Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العرب والمونديال... كيف يمكن استثمار النجاحات؟

ردود الفعل العفوية التي شهدتها الشوارع تكشف رغبة الشعوب في إنجازات فعلية ومباشرة يمكن البناء عليها والانتقال بها من المحلية إلى العالمية

لم تكن المشاركة العربية في بطولة كأس العالم رمزية أو عابرة (أ ف ب)

مع مشاركة المنتخبات العربية في بطولة كأس العالم التي تجري في قطر، كان السؤال هل تصمد هذه المنتخبات وتتجاوز المرحلة الأولى؟ وهو ما جرى في حال المغرب الذي صعد للدور ربع النهائي، فيما أخفقت المنتخبات العربية الأخرى المشاركة تباعاً لاعتبارات عدة وفارق المستوى والإعداد وغيرها.

غير أن الزخم العربي والاهتمام على مستوى الدول العربية وجماهيرها في المتابعة لمباريات المنتخبات العربية، والفرحة العارمة التي عمت الشوارع العربية يدعو للسؤال هل يمكن استثمار ما يجري بالفعل؟ أم أن الأمر مجرد احتفاء بانتصار فريق كروي عربي في فعالية دولية هي الأهم والأكبر على مستوى العالم؟

تفسيرات مهمة

توجد تصورات عدة تتعلق بردود الفعل الشعبية على ما جرى في متابعة مباريات الكرة على المستوى العربي الدولي، أهمها أنه من الطبيعي أن يجري تشجيع أي منتخب عربي يلعب في مواجهة فريق أجنبي، بصرف النظر عن الارتدادات أياً كان تصنيفها في المدى المنظور.

ورأي آخر يرى أن الحفاوة العربية الكبيرة على مستوى الشارع العربي تؤكد أن هناك رد فعل عفوياً وطبيعياً وغير منظم، بخاصة أن من تابع الانتصار الكروي الكبير للسعودية والفرحة العارمة في العواصم العربية يؤكد هذا التوجه، كما أن الانبهار العربي على مستوى الشارع بأداء منتخب المغرب يشير إلى أن الجمهور العربي لا يزال يرى في أي إنجاز ولو كروي، مهماً.

ويأتي في سياقات ضرورية وفي ظل الحديث عن انتهاء أو غياب النظام الإقليمي العربي مما يجري من تطورات حقيقية تتعلق بحقيقية وجود هذا النظام الإقليمي العربي، أو على الأقل وجوده النظري بصرف النظر عن أدائه أو حضوره في الوقت الراهن.

وما جرى في بعض العواصم العربية يشير إلى إحساس عميق على مستوى الشارع العربي للاحتفاء بانتصارات هي في الأصل محسوبة للدول العربية التي شاركت في الفعالية الدولية الكبرى في العالم، التي يشارك فيها يعد من أهم الفرق الدولية في المجال، وبالتالي فإن ردود الفعل العفوية التي شهدتها الشوارع العربية يمكن وضعها في سياق محدد مرتبط بحنين الشعوب العربية لإنجازات فعلية ومباشرة، يمكن البناء عليها والانتقال بها من المحلية إلى العالمية في ظل عالم جديد يمكن التعامل معه، وفي ظل صور ونماذج مبهرة عبّر عنها بعض اللاعبين الدوليين الكبار في المشاركات الأوروبية، وفي أعرق وأكبر النوادي العالمية التي تؤكد أن المشاركة العربية في بطولة كأس العالم لم تكن رمزية أو عابرة، أو أنها فقط مجرد تمثيل شكلي، بل هي في المقام الأول تأكيد على الحضور والأداء في ظل الإمكانات الراهنة التي يمكن أن تتطور، وبالتالي فالأمر ليس تحقيق نصر متتال وإنما تأكيداً لحضور مناسب وفق القدرات المتاحة.

موقف الجوار

يربط بعضهم ظاهرة الاحتفاء الشعبي الجارف بانتصارات بعض الفرق العربية المشاركة بفكرة العروبة القديمة والدعاوى الخاصة بالقومية العربية، وبرؤى أيديولوجية على المستوى النظري في مقابل ما يطرح تجاه فكرة الإقليمية والشرق أوسطية، وتنامي الدعوة إلى فرض الترتيبات الأمنية والسياسية والاستراتيجية لتشمل دول الجوار الإقليمي، والانتقال من التقوقع من العروبة ومنطلقاتها إلى عالم إقليمي مختلف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والحقيقة أن متطلبات ما يجري في الوسط العربي يتجاوز ما يطرح، بخاصة أن القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الجزائر أكدت بالفعل استمرار الإيمان وإدراك ضرورة وجود الجامعة العربية ومؤسساتها، على رغم ما تعانيه من إشكالات عدة تتعلق ببقاء الأوضاع العربية - العربية على ما هي عليه، واستمرار التجاذب العربي والخلافات العربية التي جرى تسكينها في إطار سيناريو مستمر، وفي ظل غياب الإرادة العربية الموجهة للعمل وإتمام مصالحات، أو على الأقل خفض حدة النزاعات وتوجيهها إلى الأطراف الإقليمية العابثة بأمن الإقليم التي تحاول السيطرة على مقدراته والعمل على توجيهه إلى حسابات عدة، ووفق أجندة إقليمية محددة يجري فيها تجاوز النطاقات العربية الحالية إلى مستوى آخر من التعاملات التي قد تأتي أحداثاً مثلما جرى في بطولة كأس العالم الحالي، لتؤكد أن للشعوب وللجمهور العربي رأياً آخر، وهو ما برز في مسارات عربية سابقة بدليل خروج المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة احتفاء بانتصارات مصرية في كأس أفريقيا، والفرحة الكبيرة لأبناء الشعب المصري بانتصار السعودية على فريق الأرجنتين، وهو الفريق الكبير صاحب التاريخ الكروي.

الرسالة أن أية خلافات سياسية أياً كان مضمونها لا تبدو في الصورة الراهنة، وتفسح المجال لتعبير شعبي عفوي من دون أية تحسبات أو منطلقات من أي نوع، بل والعمل من خلال مقاربات بسيطة ومباشرة، وتعمل في أكثر من اتجاه في ظل ما يجري، بخاصة أن حال الزخم الشعبي تتجاوز التفسيرات الاجتماعية والسياسية التي تطرح، إنما ترتبط في المقام الأول بمقاربة مختلفة تركز على ثوابت العمل الشعبي البسيط التي يحتاج إلى مراجعات، ومحاولة تفهم أبعاده الحقيقية وتوظيفه لتحقيق أعلى مستوى من التوافقات.

فعالية الجامعة العربية

يمكن استثمار ما جرى من خلال تحرك عربي تقوده الجامعة العربية التي يجب أن تتجاوز دورها في عقد القمة العربية أو الانكفاء على نفسها في أحداث دولية وإقليمية، وأن يتحرك الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط ومعاونيه للبناء على ما يجري انطلاقاً من واقع عربي يجب أن يتفاعل مع ما يجري إقليمياً، وفي مجال ما تعمل عليه بعض دول الجوار العربي التي تسعى إلى تحقيق مصالحها على حساب المصالح العربية الكبرى التي يجب أن تكون مدخلاً لما هو قادم من تطورات تمس أمن الإقليم واستقراره.

ويجب التعامل مع المقاربات التي يتم التسويق لها في المنتديات والحوارات العربية الدولية، في إطار مخطط عربي متكامل، وعدم الارتكان إلى أن الجامعة العربية ومؤسساتها ستبقى في مواقعها في ظل الدعوة إلى نظام شرق أوسطي، وترتيبات أمنية غير تقليدية، ولم يسبق طرحها من قبل، وكانت تتردد على استحياء.

الخلاصات الأخيرة

الإشكال الحقيقي ليس في التفاعل أو فقط مجرد توظيف أو استثمار ما جرى، وهو أمر عفوي وشعبي وطبيعي لمواطني الدول العربية في الأردن ومصر ولبنان ودول الخليج والمغرب والجزائر، إنما الأمر يجب أن يكون مدخلاً لتغيير المقاربة العربية - العربية الراهنة التي تعبر عنها المؤسسات العربية، وعلى رأسها الجامعة العربية التي لا تزال تعبر عن نفسها، بصرف النظر عن الأداء والفعالية التي هي محصلة لاطرادات الدول العربية التي يعبر عنها واقع عربي إقليمي محدد، وفي ظل بعض المواقف الإقليمية الساعية بقوة إلى تغيير أركان النظام الإقليمي العربي.

ستظل الفرصة قائمة لنظام إقليمي عربي حقيقي وفاعل مطروحاً ووارداً، بخاصة أن القمة العربية المقبلة ستكون في السعودية بكل ثقلها العربي والإسلامي والدولي، مما يمكن أن يكون مدخلاً لإصلاح عربي حقيقي، وإتمام مصالحات حقيقية مع إعادة تقديم القضية الفلسطينية وهي قضية العرب الأولى للواجهة الدولية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير