يبدو أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين على الشرق الأوسط في المجالات التجارية سيكون له وقع سلبي على هذه الدول ومنها العراق الذي توسعت علاقاته التجارية مع الصين لتتجاوز 40 مليار دولار خلال عام 2021. وتتواجد الشركات الصينية في العراق باستثمارات كبيرة في قطاعات النفط والكهرباء والانشاءات والترفيه في مختلف المدن العراقية، حيث يلاحظ انتشار العمالة الصينية بشكل لافت في مدن مثل بغداد والبصرة وأربيل.
ولعل زيادة هذه الاستثمارات ومبررات حماية المصالح الصينية أثار المخاوف الأميركية من إنشاء قواعد صينية في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها العراق ما دق ناقوس الخطر لدى وزارة الدفاع الأميركية من مغبة هذه الخطوة. وأصدر "البنتاغون" تقريراً حذر خلاله دول المنطقة وخصوصاً العراق من التعامل مع الحكومة الصينية بشكل واسع، كما حذر، في الوقت نفسه، الحكومة الصينية من استفزاز الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
التعاملات ارتفعت
وأوضح التقرير أن الصين صعّدت تعاملاتها مع بلدان الشرق الأوسط وبخاصة العراق خلال العام الماضي 2021، الأمر الذي استمرّ، العام الحالي، وأن بكين تسعى إلى توسعة قاعدة نفوذها من خلال علاقات اقتصادية تهدف في النهاية إلى خلق مقرات عسكرية صينية داخل مناطق الشرق الأوسط بشكل عام، والعراق بشكل خاص، وحذر التقرير "دول المنطقة وبالأخص العراق" من استمرار التعامل مع الحكومة الصينية، معلناً أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تدعو تلك البلدان إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الصين، بحسب ما أوضح وكيل وزارة الدفاع الأميركية للشؤون السياسية كولن كال خلال تصريح لشبكة "ميدل إيست مونيتور".
وأكد المسؤول الأميركي أن إدارة الرئيس بايدن تراقب عن كثب تعاملات الدول في المنطقة وخصوصاً العراق مع الصين، موضحاً أن نوايا الصين في المنطقة تستهدف المصالح الأميركية، وهذا ما لا يمكن أن نسمح بحصوله على حدّ قوله. وحذر كلاً من العراق ودول المنطقة من مغبة "الإضرار بالمصالح الأميركية من خلال التعامل على مستوى واسع مع الصين".
مخاوف أميركية
ورأى أستاذ الاقتصاد بجامعة البصرة نبيل المرسومي أن هناك مخاوف أميركية من زيادة النفوذ الصيني بالعراق بعد زيادة حجم التبادل التجاري مع العراق إلى 40 مليار دولار. وقال المرسومي أن "هناك حرباً تجارية بين الصين والولايات المتحدة منذ زمن دونالد ترمب إلى اليوم، لكون الولايات المتحدة وضعت رسوماً جمركياً على عدد كبير من السلع الصينية لحماية البضاعة الأميركية خوفاً من غزو البضائع الصينية الأسواق الأميركية".
دولة مهمة
أضاف أن العراق هو أحد أهم الدول الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وهو محطّ اهتمام من قبل الصين لأنها المنطقة التي يمكن أن يتم فيها تقويض النفوذ الأميركي، مبيناً أن العراق من الدول الواعدة في إنتاج الطاقة، ولهذا فإن الصين دخلت بقوة في هذا المجال عبر تشغيل حقول عملاقة نفطية عراقية هي غرب القرنة والحلفاوية والأحدب ونيسان، وإبرام عقود أخرى مثل حقلي الحويزة والمنصورية الغازي ومصفى الفاو الاستراتيجي.
استثمارات متنوعة
وأوضح المرسومي أن الصين لا تستثمر فقط في قطاع النفط وانما بقطاع الغاز عبر المقاولات الثانوية، لذلك هناك تواجد كبير للصين في العراق، مشيراً إلى أن التوقعات تقدر حجم التبادل التجاري بين العراق والصين إلى 40 مليار دولار بخاصة أن العراق يعتبر ثالث دولة مصدرة للنفط للصين بعد روسيا والسعودية فضلاً عن استيراد العراق بضائع كبيرة من الصين.
بغداد تخشى النتائج
وتابع المرسومي أن الصين لديها استثمارات كبيرة في العراق في مجال الإنشاءات والطاقة والبنى التحتية وهناك خشية من تمدد النفوذ الصيني في العراق لا سيما في مجال الطاقة كون بكين تشتري حصة أي شركة أجنبية نفطية تخرج من السوق النفطية، وأبدت استعداد شركاتها في شراء حصة "إكسون موبيل" عند عرضها للبيع، لافتاً إلى أن الحكومة العراقية رفضت العرض الصيني خوفاً من تمدد نفوذ الصين أكثر وخشية من عزوف الشركات الغربية من القدوم إلى العراق، فضلاً عن تجنبها إثارة خشية الولايات المتحدة التي تعتبر العراق لاعباً أساسياً بخاصة في ظل موقعه الرابط بين قارة آسيا وأوروبا .
الواقع العراقي
ولفت الى أن الصين مستعدة لدفع الأموال لبعض الجهات بعكس الشركات الغربية التي لا تستطيع أن تعمل بعيداً من الشفافية وبغياب الاستقرار، مؤكداً أن هناك توغلاً صينياً كبيراً يثير هواجس الولايات المتحدة والغربيين لأن الصينيين أكبر دولة مستوردة للنفط وتستورد من 10 إلى 11 مليون برميل، وهم يهتمون بالعراق لأنه يمكن أن يوفر لهم موارد كبيرة إضافة إلى الأرباح الهائلة في قطاع البنى التحتية.
سوق مهمة
ورأى رئيس مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن اهتمام الولايات المتحدة بالعراق باعتبارها سوقاً توجد فيه ثروات معدنية تبلغ قيمتها 20 تريليون دولار، مشيراً، في الوقت نفسه، إلى أن واشنطن تحاول إرجاع جزء من فاتورة الحرب على العراق. وقال فيصل "هناك نوع من التنافس التجاري بين الولايات المتحدة والصين على الأسواق العالمية لتصدير السلع وعلى مصادر الموارد الأولية وعلى الطاقة، هذا طبيعي"، مبيناً أن "الصين ليست دولة اشتراكية بالمعنى الذي نعرفه سابقاً في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وإنما هي دولة رأسمالية الاقتصاد ولديها استثمارات عملاقة في الولايات المتحدة، وكذلك الأخيرة لها أصول مالية وشركات عملاقة تعمل في الصين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف فيصل أن هناك تنافساً حاداً على الأسواق، ولا يمكن الذهاب للإنتاج الكبير والمتنوع من دون وجود أسواق مستقرة، والشرق الأوسط يشكل سوقاً حيوية استراتيجية للاستثمار، وسوقاً مهمة للسلع الأوروبية والغربية، مشيراً إلى أن الصين منافسة شديدة إلا أنها فقيرة بالموارد المعدنية، فهي تستورد كل شيء من معادن ونفط وغاز وتحتاج إلى 10 ملايين برميل نفط يومياً وتحاول أن تستحوذ على السوق العراقية.
الاستثمارات الصينية
وتابع أن الصين منافسة للسلع الأميركية والأوروبية ومهتمة بالسوق والاستثمار في العراق والشرق الأوسط والخليج العربي، لا سيما العراق الذي تقدر قيمة المعادن الثقيلة والخفيفة فيه من النفط والغاز والثروات وغيرها من المعادن الثقيلة ما يقارب 20 تريليون دولار، لافتاً إلى أن المعادن تعتبر ثروة هائلة للولايات المتحدة التي انفقت ثلاثة تريليونات دولار في العراق نتيجة غزوها البلاد وتريد استرجاع التريليونات التي انفقتها في مصالح تجارية واقتصادية.
تهديد المصالح الأميركية
وأوضح فيصل أن التوغل الصيني التجاري والاقتصادي في العراق يشكل تهديداً للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط والخليج العربي لكون الصين تعمد حالياً على إنشاء قواعد عسكرية في أفريقيا لضمان مصالحها على صعيد الاستثمار، كما أنها تعتمد على الاستراتيجية العسكرية لضمان مصالحها الاقتصادية والتجارية وضمان أمن الشركات العاملة في تلك الدول لا سيما أنها تعد ثاني اقتصاد في العالم .ولم يستبعد فيصل أن يتحول التنافس بين بكين وواشنطن إلى صراع أو أن تذهب الصين إلى نشر قواعد بعد الاتفاق مع الحكومات المختصة في عدد من دول الشرق الأوسط ومنها العراق من أجل حماية مصالحها .
قواعد عسكرية
ولم يستبعد مدير المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية والأمنية معتز محيي عبد الحميد وجود نوايا صينية لإنشاء قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط لحماية مصالحها بالمنطقة. وقال "الصين لديها مصالح اقتصادية كبيرة بالعراق، فهي تستورد أكثر من مليون برميل يومياً من النفط الخام، فضلاً عن إنشاء شراكات مصرفية معه"، مضيفاً أن لديها مشاريع في العراق لإعادة البنى التحتية ومشاريع مستقبلية لإنشاء سكة حديدية تمتد من الصين ومن ثم إيران فالعراق وسوريا، وهي متوجهة بشدة نحو الشرق الأوسط.
علاقات مع موسكو وبكين
كما لم يستبعد عبد الحميد وجود توجه صيني لوضع موطئ قدم له بمنطقة الشرق الأوسط لحماية مصالح بكين بالمنطقة ومن ضمنها العراق، ولفت إلى أن حكومة محمد شياع السوداني تعتزم بناء علاقات استراتيجية مع كثير من الدول ومن ضمنها الصين وروسيا وعدم الاعتماد فقط على الولايات المتحدة من أجل تنمية بنية البلاد التحتية.