Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفلام الاستخبارات... كثير من الدعاية السياسية قليل من السينما

هوليوود رسمت صورة مثالية لعملاء "CIA" و"MI6" مقابل شيطنة "غيستابو" و"كي جي بي"

فيلم "جسر الجواسيس" قدم لمحة إنسانية لعالم تحكمه المؤامرات  (الحساب الرسمي للفيلم على فيسبوك)

من منا لم يضبط نفسه مشدوهاً بدهاء وبراعة عملاء الاستخبارات الأميركية الأذكياء الذين يتمتعون بوسامة ولياقة وسرعة بديهة تتفوق على ألد الأعداء؟، فضباط الـ CIA رجالاً ونساء أمثلة للغواية دوماً، ليس بسبب رومانسيتهم ولكن لتفردهم الفائق، وهم هنا لا يختلفون كثيراً عن عملاء   MI6  أو جهاز الاستخبارات البريطاني  "SIS" بحيث يعتبر جيمس بوند النموذج الأكثر شهرة وجاذبية في هذا العالم، فيما تأتي الاستخبارات الروسية بعملائها الأكثر عنفاً ودموية وقبلها "كي جي بي" جهاز الاستخبارات إبان الاتحاد السوفياتي، ولكن الأسوأ حظاً هنا هو "غيستابو" البوليس السري الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية، فهم وكلاء للشيطان يسيرون على الأرض.

 مثالية صارخة لا تخلو من الأخطار والخيانات من هنا وهناك، مقابل شيطنة على طول الخط... هوليوود صنعت عالمها الأمني والسياسي وشكلت به صورة ذهنية من الصعب للغاية أن تفارق العقول مهما كانت خياليتها ومهما كانت بعيدة من الواقع.

فالتوظيف السياسي بالغ الذكاء وشديد الإلحاح صنع حالاً من الصعب مقاومتها مهما كانت الحيل وحصيلة المعارف ومهما كان المشاهد على دراية كاملة بكواليسها الحقيقية، المؤكد أن هناك كثيراً من الأعمال التي حاولت توضيح الأمور من جانب آخر وسرد رواية الطرف الآخر ولكن لا أحد يمكن أن يصد ماكينة هوليوود معقل صناعة الأفلام الكبرى في العالم، إنها الأكثر انتشاراً ورسوخاً بل باتت تسهم في تشكيل الوعي الباطن لدى كثر، فحينما يتم استدعاء اسم أي جهاز استخباراتي على الفور تكون المرجعية هي تلك الأفلام!

وسامة ودهاء وملائكية

تلفزيونياً بالطبع كان هناك باع طويل في ما يتعلق بالأعمال التي تحاول الاقتراب من طبيعة عمل رجال أجهزة الاستخبارات، وهي أعمال لم تخل من اللوم لبعض القيادات وكذلك سلطت الضوء على كثير من الإخفاقات لتبدو ظاهرياً وكأنها محايدة، بينما هي في الأساس تحمل دعاية سياسية ذات نغمة معتادة، بينها مسلسل "هوم لاند" الذي يعتبر من أكثر المسلسلات التي دخلت في تفاصيل وآلية عمل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وعرض تراتبية القيادات وأيضاً استعرض جوانب الفساد وركز أيضاً على تعاون المنظمة مع بعض المرتزقة، وحتى خلافاتها مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، ولكن إجمالاً كان العمل يبيض صورة المؤسسة وأدخل المشاهدين إلى كثير من الدهاليز بدءاً من تكوين المبنى الذي يقع في لانغلي بفيرجنيا، وصولاً إلى انتهازية السياسيين الذين لا يأبهون لحقوق الإنسان مثلما يدعون.

لكن تبقى ذاكرة السينما أكثر ثراء، إذ كانت الوسيلة الدعائية الأكثر ضماناً لأجهزة الاستخبارات، فهي تجد مشاهداً متعطشاً لمتابعة ما يجري في تلك الغرف السرية مفتوناً بكيفية تحرك الجواسيس ولاهثاً وراء كل عثرة تواجههم.

