Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل غيرت "زيارة الدولة" حليف واشنطن الفرنسي؟

عصر بايدن - ماكرون قد يؤشر إلى نهاية عهد ريغان - تاتشر

بايدن وماكرون أثناء مؤتمر صحافي بالغرفة الشرقية في البيت الأبيض (أ ف ب)

مثلما كانت زيارة الرئيس ماكرون عام 2018 أول "زيارة دولة" في عهد ترمب، كانت زيارته للرئيس الأميركي في البيت الأبيض قبل أيام قليلة هي أول "زيارة دولة" في عهد بايدن، فما هي زيارة الدولة؟ ولماذا اختص الرئيسان الأميركيان ماكرون بها؟ وهل يغير ذلك من طبيعة التحالف أو الخلافات بين الولايات المتحدة وفرنسا؟ وإلى أي مدى يمكن أن تعول واشنطن على دور فرنسي داخل أوروبا وفي مواجهة الصين؟

زيارة الدولة

يبدو التساؤل منطقياً، لماذا لم تكن زيارات قادة بريطانيا أو كندا وهما من أكثر الحلفاء قرباً مع أميركا زيارة دولة وإنما زيارات رسمية أو أقل؟ بينما حظي بزيارة الدولة لواشنطن الرئيس الفرنسي في عهدي ترمب وبايدن، والإجابة هي أن زيارة الدولة لا تمنح إلا لرأس الدولة، ولأن رؤساء الوزارة في بريطانيا وكندا وأستراليا وجميعهم من "دول الكومنولث" يترأسهم ملك إنجلترا، كما أن المستشار الألماني أو رؤساء الوزارة في إيطاليا أو إسبانيا أو إسرائيل ليسوا رؤساء دول، كان من الطبيعي أن يكون شرف زيارة الدولة من نصيب الرئيس ماكرون وزوجته بريجيت، بينما تظل الزيارات الأخرى للحلفاء زيارات رسمية أو عمل أو خاصة.

وزيارة الدولة ليست مجرد اسم من دون مضمون، ولكنها أعلى تعبير عن العلاقات الثنائية الودية بين دولتين ذاتي سيادة، وتتميز بعدد من الاجتماعات والاحتفالات التي تنطوي على تكريم خاص في شكل من الفخامة، إذ يتصدر الاحتفالات العامة الرسمية "عشاء دولة" من نوع خاص يشارك فيه كبار قادة الدولة ومثقفوها ونجومها في ملابس سهرة رسمية، ودائماً ما يكون هذا العشاء النقطة الاجتماعية العالية لزيارة الدولة، إذ يتم التخطيط له بدقة وغالباً قبل أشهر، وتتميز القائمة عادة بالطعام والمشروبات التي تعكس تقاليد الطهي لضيوف الشرف، ولكن مع لمسة أميركية لأنه يمثل الصداقة بين الدولة المضيفة والضيوف، وخلال عشاء الدولة يتم وضع العمل جانباً لمصلحة الود كما قد يقول الفرنسيون.

لكن بينما تبادل الرئيسان الهدايا الفاخرة التي تعكس شراكة استراتيجية يعود تاريخها لأكثر من 200 عام، ظلت هناك بعض أوجه التباينات والمخاوف في شأن هذه العلاقة في المستقبل، فماهي الملفات التي تؤرق الطرفين؟

 توافق لا تطابق

لم يتوقع المسؤولون الأميركيون والفرنسيون أن تسفر الزيارة عن نتائج حاسمة تنهي بعض الخلافات التي تحدث عنها ماكرون قبل أن يصل إلى واشنطن، لكن كلا الجانبين اعتبرا الزيارة فرصة للبلدين لتعميق شراكتهما في شأن عدد كبير من التحديات العالمية، بما في ذلك إظهار جبهة موحدة في معالجة الحرب الجارية في أوكرانيا ومكافحة تغير المناخ، والتنسيق في شأن تحدي الصين للنظام الدولي القائم على القواعد، والعمل معها في الوقت نفسه حول القضايا العالمية الأخرى المهمة.

لكن الفترة التي سبقت الزيارة تميزت بشكاوى أوروبية، بخاصة من ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، تتعلق بالحوافز الضريبية للسيارات الكهربائية المنتجة في الولايات المتحدة والمضمنة في قانون خفض التضخم، وهو ما اعتبره الأوروبيون نوعاً من الإجراءات الحمائية التي تهدد بحرب تجارية متبادلة بين ضفتي الأطلسي.

وفي حين قال ماكرون لشبكة "سي بي إس" الأميركية يوم الأحد إنه اتفق مع بايدن على حل الخلاف حول هذه القضية الشائكة، إلا أنه لم يحدد طبيعة وتوقيت هذا الإصلاح.

نهاية عصر ريغان - تاتشر

 يظل الرهان منوطاً بكيفية التغلب على القيود الواردة في القانون والتي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الصين فإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية كما قال بايدن خلال المؤتمر الصحافي مع ماكرون، والذي أشار فيه إلى أن اللغة التفضيلية تعني الحلفاء فقط بما في ذلك الأوروبيون، وأن خلق وظائف تصنيع في أميركا لا يجب أن يكون على حساب أوروبا.

ومع ذلك فمن المنتظر أن تنجلي رؤى الحل بين الجانبين عندما تستضيف الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي قريباً في اجتماع مجلس التجارة والتكنولوجيا في "جامعة ماريلاند"، وإن كان الغضب الأوروبي في شأن الدعم الحكومي للصناعات الأميركية والمتعلق بالمناخ ينذر بمزيد من الإجراءات التدخلية التي تعيد بناء القدرات الصناعية، وهو ما يثير الحلفاء الأوروبيين بحسب ما يقول أستاذ السياسة العامة في "جامعة جورج تاون" إي ديون جونيور، لأنه من الناحية التاريخية فإن الميول الديمقراطية الاجتماعية للحكومات الأوروبية جعلتها أكثر ميلاً من النزعة الأميركية نحو التدخلات المباشرة في اقتصاداتها، وهذا هو السبب الذي يمكن أن ينهي عصر ريغان - تاتشر حيث عمل الرئيس الأميركي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر في ثمانينيات القرن الماضي على تفكيك البيروقراطيات الحكومية وتحرير الصناعات الرئيسة.

مشكلات أخرى

ولا يبدو أن تلك هي المشكلة الوحيدة، فقد اشتكت فرنسا بصوت عال من أن الأوروبيين يدفعون الآن ثلاثة إلى أربعة أضعاف ما يدفعه الأميركيون لشراء الغاز الطبيعي، وهي إشارة إلى أنه حتى في لحظة التضامن الرائع عبر الأطلسي يمكن أن تكون الدوافع الحمائية مثيرة للانقسام، بحسب ما تقول المسؤولة السابقة في إدارة العلاقات الدولية والاستراتيجية في وزارة الدفاع الفرنسية ماري جوردين.

ومع صعود الشعبوية اليمينية المتطرفة على جانبي المحيط الأطلسي، يمتلك كل من ماكرون وبايدن إدراكاً واضحاً بالأخطار السياسية التي تواجه الطرف الآخر، وأنه قد يتم استبدال كليهما في نهاية المطاف بقادة يمكن أن ينخرطوا في منافسة مدمرة مع الطرف الآخر حينما لا يدوم عصر الوحدة عبر الأطلسي طويلاً، ولهذا السبب فلا أحد يريد أن يرى الاقتصاد العالمي يتحول إلى ساحة لمنافسة صفرية بين الشركاء عبر المحيط الأطلسي، حتى قبل أن تتاح الفرصة للناخبين الأميركيين لإعادة رئيس آخر مثل ترمب إلى منصبه، إضافة إلى ضرورة إيجاد أرضية مشتركة حول الصين والدفاع الأوروبي.

الدفاع عن أوروبا

وعلى رغم أن الهجوم الروسي على أوكرانيا أكد أن "حلف الناتو" لا يزال هو الإطار الأساس للأمن الجماعي لأوروبا، وهو ما اعترفت به حكومة ماكرون في المراجعة الاستراتيجية الوطنية التي نشرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد سنوات من الضغط من أجل دفاع أوروبي أقوى، إلا أن إدراك فرنسا حقيقة أن صدقيتها كشريك عسكري تعتمد على مشاركة أكبر مع الـ "ناتو" لم يجعل مخاوف فرنسا تجاه الدفاع الأوروبي تختفي خلف الدرع المطمئنة للضمانات الأمنية الأميركية، فقد كشفت الحرب في أوكرانيا عن أخطار اعتماد أوروبا المفرط على الولايات المتحدة من أجل الأمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى سبيل المثال كانت المخزونات العسكرية الأوروبية المحدودة والقيود المفروضة على الموازنة سبباً في استنفاد مخزوناتها العسكرية بعد مساعدات أوروبا لأوكرانيا، ولعبت الولايات المتحدة دوراً حاسماً اعتباراً من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ كان من بين 39 مليار يورو تم الالتزام بها لمساعدة الجيش الأوكراني، جاء ما يقرب من 28 مليار يورو من الولايات المتحدة، وفقاً لمعهد كيل، ولهذا تأمل فرنسا إقناع أوروبا بتحمل مزيد من المسؤولية عن دفاعها، ليس فقط من خلال بناء قدرات عسكرية مصنوعة في أوروبا، ولكن أيضاً من خلال إجراء مزيد من المهمات المستقلة عن "حلف الناتو"، وهو ما ظهر في بيان مشترك بين ماكرون وبايدن عقب الخلاف حول "اتفاق أوكوس" الذي أطاح صفقة غواصات فرنسية لأستراليا العام الماضي، إذ أوضح البيان أهمية وجود دفاع أوروبي أقوى وأكثر قدرة ومكمل لـ "حلف الناتو".

