Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مالكوم إكس" يعرض في السعودية للمرة الأولى بحضور سبايك لي

جمهور "مهرجان البحر الأحمر" حاور المخرج الأسود المشاكس بحرية وترحاب

من فيلم "مالكوم إكس" الذي عرض في المهرجان للمرة الأولى (ملف الفيلم)

عشرون جلسة حوارية يقدمها "مهرجان البحر الأحمر" السينمائي هذا العام خلال دورته الثانية التي تقام في جدة من 1 إلى 10 ديسمبر (كانون الأول). والجلسات هذه استحوذت على اهتمام الجمهور السعودي والعربي أكثر من الأفلام نفسها في بعض الأحيان. معظمها ينعقد في صالات ممتلئة، لكن حجم الحضور يتوقف أيضاً على أهمية الضيف في نظر الجمهور، وشهرته. إنها مناسبة للتعرف عن قرب إلى صناع بعض الأفلام التي يحفظها هواة السينما في قلوبهم. أن ترى أمامك شارون ستون وآندي غارسيا وجاكي شان وأنتونيو بانديراس يروون فصولاً من حياتهم، بتأثر وانفعالات وصدق، فهذه ليست من الأشياء التي تصادفها في حياتك كل يوم. الانطباع أن النجوم يخرجون من الشاشة لملاقاة جمهورهم، انطباع حاضر بقوة في مثل هذه المناسبات التي تولّد حميمية بين المتكلم والمستمع. 

ثلاث سينمات تلتقي في هذه الجلسات، وهي سينمات نادراً ما تجد فرصة للقاء: السينما الغربية المتمثلة في أوروبا وأميركا، والسينما العربية المصنوعة في كل من مصر والمشرق العربي ومغربه، وأخيراً السينما الهندية التي تحضر بشقيها البوليوودي والمستقل. لقاء هذه العوالم الثلاثة يظهر مدى اختلاف أساليب العمل بين سينما وأخرى، ومدى اختلاف لغة صناعها في الحديث عنها وفي نقل تجاربهم المديدة فيها.

 

 

قبل 30 عاماً

بعد ظهر الأحد، كان موعدنا المنتظر مع المخرج الأميركي المشاكس سبايك لي (65 سنة) الذي حضر إلى جدة للمشاركة في نشاطات عدة. عقد مؤتمراً صحافياً وشارك في جلسة حوارية وقدم فيلمه "مالكوم إكس" الشهير الذي صدر عام 1992. هذا أول عرض للفيلم في السعودية، وكان لي قد صور بعض مشاهده قبل 30 سنة في مكة، حيث يظهر مالكوم إكس وهو يؤدي مناسك الحج، لكن حظر الفن السابع في المملكة لسنوات حال دون عرضه في تلك الفترة. 

صحيح أن "مالكوم إكس" سادس أفلام لي، لكنه كرسه دولياً وأسهم في ذيوع صيته حول العالم. الفيلم عن سيرة القائد الأفرو أميركي (1925 - 1965)، والمدافع الشرس عن حقوق السود، منذ أيام نضاله حتى اغتياله. أخذ إكس على عاتقه قضية السود مندداً بالجرائم التي ارتُكبت في حقهم داخل أميركا. قدّم العرض الأول للفيلم في مهرجان برلين السينمائي حيث نال دنزل واشنطن جائزة أفضل ممثّل. ويقال إن لي حض جميع الأفرو أميركيين على الإضراب والتغيب عن المدرسة، يوم عُرض للمرة الأولى في أميركا، وقال متوجهاً اليهم: "سوف أخبركم بجزء من قصّة أميركية ظلت حتى الآن غامضة".

في جدة، تحدث لي عن ظروف تصوير "مالكوم إكس" في الحج، فروى أنه أنجز أول فيلم في التاريخ دخلت فيه الكاميرا إلى مكة. هو لم يستطع الحضور، لكنه حرص على جلب طاقم عمل كامل يتألف من مسلمين. في حديثه عن هذا الإنجاز الذي يفتخر به، شدد على أن المحكمة الإسلامية العليا لم توافق على قرار التصوير في مكة بسببه هو، بل لأنها أدركت أهمية مالكوم إكس للمسلمين. وأضاف لي أنه كان يعرف منذ البداية أن عليه أن يصور مالكوم إكس في الحج، وهذا ما أعطى الفيلم الكثير من الروحانية، وهذه التجربة تبلورت في وجدانه مع زيارته الأولى هذه إلى السعودية حيث تسنى له لقاء العديد من السينمائيين الشباب من المنطقة.

حوار مفتوح

 

المخرج الذي يتحدر من أصول كاميرونية والمحب للرياضة والذي لا يتوقف عن الحديث عنها، أظهر كرماً شديداً في تعاطيه مع الناس، خلال زيارته التي امتدت ثلاثة أيام برفقة ابنه. وتجسد هذا الكرم في اللقاء الحاشد الذي كان له مع الجمهور، بعد المؤتمر الصحافي، حيث تحول الحوار إلى أخذ ورد عفوي مع الناس الذين جاؤوا للاستماع إلى هذا الذي يمثّل لكثر منهم "الأمل السينمائي" و"الناطق باسم الأقليات" في الغرب. شهد اللقاء حضوراً قوياً لمشاركين من أصول أفريقية، واللافت أن بعضهم لم يلتزم التقاليد المعمول بها في هذا النوع من الجلسات. الحماسة دفعتهم إلى طرح أسئلة متشعبة أو القيام بمداخلات طويلة جداً أو اللجوء إلى طلبات شخصية ليست جلسة كهذه، المكان الأمثل لها. ثمة فتاة نيجيرية، قامت بمداخلة مفصلة عن السينما النيجيرية (المعروفة بنوليوود) وعن الأهمية التي باتت عليها أخيراً، طالبةً من المخرج أن يهتم بهذا الموضوع من باب كونه أفريقي الأصل، وأن يستعين بطاقات وخبرات نيجيرية في أفلامه. وأمام الضغط الذي تعرض له لي، طلب إلى الفتاة أن تعطيه عنوانها الإلكتروني، وهو ما اعتبره الحضور انتصاراً كبيراً، معبّراً عن ذلك بالتصفيق الحار.

 

شخص آخر سأل لي عما إذا كان من الوارد أن يصور فيلماً في السعودية، وهذا النوع من الأسئلة يتكرر كثيراً في البلدان العربية عند استضافة فنانين معروفين، لكن لي تجاوز المجاملة وحاول إفهام الناس أن صناعة الفيلم غير مشغولة بالمكان بقدر ما تحتاج إلى سرد قصة، الشيء الذي لا يجيد سبايك لي غيره، بحسب اعترافه. قال: "لدي الكثير من المشاريع، لكن الذهاب إلى ثقافات لا أعرفها جيداً مبادرة خطرة سينمائياً. رأيت ذلك في الكثير من الأفلام التي تحاول أن تصور السود. لن أنجز فيلماً عن أشياء لا أعرفها. لا تعتمدوا على الآخرين ليرووا قصصكم. لدينا الكثير من الحالات حيث القصص تُروى من وجهة نظر الثقافة المهيمنة". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سيدة أخرى، سعودية نشأت في لبنان وتقيم حالياً في بريطانيا، شرحت عبر مقدمة طويلة عن أعمالها، كاشفة بأنها تحاول إنجاز فيلم منذ فترة. وفي النهاية طلبت إلى سبايك لي أن يسدي لها النصائح في هذا الشأن، فرفض الأخير موضحاً أن إسداء النصح لها يعني أن فيلمها سيصبح فيلم شخص أميركي ولن يعود فيلمها. بيد أن أكثر ما فجّر الضحك في الصالة، حين أخبره المخرج المغربي إسماعيل العراقي أنه شاهد فيلمه "قم بالخيار الصائب" يوم كان في الثامنة، فاندهش لي، أن يتاح لطفل في هذا العمر أن يشاهد فيلماً كهذا، وأضاف أن أكبر هدية له بصفته مخرجاً أن يخبره أحدهم أن أحد أفلامه غيّر حياته إلى الأفضل. 

ورداً على مداخلة تفيد أن "مالكوم إكس" هُمِّش في هوليوود "البيضاء"، حاول لي في البداية إنكار هذه الواقعة، ثم اعترف أن الفيلم فعلاً تعرض للإقصاء، وكان دنزل واشنطن يستحق جائزة أفضل ممثل. وخلص بالقول أن لـ"الأوسكار" تاريخاً طويلاً في استبعاد الأفلام المهمة. وسأل بسخرية "مَن يتذكّر اليوم فيلماً كـ"قيادة السيدة دايزي؟". وهو كان قد نال "أوسكار" أفضل فيلم في العام 1989، بينما لم يترشح فيلمه الشهير "قم بالخيار الصائب" لتلك الجائزة. لم يخفِ لي شعوره السلبي جراء عدم نيله ما يستحقه من جوائر في المهرجانات، لكن في رأيه أن استقبال الجمهور لأفلامه أهم. وعلق بالقول: "ما أحب في الرياضة هو أن مَن ينال أعلى النقاط هو الذي يربح، بينما في الفن الجوائز تتعلق بذوق الآخرين".  

اقرأ المزيد

المزيد من سينما