منذ ستينيات القرن الماضي نجح العميل البريطاني جيمس بوند على مدى 26 فيلماً في الحفاظ على مكانته وعلى جرعة التشويق لمتابعة مغامراته، فجهاز الاستخبارات البريطانية يطلب منه مهمات تبدو عصية تماماً على من سواه، ولكن براعته تتفوق وفي كل مرة يحاول فيها أن يتقاعد يأخذه الواجب من جديد، بخاصة أنه دوماً يجنب العالم كارثة محتملة، ليحظى العميل 007 بشعبية كبيرة وبعد عرض نسخته "لا وقت للموت"، التجربة الأخيرة لدانيال كريغ في هذا العالم يتشوق الجمهور للنجم الجديد الذي سيتولى زمام الأمور.

 

 

 تلك السلسة شكلت صورة ذهنية معينة لدى جهاز الاستخبارات البريطانية على رغم خياليتها ولكنها تبقى مؤثرة للغاية، فيما تحرص العائلة الملكية الإنجليزية على حضور عرضه الخاص في بريطانيا، حيث تشكل مهاجمة قوى الشر وبينها بالطبع الإرهابيون، الهاجس في تلك الأفلام معظم الوقت.

 السينما البريطانية والأميركية قدمتا عدداً ضخماً من الأفلام التي تواجه منفذي العمليات الإرهابية، بينها "MI-5" الذي عرض في 2015 من بطولة كيت هارينغتون وتوبينس ميدلتون وبيتر فيرث، وتدور القصة حول إرهابي يتمكن من الهرب أثناء عملية تسليمه، فيطارده البطل الذي يتعاون مع عميل لدى جهاز الاستخبارات البريطاني، ويكون الشغل الشاغل هو القبض على الهارب إنقاذاً للأرواح، لا سيما أنه يخطط لعملية ضخمة في قلب العاصمة الإنجليزية لندن.

 عملاء المهمات المستحيلة

التشويق سلاح أساس في تلك النوعية من الأعمال، من خلال مشاهد أكشن ومطاردة، وبالطبع الهدف النبيل يكون هاجساً لدى صناعها، كما حظيت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بعدد هائل من هذه الأفلام، جعلتها تتربع على عرش الأجهزة الاستخباراتية الأكثر ترويجاً في السينما، وزادت نسبة تلك الأعمال عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وتم تقديم كثير من "بطولات" ضباط الوكالة في محاولات القبض على المنضمين إلى الجماعات الإرهابية والمهددين لأمن البلاد، من خلال استعراض مهارة عملائها في التخفي والمطاردة وسرعة البديهة أيضاً، وبالطبع في التضحية من أجل إنقاذ البشرية من المصير المؤلم، وعرض قبل عامين فيلم  "Tenet عقيدة"  للمخرج كريستوفر نولان كأول عمل سينمائي ضخم يصل إلى صالات السينما عقب جائحة كورونا، ويدور حول عميل بارع في وكالة الاستخبارات المركزية يتم تجنيده للعمل مع منظمة تجتهد من أجل إيقاف حادثة مروعة تهدد البشرية.

 أما العميل الأميركي الأشهر الذي يعتبر المعادل الموازي لجيمس بوند، فهو "إيثان هانت" الشخصية الأثيرة لدى توم كروز التي قدمها في ستة أفلام عرضت والسابع على الطريق، وهي سلسلة تحمل عنوان  "Mission: Impossible"، فإيثان يحارب طوال أجزاء العمل منظمات غاية في الشر والإجرام، وفي كل مرة يوضع في موقف مميت يخرج منه بصعوبة، وبدأت السلسلة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي ولا تزال مستمرة بنجاح كبير،  كذلك "Argo" من أكثر الأفلام دعائية للاستخبارات الأميركية إذ إنه يستعرض أزمة الرهائن الأميركيين في إيران في سبعينيات القرن الماضي وهو مأخوذ من أحداث واقعية وعرض عام 2012 واقتنص أوسكار أفضل فيلم، وهو من إخراج وإنتاج وبطولة بن أفليك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خطاب سياسي على شريط سينما

على رغم أن هذا العمل وغيره لا يتورع عن توجيه بعض الانتقادات لسير العمل داخل الوكالات، بل حتى الإشارة إلى الفساد والخيانات، لكن هناك هدفاً شاملاً وعاماً وهو أن السياسة العامة للدولة تهدف إلى مساعدة الضعفاء وعقاب المنظمات الإجرامية، وهي أمور تكون واضحة في الغالبية العظمى من الأعمال الأميركية والأوروبية التي تكون عمليات هذا الجهاز محورها حتى لو كانت أفلام أكشن صرفة مثل  "The Gray Man" لريان غوسلينغ وآنا دي أرماس، أو كوميدية مثل "Spy" لميليسا مكارثي وجود لو، فيما بالطبع يظهر الطرف الآخر عدوانياً بلا مبرر وهمجياً، وهو ما كان واضحاً في فيلم "ANNA" الذي عرض عام 2019 ويدور حول جاسوسة يتم تجنيدها من قبل جهاز الاستخبارات السوفياتية "KGB" تحت التهديد ثم استغلال حاجتها المادية بعدما فقدت ذويها، وبالفعل تقوم بمجموعة من مهمات الاغتيال التي تمنح فيها من دون أن تترك أثراً، بعد أن تتخفى في هوية عارضة أزياء تعمل في باريس، ولكن يكشف أمرها في النهاية من قبل الاستخبارات الأميركية وتحت الضغط توافق على أن تكون عميلة مزدوجة للطرفين، وكالعادة يظهر الجانب الروسي أكثر عنفاً وبربرية ولا يكترث بحياة عميلته بينما تحاول الـ"سي آي أي" حمايتها بالطرق كافة، فدائماً ما ينال الجانب الروسي نصيباً هائلاً من الذم في الأفلام التي يكون الطرف الآخر فيها هو وكالة الاستخبارت المركزية الأميركية. ونجد هذا على سبيل المثال في "Red Sparrow"، حيث الغلاظة والشر والعنف من نصيب السوفيات بينما جهاز الاستخبارات الأميركي وديع وملائكي، وهو خطاب سياسي تكرر كذلك في "Bridge of Spies" لتوم هانكس ولكن بطريقة أكثر حرفية وأقل مللاً، الذي دارت أحداثه إبان الحرب الباردة في ستينيات القرن الماضي وعلى رغم أن مسرح الأحداث كان ألمانيا، ولكن عن طريق ممثلين للوكالة السوفياتية الذين دخل معهم البطل في مفاوضات لإطلاق سراح جاسوس تابع لهم ألقي عليه القبض في واشنطن، مقابل الفوز بإطلاق سراح مواطنين أميركيين أحدهما أيضاً كان يتجسس لمصلحة بلاده، والخطاب المعتاد يظهر الجانب الأميركي تواقاً إلى تحقيق مبادئ العدالة وحقوق الإنسان، بينما نظيره السوفياتي ينشغل بأجواء التلاعب والخداع والقتل لديه هو أول الحلول.  هناك أيضاً قائمة طويلة من الأفلام التي تدين "كي جي بي" بينها، "Russian Roulette"و"Salt"و"Tinker Tailor Soldier"و"Spy" و"The Man from Uncle"، إذ إن فترة الحرب الباردة كانت ثرية للغاية بالنسبة إلى صناع السينما لتقديم قصص مغلفة بالدراما الإنسانية بينما رسالتها السياسية كانت واحدة تقريباً.

 


لم يختلف وضع الاستخبارات الروسية عن نظيرتها الألمانية إبان الحرب العالمية الثانية، فـ"غيستابو" أو البوليس السري الألماني كان منوطاً به تنفيذ الخطة النازية لهتلر، بالتالي كان سبباً في كل الشرور التي صاحبت تلك الفترة وكان "Night Train to Munich"  من أوائل الأفلام الإنجليزية التي دانت الجهاز وأنتج في 1940 أي بعد عام واحد من اندلاع الحرب العالمية الثانية وتدور قصته حول عميل سري في "غيستابو" يتنكر ويوهم فتاة والدها مخترع أسلحة بأنه سجين مظلوم مثلها ومثل أبيها الذي تمكن من الهرب بعد اعتقاله، وتنجح خطته في الوصول إلى الأب ولكن تتمكن الاستخبارات الإنجليزية من إنقاذ الابنة ووالدها. الأمر كان أكثر دموية في فيلم  "Inglourious Basterds"حيث تتحرك البطلة بدافع انتقامي بحت من المتورطين في مقتل والدها وهم من الجانب النازي، والعمل عرض عام 2009 وكتبه وأخرجه كوينتن تارانتينو.

 

 

في السياق يعتبر فيلم Allied" إنتاج عام 2016 من أكثر الأفلام التي تحدثت عن طريقة عمل الجواسيس بألمانيا النازية في ذروة الحرب العالمية الثانية، وعلى رغم أجوائه الرومانسية إلا أنه يحمل لحظات من الترقب والإثارة والحيرة، كما لا يخلو من استعراض وحشية الجانب الألماني.

من ضمن أجهزة الاستخبارات الشيطانية من وجهة نظر السينما العالمية أيضاً جهاز الاستخبارات الكوري الشمالي، وبعيداً من فيلم  "The Interviewـ المقابلة" 2014 الهزلي الذي ظهر فيه كيم زعيم كوريا الشمالية بشخصية سطحية ديكتاتورية عنيفة، لكن هناك فيلماً كورياً جنوبياً عرض جانباً من عالم الاستخبارات في الطرفين، وأثار جدلاً كبيراً حينما عرض عام 2018 في مهرجان كان السينمائي الدولي وهو "The Spy Gone North" الذي استعرض رحلة جاسوس كوري جنوبي يتنكر ويذهب إلى كوريا الشمالية في حقبة التسعينيات لمحاولة الحصول على أي معلومات مفيدة حول البرنامج النووي لجارتهم اللدودة، وبالطبع ألقى الفيلم بظلاله على الواقع السياسي ويعتقد بأنه أثر في المحادثات بين الجانبين في ذلك الوقت.

لا مكان للموضوعية

عادة ما توصف الأعمال الفنية التي تدور حول عالم التجسس بأنها موجهة وتهدف إلى تكوين رأي عام متحيز حول جهاز استخباراتي ما، وهو أمر ينطبق بشكل كبير على الأفلام التي تتناول عمليات "الموساد" الإسرائيلي، فقد أثار مسلسل "The Spy" الذي عرضته "نتفليكس" قبل أكثر من ثلاثة أعوام جدلاً كبيراً واتهم باعتماد الرواية الإسرائيلية في ما يتعلق بحياة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي انتحل صفة محاسب وغير اسمه وعمل في سوريا في الستينيات وتقرب من نخبتها السياسية والعسكرية قبل أن ينكشف أمره. واتهم العمل بأنه يتضمن مغالطات تاريخية فجة، وهي الادعاءات ذاتها التي تم توجيهها لفيلم "The Angel" الذي عرضته "نتفليكس" عام 2018 حول قصة رجل الأعمال المصري أشرف مروان الذي كان متزوجاً ابنة الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر كما كان مقرباً من الرئيس أنور السادات في ما بعد، وتدعي الرواية الإسرائيلية أنه كان عميلاً مهماً لدى "الموساد"، وقوبل العمل بهجوم حاد، كما أنه لم يحقق النجاح الفني المتوقع، والفيلم ذو الإنتاج الأميركي مأخوذ عن رواية للكاتب الإسرائيلي أوري بار جوزيف أستاذ العلوم السياسية ومن بطولة توبي كيبيل ومروان كنزاري ووليد زعيتر.

 

 

في المقابل كانت هناك أعمال كثيرة تناولت الجانب الآخر من الرواية الإسرائيلية في أكثر من قصة وربما يكون أبرزها عربياً مسلسل "رأفت الهجان" الذي بدأ عرضه في مصر نهاية ثمانينيات القرن الماضي وهو يتناول سيرة الجاسوس المصري في إسرائيل رفعت الجمال وجسد الشخصية الراحل محمود عبدالعزيز عن رواية لصالح مرسي وإخراج يحيى العلمي.

تكرر الأمر كثيراً في أعمال متعددة، بينها في العصر الحديث فيلم "ولاد العم" وهو قصة خيالية عن امرأة مصرية تكتشف بعد أعوام طويلة أن زوجها عميل لـ"الموساد" الإسرائيلي ثم يختطفها مع أطفالهما ويصطحبهم إلى الأراضي الإسرائيلية قبل أن ينجح ضابط استخبارات مصري في استعادتها، وهو من تأليف عمرو سمير عاطف وإخراج شريف عرفة وعرض عام 2009.

المزيد من ثقافة