وعلى رغم أن ماكرون لم يحصل على تأكيد علني بأن الحرب في أوكرانيا لا تبطل هذا البيان، فإنه يحتاج إلى ترجمة هذه الفكرة إلى أفعال من الولايات المتحدة تعترف من خلالها بأن التبعية الأوروبية، وإن كانت مصدر نفوذ لواشنطن لكنها ليست في مصلحة الولايات المتحدة على المدى الطويل، وأنه يمكن لواشنطن البدء في دعم المبادرات التي تقودها فرنسا بشكل صريح وتجعل الأوروبيين أقل اعتماداً على الولايات المتحدة بما في ذلك صناعتها، بخاصة أن الحرب في أوكرانيا كشفت بالفعل كيف يمكن لـ "حلف الناتو" والاتحاد الأوروبي أن يكمل كل منهما الآخر.

التحالف ضد الصين

وفي المقابل فإذا كان الفرنسيون يأملون في دفع الولايات المتحدة للدفاع الأوروبي، فإن الأميركيين يأملون في تحالف أوثق من فرنسا في شأن الصين، وفق ما تشير كبيرة الباحثين في "معهد بروكينغز" سيليا بيلين، إذ تهدف إدارة بايدن إلى سد الفجوة بين الأولويات الأميركية والأوروبية من خلال بناء تحالف قوي لمعارضة جهود الصين وتحديها للغرب، بخاصة أن الولايات المتحدة قلقة من هجوم صيني محتمل لتايوان ربما في وقت باكر من عام 2027، ولا تتوقع واشنطن من الأوروبيين تقديم رد عسكري، لكنها تأمل في أن تساعد أوروبا في ردع الصين عن استخدام القوة وفرض عقوبات في حال الهجوم.

ولتحقيق هذه الغاية تحتاج الولايات المتحدة إلى مواصلة العمل مع فرنسا والاتحاد الأوروبي لجعل أوروبا أكثر مرونة من خلال تقليل اعتمادها على التجارة والتكنولوجيا والمواد الحيوية الصينية، وتستند واشنطن في ذلك إلى أن الوحدة عبر الأطلسي التي أثبتت أنها سلاح فعال ضد روسيا، ولا يمكن أن تخسرها عند التعامل مع الصين.

ومن هذا المنظور تعد فرنسا شريكاً رئيساً للولايات المتحدة ولكن من الصعب إدارتها، ففي حين أن باريس تشارك العديد من مخاوف الولايات المتحدة في شأن الصين، إلا أن تحاول رسم سياسة وطنية وأوروبية مميزة، تتجنب الاصطفاف التلقائي مع واشنطن وتترك إمكان التعاون مع بكين مفتوحة عندما تتماشى المصالح معها، كما تهدف فرنسا أيضاً إلى تقديم طريق ثالث لبلدان منطقة المحيطين الهندي والهادئ من أجل تعزيز دفاعها عن سيادتها بدلاً من تشجيع البلدان على الانضمام إلى المعسكرات المتنافسة.

وبينما كانت فرنسا في طليعة المعارضين للسلوك الصيني الحازم، ودفعت لإنشاء آليات الاتحاد الأوروبي لفرز الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومكافحة الممارسات الاقتصادية القسرية من بكين، فإن فرنسا تعتبر نفسها قوة موازنة ترفض منطق الكتل المتعارضة، كما أن حذرها من الانضمام إلى المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة الموجهة ضد بكين يشكل عقبة أمام الاصطفاف الأوروبي ضد الصين.

الخروج من المأزق

وللخروج من هذا المأزق تحتاج فرنسا والولايات المتحدة إلى تحديد مناقشات متعمقة أكثر في شأن الصين، لأن التحدي الذي تطرحه بكين ليس عسكرياً فقط، إذ يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً في إعداد القارة العجوز للصدمات الاقتصادية المحتملة الناجمة عن الاضطرابات في حركة التجارة العالمية، وهناك مجال لزيادة التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في التجارة والتكنولوجيا من خلال زيادة تمكين مجلس التجارة والتكنولوجيا بين الجانبين بحسب ما يشير موقع "فورين أفيرز".

ومن دون تنسيق محسّن سوف تواجه فرنسا والولايات المتحدة ثلاثة أخطار مترابطة، وهي أن افتقارهما للوحدة والاستعداد سيشجع الصين على غزو تايوان، وأن الانقسامات حول مقدار الانفصال عن الصين ستترجم إلى سياسات غير منسقة يمكن أن تقوض استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأن الولايات المتحدة ستشعر أنه ليس لديها خيار سوى متابعة استراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ من دون الأوروبيين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل