في الصحة)، إلى أن وزارة الداخلية البريطانية تنقل الأشخاص على نحو متكرر بين الفنادق في أنحاء مختلفة من البلاد، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم مشكلاتهم لجهة الحصول على الرعاية الصحية.

وفيما أصر متحدث باسم وزارة الداخلية على تأكيد أن طالبي اللجوء "يمكنهم الحصول على خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية من نقطة وصولهم إلى المملكة المتحدة"، قال الدكتور جان وايز رئيس لجنة الأخلاقيات الطبية في "الجمعية الطبية البريطانية" إنه "بدلاً من توفير العلاج الآمن لهؤلاء الأفراد، فإن الحل الذي تقدمه الحكومة، يساهم في مفاقمة الأزمة وتأثير الصدمات على اللاجئين، والقيام بحشرهم في مرافق غير مناسبة وأشد اكتظاظاً من أي وقت مضى.

 

ودعا الحكومة إلى "العمل بشكل عاجل على تحسين الظروف المعيشية للمهاجرين وطالبي اللجوء، والتأكد من أنهم يتمتعون بالحماية الصحية الكافية، وتزويدهم بسبل الوصول الأساسي إلى الرعاية الصحية". وأضاف أنه "لا شك في أن تقاعس الحكومة المزمن عن الاستثمار في مرافق الخدمات الصحية له دور أساسي في هذه التأخيرات، لذا يتعين عليها أن تبذل ما في وسعها لمد النظام بالموارد بشكل صحيح".

أما مارك ديفيز رئيس الحملات في "مجلس اللاجئين" فقال: "إننا قلقون من هذه الحالات المروعة للغاية، على رغم أنها للأسف، غير مفاجئة إلى حد ما".

وأضاف: "لقد أثرنا قبل وقت طويل كثيراً من المخاوف في شأن إبقاء طالبي اللجوء عالقين لفترات طويلة داخل غرف الفنادق، إذ يعانون من عدم القدرة الكافية على الوصول إلى الخدمات الحيوية التي يحتاجون إليها، بما فيها الاستشارة الصحية والدعم المتواصل. ويظهر بحثنا الخاص بوضوح أن المكوث الطويل والمقلق في الفنادق، يضر على نحو متزايد بصحة الناس وسلامتهم، الأمر الذي يتسبب لكثيرين، حتى الأطفال، باكتئاب والتفكير أحياناً بوضع حد لحياتهم من خلال الانتحار".

آليستر كارمايكل العضو في البرلمان عن حزب "الديمقراطيين الليبرالبيين" المعارض، والمتحدث باسم الشؤون الداخلية، اعتبر أن وزارة الداخلية "ليست لديها سيطرة على نظام اللجوء لدينا". وقال إن "هذا العار الوطني يقع على عاتق سويلا برافرمان [وزيرة الداخلية]، ويتعين على رئيس الوزراء [ريشي سوناك] أن يعد بإجراء تحقيق وطني شامل في الطريقة التي عاملت من خلالها حكومة حزب ’المحافظين‘ هؤلاء الأفراد الضعفاء".

 

وكانت الوزيرة برافرمان قد أقرت في الأسبوع الماضي، بأن المعدل الراهن لمعالجة طلبات اللجوء منخفض للغاية، وبأن النظام كان بطيئاً جداً بحيث أنه في الوقت الراهن لا يتخذ المتخصصون في النظر في الحالات، سوى قرار واحد فقط في الأسبوع في المتوسط.

إلا أن وزارة الداخلية قالت إنها تقدم المساعدة للأشخاص الوافدين إلى المملكة المتحدة في الوقت الذي يجري فيه التعامل مع طلبات [لجوئهم]. وقال متحدث باسم الوزارة: "نحن نؤمن لطالبي اللجوء - الذين قد يكونون في حال عوز لولا تدخلنا - سكناً مجانياً آمناً مفروشاً بالكامل، وثلاث وجبات طعام في اليوم، ونفقة أسبوعية".

وأضاف المتحدث أنه "بإمكان طالبي اللجوء الحصول على خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية بدءاً من لحظة وصولهم إلى المملكة المتحدة، ونحن نعمل عن كثب مع هيئة ’الخدمات الصحية الوطنية‘ والسلطات المحلية والمتعهدين، لضمان حصولهم على الدعم الذي يحتاجون إليه. وهذا يشمل ضمان توفير الدعم للنساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة".

ضحايا التعذيب

قال موظفون طبيون إنهم عاينوا في كثير من الأحيان مرضى يعانون إصابات مروعة نتيحة الحرب في بلادهم، ويحتاجون إلى علاج متخصص يصعب الوصول إليه. وأبلغ أحد الأطباء اندبندنت أنه عاين أشخاصاً لا تزال تبدو عليهم "جروح تعذيب لم يتم تضميدها ومعالجتها من قبل. فقد تعرض بعض الأشخاص للصعق بالكهرباء في أعضائهم التناسلية، وهم يعانون مشكلات في التبول، فيما تعرض آخرون لإصابات في الرأس، الأمر الذي تسبب لهم بصداع دائم. وأصيب أحدهم بالتهاب في العظم نتيجة إصابته برصاصة في ساقه.

 

وأضاف الطبيب: " تمت مصادرة دواء السكري من أحد الوافدين لدى وصوله إلى البلاد، على رغم أنه كان مريضاً للغاية. أخبرته بوجوب التوجه إلى المستشفى، لكنه سأل: ’كم تبعد؟‘، لأنه كان عليه أن يمشي قرابة 5 أميال (أكثر من 6 كيلومترات). إن هذا هو الواقع الذي يعانيه هؤلاء".

الصحة النفسية

يشير الأطباء إلى وجود مخاوف على نطاق واسع، مرتبطة بالصحة العقلية لطالبي اللجوء. ويوضح الدكتور فرانك أرنولد وهو طبيب مستقل وعضو في مؤسسة "ميد آكت" الخيرية، أن هناك أيضاً حالات كثيرة من الصدمات النفسية واضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب، بين نزلاء الفنادق".

وأكدت ممرضة تعمل في ستة فنادق لللاجئين في لندن، يضم كل منها ما بين 150 و350 شخصاً، أن "كل فرد منهم يعاني إما اكتئاباً أو قلقاً، أو اضطراب ما بعد الصدمة. فهؤلاء يشعرون بأنهم عالقون، ولا يستطيعون القول إن ’الأمور ستصبح أفضل’، إذ لا فكرة لديهم عما قد يحدث لهم. هنالك أفراد ينتظرون منذ نحو عامين صدور قرار بشأن طلب لجوئهم في المملكة المتحدة".

نظام غذائي سيئ

 

أوضح أطباء أن بإمكان طالبي اللجوء تناول ما يوفره لهم الفندق فقط، الأمر الذي يطرح مخاوف واسعة النطاق في ما يتعلق بجودة الطعام.

وقد لاحظ التقرير الصادر عن مؤسسة "ميد آكت" أن الطعام كان مشكلة متكررة تؤثر في صحة المهاجرين، مع بروز شكاوى من جانبهم بما فيها فقدان الأطفال لأوزانهم، أو عدم تناول وجبات الفطور. وفي إحدى الحالات، لم تتمكن امرأة من تناول طعام الفندق، لأنها كانت تعاني حصى في مرارتها.

اضطراب في خدمات رعاية الأمهات

يتسبب نقل طالبي اللجوء من مكان إلى آخر خلال مدة قصيرة، في حدوث اضطراب وتعطيل للرعاية الصحية التي يفترض أن يحصلوا عليها. وتقول إحدى الممرضات العاملات في لندن: "كنت أهتم بسيدة مصابة بالسرطان، وكانت تتلقى جميع علاجاتها للأورام في مستشفى واحد. لا أنه جرى نقلها إلى الجانب الآخر من العاصمة، ما حتم عليها أن تعاود البدء بعلاجاتها مرة جديدة".

وأكدت أن امرأة كانت في الأسبوع الـ24 من الحمل، لم تحصل على خدمات الولادة قبل أن يبدأ فريق التمريض زياراته للفندق.

ديفيد غاردنر وهو أحد المحامين في مجموعة "الغرف الرقم 5"  No 5 chambers (لديهم خبرة في مجموعة كاملة من القوانين بما فيها الأعمال التجارية والإهمال السريري والهجرة واللجوء والجنسية)، قال إنه يقدم بانتظام المساعدة القانونية لنساء حوامل يتقدمن بشكاوى ضد وزارة الداخلية في شأن مدى ملاءمة مكان الإقامة لهن.

وقال: "من الواضح أن إلزام امرأة حامل بالبقاء في غرفة واحدة في فندق طيلة فترة حملها، هو أمر غير مناسب لوضعها".

أخيراً، أشارت جاين هينسون التي تقدم الدعم الصحي لعدد من الفنادق في نوتينغهام، إلى أن وزارة الداخلية غالباً ما تحدد أماكن إقامة المهاجرين في مناطق بعيدة من خدمات الدعم. وأوضحت أنه في الوقت الذي تتلقى فيه طالبات لجوء حوامل في منطقتها دعماً صحياً جيداً، إلا أنها قالت إن "الجانب الأسوأ يتمثل في طول الفترة التي يقضينها هناك. فهن عالقات في غرفهن مع أسرهن، وهذا هو الجحيم بحد ذاته".

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات